المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(5) باب الخطبة، والقيام لها، والجلوس بين الخطبتين، والإشارة باليد - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٢

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(3) كتاب الصلاة

- ‌(1) باب ما جاء في الأذان والإقامة

- ‌(2) باب الأذان أمان من الغارة، وما جاء في اتخاذ مُؤذِّنَينِ

- ‌(3) باب إذا سَمِعَ المؤذن قال مثل ما قال، وفضل ذلك، وما يقول بعد الأذان

- ‌(4) باب فضل الأذان وما يُصيب الشيطان عنده

- ‌(5) باب رفع اليدين في الصلاة، ومتى يرفعهما؟ وإلى أين

- ‌(6) باب التكبير في الصلاة

- ‌(7) باب ما جاء في القراءة في الصلاة وبيان أركانها

- ‌(8) باب ترك قراءة بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ في الصلاة

- ‌(9) باب حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة

- ‌(10) باب التَّشَهُّد في الصلاة

- ‌(11) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(12) باب التَّحمِيد والتَّأمِين

- ‌(13) باب إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤتَمَّ به

- ‌(14) باب استخلاف الإمام إذا مرض، وجواز ائتمام القائم بالقاعد

- ‌(15) باب العمل القليل في الصلاة لا يضرها

- ‌(16) باب إذا نَابَ الإمامَ شيءٌ فَليُسَبِّح الرجالُ وَليُصَفِّق النساءُ

- ‌(17) باب الأمر بتحسين الصلاة، والنهي عن مسابقة الإمام

- ‌(18) باب النهي عن رفع الرأس قبل الإمام، وعن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، والأمر بالسكون فيها

- ‌(19) باب الأمر بتسوية الصفوف، ومن يلي الإمام

- ‌(20) باب في صفوف النساء وخروجهن إلى المساجد

- ‌(21) باب في قوله تعالى: {وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِت بِهَا}

- ‌(22) باب القراءة في الظهر والعصر

- ‌(23) باب القراءة في الصبح

- ‌(24) باب القراءة في المغرب والعشاء

- ‌(25) باب أمر الأئمة بالتخفيف في تمام

- ‌(26) باب في اعتدال الصلاة وتقارب أركانها

- ‌(27) باب اتباع الإمام والعمل بعده

- ‌(28) باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌(29) باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود

- ‌(30) باب ما يقال في الركوع والسجود

- ‌(31) باب الترغيب في كثرة السجود، وعلى كم يسجد؟ وفيمن صلى معقوص الشعر

- ‌(32) باب كيفية السجود

- ‌(33) باب تحريمُ الصلاةِ التكبيرُ، وتحليلُها التسليمُ

- ‌(34) باب في سترة المصلي وأحكامها

- ‌(35) باب مَنع المصلي مَن مَرَّ بين يديه، والتَّغليِظ في المرور بين يدي المصلي

- ‌(36) باب دنو المصلي من سترته وما جاء فيما يقطع الصلاة

- ‌(37) باب اعتراض المرأة بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة

- ‌(38) باب الصلاة بالثوب الواحد على الحصير

- ‌(39) باب أول مسجد وضع في الأرض، وما جاء أن الأرض كلها مسجد

- ‌(40) باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(41) باب تحويل القبلة من الشام إلى الكعبة، والنهي عن بناء المساجد على القبور وعن التصاوير فيها

- ‌(42) باب ثواب من بَنَى للهِ مسجدًا

- ‌(43) باب التطبيق في الركوع وما ثبت من نسخه

- ‌(44) باب [جواز الإقعاء على العقبين]

- ‌(45) باب نسخ الكلام في الصلاة

- ‌(46) باب جواز الإشارة بالسلام في الصلاة، ولعن الشيطان

- ‌(47) باب جواز حمل الصغير في الصلاة، وجواز التقدم والتأخر، ومن صلى على موضع أرفع من موضع المأموم

