المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(6) باب ما يقال في الخطبة ورفع الصوت بها - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٢

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(3) كتاب الصلاة

- ‌(1) باب ما جاء في الأذان والإقامة

- ‌(2) باب الأذان أمان من الغارة، وما جاء في اتخاذ مُؤذِّنَينِ

- ‌(3) باب إذا سَمِعَ المؤذن قال مثل ما قال، وفضل ذلك، وما يقول بعد الأذان

- ‌(4) باب فضل الأذان وما يُصيب الشيطان عنده

- ‌(5) باب رفع اليدين في الصلاة، ومتى يرفعهما؟ وإلى أين

- ‌(6) باب التكبير في الصلاة

- ‌(7) باب ما جاء في القراءة في الصلاة وبيان أركانها

- ‌(8) باب ترك قراءة بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ في الصلاة

- ‌(9) باب حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة

- ‌(10) باب التَّشَهُّد في الصلاة

- ‌(11) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(12) باب التَّحمِيد والتَّأمِين

- ‌(13) باب إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤتَمَّ به

- ‌(14) باب استخلاف الإمام إذا مرض، وجواز ائتمام القائم بالقاعد

- ‌(15) باب العمل القليل في الصلاة لا يضرها

- ‌(16) باب إذا نَابَ الإمامَ شيءٌ فَليُسَبِّح الرجالُ وَليُصَفِّق النساءُ

- ‌(17) باب الأمر بتحسين الصلاة، والنهي عن مسابقة الإمام

- ‌(18) باب النهي عن رفع الرأس قبل الإمام، وعن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، والأمر بالسكون فيها

- ‌(19) باب الأمر بتسوية الصفوف، ومن يلي الإمام

- ‌(20) باب في صفوف النساء وخروجهن إلى المساجد

- ‌(21) باب في قوله تعالى: {وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِت بِهَا}

- ‌(22) باب القراءة في الظهر والعصر

- ‌(23) باب القراءة في الصبح

- ‌(24) باب القراءة في المغرب والعشاء

- ‌(25) باب أمر الأئمة بالتخفيف في تمام

- ‌(26) باب في اعتدال الصلاة وتقارب أركانها

- ‌(27) باب اتباع الإمام والعمل بعده

- ‌(28) باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌(29) باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود

- ‌(30) باب ما يقال في الركوع والسجود

- ‌(31) باب الترغيب في كثرة السجود، وعلى كم يسجد؟ وفيمن صلى معقوص الشعر

- ‌(32) باب كيفية السجود

- ‌(33) باب تحريمُ الصلاةِ التكبيرُ، وتحليلُها التسليمُ

- ‌(34) باب في سترة المصلي وأحكامها

- ‌(35) باب مَنع المصلي مَن مَرَّ بين يديه، والتَّغليِظ في المرور بين يدي المصلي

- ‌(36) باب دنو المصلي من سترته وما جاء فيما يقطع الصلاة

- ‌(37) باب اعتراض المرأة بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة

- ‌(38) باب الصلاة بالثوب الواحد على الحصير

- ‌(39) باب أول مسجد وضع في الأرض، وما جاء أن الأرض كلها مسجد

- ‌(40) باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(41) باب تحويل القبلة من الشام إلى الكعبة، والنهي عن بناء المساجد على القبور وعن التصاوير فيها

- ‌(42) باب ثواب من بَنَى للهِ مسجدًا

- ‌(43) باب التطبيق في الركوع وما ثبت من نسخه

- ‌(44) باب [جواز الإقعاء على العقبين]

- ‌(45) باب نسخ الكلام في الصلاة

- ‌(46) باب جواز الإشارة بالسلام في الصلاة، ولعن الشيطان

- ‌(47) باب جواز حمل الصغير في الصلاة، وجواز التقدم والتأخر، ومن صلى على موضع أرفع من موضع المأموم

- ‌(48) باب النهي عن الاختصار في الصلاة، وما يجوز من مس الحصى فيها، وما جاء في البصاق في المسجد

