الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(4) باب فضل الأذان وما يُصيب الشيطان عنده
[304]
- عَن مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: المُؤَذِّنُونَ أَطوَلُ النَّاسِ أَعنَاقًا يَومَ القِيَامَةِ.
رواه مسلم (387).
ــ
(4)
ومن باب: فضل الأذان
قوله المؤذنون أطول الناس أعناقًا اختلف في تأويله؛ فقيل: معناه أطول الناس تَشَوُّفًا إلى رحمة الله تعالى وثوابه؛ لأن المتشوِّف يطيل عنقه لما يتشوَّف إليه. وقال النضر بن شُمَيل: إذا ألجم الناس العرق طالت أعناقهم لئلا يغشاهم ذلك الكرب. وقيل: معناه أنهم رؤساء، والعرب تصف السادة بطول الأعناق، قال الشاعر (1):
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
…
وطول أَنصِيَةِ الأعناق واللُّمَمِ (2)
وقيل: أكثر أتباعًا. وقال ابن الأعرابي: أكثر أعمالا. وفي الحديث: يخرج من النار عنق (3). ويقال: لفلان عُنُق من الخير - أي: قطعة منه. والعَنَقُ - بفتح العين والنون - ضَربٌ من السِّير، ومنه: لا يزال الرجل مُعنقًا (4) ما لم يصب دمًا حرامًا (5).
(1) قال ابن بري: هو لليلى الأخيلية، وقيل: للشمردل.
(2)
هذا عجز البيت، وصدره: يُشَبِّهُونَ سُيُوفًا في صَرائمهم.
وورد في اللسان:
يُشَبِّهُونَ مُلُوكًا فِي تَجِلَّتِهمْ
…
وَطُولِ أَنْصِيَةِ الأعْنَاقِ وَالأُممِ
(3)
رواه الترمذي (2577) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
أي: منبسطًا في سيره، خفيف الظهر، يُعْنِق في مشيه سير المُخِفِّ.
(5)
رواه أبو داود (4270) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.
[305]
- وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ أَدبَرَ الشَّيطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لا يَسمَعَ التَّأذِينَ، فَإِذَا قُضِيَ التَّأذِينُ أَقبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ أَدبَرَ،
ــ
وقد احتجّ بهذا الحديث من رأى أن فضيلة الأذان أكثر من فضيلة الإمامة، واعتذر عن كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤذِّن لما يشتمل عليه الأذان من الشهادة بالرسالة، وقيل: إنما ترك الأذان لما فيه من الحيعلة، وهي أمر، فكان لا يسع أحدًا ممن سمعه التأخر وإن كان له حاجة وضرورة. وقيل: لأنه كان النبي صلى الله عليه وسلم في شغل عنه بأمور المسلمين، وهذا هو الصحيح، وقد صرَّح بذلك عمر فقال: لولا الخِلِّيفَى - أي الخلافة - لأذَّنت (1).
وقوله في الأم (2) أدبر الشيطان له حُصاص (3) هو الضُّراط، كما فسره في هذه الرواية. وقيل: إنه شدةُ العدو - قالهما أبو عبيد. وقال عاصم بن أبي النَّجود: إذا ضرب بأذنيه ومصع بذنبه وعدا فذلك الحُصاص، وهذا يصح حمله على ظاهره؛ إذ هو جسم مُغتَذٍ يصح منه خروج الريح. وقيل: إنه عبارة عن شدة الغيظ والنّفار، وذلك لما يسمع من ظهور الإسلام ودخولهم فيه وامتثالهم أوامره، كما يعتريه يوم عرفة لما رأى من اجتماع الناس على البر والتقوى ولما يتنزل عليهم من الرحمة.
وقوله حتى إذا ثُوِّب بالصلاة أدبر؛ أي أقيمت، وأصله أنه رجع إلى ما يشبه الأذان، أو لأن الإقامة يُرجع إليها ويكرر على ما تقدم، وأصله من ثاب إلى الشيء إذا رجع، ومنه قيل لقول المؤذن الصلاة خير من النوم تثويب. وقال
(1) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 224) بلفظ: لو أطقت الأذان مع الخِلِّيفى لأذَّنت.
ولفظ المصنِّف في لسان العرب مادة (خلف).
(2)
أي: أصل صحيح مسلم برقم (389)"18".
(3)
في هامش (ل): حُصاص: بالمهملات.
حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثوِيبُ أَقبَلَ حَتَّى يَخطُرَ بَينَ المَرءِ وَنَفسِهِ؛ يَقُولُ لَهُ: اذكُر كَذَا، وَاذكُر كَذَا! لِمَا لَم يَكُن يَذكُرُ مِن قَبلُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إن يَدرِي كَم صَلَّى.
ــ
الخطابي: التثويب الإعلام بالشيء ووقوعه، وأصله أن الرجل إذا جاء فزِعًا لوّح بثوبه.
وقوله حتى يخطر بين المرء ونفسه، قال الباجي: يمرّ فيحول بين المرء وما يريد من نفسه من إقباله على صلاته وإخلاصه، وهو على رواية أكثرهم بضم الطاء، وعن أبي بحر يخطِر بكسرها؛ من قولهم خطر البعير بذنبه إذا حرّكه، فكأنه يريد حركته بوسوسة النفس وشغل السِّرّ.
وقوله حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى، هذه الرواية التي أثبتناها هي الواضحة، وهي يَظَلّ بالظاء المُشَالَة؛ بمعنى يصير، كما قال: ظَلَّ وَجهُهُ مُسوَدًّا، وقيل: معناه يبقى ويدوم، وأنشدوا عليه:
. . . . . . . . . . . . . . . . . .
…
ظَلِلتُ ردائي فوق رأسي قاعدًا
وحكى الدَّاوُدي أنه رُوي يضل بالضاد؛ بمعنى ينسى ويذهب، قال الله عز وجل:{أَن تَضِلَّ إِحدَاهُمَا}
وقوله إن يدري كم صلى بالكسر؛ بمعنى ما يدري، ويُروى أن يدري بفتحها، وهي رواية أبي عمر بن عبد البر، وقال: هي رواية أكثرهم. قال: ومعناها لا يدري. وكذا ضبطها الأصيلي في كتاب البخاري أن بالفتح، وليست هذه الرواية بشيء إلا مع رواية الضاد، فتكون أن مع الفعل بتأويل المصدر، ومفعول ضل أن بإسقاط حرف الجر؛ أي: يضل عن درايته وينسى عدد ركعاته، وهذا أيضًا فيه بُعد.