المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(7) باب ما جاء في القراءة في الصلاة وبيان أركانها - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٢

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(3) كتاب الصلاة

- ‌(1) باب ما جاء في الأذان والإقامة

- ‌(2) باب الأذان أمان من الغارة، وما جاء في اتخاذ مُؤذِّنَينِ

- ‌(3) باب إذا سَمِعَ المؤذن قال مثل ما قال، وفضل ذلك، وما يقول بعد الأذان

- ‌(4) باب فضل الأذان وما يُصيب الشيطان عنده

- ‌(5) باب رفع اليدين في الصلاة، ومتى يرفعهما؟ وإلى أين

- ‌(6) باب التكبير في الصلاة

- ‌(7) باب ما جاء في القراءة في الصلاة وبيان أركانها

- ‌(8) باب ترك قراءة بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ في الصلاة

- ‌(9) باب حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة

- ‌(10) باب التَّشَهُّد في الصلاة

- ‌(11) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(12) باب التَّحمِيد والتَّأمِين

- ‌(13) باب إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤتَمَّ به

- ‌(14) باب استخلاف الإمام إذا مرض، وجواز ائتمام القائم بالقاعد

- ‌(15) باب العمل القليل في الصلاة لا يضرها

- ‌(16) باب إذا نَابَ الإمامَ شيءٌ فَليُسَبِّح الرجالُ وَليُصَفِّق النساءُ

- ‌(17) باب الأمر بتحسين الصلاة، والنهي عن مسابقة الإمام

- ‌(18) باب النهي عن رفع الرأس قبل الإمام، وعن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، والأمر بالسكون فيها

- ‌(19) باب الأمر بتسوية الصفوف، ومن يلي الإمام

- ‌(20) باب في صفوف النساء وخروجهن إلى المساجد

- ‌(21) باب في قوله تعالى: {وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِت بِهَا}

- ‌(22) باب القراءة في الظهر والعصر

- ‌(23) باب القراءة في الصبح

- ‌(24) باب القراءة في المغرب والعشاء

- ‌(25) باب أمر الأئمة بالتخفيف في تمام

- ‌(26) باب في اعتدال الصلاة وتقارب أركانها

- ‌(27) باب اتباع الإمام والعمل بعده

- ‌(28) باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌(29) باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود

- ‌(30) باب ما يقال في الركوع والسجود

- ‌(31) باب الترغيب في كثرة السجود، وعلى كم يسجد؟ وفيمن صلى معقوص الشعر

- ‌(32) باب كيفية السجود

- ‌(33) باب تحريمُ الصلاةِ التكبيرُ، وتحليلُها التسليمُ

- ‌(34) باب في سترة المصلي وأحكامها

- ‌(35) باب مَنع المصلي مَن مَرَّ بين يديه، والتَّغليِظ في المرور بين يدي المصلي

- ‌(36) باب دنو المصلي من سترته وما جاء فيما يقطع الصلاة

- ‌(37) باب اعتراض المرأة بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة

- ‌(38) باب الصلاة بالثوب الواحد على الحصير

- ‌(39) باب أول مسجد وضع في الأرض، وما جاء أن الأرض كلها مسجد

- ‌(40) باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(41) باب تحويل القبلة من الشام إلى الكعبة، والنهي عن بناء المساجد على القبور وعن التصاوير فيها

- ‌(42) باب ثواب من بَنَى للهِ مسجدًا

- ‌(43) باب التطبيق في الركوع وما ثبت من نسخه

- ‌(44) باب [جواز الإقعاء على العقبين]

- ‌(45) باب نسخ الكلام في الصلاة

- ‌(46) باب جواز الإشارة بالسلام في الصلاة، ولعن الشيطان

- ‌(47) باب جواز حمل الصغير في الصلاة، وجواز التقدم والتأخر، ومن صلى على موضع أرفع من موضع المأموم

- ‌(48) باب النهي عن الاختصار في الصلاة، وما يجوز من مس الحصى فيها، وما جاء في البصاق في المسجد

- ‌(49) باب الصلاة في النعلين والثوب المعلم وبحضرة الطعام

- ‌(50) باب النهي عن إتيان المساجد لمن أكل الثوم أو البصل، وإخراج من وُجد منه ريحها من المسجد