- ‌(49) باب الصلاة في النعلين والثوب المعلم وبحضرة الطعام

- ‌(50) باب النهي عن إتيان المساجد لمن أكل الثوم أو البصل، وإخراج من وُجد منه ريحها من المسجد

- ‌(51) باب النهي عن أن تنشد الضالَّة في المسجد

- ‌(52) باب الأمر بسجود السهو، وما جاء فيمن سها عن الجلسة الوسطى

- ‌(53) باب فيمن لم يّدرِ كم صلى

- ‌(54) باب فيمن سلَّم من اثنتين أو ثلاث

- ‌(55) باب ما جاء في سجود القرآن

- ‌(56) باب كيفية الجلوس للتشهد

- ‌(57) باب كم يسلم من الصلاة، وبأي شيء كان يعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(58) باب الاستعاذة في الصلاة من عذاب القبر وغيره

- ‌(59) باب قدر ما يقعد الإمام بعد السلام وما يقال بعده

- ‌(60) باب السكوت بين التكبير والقراءة في الركعة الأولى وما يقال فيه

- ‌(61) باب فضل التحميد في الصلاة

- ‌(62) باب إتيان الصلاة بالسكينة، ومتى تقام؟ ومتى يقام لها؟ وإتمام المسبوق

- ‌(63) باب من أدرك ركعة من فعل الصلاة أو وقتها فقد أدركها

- ‌(64) باب إذا ذكر الإمام أنه مُحدِث خرج فأمرهم بانتظاره

- ‌(65) باب أَوقَات الصَّلَوَاتِ

- ‌(66) باب الإبراد بالظهر في شدة الحر

- ‌(67) باب تعجيل الظهر بعد الإبراد وفي زمن البرد

- ‌(68) باب تعجيل صلاة العصر

- ‌(69) باب ما جاء في الصلاة الوسطى

- ‌(70) باب من فاتته صلوات كيف يقضيها

- ‌(71) باب المحافظة على الصبح والعصر

- ‌(72) باب تعجيل صلاة المغرب

- ‌(73) باب تأخير العشاء الآخرة

- ‌(74) باب التغليس بصلاة الصبح

- ‌(75) باب المنع من إخراج الصلاة عن وقتها

- ‌(76) باب صلاة الفذ جائزة، والجماعة أفضل

- ‌(77) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة والجمعة

- ‌(78) باب النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان، وفضل العشاء والصبح في جماعة

- ‌(79) باب الرخصة في التخلف عن الجماعة للعذر

- ‌(80) باب صلاة النفل في جماعة، والصلاة على البسط وإن عتقت وامتهنت

- ‌(81) باب فضل انتظار الصلاة في المسجد

- ‌(82) باب من كانت داره عن المسجد أبعد كان ثوابه في إتيانه أكثر

- ‌(83) باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات

- ‌(84) باب الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح

- ‌(85) باب في الإمامة، ومن أحق بها

- ‌(86) باب ما جاء في القنوت والدعاء للمُعَيَّنِ وعليه في الصلاة

- ‌(87) باب من نام عن صلاة أو نسيها

- ‌(88) باب من نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس فله أن يؤذن إذا كان في جماعة، ويصلي ركعتي الفجر

- ‌(89) باب ما جاء في حكم قَصرِ الصلاة في السفر

- ‌(90) باب من أين يبدأ بالقصر إذا خرج من وطنه، واستمراره على القصر ما لم ينو إقامة

- ‌(91) باب قَصر الصلاة بِمنىً

- ‌(92) باب جواز التخلف عن صلاة الجماعة والجمعة لعذر المطر

- ‌(93) باب التنفل والوتر على الراحلة في السفر

- ‌(94) باب الجمع بين الصلاتين في السفر والحضر

- ‌(95) باب الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال

- ‌(96) باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(97) باب ما يقول عند دخول المسجد، والأمر بِتحيَّتِهِ

- ‌(98) باب في صلاة الضحى

- ‌(99) باب الوصية بالضحى وأقله ركعتان

- ‌(100) باب ما جاء في ركعتي الفجر

- ‌(101) باب رواتب الفرائض وفضلها

- ‌(102) باب في صلاة النفل قائمًا وقاعدًا

- ‌(103) باب كيف صلاة الليل وكم عددها

- ‌(104) باب في صلاة الوتر

- ‌(105) باب فيمن غلب عن حزبه، وفيمن خاف أن يغلب عن وتره، وفضل طول القنوت وآخر الليل

