المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(113) باب تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٢

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(3) كتاب الصلاة

- ‌(1) باب ما جاء في الأذان والإقامة

- ‌(2) باب الأذان أمان من الغارة، وما جاء في اتخاذ مُؤذِّنَينِ

- ‌(3) باب إذا سَمِعَ المؤذن قال مثل ما قال، وفضل ذلك، وما يقول بعد الأذان

- ‌(4) باب فضل الأذان وما يُصيب الشيطان عنده

- ‌(5) باب رفع اليدين في الصلاة، ومتى يرفعهما؟ وإلى أين

- ‌(6) باب التكبير في الصلاة

- ‌(7) باب ما جاء في القراءة في الصلاة وبيان أركانها

- ‌(8) باب ترك قراءة بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ في الصلاة

- ‌(9) باب حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة

- ‌(10) باب التَّشَهُّد في الصلاة

- ‌(11) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(12) باب التَّحمِيد والتَّأمِين

- ‌(13) باب إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤتَمَّ به

- ‌(14) باب استخلاف الإمام إذا مرض، وجواز ائتمام القائم بالقاعد

- ‌(15) باب العمل القليل في الصلاة لا يضرها

- ‌(16) باب إذا نَابَ الإمامَ شيءٌ فَليُسَبِّح الرجالُ وَليُصَفِّق النساءُ

- ‌(17) باب الأمر بتحسين الصلاة، والنهي عن مسابقة الإمام

- ‌(18) باب النهي عن رفع الرأس قبل الإمام، وعن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، والأمر بالسكون فيها

- ‌(19) باب الأمر بتسوية الصفوف، ومن يلي الإمام

- ‌(20) باب في صفوف النساء وخروجهن إلى المساجد

- ‌(21) باب في قوله تعالى: {وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِت بِهَا}

- ‌(22) باب القراءة في الظهر والعصر

- ‌(23) باب القراءة في الصبح

- ‌(24) باب القراءة في المغرب والعشاء

- ‌(25) باب أمر الأئمة بالتخفيف في تمام

- ‌(26) باب في اعتدال الصلاة وتقارب أركانها

- ‌(27) باب اتباع الإمام والعمل بعده

- ‌(28) باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌(29) باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود

- ‌(30) باب ما يقال في الركوع والسجود

- ‌(31) باب الترغيب في كثرة السجود، وعلى كم يسجد؟ وفيمن صلى معقوص الشعر

- ‌(32) باب كيفية السجود

- ‌(33) باب تحريمُ الصلاةِ التكبيرُ، وتحليلُها التسليمُ

- ‌(34) باب في سترة المصلي وأحكامها

- ‌(35) باب مَنع المصلي مَن مَرَّ بين يديه، والتَّغليِظ في المرور بين يدي المصلي

- ‌(36) باب دنو المصلي من سترته وما جاء فيما يقطع الصلاة

- ‌(37) باب اعتراض المرأة بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة

- ‌(38) باب الصلاة بالثوب الواحد على الحصير

- ‌(39) باب أول مسجد وضع في الأرض، وما جاء أن الأرض كلها مسجد

- ‌(40) باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(41) باب تحويل القبلة من الشام إلى الكعبة، والنهي عن بناء المساجد على القبور وعن التصاوير فيها

- ‌(42) باب ثواب من بَنَى للهِ مسجدًا

- ‌(43) باب التطبيق في الركوع وما ثبت من نسخه

- ‌(44) باب [جواز الإقعاء على العقبين]

- ‌(45) باب نسخ الكلام في الصلاة

- ‌(46) باب جواز الإشارة بالسلام في الصلاة، ولعن الشيطان

- ‌(47) باب جواز حمل الصغير في الصلاة، وجواز التقدم والتأخر، ومن صلى على موضع أرفع من موضع المأموم

- ‌(48) باب النهي عن الاختصار في الصلاة، وما يجوز من مس الحصى فيها، وما جاء في البصاق في المسجد

- ‌(49) باب الصلاة في النعلين والثوب المعلم وبحضرة الطعام

- ‌(50) باب النهي عن إتيان المساجد لمن أكل الثوم أو البصل، وإخراج من وُجد منه ريحها من المسجد

