الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(111) باب أَحَبُّ العمل إلى الله أَدوَمُهُ وإن قَلَّ، وكراهية التَّعَمُّقِ والتشديد
[658]
- عَن عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَت: كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَصِيرٌ، وَكَانَ يُحَجِّرُهُ مِنَ اللَّيلِ فَيُصَلِّي فِيهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاتِهِ، وَيَبسُطُهُ بِالنَّهَارِ، فَثَابُوا ذَاتَ لَيلَةٍ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيكُم مِنَ الأَعمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ الله لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ العمَلِ إِلَى الله مَا دُووِمَ عَلَيهِ، وَإِن قَلَّ وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ إِذَا عَمِلُوا عَمَلا أَثبَتُوهُ.
رواه أحمد (6/ 212)، والبخاري (43 و 6464)، ومسلم (782)(215)، وأبو داود (1368).
ــ
ومعنى: حصبوا الباب؛ أي: رموه بالحصباء؛ حرصًا على خروجه إليهم للصلاة. وسيُكتب؛ أي: يُفترض، وقد تقدم الكلام على هذا المعنى في قيام رمضان.
(111)
ومن باب: أحب العمل إلى الله أدومه
قوله صلى الله عليه وسلم: عليكم من الأعمال ما تطيقون: هذا حضٌ على التخفيف في أعمال النوافل، ويتضمن الزجر عن التشديد، والغلوّ فيها. وسبب ذلك: أن التخفيف يكون معه الدوام والنشاط، فيكثر الثواب لتكرار العمل، وفراغ القلب، بخلاف الشاقّ منها، فإنه يكون معه التشويش والانقطاع غالبًا.
وقوله: فإن الله لا يملّ حتى تملوا: ظاهره محالٌ على الله تعالى. فإن الملال فتورٌ عن تعب، وألَمٌ عن مشقة، وكل ذلك على الله تعالى محال، وإنما
[659]
- وعَن عَلقَمَةَ قَالَ: سَأَلتُ عَائِشَةَ قَالَ: قُلتُ: يَا أُمَّ المُؤمِنِينَ! كَيفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ هَل كَانَ يَخُصُّ شَيئًا مِنَ الأَيَّامِ؟ قَالَت: لا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُم يَستَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَستَطِيعُ؟ ! .
رواه أحمد (6/ 43 و 55)، والبخاري (6466)، ومسلم (783)(217)، وأبو داود (1370)، والترمذي (2856).
ــ
أطلق هنا على الله تعالى على جهة المقابلة اللفظية مجازًا؛ كما قال: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} و: {فَمَنِ اعتَدَى عَلَيكُم فَاعتَدُوا عَلَيهِ} ووجه مجازه: أنه تعالى لما كان يقطع ثواب عمل مَن ملَّ العمل وَقَطَعَهُ؛ عبّر عن ذلك بالملل؛ من باب تسمية الشيء باسم سببه.
وقول علقمة: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخص شيئًا من الأيام؟ وجواب عائشة بنفي ذلك، خرج على غير الصيام؛ لأنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يخص الإثنين والخميس بالصيام، فتعيَّن صرف حمله إلى غير ذلك.
وقولها: وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع؟ هذا يدل على شدة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه من كثرة التكاليف، والاجتهاد في الوفاء بها؛ وذلك أنه كُلِّف بتكاليف خاصة به؛ كما خُصَّ به من الواجبات زيادة على ما ساوى فيه جميع المكلفين. ثم إنه قد كُلِّف مراعاة مصالح أهل بيته، ومصالح الخلق كلهم، خاصة وعامة، الدينية والدنيوية، هذا بالنظر إلى ظاهر أمره، وأما بالنظر إلى خواصّ باطنه؛ فمما لا يدرك، ولا يمكن وصفه، وغاية العبارة عنه قوله: إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية (1)؛ ولذلك كان صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، والعبادات، والمشقّات،
(1) رواه أحمد (1/ 61 و 6/ 122)، والبخاري (6101)، ومسلم (2356) من حديث عائشة رضي الله عنه.
[660]
- وعَن أَنَسٍ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَسجِدَ، وَحَبلٌ مَمدُودٌ بَينَ سَارِيَتَينِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: لِزَينَبَ، تُصَلِّي فَإِذَا كَسِلَت أَو فَتَرَت أَمسَكَت بِهِ، فَقَالَ: حُلُّوهُ. لِيُصَلِّ أَحَدُكُم نَشَاطَهُ، فَإِذَا كَسِلَ أَو فَتَرَ قَعَدَ.
وَفِي رِوَايَةٍ: فَليَقعُد.
رواه أحمد (3/ 101)، والبخاري (1150)، ومسلم (784)، وأبو داود (1312)، والنسائي (3/ 218 - 219)، وابن ماجه (1371).
[661]
- وَعَن عَاَئِشَةَ: أَنَّ الحَولَاء بِنتَ تُوِيت مَرَّت بِهَا، وَعِندَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَت: هَذِهِ الحَولاءُ بِنتُ تُوَيتٍ، وَزَعَمُوا أَنَّهَا لا تَنَامُ اللَّيلَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لا تَنَامُ اللَّيلَ! خُذُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَوَالله! لا يَسأَمُ الله حَتَّى تَسأَمُوا.
رواه مسلم (785).
[662]
- عَن عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُم فِي الصَّلاةِ فَليَرقُد حَتَّى يَذهَبَ عَنهُ النَّومُ؛
ــ
ليست له راحة، وقال في لفظ آخر: إني أخشاكم لله وأعلمكم بحدوده (1). وقد كان تتفطر قدماه من القيام، ويجهد نفسه من الجوع، ويربط على بطنه بالحجر والحجرين، وكان ينتهي من إجهاد نفسه، إلى أن يرقّ عليه وليُّه، ويرحمه الناظر إليه.
وقوله: إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد (2). . .، الحديث. نَبَّه في آخره على
(1) رواه أحمد (6/ 226) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
في التلخيص كلمة (باب) وقد حذفناها لأن السياق متصل، ولعدم وجودها في الشرح.
فَإِنَّ أَحَدَكُم إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَعَلَّهُ يَذهَبُ يَستَغفِرُ فَيَسُبُّ نَفسَهُ.
رواه أحمد (6/ 205)، والبخاري (212)، ومسلم (786)، وأبو داود (1310)، والترمذي (355)، وابن ماجه (1/ 99 - 100).
[663]
- وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا قَامَ أَحَدُكُم مِنَ اللَّيلِ فَاستَعجَمَ القُرآنُ عَلَى لِسَانِهِ، فَلَم يَدرِ مَا يَقُولُ فَليَضطَجِع.
رواه أحمد (2/ 318)، ومسلم (787)، وأبو داود (1311)، وابن ماجه (1372).
* * *
ــ
علّة ذلك؛ وهو أنه توقع منه ما يكون منه من الغلط فيما يقرأ أو يقول، ولم يجعل علّة ذلك نقض طهارته، فدلّ على أن النوم ليس بحدث على ما تقدم.
وقوله: لعله يذهب يستغفر، فيسبُّ نفسه: رويناه برفع الباء من يسبّ ونصبها، فمن رفع فعلى العطف على يذهب، ومن نصب فعلى جواب لعلّ، وكأنه أَشرَبَهَا معنى التمنِّي، كما قرأ حفص:{لَعَلِّي أَبلُغُ الأَسبَابَ * أَسبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} بنصب العين.
وقوله: فاستعجم القرآن: رفعًا على أنه فاعل استعجم؛ أي: صارت قراءته كالعجمية؛ لاختلاف حروف النائم، وعدم بيانها. والله أعلم.
* * *