- ‌(106) باب الترغيب في قيام رمضان وليلة القدر وكيفية القيام

- ‌(107) باب في كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، وتَبَتُّلِه ودُعَائِهِ

- ‌(108) باب ترتيل القراءة والجهر بها في صلاة الليل وتطويلها

- ‌(109) باب استغراق الليل بالنوم من آثار الشيطان

- ‌(110) باب أفضل النوافل ما صُلِّي في البيت

- ‌(111) باب أَحَبُّ العمل إلى الله أَدوَمُهُ وإن قَلَّ، وكراهية التَّعَمُّقِ والتشديد

- ‌أبواب فضائل القرآن وما يتعلق بها

- ‌(112) باب الأمر بِتَعاهُدِ القرآن، وذَمِّ من فرط فيه حتى نسي

- ‌(113) باب تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها

- ‌(114) باب إقراء النبي صلى الله عليه وسلم القرآن وتعليمه كيفية الأداء

- ‌(115) باب فضل تعلُّم القرآن وقراءته وفضل سورة البقرة وآل عمران

- ‌(116) باب فضل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة

- ‌(117) باب فضل سورة الكهف، وتنزل السكينة عند قراءتها

- ‌(118) باب فضل قراءة {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

- ‌(119) باب فضل قراءة المعوذتين

- ‌(120) باب لا حسد إلا في اثنتين، ومن يرفع بالقرآن

- ‌(121) باب إنزال القرآن على سبعة أحرف

- ‌(122) باب قراءة سورتين في ركعة من النوافل

- ‌(123) باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها

- ‌(124) باب في الركعتين بعد العصر

- ‌(125) باب الركوع بعد الغروب وقبل المغرب

- ‌(126) باب صلاة الخوف

- ‌(4) كتاب الجمعة

- ‌(1) باب فضل الغسل للجمعة وتأكيده، ومن اقتصر على الوضوء أجزأه

- ‌(2) باب فضل يوم الجمعة، والساعة التي فيه

- ‌(3) باب فضل التهجير للجمعة ووقتها

- ‌(4) باب الإنصات للخطبة وفضله

- ‌(5) باب الخطبة، والقيام لها، والجلوس بين الخطبتين، والإشارة باليد

- ‌(6) باب ما يقال في الخطبة ورفع الصوت بها

- ‌(7) باب ركوع من دخل والإمام يخطب، والتعليم في حالة الخطبة

- ‌(8) باب ما يُقرَأُ به في صلاة الجمعة، وفي صبح يومها

- ‌(9) باب ما جاء في التنفل بعد الجمعة

- ‌(10) باب التغليظ في ترك الجمعة

- ‌(5) أبواب صلاة العيدين

- ‌(1) باب الخروج إلى المصلى في العيدين، وخروج النساء

- ‌(2) باب لا صلاة قبل صلاة العيدين في المصلى، ولا أذان ولا إقامة

- ‌(3) باب الصلاة فيهما قبل الخطبة

- ‌(4) باب ما يقال في الخطبة

- ‌(5) باب ما يقرأ في صلاة العيدين

- ‌(6) باب الفرح واللعب في أيام الأعياد

- ‌(6) أبواب الاستسقاء

- ‌(1) باب الخروج إلى المصلى لصلاة الاستسقاء، وكيفية العمل فيها

- ‌(2) باب الدعاء في السُّقيَا في المسجد وبغير صلاة

- ‌(3) باب التبرك بالمطر، والفرح به، والتعوُّذ عند الريح والغيم

- ‌(7) أبواب كسوف الشمس والقمر

- ‌(1) باب الأمر بالصلاة والذكر والصدقة عند الكسوف

- ‌(2) باب كيفية العمل فيها، وأنها ركوعان في كل ركعة

