الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواه أحمد (5/ 14 و 19)، والبخاري (1331)، ومسلم (964)(87)، وأبو داود (3195)، والترمذي (1035)، والنسائي (1/ 195)، وابن ماجه (1493).
* * *
(13) باب ما جاء في الصلاة على القبر
[824]
- عَن عَبدُ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انتَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى قَبرٍ رَطبٍ فَصَلَّى عَلَيهِ، وَصَفُّوا خَلفَهُ وَكَبَّرَ أَربَعًا.
رواه البخاري (857)، ومسلم (954)(68)، والنسائي (4/ 85).
ــ
وهذا الحديث يدلُّ على أن مشروعية مقام الإمام كذلك، وهو يُبطل تأويلَ من قال إنّ مقام النبيّ صلى الله عليه وسلم وسط جنازة أمِّ كعب إنما كان من أجلِ جنينها حتى يكون أمامه، بل كان ذلك لأنّ حكم مشروعيته ذلك.
(13)
ومن باب: ما جاء في الصلاة على القبر
قوله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى قبر رطب فصلّى عليه؛ أي حديث الدفن لم يُبلَ بعد لرطوبة ثراه وقرب هيله، وظاهر هذا الحديث وحديث السوداء جواز الصلاة على القبر، وقد اختلف في ذلك؛ فتحصيل مذهب مالك ومشهور أقوال أصحابه جواز ذلك إذا لم يُصلَّ عليه، وعنه أيضًا وعن أشهب وسحنون أنه لا يصلِّى عليه لفوت ذلك، وأمّا من صُلِّي عليه فليس لمن فاتته الصلاة عليه أن يصلّيَ عليه (1)، وهو المشهور من مذهب مالك وأصحابه، وهو قول الليث والثوري
(1) من (ظ).
[825]
- وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ امرَأَةً سَودَاءَ كَانَت تَقُمُّ المَسجِدَ - أَو شَابّا، فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَ عَنهَا - أَو عَنهُ - فَقَالُوا: مَاتَ. قَالَ: أَفَلا
ــ
وأبي حنيفة، قال: إلا أن يكون وليه فله إعادة الصلاة عليه. وقد روي عن مالك جواز الصلاة عليه، وهو شاذّ من مذهبه، وهو قول الشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وغيرهم.
وحيث قلنا بفوت الصلاة على الميت فما الذي يقع به الفوت؟ اختلف فيه؛ فقيل: بهيل التراب وتسويته - وهو قول أشهب وعيسى وابن وهب. وقيل: بخوف تغيُّره - وهو قول ابن القاسم وابن حبيب وسحنون. وقيل: بالطُّول فيمن لم يصلِّ عليه، وهو ما زاد على ثلاثة أيَّامٍ فأكثر عند أبي حنيفة. وقال أحمد فيمن صُلِّي عليه: تعاد إلى شهر - وقاله إسحاق في الغائب، وقال في الحاضر ثلاثة أيام. قال أبو عمر: وأجمع من قال بالصلاة على القبر أنّه لا يصلّى عليه إلا بالقرب، وأكثر ما قيل في ذلك شهر.
وقوله تقمّ المسجد؛ أي تكنسه، والقمامة الكِنَاسة، وسؤاله صلى الله عليه وسلم عن هذه المسكينة يدلّ على كمال تفضُّله وحسن تعهده وكرم أخلاقه وتواضعه ورأفته ورحمته، وتنبيهٌ على ألا يُحتَقَر مسلمٌ ولا يُصَغَّر أمرُه.
قلت: قال بعض مَن لم يُجِز الصلاة على القبر إنّ القبرَ الرَّطبَ الذي في حديث ابن عباس يحتمل أن يكون قبر السوداء التي كانت تقمّ المسجد، وكانت صلاتُه عليه خاصة به؛ لأنه قد قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإنّ الله ينوّرها بصلاتي عليهم - فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وغيره لا يعلم ذلك، فكان ذلك خصوصًا به. وهذا ليس بشيء؛ لثلاثة أوجه:
أحدها: أنّا وإن لم نعلم ذلك لكنّا نظنّه، ونرجو فضل الله سبحانه ودعاء المسلمين لمن صلّوا عليه.
كُنتُم آذَنتُمُونِي؟ قَالَ: وَكَأَنَّهُم صَغَّرُوا أَمرَهَا - أَو أَمرَهُ، فَقَالَ: دُلُّونِي عَلَى قَبرِهِ! فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيهَا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ القُبُورَ مَملُوءَةٌ ظُلمَةً عَلَى أَهلِهَا، وَإِنَّ اللهَ عز وجل يُنَوِّرُهَا لَهُم بِصَلاتِي عَلَيهِم.
رواه أحمد (2/ 353 و 388)، والبخاري (458)، ومسلم (956)، وأبو داود (3203)، وابن ماجه (1527).
* * *
ــ
وثانيها: أنه صلى الله عليه وسلم قد قال: من صلّى عليه مائة أو أربعون من المسلمين شفعوا فيه - (1) فقد أعلمنا أنّ ذلك يكون من غيره.
وثالثها: أنه كان يلزم منه ألا يصلّى على ميِّتٍ بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم لإمكان الخصوصية فيمن صلّى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا باطل.
وأشبه ما قيل في حديث السوداء أنّه صلى الله عليه وسلم صلَّى على قبرها لأنه لم يصلِّ عليها صلاةً جائزة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام ولم يستخلف، بل قد روي أنه صلى الله عليه وسلم أمَرهم أن يُعلِموه بموتها فلم يُعلِموه بذلك كراهة أن يشقّوا عليه، كما ذكره مالك من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنّ مسكينة مرضت (2)، وهذه المسكينة هي السوداء في هذا الحديث، والله أعلم.
ويحصل منه أنّه مَن دُفِنَ بغير صلاة أنّه يصلَّى على قبره ولا يُخرَج، ولا يترك بغير صلاة، وهو الصحيح، والله تعالى أعلم.
* * *
(1) سبق تخريجه برقم (815 و 816).
(2)
رواه مالك في الموطأ (1/ 227).