- ‌(51) باب النهي عن أن تنشد الضالَّة في المسجد

- ‌(52) باب الأمر بسجود السهو، وما جاء فيمن سها عن الجلسة الوسطى

- ‌(53) باب فيمن لم يّدرِ كم صلى

- ‌(54) باب فيمن سلَّم من اثنتين أو ثلاث

- ‌(55) باب ما جاء في سجود القرآن

- ‌(56) باب كيفية الجلوس للتشهد

- ‌(57) باب كم يسلم من الصلاة، وبأي شيء كان يعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(58) باب الاستعاذة في الصلاة من عذاب القبر وغيره

- ‌(59) باب قدر ما يقعد الإمام بعد السلام وما يقال بعده

- ‌(60) باب السكوت بين التكبير والقراءة في الركعة الأولى وما يقال فيه

- ‌(61) باب فضل التحميد في الصلاة

- ‌(62) باب إتيان الصلاة بالسكينة، ومتى تقام؟ ومتى يقام لها؟ وإتمام المسبوق

- ‌(63) باب من أدرك ركعة من فعل الصلاة أو وقتها فقد أدركها

- ‌(64) باب إذا ذكر الإمام أنه مُحدِث خرج فأمرهم بانتظاره

- ‌(65) باب أَوقَات الصَّلَوَاتِ

- ‌(66) باب الإبراد بالظهر في شدة الحر

- ‌(67) باب تعجيل الظهر بعد الإبراد وفي زمن البرد

- ‌(68) باب تعجيل صلاة العصر

- ‌(69) باب ما جاء في الصلاة الوسطى

- ‌(70) باب من فاتته صلوات كيف يقضيها

- ‌(71) باب المحافظة على الصبح والعصر

- ‌(72) باب تعجيل صلاة المغرب

- ‌(73) باب تأخير العشاء الآخرة

- ‌(74) باب التغليس بصلاة الصبح

- ‌(75) باب المنع من إخراج الصلاة عن وقتها

- ‌(76) باب صلاة الفذ جائزة، والجماعة أفضل

- ‌(77) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة والجمعة

- ‌(78) باب النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان، وفضل العشاء والصبح في جماعة

- ‌(79) باب الرخصة في التخلف عن الجماعة للعذر

- ‌(80) باب صلاة النفل في جماعة، والصلاة على البسط وإن عتقت وامتهنت

- ‌(81) باب فضل انتظار الصلاة في المسجد

- ‌(82) باب من كانت داره عن المسجد أبعد كان ثوابه في إتيانه أكثر

- ‌(83) باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات

- ‌(84) باب الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح

- ‌(85) باب في الإمامة، ومن أحق بها

- ‌(86) باب ما جاء في القنوت والدعاء للمُعَيَّنِ وعليه في الصلاة

- ‌(87) باب من نام عن صلاة أو نسيها

- ‌(88) باب من نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس فله أن يؤذن إذا كان في جماعة، ويصلي ركعتي الفجر

- ‌(89) باب ما جاء في حكم قَصرِ الصلاة في السفر

- ‌(90) باب من أين يبدأ بالقصر إذا خرج من وطنه، واستمراره على القصر ما لم ينو إقامة

- ‌(91) باب قَصر الصلاة بِمنىً

- ‌(92) باب جواز التخلف عن صلاة الجماعة والجمعة لعذر المطر

- ‌(93) باب التنفل والوتر على الراحلة في السفر

- ‌(94) باب الجمع بين الصلاتين في السفر والحضر

- ‌(95) باب الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال

- ‌(96) باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(97) باب ما يقول عند دخول المسجد، والأمر بِتحيَّتِهِ

- ‌(98) باب في صلاة الضحى

- ‌(99) باب الوصية بالضحى وأقله ركعتان

- ‌(100) باب ما جاء في ركعتي الفجر

- ‌(101) باب رواتب الفرائض وفضلها

- ‌(102) باب في صلاة النفل قائمًا وقاعدًا

- ‌(103) باب كيف صلاة الليل وكم عددها

- ‌(104) باب في صلاة الوتر

- ‌(105) باب فيمن غلب عن حزبه، وفيمن خاف أن يغلب عن وتره، وفضل طول القنوت وآخر الليل