- ‌(3) باب ما جاء أن في كل ركعة ثلاث ركعات

- ‌(4) باب ما جاء أن في كل ركعة أربع ركعات

- ‌(5) باب يطول سجودها كما يطول ركوعها

- ‌(6) باب ما جاء أن صلاة الكسوف ركعتان كسائر النوافل

- ‌(7) باب شهود النساء صلاة الكسوف

- ‌(8) كتاب الجنائز

- ‌(1) باب تلقين الموتى، وما يقال عند المصيبة، وعند حضور المرضى والموتى

- ‌(2) باب في إغماض الميت، والدعاء له

- ‌(3) باب ما جاء في البكاء على الميت، وعنده

- ‌(4) باب في عيادة المريض، والصبر عند الصدمة الأولى

- ‌(5) باب ما جاء أن الميت ليعذبُ ببكاءِ الحَيِّ عليه

- ‌(6) باب التشديد في النياحة، وما جاء في اتباع الجنائز

- ‌(7) باب الأمر بغسل الميت وكيفيته

- ‌(8) باب في تكفين الميت وتسجيته، والأمر بتحسين الكفن

- ‌(9) باب الإسراع بالجنازة، وفضل الصلاة عليها، واتباعها

- ‌(10) باب الاستشفاع للميت، وأن الثناء عليه شهادة له، وأنه مستريح ومستراح منه

- ‌(11) باب الأمر بالصلاة على الميت، وكيفية الصلاة عليه، وكم التكبيرات

- ‌(12) باب الدعاء للميت، وأين يقوم الإمام من المرأة

- ‌(13) باب ما جاء في الصلاة على القبر

- ‌(14) باب الأمر بالقيام للجنازة ونسخه

- ‌(15) باب ركوب المتبع للجنازة إذا انصرف منها

- ‌(16) باب في كيفية القبور وكراهية تجصيصها والبناء عليها، وهل يجعل في القبر شيء

- ‌(17) باب النهي عن الجلوس على القبور والصلاة إليها

- ‌(18) باب الصلاة على الميت في المسجد

- ‌(19) باب زيارة القبور والتسليم عليها، والدعاء والاستغفار للموتى

- ‌(20) باب من لا يصلى عليه

- ‌(21) باب النهي عن تمني الموت لضر نزل به

- ‌(22) باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

الفصل: ‌(6) باب ما يقال في الخطبة ورفع الصوت بها

(6) باب ما يقال في الخطبة ورفع الصوت بها

[739]

- عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ الله، قَالَ: كَانَت خُطبَةُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَومَ الجُمُعَةِ؛ يَحمَدُ الله، وَيُثنِي عَلَيهِ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثرِ ذَلِكَ، وَقَد عَلا صَوتُهُ وَاشتَدَّ غَضَبُهُ - في رواية: واحمَرَّت عَينَاهُ - حَتَّى كَأَنَّهُ مُنذِرُ جَيشٍ، يَقُولُ: صَبَّحَكُم وَمَسَّاكُم، وَيَقُولُ: بُعِثتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَينِ وَيَقرُنُ بَينَ إِصبَعَيهِ

ــ

(6)

ومن باب: ما يقال في الخطبة

كونه صلى الله عليه وسلم تحمرُّ عيناه، ويعلو صوته، ويشتدّ غضبه في حال خطبته؛ كان هذا منه في أحوال، وهذا مُشعر بأن الواعظ حقُّه أن يكون منه في وعظه بحسب الفصل الذي يتكلم فيه ما يطابقه، حتى لا يأتي بالشيء وضده ظاهر عليه، وأما اشتداد غضبه؛ فيحتمل أن يكون عند نهيه عن أمر خولف فيه، أو يريد أن صفته صفة الغضبان.

ومُنذر الجيش: هو المخبر بجيش العدو الذي يخوف به.