- ‌(48) باب النهي عن الاختصار في الصلاة، وما يجوز من مس الحصى فيها، وما جاء في البصاق في المسجد

- ‌(49) باب الصلاة في النعلين والثوب المعلم وبحضرة الطعام

- ‌(50) باب النهي عن إتيان المساجد لمن أكل الثوم أو البصل، وإخراج من وُجد منه ريحها من المسجد

- ‌(51) باب النهي عن أن تنشد الضالَّة في المسجد

- ‌(52) باب الأمر بسجود السهو، وما جاء فيمن سها عن الجلسة الوسطى

- ‌(53) باب فيمن لم يّدرِ كم صلى

- ‌(54) باب فيمن سلَّم من اثنتين أو ثلاث

- ‌(55) باب ما جاء في سجود القرآن

- ‌(56) باب كيفية الجلوس للتشهد

- ‌(57) باب كم يسلم من الصلاة، وبأي شيء كان يعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(58) باب الاستعاذة في الصلاة من عذاب القبر وغيره

- ‌(59) باب قدر ما يقعد الإمام بعد السلام وما يقال بعده

- ‌(60) باب السكوت بين التكبير والقراءة في الركعة الأولى وما يقال فيه

- ‌(61) باب فضل التحميد في الصلاة

- ‌(62) باب إتيان الصلاة بالسكينة، ومتى تقام؟ ومتى يقام لها؟ وإتمام المسبوق

- ‌(63) باب من أدرك ركعة من فعل الصلاة أو وقتها فقد أدركها

- ‌(64) باب إذا ذكر الإمام أنه مُحدِث خرج فأمرهم بانتظاره

- ‌(65) باب أَوقَات الصَّلَوَاتِ

- ‌(66) باب الإبراد بالظهر في شدة الحر

- ‌(67) باب تعجيل الظهر بعد الإبراد وفي زمن البرد

- ‌(68) باب تعجيل صلاة العصر

- ‌(69) باب ما جاء في الصلاة الوسطى

- ‌(70) باب من فاتته صلوات كيف يقضيها

- ‌(71) باب المحافظة على الصبح والعصر

- ‌(72) باب تعجيل صلاة المغرب

- ‌(73) باب تأخير العشاء الآخرة

- ‌(74) باب التغليس بصلاة الصبح

- ‌(75) باب المنع من إخراج الصلاة عن وقتها

- ‌(76) باب صلاة الفذ جائزة، والجماعة أفضل

- ‌(77) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة والجمعة

- ‌(78) باب النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان، وفضل العشاء والصبح في جماعة

- ‌(79) باب الرخصة في التخلف عن الجماعة للعذر

- ‌(80) باب صلاة النفل في جماعة، والصلاة على البسط وإن عتقت وامتهنت

- ‌(81) باب فضل انتظار الصلاة في المسجد

- ‌(82) باب من كانت داره عن المسجد أبعد كان ثوابه في إتيانه أكثر

- ‌(83) باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات

- ‌(84) باب الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح

- ‌(85) باب في الإمامة، ومن أحق بها

- ‌(86) باب ما جاء في القنوت والدعاء للمُعَيَّنِ وعليه في الصلاة

- ‌(87) باب من نام عن صلاة أو نسيها

- ‌(88) باب من نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس فله أن يؤذن إذا كان في جماعة، ويصلي ركعتي الفجر

- ‌(89) باب ما جاء في حكم قَصرِ الصلاة في السفر

- ‌(90) باب من أين يبدأ بالقصر إذا خرج من وطنه، واستمراره على القصر ما لم ينو إقامة

- ‌(91) باب قَصر الصلاة بِمنىً

- ‌(92) باب جواز التخلف عن صلاة الجماعة والجمعة لعذر المطر

- ‌(93) باب التنفل والوتر على الراحلة في السفر

- ‌(94) باب الجمع بين الصلاتين في السفر والحضر

- ‌(95) باب الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال

- ‌(96) باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(97) باب ما يقول عند دخول المسجد، والأمر بِتحيَّتِهِ