- ‌(106) باب الترغيب في قيام رمضان وليلة القدر وكيفية القيام

- ‌(107) باب في كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، وتَبَتُّلِه ودُعَائِهِ

- ‌(108) باب ترتيل القراءة والجهر بها في صلاة الليل وتطويلها

- ‌(109) باب استغراق الليل بالنوم من آثار الشيطان

- ‌(110) باب أفضل النوافل ما صُلِّي في البيت

- ‌(111) باب أَحَبُّ العمل إلى الله أَدوَمُهُ وإن قَلَّ، وكراهية التَّعَمُّقِ والتشديد

- ‌أبواب فضائل القرآن وما يتعلق بها

- ‌(112) باب الأمر بِتَعاهُدِ القرآن، وذَمِّ من فرط فيه حتى نسي

- ‌(113) باب تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها

- ‌(114) باب إقراء النبي صلى الله عليه وسلم القرآن وتعليمه كيفية الأداء

- ‌(115) باب فضل تعلُّم القرآن وقراءته وفضل سورة البقرة وآل عمران

- ‌(116) باب فضل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة

- ‌(117) باب فضل سورة الكهف، وتنزل السكينة عند قراءتها

- ‌(118) باب فضل قراءة {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

- ‌(119) باب فضل قراءة المعوذتين

- ‌(120) باب لا حسد إلا في اثنتين، ومن يرفع بالقرآن

- ‌(121) باب إنزال القرآن على سبعة أحرف

- ‌(122) باب قراءة سورتين في ركعة من النوافل

- ‌(123) باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها

- ‌(124) باب في الركعتين بعد العصر

- ‌(125) باب الركوع بعد الغروب وقبل المغرب

- ‌(126) باب صلاة الخوف

- ‌(4) كتاب الجمعة

- ‌(1) باب فضل الغسل للجمعة وتأكيده، ومن اقتصر على الوضوء أجزأه

- ‌(2) باب فضل يوم الجمعة، والساعة التي فيه

- ‌(3) باب فضل التهجير للجمعة ووقتها

- ‌(4) باب الإنصات للخطبة وفضله

- ‌(5) باب الخطبة، والقيام لها، والجلوس بين الخطبتين، والإشارة باليد

- ‌(6) باب ما يقال في الخطبة ورفع الصوت بها

- ‌(7) باب ركوع من دخل والإمام يخطب، والتعليم في حالة الخطبة

- ‌(8) باب ما يُقرَأُ به في صلاة الجمعة، وفي صبح يومها

- ‌(9) باب ما جاء في التنفل بعد الجمعة

- ‌(10) باب التغليظ في ترك الجمعة

- ‌(5) أبواب صلاة العيدين

- ‌(1) باب الخروج إلى المصلى في العيدين، وخروج النساء

- ‌(2) باب لا صلاة قبل صلاة العيدين في المصلى، ولا أذان ولا إقامة

- ‌(3) باب الصلاة فيهما قبل الخطبة

- ‌(4) باب ما يقال في الخطبة

- ‌(5) باب ما يقرأ في صلاة العيدين

- ‌(6) باب الفرح واللعب في أيام الأعياد

- ‌(6) أبواب الاستسقاء

- ‌(1) باب الخروج إلى المصلى لصلاة الاستسقاء، وكيفية العمل فيها

- ‌(2) باب الدعاء في السُّقيَا في المسجد وبغير صلاة

- ‌(3) باب التبرك بالمطر، والفرح به، والتعوُّذ عند الريح والغيم

- ‌(7) أبواب كسوف الشمس والقمر

- ‌(1) باب الأمر بالصلاة والذكر والصدقة عند الكسوف

- ‌(2) باب كيفية العمل فيها، وأنها ركوعان في كل ركعة

- ‌(3) باب ما جاء أن في كل ركعة ثلاث ركعات

- ‌(4) باب ما جاء أن في كل ركعة أربع ركعات

- ‌(5) باب يطول سجودها كما يطول ركوعها