وقوله صلى الله عليه وسلم: بُعثت أنا والساعة كهاتين: قيّدناه بالفتح، والضم. فأما الفتح؛ فهو على المفعول معه، والرفع على أنه معطوف على التاء في بُعثت، وفصل بينهما بـ أنا توكيدًا للضمير؛ على ما هو الأحسن عند النحويين، وقد اختار بعضهم النصب بناءً على أن التشبيه وقع بملاصقة الأصبعين واتصالهما، واختار آخرون الرفع بناءً على أن التشبيه وقع بالتفاوت الذي بين رؤوسهما، ويعني أن ما بين زمان النبي صلى الله عليه وسلم وقيام الساعة قريب؛ كقرب السَّبابة من الوسطى، وهذا أوقع. والله أعلم.

ص: 506

السَّبَّابَةِ وَالوُسطَى وَيَقُولُ: أَمَّا بَعدُ؛ فَإِنَّ خَيرَ الحَدِيثِ كِتَابُ الله، وَخَيرُ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ،

ــ

وقد جاء من حديث سهل عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: سبقتُها بما سبقت هذه هذه (1)؛ يعني الوسطى والسبابة.

وقوله: أما: كلمة تفصل ما بعدها عما قبلها، وهي حرف متضمن للشرط، ولذلك تدخل الفاء في جوابها، وقدَّرها النحويون بـ مهما. وبعد: ظرف زماني قُطع عن الإضافة مع كونها مرادة، فبُني على الضم، وخُصَّ بالضم؛ لأنه حركة ليست له في حال إعرابه، والعامل فيه ما تضمنه أما من معنى الشرط، فإن معناه: مهما يكن من شيء بعد حمد الله فكذا. والله أعلم. وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: {وَآتَينَاهُ الحِكمَةَ وَفَصلَ الخِطَابِ} أنه قوله: أما بعد.

وقوله: خير الهدي هدي محمد: روي: الهدى: بضم الهاء، وفتح الدال فيهما، وبفتح الهاء، وسكون الدال فيهما، وهما من أصل فعل واحد من الهداية، وهي الدّلالة والإرشاد. والهَدي في مستعمل (2) العرف هَديان: هَدي دلالة وإرشاد، وهو الذي يضاف إلى الرسل والكتب؛ كما قال تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهدِي إِلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ، وفي القرآن:{هُدًى لِلمُتَّقِينَ} والهَدي الثاني: بمعنى التأييد والعصمة من تأثير الذنوب، والتوفيق، وهذا هو الهَدي الذي لا ينسب إلا لله تعالى، وهو المراد بقوله تعالى: إِنَّكَ لَا تَهدِي مَن أَحبَبتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهدِي مَن يَشَاءُ، وحملت القدرية هذا الهدي على البيان بناءً على أصلهم الفاسد في القدر، كما قدمناه في أول كتاب الإيمان، ويردُّ

(1) رواه الترمذي (2213) من حديث المستورد بن شداد.

(2)

في (ع): استعمال.

ص: 507

وَشَرُّ الأُمُورِ مُحدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدعَةٍ ضَلالَةٌ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا أَولَى بِكُلِّ مُؤمِنٍ مِن نَفسِهِ، مَن تَرَكَ مَالا فَلأَهلِهِ،

ــ

عليهم قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ} ففرق بين الدلالة والهداية، ولهذا موضعٌ يُعرف فيه، قال أبو عبيد: الهَديُ بفتح الهاء وإسكان الدال: هو الطريق، فهَديُ محمد: طريقه؛ كما يقال: فلان حسن الهَدي؛ أي المذهب في الأمور كلها والسيرة، ومنه: اهتدوا بهدي عمار (1).

وقوله: شر الأمور محدثاتها: يعني: المحدثات التي ليس لها في الشريعة أصل يشهد لها بالصحة والجواز، وهي المسمّاة بالبدع؛ ولذلك حكم عليها بأن كل بدعة ضلالة. وحقيقة البدعة: ما ابتُدئ وافتُتح من غير أصل شرعي، وهي التي قال فيها صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردّ (2).

وقوله: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه؛ أي: أقرب له من نفسه، أو أحق به منها، ثم فسر وجهه بقوله: من ترك مالا فلأهله، ومن ترك دينًا أو ضياعًا فإليّ وعليّ. وبيانه: أنه إذا ترك دينا أو ضياعًا ولم يقدر على أن يُخلِّص نفسه منه؛ إذ لم يترك شيئًا يسدُّ به ذلك، ثم يخلّصه النبي صلى الله عليه وسلم بقيامه به عنه، أو سدّ ضيعته؛ كان أولى به من نفسه؛ إذ قد (3) فعل معه ما لم يفعل هو بنفسه. والله تعالى أعلم.