- ‌(51) باب النهي عن أن تنشد الضالَّة في المسجد

- ‌(52) باب الأمر بسجود السهو، وما جاء فيمن سها عن الجلسة الوسطى

- ‌(53) باب فيمن لم يّدرِ كم صلى

- ‌(54) باب فيمن سلَّم من اثنتين أو ثلاث

- ‌(55) باب ما جاء في سجود القرآن

- ‌(56) باب كيفية الجلوس للتشهد

- ‌(57) باب كم يسلم من الصلاة، وبأي شيء كان يعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(58) باب الاستعاذة في الصلاة من عذاب القبر وغيره

- ‌(59) باب قدر ما يقعد الإمام بعد السلام وما يقال بعده

- ‌(60) باب السكوت بين التكبير والقراءة في الركعة الأولى وما يقال فيه

- ‌(61) باب فضل التحميد في الصلاة

- ‌(62) باب إتيان الصلاة بالسكينة، ومتى تقام؟ ومتى يقام لها؟ وإتمام المسبوق

- ‌(63) باب من أدرك ركعة من فعل الصلاة أو وقتها فقد أدركها

- ‌(64) باب إذا ذكر الإمام أنه مُحدِث خرج فأمرهم بانتظاره

- ‌(65) باب أَوقَات الصَّلَوَاتِ

- ‌(66) باب الإبراد بالظهر في شدة الحر

- ‌(67) باب تعجيل الظهر بعد الإبراد وفي زمن البرد

- ‌(68) باب تعجيل صلاة العصر

- ‌(69) باب ما جاء في الصلاة الوسطى

- ‌(70) باب من فاتته صلوات كيف يقضيها

- ‌(71) باب المحافظة على الصبح والعصر

- ‌(72) باب تعجيل صلاة المغرب

- ‌(73) باب تأخير العشاء الآخرة

- ‌(74) باب التغليس بصلاة الصبح

- ‌(75) باب المنع من إخراج الصلاة عن وقتها

- ‌(76) باب صلاة الفذ جائزة، والجماعة أفضل

- ‌(77) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة والجمعة

- ‌(78) باب النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان، وفضل العشاء والصبح في جماعة

- ‌(79) باب الرخصة في التخلف عن الجماعة للعذر

- ‌(80) باب صلاة النفل في جماعة، والصلاة على البسط وإن عتقت وامتهنت

- ‌(81) باب فضل انتظار الصلاة في المسجد

- ‌(82) باب من كانت داره عن المسجد أبعد كان ثوابه في إتيانه أكثر

- ‌(83) باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات

- ‌(84) باب الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح

- ‌(85) باب في الإمامة، ومن أحق بها

- ‌(86) باب ما جاء في القنوت والدعاء للمُعَيَّنِ وعليه في الصلاة

- ‌(87) باب من نام عن صلاة أو نسيها

- ‌(88) باب من نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس فله أن يؤذن إذا كان في جماعة، ويصلي ركعتي الفجر

- ‌(89) باب ما جاء في حكم قَصرِ الصلاة في السفر

- ‌(90) باب من أين يبدأ بالقصر إذا خرج من وطنه، واستمراره على القصر ما لم ينو إقامة

- ‌(91) باب قَصر الصلاة بِمنىً

- ‌(92) باب جواز التخلف عن صلاة الجماعة والجمعة لعذر المطر

- ‌(93) باب التنفل والوتر على الراحلة في السفر

- ‌(94) باب الجمع بين الصلاتين في السفر والحضر

- ‌(95) باب الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال

- ‌(96) باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(97) باب ما يقول عند دخول المسجد، والأمر بِتحيَّتِهِ

- ‌(98) باب في صلاة الضحى

- ‌(99) باب الوصية بالضحى وأقله ركعتان

- ‌(100) باب ما جاء في ركعتي الفجر

- ‌(101) باب رواتب الفرائض وفضلها

- ‌(102) باب في صلاة النفل قائمًا وقاعدًا

- ‌(103) باب كيف صلاة الليل وكم عددها

- ‌(104) باب في صلاة الوتر

- ‌(105) باب فيمن غلب عن حزبه، وفيمن خاف أن يغلب عن وتره، وفضل طول القنوت وآخر الليل