- ‌(6) باب ما جاء أن صلاة الكسوف ركعتان كسائر النوافل

- ‌(7) باب شهود النساء صلاة الكسوف

- ‌(8) كتاب الجنائز

- ‌(1) باب تلقين الموتى، وما يقال عند المصيبة، وعند حضور المرضى والموتى

- ‌(2) باب في إغماض الميت، والدعاء له

- ‌(3) باب ما جاء في البكاء على الميت، وعنده

- ‌(4) باب في عيادة المريض، والصبر عند الصدمة الأولى

- ‌(5) باب ما جاء أن الميت ليعذبُ ببكاءِ الحَيِّ عليه

- ‌(6) باب التشديد في النياحة، وما جاء في اتباع الجنائز

- ‌(7) باب الأمر بغسل الميت وكيفيته

- ‌(8) باب في تكفين الميت وتسجيته، والأمر بتحسين الكفن

- ‌(9) باب الإسراع بالجنازة، وفضل الصلاة عليها، واتباعها

- ‌(10) باب الاستشفاع للميت، وأن الثناء عليه شهادة له، وأنه مستريح ومستراح منه

- ‌(11) باب الأمر بالصلاة على الميت، وكيفية الصلاة عليه، وكم التكبيرات

- ‌(12) باب الدعاء للميت، وأين يقوم الإمام من المرأة

- ‌(13) باب ما جاء في الصلاة على القبر

- ‌(14) باب الأمر بالقيام للجنازة ونسخه

- ‌(15) باب ركوب المتبع للجنازة إذا انصرف منها

- ‌(16) باب في كيفية القبور وكراهية تجصيصها والبناء عليها، وهل يجعل في القبر شيء

- ‌(17) باب النهي عن الجلوس على القبور والصلاة إليها

- ‌(18) باب الصلاة على الميت في المسجد

- ‌(19) باب زيارة القبور والتسليم عليها، والدعاء والاستغفار للموتى

- ‌(20) باب من لا يصلى عليه

- ‌(21) باب النهي عن تمني الموت لضر نزل به

- ‌(22) باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

الفصل: ‌(7) باب ما جاء في القراءة في الصلاة وبيان أركانها

رواه أحمد (2/ 454 و 470)، والبخاري (789)، ومسلم (392)(27 و 28)، وأبو داود (836)، والنسائي (2/ 232).

* * *

(7) باب ما جاء في القراءة في الصلاة وبيان أركانها

[310]

- عَن عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لا صَلاةَ لِمَن لَم يَقرَأ بِأُمِّ القُرآنِ.

ــ

(7)

ومن باب: القراءة في الصلاة

قوله لا صلاة ظاهره نفي الإجزاء في كل صلاة لا يُقرأ فيها بأم القرآن، وهو مذهب مالك والشافعي والجمهور، ورأى أبو حنيفة أنها لا تتعين وأن غيرها من آي القرآن وسُوَرِهِ يجزئ، فيتعين عليه حمل لا صلاة على نفي الكمال أو على الإجمال بينهما، كما صار القاضي إليه. ومذهب الجمهور هو الصحيح؛ لأن نفي الإجزاء هو السابق للفهم، كما تقول العرب: لا رجل في الدار - فإنه يقتضي هذا نفي أصل الجنس الكامل والناقص، ولا يصار لنفي الوصف إلا بدليل من خارج.

واختلف العلماء في القراءة في الصلاة؛ فذهب جمهورهم إلى وجوب قراءة أم القرآن للإمام والفذِّ في كل ركعة، وهو مشهور قول مالك، وعنه أيضًا أنها واجبة في جُلّ الصلاة، وهو قول إسحاق، وعنه أنها تجب في ركعة واحدة، وقاله المغيرة والحسن. وعنه أن القراءة لا تجب في شيء من الصلاة، وهو أشذ الروايات، وحُكي عنه أنها تجب في نصف الصلاة، وإليه ذهب الأوزاعي،

ص: 24

زَادَ فِي رِوَايَةٍ: فَصَاعِدًا.

رواه البخاري (756)، ومسلم (394)(36)، وأبو داود (823)، والترمذي (247)، والنسائي (2/ 137 - 138).