وأما رواية من رواه: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، في غير الأصل فيحتمل أن يحمل على ذلك، ويحتمل أن يكون معناه: أنا أولى بالمؤمنين من

(1) رواه أحمد (5/ 399)، والترمذي (3857) من حديث ابن مسعود.

(2)

رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718)، وأبو داود (4606)، وابن ماجه (14) من حديث عائشة.

(3)

ساقط من (ع).

ص: 508

وَمَن تَرَكَ دَينًا أَو ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ.

وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ يَخطُبُ النَّاسَ؛ يَحمَدُ الله وَيُثنِي عَلَيهِ بِمَا هُوَ أَهلُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: مَن يَهدِهِ الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَن يُضلِل فَلا هَادِيَ لَهُ، وَخَيرُ الحَدِيثِ كِتَابُ الله. . . وسَاقَ الحَدِيثَ.

رواه مسلم (867)(43 و 45)، والنسائي (3/ 188 - 189).

[740]

- وعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ في مُخَاطَبَته ضِمَادًا: إِنَّ الحَمدَ لِلَّهِ، نَحمَدُهُ وَنَستَعِينُهُ، مَن يَهدِهِ الله فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَن يُضلِل فَلا هَادِيَ لَهُ. أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلا الله وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعدُ. . .، وَسَيَأتِي بِكَمَالِهِ.

رواه أحمد (1/ 302)، ومسلم (868)، والنسائي (6/ 89 - 90)، وابن ماجه (1893).

ــ

بعضهم لبعض؛ كما قال تعالى: أَنِ اقتُلُوا أَنفُسَكُم؛ أي ليقتل بعضكم بعضًا، في أشهر أقوال المفسرين.

والضياع: العيال؛ قاله النضر بن شُمَيل، وقال ابن قتيبة: هو مصدر ضاع يضيع، ضياعًا، ومثله: مضى يمضي، مضاءً، وقضى يقضي قضاءً، أراد: من ترك عيالا (1) عالة أو أطفالا، فجاء بالمصدر موضع الاسم؛ كما تقول: ترك فقرًا؛ أي: فقراء. والضياع بالكسر: جمع ضائع؛ مثل: جائع وجياع، وضيعة الرجل أيضًا: ما يكون منه معاشه؛ من صناعة أو غلة؛ قاله الأزهري. وقال شمر: ويدخل فيه: التجارة والحرفة، يقال: ما ضيعتك؟ فتقول: كذا.

(1) من (هـ) و (ظ).

ص: 509

[741]

- وعَن عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ: أَنَّ رَجُلا خَطَبَ عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَد رَشَدَ، وَمَن يَعصِهِمَا فَقَد غَوَى. فَقَالَ

ــ

قلت: وهذا الكلام إنما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حين رفع ما كان قرّر من امتناعه من الصلاة على من مات وعليه دين لم يترك له وفاء؛ كما قاله أبو هريرة: كان النبى صلى الله عليه وسلم يؤتى بالميت عليه الدين، فيسأل: هل ترك لدينه وفاء؟ فإن قيل: إنه ترك وفاء صلى عليه، وإن قالوا: لا؛ قال: صلوا على صاحبكم. قال: فلما فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من توفي فترك دينًا، فعلي، ومن ترك مالا فلورثته (1).

قال القاضي: وهذا مما يلزم الأئمة من الفرض في مال الله تعالى للذرية وأهل الحاجة، والقيام بهم وقضاء ديون محتاجيهم.