- ‌(106) باب الترغيب في قيام رمضان وليلة القدر وكيفية القيام

- ‌(107) باب في كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، وتَبَتُّلِه ودُعَائِهِ

- ‌(108) باب ترتيل القراءة والجهر بها في صلاة الليل وتطويلها

- ‌(109) باب استغراق الليل بالنوم من آثار الشيطان

- ‌(110) باب أفضل النوافل ما صُلِّي في البيت

- ‌(111) باب أَحَبُّ العمل إلى الله أَدوَمُهُ وإن قَلَّ، وكراهية التَّعَمُّقِ والتشديد

- ‌أبواب فضائل القرآن وما يتعلق بها

- ‌(112) باب الأمر بِتَعاهُدِ القرآن، وذَمِّ من فرط فيه حتى نسي

- ‌(113) باب تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها

- ‌(114) باب إقراء النبي صلى الله عليه وسلم القرآن وتعليمه كيفية الأداء

- ‌(115) باب فضل تعلُّم القرآن وقراءته وفضل سورة البقرة وآل عمران

- ‌(116) باب فضل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة

- ‌(117) باب فضل سورة الكهف، وتنزل السكينة عند قراءتها

- ‌(118) باب فضل قراءة {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

- ‌(119) باب فضل قراءة المعوذتين

- ‌(120) باب لا حسد إلا في اثنتين، ومن يرفع بالقرآن

- ‌(121) باب إنزال القرآن على سبعة أحرف

- ‌(122) باب قراءة سورتين في ركعة من النوافل

- ‌(123) باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها

- ‌(124) باب في الركعتين بعد العصر

- ‌(125) باب الركوع بعد الغروب وقبل المغرب

- ‌(126) باب صلاة الخوف

- ‌(4) كتاب الجمعة

- ‌(1) باب فضل الغسل للجمعة وتأكيده، ومن اقتصر على الوضوء أجزأه

- ‌(2) باب فضل يوم الجمعة، والساعة التي فيه

- ‌(3) باب فضل التهجير للجمعة ووقتها

- ‌(4) باب الإنصات للخطبة وفضله

- ‌(5) باب الخطبة، والقيام لها، والجلوس بين الخطبتين، والإشارة باليد

- ‌(6) باب ما يقال في الخطبة ورفع الصوت بها

- ‌(7) باب ركوع من دخل والإمام يخطب، والتعليم في حالة الخطبة

- ‌(8) باب ما يُقرَأُ به في صلاة الجمعة، وفي صبح يومها

- ‌(9) باب ما جاء في التنفل بعد الجمعة

- ‌(10) باب التغليظ في ترك الجمعة

- ‌(5) أبواب صلاة العيدين

- ‌(1) باب الخروج إلى المصلى في العيدين، وخروج النساء

- ‌(2) باب لا صلاة قبل صلاة العيدين في المصلى، ولا أذان ولا إقامة

- ‌(3) باب الصلاة فيهما قبل الخطبة

- ‌(4) باب ما يقال في الخطبة

- ‌(5) باب ما يقرأ في صلاة العيدين

- ‌(6) باب الفرح واللعب في أيام الأعياد

- ‌(6) أبواب الاستسقاء

- ‌(1) باب الخروج إلى المصلى لصلاة الاستسقاء، وكيفية العمل فيها

- ‌(2) باب الدعاء في السُّقيَا في المسجد وبغير صلاة

- ‌(3) باب التبرك بالمطر، والفرح به، والتعوُّذ عند الريح والغيم

- ‌(7) أبواب كسوف الشمس والقمر

- ‌(1) باب الأمر بالصلاة والذكر والصدقة عند الكسوف

- ‌(2) باب كيفية العمل فيها، وأنها ركوعان في كل ركعة

- ‌(3) باب ما جاء أن في كل ركعة ثلاث ركعات

- ‌(4) باب ما جاء أن في كل ركعة أربع ركعات

- ‌(5) باب يطول سجودها كما يطول ركوعها

- ‌(6) باب ما جاء أن صلاة الكسوف ركعتان كسائر النوافل

- ‌(7) باب شهود النساء صلاة الكسوف

- ‌(8) كتاب الجنائز

- ‌(1) باب تلقين الموتى، وما يقال عند المصيبة، وعند حضور المرضى والموتى