- ‌(98) باب في صلاة الضحى

- ‌(99) باب الوصية بالضحى وأقله ركعتان

- ‌(100) باب ما جاء في ركعتي الفجر

- ‌(101) باب رواتب الفرائض وفضلها

- ‌(102) باب في صلاة النفل قائمًا وقاعدًا

- ‌(103) باب كيف صلاة الليل وكم عددها

- ‌(104) باب في صلاة الوتر

- ‌(105) باب فيمن غلب عن حزبه، وفيمن خاف أن يغلب عن وتره، وفضل طول القنوت وآخر الليل

- ‌(106) باب الترغيب في قيام رمضان وليلة القدر وكيفية القيام

- ‌(107) باب في كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، وتَبَتُّلِه ودُعَائِهِ

- ‌(108) باب ترتيل القراءة والجهر بها في صلاة الليل وتطويلها

- ‌(109) باب استغراق الليل بالنوم من آثار الشيطان

- ‌(110) باب أفضل النوافل ما صُلِّي في البيت

- ‌(111) باب أَحَبُّ العمل إلى الله أَدوَمُهُ وإن قَلَّ، وكراهية التَّعَمُّقِ والتشديد

- ‌أبواب فضائل القرآن وما يتعلق بها

- ‌(112) باب الأمر بِتَعاهُدِ القرآن، وذَمِّ من فرط فيه حتى نسي

- ‌(113) باب تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها

- ‌(114) باب إقراء النبي صلى الله عليه وسلم القرآن وتعليمه كيفية الأداء

- ‌(115) باب فضل تعلُّم القرآن وقراءته وفضل سورة البقرة وآل عمران

- ‌(116) باب فضل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة

- ‌(117) باب فضل سورة الكهف، وتنزل السكينة عند قراءتها

- ‌(118) باب فضل قراءة {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

- ‌(119) باب فضل قراءة المعوذتين

- ‌(120) باب لا حسد إلا في اثنتين، ومن يرفع بالقرآن

- ‌(121) باب إنزال القرآن على سبعة أحرف

- ‌(122) باب قراءة سورتين في ركعة من النوافل

- ‌(123) باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها

- ‌(124) باب في الركعتين بعد العصر

- ‌(125) باب الركوع بعد الغروب وقبل المغرب

- ‌(126) باب صلاة الخوف

- ‌(4) كتاب الجمعة

- ‌(1) باب فضل الغسل للجمعة وتأكيده، ومن اقتصر على الوضوء أجزأه

- ‌(2) باب فضل يوم الجمعة، والساعة التي فيه

- ‌(3) باب فضل التهجير للجمعة ووقتها

- ‌(4) باب الإنصات للخطبة وفضله

- ‌(5) باب الخطبة، والقيام لها، والجلوس بين الخطبتين، والإشارة باليد

- ‌(6) باب ما يقال في الخطبة ورفع الصوت بها

- ‌(7) باب ركوع من دخل والإمام يخطب، والتعليم في حالة الخطبة

- ‌(8) باب ما يُقرَأُ به في صلاة الجمعة، وفي صبح يومها

- ‌(9) باب ما جاء في التنفل بعد الجمعة

- ‌(10) باب التغليظ في ترك الجمعة

- ‌(5) أبواب صلاة العيدين

- ‌(1) باب الخروج إلى المصلى في العيدين، وخروج النساء

- ‌(2) باب لا صلاة قبل صلاة العيدين في المصلى، ولا أذان ولا إقامة

- ‌(3) باب الصلاة فيهما قبل الخطبة

- ‌(4) باب ما يقال في الخطبة

- ‌(5) باب ما يقرأ في صلاة العيدين

- ‌(6) باب الفرح واللعب في أيام الأعياد

- ‌(6) أبواب الاستسقاء

- ‌(1) باب الخروج إلى المصلى لصلاة الاستسقاء، وكيفية العمل فيها