وقوله للخطيب الذي قال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى: ظاهره: أنه أنكر عليه جمع اسم الله واسم رسوله صلى الله عليه وسلم في ضمير واحد، ويعارضه ما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال في خطبته: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضرّ إلا نفسه (2). وفي حديث أنس: ومن يعصهما فقد غوى (3). وهما صحيحان، ويعارضه أيضًا قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} فجمع بين ضمير اسم الله وملائكته، ولهذه المعارضة صرف بعض القُرَّاء هذا الذّم إلى أن ذلك الخطيب وقف على: ومن يعصهما، وهذا تأويل لم تساعده الرواية؛ فإن

(1) رواه أحمد (2/ 399)، والبخاري (2298)، ومسلم (1619)، وأبو داود (2955)، والترمذي (2091).

(2)

رواه أبو داود (2119).

(3)

رواه أبو داود (1098).

ص: 510

رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: بِئسَ الخَطِيبُ أَنتَ، قُل: وَمَن يَعصِ الله وَرَسُولَهُ.

رواه أحمد (4/ 256)، ومسلم (870)، وأبو داود (1099)، والنسائي (6/ 90).

ــ

الرواية الصحيحة أنه أتى باللفظين في مساق واحد، وأن آخر كلامه إنما هو: فقد غوى. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم ردّ عليه وعلّمه صواب ما أخلّ به، فقال: قل: ومن يعص الله ورسوله فقد غوى؛ فظهر أن ذمّه له إنما كان على الجمع بين الاسمين في الضمير، وحينئذ يتوجه الإشكال، ونتخلّص عنه من أوجه:

أحدها: أن المتكلم لا يدخل تحت خطاب نفسه إذا وجّهه لغيره، فقوله صلى الله عليه وسلم: بئس الخطيب أنت منصرف لغير النبي صلى الله عليه وسلم لفظًا ومعنى.

وثانيها: أن إنكاره صلى الله عليه وسلم على ذلك الخطيب يحتمل أن يكون كأن هناك من يتوهم التسوية من جمعهما في الضمير الواحد، فمنع ذلك لأجله، وحيث عُدِمَ ذلك جاز الإطلاق.

وثالثها: أن ذلك الجمع تشريف، ولله تعالى أن يُشرف من شاء بما شاء، ويمنع من مثل (1) ذلك للغير؛ كما قد أقسم بكثير من المخلوقات، ومنعنا من القسم بها، فقال سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسلِيمًا، وكذلك (2) أذن لنبيه صلى الله عليه وسلم في إطلاق مثل ذلك، ومنع منه الغير على لسان نبيه.

ورابعها: أن العمل بخبر المنع أولى لأوجه؛ لأنه تقعيد قاعدة، والخبر

(1) ساقط من (ع).

(2)

فى (ع): وكان.

ص: 511

[742]

- وعَن صَفوَانَ بنِ يَعلَى، عَن أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقرَأُ عَلَى المِنبَرِ:{وَنَادَوا يَا مَالِكُ}

رواه أحمد (4/ 223)، والبخاري (3230)، ومسلم (871)، وأبو داود (3992)، والترمذي (508).

[743]

- وعَن عَمرَةَ بِنتِ عَبدِ الرَّحمَنِ، عَن أُختٍ لِعَمرَةَ، قَالَت: أَخَذتُ ق وَالقُرآنِ المَجِيدِ مِن فِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَومَ الجُمُعَةِ، وَهُوَ يَقرَأُ بِهَا عَلَى المِنبَرِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ.

رواه أحمد (6/ 436)، ومسلم (873)(52)، وأبو داود (1100)، والنسائي (3/ 107).

* * *

ــ

الآخر يحتمل الخصوص، كما قررناه؛ ولأن لهذا الخبر ناقل، والآخر مُبقىً على الأصل؛ فكان الأول أولى؛ ولأنه قول، والثاني فعل؛ فكان أولى. والله أعلم.

وقوله: إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على المنبر: {وَنَادَوا يَا مَالِكُ} : يحتمل: أن يكون أراد الآية وحدها، أو السورة كلها، ونبّه ببعضها عليها؛ كما يقال: قرأت: الحمد لله. وفي قراءته صلى الله عليه وسلم هذه الآية وسورة (ق) دليل على صحة استحباب مالك قراءة شيء من القرآن في الخطبة، وخص هذه الآية، وسورة (ق)؛ لما تضمنته من المواعظ والزجر والتحذير.

* * *

ص: 512