- ‌(2) باب في إغماض الميت، والدعاء له

- ‌(3) باب ما جاء في البكاء على الميت، وعنده

- ‌(4) باب في عيادة المريض، والصبر عند الصدمة الأولى

- ‌(5) باب ما جاء أن الميت ليعذبُ ببكاءِ الحَيِّ عليه

- ‌(6) باب التشديد في النياحة، وما جاء في اتباع الجنائز

- ‌(7) باب الأمر بغسل الميت وكيفيته

- ‌(8) باب في تكفين الميت وتسجيته، والأمر بتحسين الكفن

- ‌(9) باب الإسراع بالجنازة، وفضل الصلاة عليها، واتباعها

- ‌(10) باب الاستشفاع للميت، وأن الثناء عليه شهادة له، وأنه مستريح ومستراح منه

- ‌(11) باب الأمر بالصلاة على الميت، وكيفية الصلاة عليه، وكم التكبيرات

- ‌(12) باب الدعاء للميت، وأين يقوم الإمام من المرأة

- ‌(13) باب ما جاء في الصلاة على القبر

- ‌(14) باب الأمر بالقيام للجنازة ونسخه

- ‌(15) باب ركوب المتبع للجنازة إذا انصرف منها

- ‌(16) باب في كيفية القبور وكراهية تجصيصها والبناء عليها، وهل يجعل في القبر شيء

- ‌(17) باب النهي عن الجلوس على القبور والصلاة إليها

- ‌(18) باب الصلاة على الميت في المسجد

- ‌(19) باب زيارة القبور والتسليم عليها، والدعاء والاستغفار للموتى

- ‌(20) باب من لا يصلى عليه

- ‌(21) باب النهي عن تمني الموت لضر نزل به

- ‌(22) باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

الفصل: ‌(113) باب تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها

(113) باب تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها

[667]

- عَن أَبِي هُرَيرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَا أَذِنَ الله

ــ

(113)

[ومن باب: تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها](1)

قوله: ما أذن الله؛ أي: ما استمع الله وأصغى. وأصله: أن المُستَمِع يميل بأذنه إلى جهة المُستَمَع، تقول العرب: أَذِن؛ بكسر الذال، يأذَن بفتحها في المستقبل؛ أَذَنًا بفتح الهمزة والذال في المصدر: إذا أصغى واستمع. وهذا المعنى في حق الله تعالى محال، وإنما هو من باب التوسُّع على ما جرى به عرف التخاطب، وهو منصرف في حق الله تعالى لإكرام القارئ وإجزال ثوابه. ووجه هذا التوسع: أن الإصغاء إلى الشيء قبول له، واعتناء به، ويترتب على ذلك إكرام المُصغَى إليه، فعبّر عن الإكرام بالإصغاء؛ إذ هو عنه. وفائدة هذا الخبر حث القارئ على إعطاء القراءة حقها من: ترتيلها، وتحسينها، وتطييبها بالصوت الحسن ما أمكن.

فأما قوله: يتغنى بالقرآن، فتمسك به من يجوّز القرآن بالألحان، وهو أبو حنيفة وجماعة من السلف، وقال به الشافعي في التحزين، وكرهه مالك وأكثر العلماء، ولا أشك أن موضع الخلاف في هذه المسألة إنما هو إذا لم يغيّر لفظ القرآن بزيادة أو نقصان، أو يبهم معناه بترديد الأصوات، فلا يُفهم معنى القرآن، فإن هذا مما لا شك في تحريمه. فأما إذا سلم من ذلك، وحذى به حذو أساليب الغناء والتطريب والتحزين فقط، فقد قال مالك: ينبغي أن ننَزِّه أذكار الله، وقراءة القرآن عن التشبه بأحوال المجون والباطل؛ فإنها حق، وجد، وصدق. والغناء: هزل، ولهو، ولعب. وهذا الذي قاله مالك وجمهور العلماء هو الصحيح؛ بدليل ما ذُكِر، وبأدلة أُخَرى:

(1) هذا العنوان ساقط من الأصول، واسْتُدْرِك من التلخيص.