- ‌(2) باب الدعاء في السُّقيَا في المسجد وبغير صلاة

- ‌(3) باب التبرك بالمطر، والفرح به، والتعوُّذ عند الريح والغيم

- ‌(7) أبواب كسوف الشمس والقمر

- ‌(1) باب الأمر بالصلاة والذكر والصدقة عند الكسوف

- ‌(2) باب كيفية العمل فيها، وأنها ركوعان في كل ركعة

- ‌(3) باب ما جاء أن في كل ركعة ثلاث ركعات

- ‌(4) باب ما جاء أن في كل ركعة أربع ركعات

- ‌(5) باب يطول سجودها كما يطول ركوعها

- ‌(6) باب ما جاء أن صلاة الكسوف ركعتان كسائر النوافل

- ‌(7) باب شهود النساء صلاة الكسوف

- ‌(8) كتاب الجنائز

- ‌(1) باب تلقين الموتى، وما يقال عند المصيبة، وعند حضور المرضى والموتى

- ‌(2) باب في إغماض الميت، والدعاء له

- ‌(3) باب ما جاء في البكاء على الميت، وعنده

- ‌(4) باب في عيادة المريض، والصبر عند الصدمة الأولى

- ‌(5) باب ما جاء أن الميت ليعذبُ ببكاءِ الحَيِّ عليه

- ‌(6) باب التشديد في النياحة، وما جاء في اتباع الجنائز

- ‌(7) باب الأمر بغسل الميت وكيفيته

- ‌(8) باب في تكفين الميت وتسجيته، والأمر بتحسين الكفن

- ‌(9) باب الإسراع بالجنازة، وفضل الصلاة عليها، واتباعها

- ‌(10) باب الاستشفاع للميت، وأن الثناء عليه شهادة له، وأنه مستريح ومستراح منه

- ‌(11) باب الأمر بالصلاة على الميت، وكيفية الصلاة عليه، وكم التكبيرات

- ‌(12) باب الدعاء للميت، وأين يقوم الإمام من المرأة

- ‌(13) باب ما جاء في الصلاة على القبر

- ‌(14) باب الأمر بالقيام للجنازة ونسخه

- ‌(15) باب ركوب المتبع للجنازة إذا انصرف منها

- ‌(16) باب في كيفية القبور وكراهية تجصيصها والبناء عليها، وهل يجعل في القبر شيء

- ‌(17) باب النهي عن الجلوس على القبور والصلاة إليها

- ‌(18) باب الصلاة على الميت في المسجد

- ‌(19) باب زيارة القبور والتسليم عليها، والدعاء والاستغفار للموتى

- ‌(20) باب من لا يصلى عليه

- ‌(21) باب النهي عن تمني الموت لضر نزل به

- ‌(22) باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

الفصل: ‌(5) باب الخطبة، والقيام لها، والجلوس بين الخطبتين، والإشارة باليد

(5) باب الخطبة، والقيام لها، والجلوس بين الخطبتين، والإشارة باليد

[731]

- عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ الله: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخطُبُ قَائِمًا يَومَ

ــ

(5)

ومن باب: الخطبة والقيام لها (1)

قوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا: هكذا سنّة الخطبة ليكون أبلغ في الإسماع؛ كالمؤذن [عند الجمهور](2)، إلا أن تدعوه حاجة من ضعف أو غيره. وقد حُكي عن أبي حنيفة: أنه لا يرى القيام لها مشروعًا. حكاه ابن القصار، بل هو عنده مُباح. ثم اختلف (3) في مشروعيته؛ هل هو شرط في صحة الخطبة والجمعة أم لا؟ فذهب الشافعي إلى أنه شرطٌ إلا مع العذر، ومذهبنا: أنه ليس من شروط الصحة للخطبة ولا للجمعة، ومن تركه أساء ولا شيء عليه. وقد روي: أن أول من خطب جالسًا معاوية لما ثقل.