[311]

- وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَن صَلَّى صَلاةً لَم يَقرَأ فِيهَا بِأُمِّ القُرآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ - ثَلاثًا، غَيرُ تَمَامٍ. فَقِيلَ لأَبِي هُرَيرَةَ: إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الإِمَامِ! فَقَالَ: اقرَأ بِهَا فِي نَفسِكَ، فَإِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم

ــ

وذهب الأوزاعي أيضا وأبو أيوب وغيرهما إلى أنها تجب على الإمام والفذّ والمأموم على كل حال، وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله تعالى.

وقوله فصاعدًا معناه: فزائدًا، ويلزم من ظاهر هذا اللفظ أن تكون الزيادة على أم القرآن - التي هي السورة - واجبة، ولا قائل أعلمه يقول بوجوب قراءة السورة زيادة على أم القرآن، وإنما الخلاف في وجوب أم القرآن خاصة. وقد أجمعوا على أن لا صلاة إلا بقراءةٍ في الركعتين الأوليَين، إلا ما قاله الشافعي فيمن نسي القراءة في الصلاة كلها أنها تجزئه لعذر النسيان، وهذا شاذ، وقد رجع عنه، وإلا ما شذ من قول مالك.

وقوله من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، قال الهروي: الخداج النقصان؛ يقال خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج وإن كان تام الخلق. وأخدجته: إذا ولدته ناقصًا وإن كان لتمام الولادة. فقوله خداج أي: ذات خداج، فحذف ذات وأقام الخداج مقامه، وهذا مذهب الخليل في الخداج وأبي حاتم والأصمعي، وأما الأخفش فعكس وجعل الإخداج قبل الوقت وإن كان تام الخلق.

وسميت الفاتحة أم الكتاب لأنها أصله؛ أي: هي محيطة بجميع علومه،

ص: 25

يَقُولُ: قَالَ اللهُ عز وجل: قَسَمتُ الصَّلاةَ بَينِي وَبَينَ عَبدِي نِصفَينِ، وَلِعَبدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ العَبدُ {الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} قَالَ اللهُ تعالى: حَمِدَنِي عَبدِي. وَإِذَا قَالَ {الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ اللهُ تعالى:

ــ

فهي منها وراجعة إليها، ومنها سميت الأم أُمًّا؛ لأنها أصل النَّسل، والأرض أُمًّا في قوله:

فالأرض معقلنا وكانت أُمَّنا

فيها مقابرنا وفيها نولد

ومنه: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} و: {هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ} ولا معنى لكراهية من كره تسميتها بأم القرآن مع وجود ذلك في الحديث.

وقوله قسمت الصلاة يعني أم القرآن، سماها صلاة؛ لأن الصلاة لا تتم - أو لا تصح - إلا بها، ومعنى القسمة هنا من جهة المعاني؛ لأن نصفها الأول في حمد الله وتمجيده والثناء عليه وتوحيده، والنصف الثاني في اعتراف العبد بعجزه وحاجته إليه وسؤاله في تثبيته لهدايته ومعونته على ذلك، وهذا التقسيم حجة على أن بسم الله الرحمن الرحيم ليست من الفاتحة خلافًا للشافعي، وسيأتي قوله.

وقوله تعالى حمدني عبدي؛ أي: أثنى عليّ بصفات كمالي وجلالي. ومجّدني شرّفني؛ أي: اعتقد شرفي ونطق به، والمجد: نهاية الشرف، وهو الكثيرُ صفاتِ الكمالِ، والمجد: الكثرة، ومنه قوله:

في كل شجر نار واستَمجَدَ المَرخُ والعَفَار (1)

(1)"المرخ": شجر سريع الاشتعال. و"العفار": شجر يتّخذ منه الزناد. و"اسْتمجد": استكثر.

وهذا المثلُ يضرب في تفضيل بعض الشيء على بعض.

ص: 26

أَثنَى عَلَيَّ عَبدِي. وَإِذَا قَالَ {مَالِكِ يَومِ الدِّينِ} قَالَ: مَجَّدَنِي عَبدِي - وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبدِي. فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعبُدُ وَإِيَّاكَ نَستَعِينُ} قَالَ: هَذَا بَينِي وَبَينَ عَبدِي، وَلِعَبدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ:{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} ، {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَلا الضَّالِّينَ} قَالَ: هَذَا لِعَبدِي، وَلِعَبدِي مَا سَأَلَ.