ص: 421

لِشَيءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوتِ، يَتَغَنَّى بِالقُرآنِ يَجهَرُ بِهِ.

ــ

منها: أن كيفية قراءة القرآن قد بلغتنا متواترة عن كافة المشايخ جيلا فجيلا إلى العصر الكريم؛ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس فيها تلحين ولا تطريب، مع كثرة المتعمِّقين والمتنطِّعين في مخارج الحروف، وفي المدِّ، والإدغام، والإظهار، وغير ذلك من كيفية القراءات، وهذا قاطع.

ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: لست من ددٍ ولا الدَّدُ مني (1)، والدَّدُ: هو اللعب، واللهو، ومعنى ذلك: أن اللعب لا يليق بأحواله، فكيف بقرآنه وقراءته؟ !

ومنها: أنّ التطريب والترجيع يؤدي إلى الزيادة في القرآن، والنقص منه، وهما ممنوعان، فالمؤدِّي إليهما ممنوع؛ وبيانه: أن التطريب، والتلحين يحتاج من ضروراته أن يمد في غير موضع المدّ، وينقص؛ مراعاة للوزن؛ كما هو معلوم عند أهله.

ومنها: أنه يؤدي إلى تشبيه القرآن بالشعر، وقد نزهه الله عن الشعر وأحواله، حيث قال تعالى:{إِنَّهُ لَقَولُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَولِ شَاعِرٍ}

وقد تأوّل من منع من تلحين القرآن، قوله صلى الله عليه وسلم: يتغنى به. وقوله: ليس منا من لم يتغن بالقرآن؛ على تأويلات:

أحدها: أن معناه أنه يستغني به، يقال: تغنّيت، وتغانيت، بمعنى: استغنيت، قاله سفيان.

وثانيها: أن معناه يجعله مكان الغناء، وبدلا منه، فيستديم تلاوته، ويستطيبه كما يستطيب الغناء.

(1) رواه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 217).

ص: 422

وَفِي رِوَايَةٍ: كَإِذنِهِ، مَكَانَ: مَا أَذِنَ.

رواه أحمد (2/ 450)، والبخاري (5024)، ومسلم (792)(233) و (234)، وأبو داود (1473)، والنسائي (2/ 180).

[668]

- وعَن أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَبِي مُوسَى: لَو رَأَيتَنِي وَأَنَا أَستَمِعُ قِرَاءَتكَ البَارِحَةَ، لَقَد أُوتِيتَ مِزمَارًا مِن مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ.

رواه البخاري (5048)، ومسلم (793)، والترمذي (3854).

ــ

وثالثها: أن معناه: يجهر به. كما فسّره الصحابي راوي الحديث، وهذا أشبه؛ لأن العرب تسمي كل من رفع صوته ووالى به: غانيًا، وفعله ذلك: غناء، وإن لم يلحنه تلحين الغناء، وعلى هذا فسّره الصحابي، وهو أعلم بالمقال، وأقصد بالحال. والله تعالى أعلم.

وقوله لأبي موسى: لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود: المزمار والمزمور: الصوت الحسن، وبه سُمِّيت آلة الزمر: مزمارًا. وآل داود: نفسه. وآل: صلة، والمراد به: داود نفسه، وفي غير الأم (1) قال أبو موسى للنبي صلى الله عليه وسلم: لو علمت أنك تسمع قراءتي لحبرته لك تحبيرًا (2)؛ أي: لحسَّنته ولجمَّلته. والحبر: الجمال، ومنه الحديث في وصف الرجل من أهل النار: ذهب حبره وسبره (3)؛ أي: جماله وبهاؤه. وهذا محمول على أبي موسى: على أنه كان يزيد في رفع صوته وتحسين ترتيله، حتى يسمع النبي صلى الله عليه وسلم ويعرفه أنه قَبِلَ عنه

(1) المقصود في غير صحيح مسلم.

(2)

الحديث رواه أبو يعلى من طريق سعيد بن أبي بردة، عن أبيه. انظر:(التذكار في أفضل الأذكار) للقرطبي (ص 146). و (فتح الباري 9/ 93).