واختُلف في الخطبة: هل هي شرط في صحة الجمعة أم لا؟

فكافة العلماء على أنها شرط، وشذّ الحسنُ، فرأى أن الصلاة تجزئ دونها، وتابعه أهل الظاهر في هذا، وحكاه ابن الماجشون عن مالك. ثم اختلف هؤلاء: هل هي فرض، أو سنة؟ واضطربت الروايات عن أصحابنا في ذلك، ثم

(1) ورد قبل هذا الباب بابٌ عنوانه: "الإنصات للخطبة وفضله"، ومرَّ شرحُه في الباب الأول رقم الحديث (1019).

(2)

ساقط من (ع) واستدرك من (ظ) و (هـ).

(3)

في (ع): اختلفوا.

ص: 498

الجُمُعَةِ، فَجَاءَت عِيرٌ مِنَ الشَّامِ، فَانفَتَلَ النَّاسُ إِلَيهَا، حَتَّى لَم يَبقَ إِلا اثنَا عَشَرَ رَجُلا - وفي رواية: فِيهِم أَبُو بَكر وَعُمَر - فَأُنزِلَت هَذِهِ الآيَةُ:

ــ

اختلفوا في الخطبة المشروعة: فذهب مالك وجمهور العلماء إلى أنه لا يجزئ في الخطبة إلا ما وقع عليه اسم الخطبة عند العرب. وأبو حنيفة وأبو يوسف ذهبا إلى أنه يُجزئ من ذلك تحميدةٌ، أو تهليلة، أو تسبيحة، وحكاه ابن عبد الحكم عن مالك.

والعير: الإبل التي تحمل الأطعمة والتجارة، وهي المسماة في الرواية الأخرى: سويقة، وهي تصغير سوق.

وقوله: فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا: فيه ردّ على من يقول: إن الجمعة لا تُقام إلا على أربعين فصاعدًا، وحُكي ذلك عن الشافعي، وقد تمسّك بهذا الحديث طائفة من أهل العلم على أن أقل ما تنعقد به الجمعة اثنا عشر، ولا حجة فيه على ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إنما عَقَدَهَا، وشرع فيها بأكثر من هذا (1) العدد، ثم عرض لهم أن تفرقوا، ولم يبق منهم غير ذلك العدد. وقد رُوي في بعض روايات هذا الحديث: أنه بقي معه أربعون رجلا، والأول أصح وأشهر.

وعلى الجملة فقد اختلف العلماء في العدد المشروط في وجوب الجمعة، وفي العدد الذي تصح ببقائهم إذا تفرقوا عن الإمام بعد شروعه فيها على أقوال كثيرة، فلنرسم فيه مسألتين:

المسألة الأولى: اختلف هل يُشترط في وجوب الجمعة عدد؟ فذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والفقهاء إلى اشتراطه، وذهب داود إلى أنه لا يُشترط ذلك في وجوبها، وتلزم المنفرد، وهي ظهرُ ذلك اليوم عنده لكل أحد. قال القاضي عياض: وهو خلافُ الإجماع. واختلف المشترطون: هل هو مختصٌ

(1) من (هـ).

ص: 499

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بعدد محصور أم لا؟ فعدم الحصر هو مذهب مالك؛ فإنه لم يشترط في ذلك حدًّا محدودًا، وإنما قال: يكونون بحيث يمكنهم الثَّواء في بلدهم، وتتقرَّى (1) بهم قرية. وفسّره بعض أصحابنا بنصب الأسواق فيها؛ حكاه عياض. والمشترطون للعدد اختلفوا: فمن قائل: مئتان، ومن قائل: خمسون؛ قاله عمر بن عبد العزيز، ومن قائل: أربعون؛ قاله الشافعي، ومن قائل: ثلاثون بيتًا؛ قاله مطرف، وعبد الملك، عن مالك، ومن قائل: اثنا عشر، ومن قائل: أربعة؛ قاله أبو حنيفة، لكن إذا كانوا في مصر. وقال غيره: ثلاثة، وقيل: واحد مع الإمام. وهذه أقوال متكافئة، وليس على شيء منها دليل، فالأصل ما صار إليه مالك من عدم التحديد، والتمسك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، والعمل المتصل في ذلك: فإنهم كانوا يُجمِّعون في الأمصار الكِبار، والقرى الصغار؛ كجواثا وغيرها.

