الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(118) باب فضل قراءة {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
[684]
- عَن أَبِي الدَّردَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيَعجِزُ أَحَدُكُم أَن يَقرَأَ فِي لَيلَةٍ ثُلُثَ القُرآنِ؟ قَالُوا: وَكَيفَ يَقرَأُ ثُلُثَ القُرآنِ؟ قَالَ: {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تَعدِلُ ثُلُثَ القُرآنِ.
ــ
(118)
ومن باب: فضل {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
قوله صلى الله عليه وسلم: {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن؛ أي: تساوي جزءًا منه، كما قال في الرواية الأخرى: إن الله جزَّأ القرآن ثلاثة أجزاء، فجعل {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} جزءًا، من أجزاء القرآن، وإيضاحه كما قال المحققون من علمائنا: أن القرآن بالنسبة إلى معانيه الكلية على ثلاثة أنحاء: قصص، وأحكام، وأوصاف لله. و {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تشتمل على ذكر أوصاف الحق سبحانه وتعالى، فكانت ثلثًا من هذه الجهة. قلت: وهذا إنما يتمّ إذا حُقِّق: أن هذه السورة مشتملة على جميع ذكر أوصافه - تعالى -، وليس ذلك فيها ظاهرًا، لكنها اشتملت على اسمين من أسمائه - تعالى -؛ يتضمنان جميع أوصاف كماله - تعالى -، لم يوجدا في غيرها من جميع السور، وهما: الأحد، والصمد؛ فإنهما يدلاّن على أحديَّة الذات المقدسة الموصوفة بجميع صفات الكمال المعظمة، وبيانه: أن الأحد والواحد وإن رجعا إلى أصل واحد لغة، فقد افترقا استعمالا وعرفًا، وذلك: أن الهمزة من أحد منقلبة عن الواو من: وحد، كما قال النابغة:
كأن رحلي وقد زال النهار بنا
…
يوم الجَليل على مُستَأنِسٍ وَحَدِ (1)
(1)"الجليل": شجر، وهو الثمام. و"المستأنس": ثور يخاف الأنيس. وقيل: هو الذي يرفع رأسه، هل يرى شخصًا، و"زال النهار": انتصف.
وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّ الله جَزَّأَ القُرآنَ ثَلاثَةَ أَجزَاءٍ، فَجَعَلَ {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} جُزءًا مِن أَجزَاءِ القُرآنِ.
رواه أحمد (6/ 442 و 447)، ومسلم (811)(259) و (260).
[685]
- وعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: احشُدُوا فَإِنِّي
ــ
فهما من الوحدة، وهي راجعة إلى نفي التعدد والكثرة، غير أن استعمال العرب فيهما مختلف: فإن الواحد عندهم أصل العدد، من غير تعرض لنفي ما عداه، والأحد يثبت مدلوله، ويتعرض لنفي ما [سواه، ولهذا](1) أكثر ما استعملته العرب في النفي، فقالوا: ما فيها أحد، ولم يكن له كفوًا أحد، ولم يقولوا هنا: واحد، فإن أرادوا الإثبات قالوا: رأيت واحدًا من الناس، ولم يقولوا هنا: أحدًا. وعلى هذا فالأحد في أسمائه - تعالى - مشعر بوجوده الخاص به، الذي لا يشاركه فيه غيره، وهو المعبَّر عنه بواجب الوجود، وربما عبر عنه بعض المتكلمين: بأنه أخص وصفه. وأما الصَّمد: فهو المتضمن لجميع أوصاف الكمال، فإن الصمد هو الذي انتهى سؤدده؛ بحيث يُصمَدُ إليه في الحوائج كلها؛ أي: يقصد، ولا يصح ذلك تحقيقًا إلا ممن حاز جميع خصال الكمال حقيقة، وذلك لا (2) يكمل إلا لله - تعالى -، فهو الأحد الصمد، الذي {لَم يَلِد وَلَم يُولَد * وَلَم يَكُن لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} فقد ظهر أن لهذين الاسمين من شمول الدلالة على الله - تعالى - وصفاته ما ليس لغيرهما من الأسماء، وأنهما ليسا موجودين في شيء من سور القرآن، فظهرت خصوصية هذه السورة بأنها ثلث القرآن، كما قررناه. والله أعلم. وقد كثرت أقوال الناس في هذا المعنى، وهذا أنسبها وأحسنها حسب ما ظهر، فلنقتصر عليه.
(1) ما بين حاصرين ساقط من (هـ) و (ط) واستدرك من (ع) و (ظ).
(2)
في (ظ): لم.
سَأَقرَأُ عَلَيكُم ثُلُثَ القُرآنِ. فَحَشَدَ مَن حَشَدَ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ:{قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثُمَّ دَخَلَ. فَقَالَ بَعضُنَا لِبَعضٍ: إِنِّي أُرَى هَذَا خَبَرًا جَاءَهُ مِنَ السَّمَاءِ، فَذلكَ الَّذِي أَدخَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي قُلتُ لَكُم: سَأَقرَأُ عَلَيكُم ثُلُثَ القُرآنِ، أَلا إِنَّهَا تَعدِلُ ثُلُثَ القُرآنِ.
رواه أحمد (2/ 429)، ومسلم (812)(261)، والترمذي (2902).
[686]
- وعَن عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلا عَلَى سَرِيَّةٍ، فَكَانَ يَقرَأُ لأَصحَابِهِ فِي صَلاتِهِم فَيَختِمُ بـ {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فَلَمَّا رَجَعُوا ذُكِرَوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: سَلُوهُ لأَيِّ شَيءٍ يَصنَعُ ذَلِكَ؟ فَسَأَلُوهُ. فَقَالَ لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحمَنِ، فَأَنَا أُحِبُّ أَن أَقرَأَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَخبِرُوهُ أَنَّ الله يُحِبُّهُ.
رواه البخاري (7375)، ومسلم (813)، والنسائي (2/ 171).
* * *
ــ
وقوله: فحشد من حشد؛ أي: اجتمع من اجتمع، والحشد: الجمع، قاله الهروي وغيره. ومحبة الله - تعالى - للخلق: تقريبه لمحبوبه، وإكرامه له، وليست بميل ولا غرض كما هي منا، وليست المحبة في حقوقنا هي الإرادة بل شيء زائد عليها، فإن الإنسان يجد من نفسه أنه يحب ما لا يقدر على اكتسابه، ولا على تخصيصه به (1). والإرادة: هي التي تخصص الفعل ببعض وجوهه الجائزة، والإنسان يحسُّ من نفسه: أنه يحب الموصوفين بالصفات الجميلة والأفعال الحسنة؛ مثل العلماء، والفضلاء، وإن لم يتعلق له (2) بهم إرادة مخصصة، وإذا
(1) من (ظ) و (ط).
(2)
ساقط من (ع).