(3)

ذكره الهروي في (غريب الحديث 1/ 60).

ص: 423

[669]

- وَعَن عَبدَ الله بنَ مُغَفَّلٍ المُزَنِيَّ، قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الفَتحِ، فِي مَسِيرٍ لَهُ سُورَةَ الفَتحِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَرَجَّعَ فِي قِرَاءَتِهِ.

قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَولا أَنِّي أَخَافُ أَن يَجتَمِعَ عَلَيَّ النَّاسُ لَحَكَيتُ لَكُم قِرَاءَتَهُ.

رواه أحمد (5/ 54)، والبخاري (4281)، ومسلم (794)(237)، وأبو داود (1467).

[670]

- وَعَن عَائِشَةَ، قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: المَاهِرُ بِالقُرآنِ مَعَ

ــ

كيفية أداء القراءة، وأنه متمكِّن منها، فيحمده النبيٌّ صلى الله عليه وسلم ويدعو له، فتحصل له فضيلة ومنقبة، كما فعل بأبيٍّ حيث سأله فأجابه، فقال: لِيَهنِكَ العلم أبا المنذر (1). ويحتمل أن يكون ذلك ليبالغ في حالةٍ يطيب بها القرآن له؛ فإن الإنسان قد يتساهل مع نفسه في أموره، ويعتني بها عند مشاركة غيره فيها، وإن كان مخلصًا في أصل عمله.

وقوله: فرجَّع في قراءته؛ أي: ردَّد، وذكره البخاري، وقال في وصفه الترجيع قال: أا أا أا ثلاث مرات. وهذا محمول على إشباع المدّ في موضعه، ويحتمل أن يكون ذلك حكاية صوته، عند هز الراحلة، إذا كان راكبًا من انضغاط صوته، وتقطيعه لأجل هز الركوب.

وقوله: الماهر بالقرآن: يعني: الحاذق به، قال الهروي: أصله: الحذق بالسباحة، قلت: ومنه قول امرئ القيس:

وترى الضَّبَّ خفيفًا ماهرًا

ثانيًا بُرثُنَه ما يَنعَفِر (2)

(1) رواه مسلم (810) من حديث أُبيّ رضي الله عنه.

(2)

"البراثن": بمنزلة الأصابع من الإنسان. "ما ينعفر": أي لا يُصيبه العَفَر، وهو التراب.

ص: 424

السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقرَأُ القُرآنَ وَيَتَعتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجرَانِ.

رواه البخاري (4937)، ومسلم (798)، وأبو داود (1454)، والترمذي (2906).

* * *

ــ

قال المهلَّب: المهارة في القرآن: جودة التلاوة، بجودة الحفظ، ولا يتردّد فيه؛ لأنه يسره الله تعالى عليه؛ كما يسره على الملائكة، فهو على مثلها في الحفظ والدرجة، والسفرة: جمع سافر، وهم ملائكة الوحي، سُمُّوا بذلك لأنهم يسفرون بين الله وبين خلقه. وقيل: هم الكتبة، والكاتب يسمى: سافرًا، ومنه أسفار الكتاب. وعلى هذا فيكون وجه كونهم مع الملائكة: أن حملة القرآن يبلغون كلام الله إلى خلقه، فهم سفراء بين رسل الله، وبين خلقه، فهم معهم؛ أي: في مرتبتهم في هذه العبادة. ويستفيد من هذا حملة القرآن: التحرُّز في التبليغ والتعليم، والاجتهاد في تحصيل الصدق، وإخلاص النية لله؛ حتى تصح لهم المناسبة بينهم وبين الملائكة.

وقوله: يتتعتع فيه؛ أي: يتردد في تلاوته عِيًّا وصعوبة. والتعتعة في الكلام: العِيُّ. وإنما كان له أجران؛ من حيث التلاوة؛ ومن حيث المشقة، ودرجات الماهر فوق ذلك كله؛ لأنه قد كان القرآن متعتعًا عليه، ثم ترقَّى عن ذلك إلى أن شُبِّه بالملائكة. والله أعلم.

ص: 425