وأما المسألة الثانية: فقد اختلفوا فيما إذا كمل ما تنعقد به الجمعة، ثم تفرقوا عن الإمام، فقيل: إنها تجزئ وإن بقي وحده؛ قاله أبو ثور، وحُكي عن الشافعي. وقيل: إذا بقي معه اثنان، وهو قول الثوري، والشافعي، وقيل: إذا بقي معه اثنا عشر رجلا؛ تمسُّكًا بهذا الحديث، وحكاه أبو يعلى العبدي عن أصحاب مالك، وبه قال إسحاق، ثم اختلفوا في الحال التي يتفرقون عنها؛ فقال أبو حنيفة: إن عقد بهم ركعة أو سجدة ثم تفرقوا عنه أجزأه أن يُتمها جمعة، وإن كان قبل ذلك استقبل ظهرًا. وقال مالك والمزني: إن صلّى بهم ركعة بسجدتيها أتمها جمعة، وإلا لم تجزه، وقال زفر: متى تفرقوا قبل الجلوس للتشهد لم تصح جمعة، وإن جلس وتفرقوا عنه قبل السلام صحَّت، وقال ابن القاسم وسحنون: إن تفرقوا عنه قبل سلامه لم تجزئ الجمعة. وللشافعي قول ثالث: إنها لا تجزئه حتى يبقى معه

(1)"تتقرَّى": تقوم وتستغني.

ص: 500

{وَإِذَا رَأَوا تِجَارَةً أَو لَهوًا انفَضُّوا إِلَيهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}

رواه مسلم (863)(38)، وأبو داود (1093 - 1095)، والنسائي (110/ 3).

[732]

- وعَن كَعبِ بنِ عُجرَةَ، أَنهُ دَخَلَ المَسجِدَ وَعَبدُ الرَّحمَنِ بنُ أُمِّ الحَكَمِ يَخطُبُ قَاعِدًا، فَقَالَ: انظُرُوا إِلَى هَذَا الخَبِيثِ يَخطُبُ قَاعِدًا، وَقَالَ الله تعالى:{وَإِذَا رَأَوا تِجَارَةً أَو لَهوًا انفَضُّوا إِلَيهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}

رواه مسلم (864)، والنسائي (2/ 102).

ــ

أربعون رجلا إلى تمام الصلاة. والأصحّ من هذه الأقوال ما يعضده هذا الحديث، وهو قول إسحاق وأصحابنا، والله تعالى أعلم.

وقوله تعالى: وَإِذَا رَأَوا تِجَارَةً أَو لَهوًا: التجارة هنا: العير التي تحمل التجارة، واللهو: الطبل؛ الذي كانوا يضربونه عند قدومهم، وانفضّوا؛ أي: تفرقوا.

وقوله: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} ؛ أي: تخطب. [فهذا ذمٌّ لمن ترك الخطبة بعد الشروع فيها، ونهي للمسلمين أن يتفرقوا عن إمامهم](1). [وقد استدل به على اشتراط الخطبة في الجمعة، وفيه بُعد](2)، وأحسن مُتَمَسَّك فيه قوله صلى الله عليه وسلم: صلوا كما رأيتموني أصلي (3).

وقول كعب بن عجرة: انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعدًا: يدل على خلاف قول أبي حنيفة؛ حيث رأى أن الخطيب إن شاء قام، وإن شاء قعد في

(1) من (ع): فقط.

(2)

ساقط من (ع).

(3)

رواه أحمد (5/ 53)، والبخاري (7246) من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.

ص: 501

[733]

- وعَنِ ابنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخطُبُ يَومَ الجُمُعَةِ قَائِمًا، ثُمَّ يَجلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ، قَالَ: كَمَا تَفعَلُونَ اليَومَ.

رواه البخاري (920)، ومسلم (861)، وأبو داود (1092)، والترمذي (506)، والنسائي (3/ 109)، وابن ماجه (1103).

[734]

- وعَن جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خُطبَتَانِ، يَجلِسُ بَينَهُمَا يَقرَأُ القُرآنَ، وَيُذَكِّرُ النَّاسَ.

رواه أحمد (5/ 101)، ومسلم (862)(34)، وأبو داود (1101)، والترمذي (507)، والنسائي (3/ 110)، وابن ماجه (1105).

[735]

- وَعَنهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخطُبُ قَائِمًا، ثُمَّ يَجلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخطُبُ قَائِمًا، فَمَن نَبَّأَكَ أَنَّهُ كَانَ يَخطُبُ جَالِسًا فَقَد كَذَبَ، فَقَد وَالله صَلَّيتُ مَعَهُ أَكثَرَ مِن أَلفَي صَلاةٍ.

رواه مسلم (862)(35).

ــ

خطبته.

ويدل حديثا ابن عمر وجابر بن سمرة بعده على مشروعية الجلوس في وسطها، وقد اختلف في ذلك. قال القاضي أبو الفضل: اختلف أئمة الفتوى في حكم الجلوس بين الخطبتين؛ فذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وجمهور العلماء إلى أنه سنة، وإن لم يجلس فقد أساء، ولا شيء عليه. وقال الشافعي: هي فرض، ومَن لم يجلسها فكأنه لم يخطب، ولا جمعة له. وقد حُكي عن مالك نحوه، ورأى مالك والشافعي وأبو ثور: الجلوس على المنبر قبل القيام إلى الخطبة، ومنعه أبو حنيفة، وقد روي عن مالك، وهو غير معروف من مذهبه.

وقول جابر: فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة: ظاهر هذا أنه أراد

ص: 502

[736]

- وَعَنه قَالَ: كُنتُ أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَت صَلاتُهُ قَصدًا، وَخُطبَتُهُ قَصدًا.

رواه مسلم (866)(41)، وابن ماجه (1106).

[737]

- وَعَن أَبي وَائِلٍ، قَالَ: خَطَبَنَا عَمَّارٌ، فَأَوجَزَ وَأَبلَغَ، فَلَمَّا نَزَلَ قُلنَا: يَا أَبَا اليَقظَانِ. لَقَد أَبلَغتَ وَأَوجَزتَ، فَلَو كُنتَ تَنَفَّستَ؟ ! فَقَالَ: إِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِن فِقهِهِ،

ــ

ألفي صلاة جمعة، وهو محال؛ لأن هذا القدر من الجُمع؛ إنما يكون في نيف وأربعين سنة، ولم يصلّ النبي صلى الله عليه وسلم هذا المقدار من الجمع، فيتعيّن أن يراد به الصلوات المفروضات، أو قصد به الإغياء والتكثير. والله أعلم.

وقوله: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدًا وخطبته قصدًا؛ أي: متوسطة بين الطول والقصر، ومنه: القصد من الرجال، والقصد في المعيشة، والإكثار في الخطبة مكروه؛ للتشدُّق والإملال للتطويل؛ كما مضى في حديث معاذ.

وقوله: خطبنا عمار فأبلغ وأوجز؛ أي: أبلغ في المعنى، وأوجز في اللفظ، وهذه المسمّاة بالبلاغة والفصاحة.

وقوله: فلو كنت تنفست؛ أي: أطلت الكلام شيئًا؛ يقال: نفَّس الله في عمرك (1)؛ أي: أطاله.

وقوله صلى الله عليه وسلم: مَئِنَّة من فقهه: الرواية في هذا اللفظ: مَئِنَّة بالهمز، والقصر، وتشديد النون، ووقع لبعضهم: مائنّة بالمدّ، وهو غلط، وكذلك كل تقييد خالف

(1) في (هـ): عمره.

ص: 503

فَأَطِيلُوا الصَّلاةَ وَأقصِرُوا الخُطبَةَ، وَإِنَّ مِنَ البَيَانِ سِحرًا.

رواه أحمد (4/ 263)، ومسلم (869)، وأبو داود (1106).

ــ

الأول.

قال الأصمعي: سألني شعبة عن هذا الحرف، فقلت: هو كقولك: علامة، ومخلقةٌ، ومَجدرةٌ [ومحراة](1).

قال أبو عبيد: يعني: إن هذا مما يُستدل به على فقه الرجل.

قال أبو منصور: جعل أبو عبيد الهمزة فيه أصلية.

قال أبو الحسن بن سراج: الميم في: مئِنَّة أصلية، ووزنها فَعِلة، من مأنت إذا شعرت، وقاله أبوه أبو مروان.

قال الأزهري: الميم في مَئِنة ميم مفعلة، وليست بأصلية. ومعنى قول المرَّار (2):

فَتَهَامَسوا سِرًّا وقالوا عَرَّسوا

من غَير تَمئِنَةٍ لغيرِ مُعَرَّسِ

أي: لم يتأكدوا من وقت التعريس. ويقال: أتاني فلان ما مأَنتُ مَأنَه، ولا شأنت شأنه؛ أي: لم أفكر فيه، ولم أتهيأ له.

وقوله: فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة: غير مخالف لقوله: كانت صلاته قصدًا وخطبته قصدًا؛ لأن كل واحد قصد في بابه، لكن الصلاة ينبغي أن تكون أطول من الخطبة، مع القصد في كل واحد منهما.

وقوله: وإن من البيان سحرا: البيان هنا: الإيضاح البليغ مع اللفظ المستعذب، وفي هذا الحديث تأويلان:

(1) من اللسان.

(2)

هو المرّار الفقعسي.

ص: 504

[738]

- وعَن عُمَارَةَ بنِ رُؤَيبَةَ؛ ورَأَى بِشرَ بنَ مَروَانَ عَلَى المِنبَرِ رَافِعًا يدَيهِ، فَقَالَ: قَبَّحَ الله هَاتَينِ اليَدَينِ، لَقَد رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَزِيدُ عَلَى أَن يَقُولَ بيديه هَكَذَا وَأَشَارَ بِإِصبَعِهِ المُسَبِّحَةِ.

رواه مسلم (874)، وأبو داود (1104)، والترمذي (515)، والنسائي (3/ 108).

* * *

ــ

أحدهما: أنه قصد به الذم؛ لأن الإبلاغ في البيان يفعل في القلوب من الإمالة، والتحريك، والتطريب، والتحزين ما يفعل السحر. واستدلّ متأوِّل هذا بإدخال مالك الحديث في موطئه في باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله، وأنه مذهبه في تأويل الحديث.

وثانيهما: أنه على جهة المدح، فإن الله تعالى قد امتن على عباده بالبيان، حيث قال:{خَلَقَ الإِنسَانَ} ، {عَلَّمَهُ البَيَانَ} وشبّهه بالسحر لميل القلوب إليه. وأصل السحر: الصرف، والبيان يصرف القلوب، ويميلها إلى ما يدعو إليه.

قلت: وهذا التأويل أولى؛ لهذه الآية وما في معناها.

وقوله: وأشار بإصبعه المسَبِّحة: كان ذلك - والله أعلم - من رسول الله صلى الله عليه وسلم عند التشهد في الخطبة؛ كما كان يفعل في الصلاة.

* * *

ص: 505