رواه أحمد (2/ 250 و 285)، ومسلم (395)(38)، وأبو داود (819 و 820)، والترمذي (2954 و 2955)، والنسائي (2/ 135 - 136).

ــ

أي: كثر نارهما.

وقوله وربما قال: فوّض إليّ عبدي؛ أي: يقول هذا ويقول هذا، غير أن فوض أقل ما يقوله، وليس شكا، وهو مطابق لقوله: مَالِكِ يَومِ الدِّينِ - لأنه تعالى هو المنفرد في ذلك اليوم بالملك، إذ لا تبقى دعوى لمدّع. والدين: الجزاء، والحساب، والطاعة، والعبادة، والملك.

وقوله نعبد؛ أي: نخضع ونتذلل. ونستعين نسألك العون، اهدنا أرشدنا وثبتنا على الهداية، والصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه؛ والمنعم عليهم هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون. والمغضوب عليهم اليهود، والضلاّل النصارى، كذا روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).

وإنما قال الله تعالى هنا هذا بيني وبين عبدي لأنها تضمّنت تذلل العبد لله وطلبه الاستعانة منه، وذلك يتضمّن تعظيم الله تعالى وقدرته على ما طُلب منه.

وقوله فيما بقي من السورة هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل؛ لأن العبد دعا لنفسه، وقال مالك في قوله فهؤلاء لعبدي: هي إشارة إلى أنها ثلاث آيات

(1) رواه أحمد (4/ 378)، والترمذي (2953) من حديث عدي رضي الله عنه.

ص: 27

[312]

- وَعَنهُ قَالَ: فِي كُلِّ صَّلاةٍ قِرَاءَةٌ، فَمَا أَسمَعَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَسمَعنَاكُم، وَمَا أَخفَى مِنَّا أَخفَينَا مِنكُم. مَن قَرَأَ بِأُمِّ الكتاب فَقَد أَجزَأَت عَنهُ، وَمَن زَادَ فَهُوَ أَفضَلُ.

رواه أحمد (2/ 348)، ومسلم (396)(44)، والنسائي (2/ 163).

ــ

لا آيتان؛ وذلك أن المسلمين قد اتفقوا على أن الفاتحة سبع آيات، فإذا كانت ثلاث آيات عند قوله {مَالِكِ يَومِ الدِّينِ} بقيت أربع آيات:{إِيَّاكَ نَعبُدُ وَإِيَّاكَ نَستَعِينُ} تبقى ثلاث آيات، فتصحّ الإشارة إليها بهؤلاء. وقد عدّ البصريون والشاميون والمدنيون {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم} آية، وعليه تصح القسمة والإشارة، والله أعلم.

وقوله اقرأ بها في نفسك، اختلف العلماء في قراءة المأموم خلف الإمام؛ فذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن المأموم لا يترك قراءة أم القرآن على حال، وإليه ذهب الشافعي تمسكًا بقول أبي هريرة وبعموم قوله لا صلاة، وذهب مالك وابن المسيب في جماعة من التابعين وغيرهم وفقهاء أهل الحجاز والشام إلى أنه لا يقرأ معه فيما جهر به وإن لم يسمعه، ويقرأ معه ما أسر فيه الإمام تمسكًا بقوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ القُرآنُ فَاستَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا، وبقول أبي هريرة: فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقوله عليه الصلاة والسلام: إذا قرأ الإمام فأنصتوا (1). وذهب أكثر هؤلاء إلى أن القراءة فيما يُسِرّ فيه الإمام غير واجبة، إلا داود وأحمد بن حنبل وأصحاب الحديث فإنهم أوجبوا قراءة الفاتحة إذا أسرّ الإمام، وذهب الكوفيون إلى ترك قراءة المأموم خلف الإمام على كل حال.

(1) رواه أحمد (4/ 415)، ومسلم (404)، وأبو داود (972 و 973)، والنسائي (2/ 96 و 97) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

ص: 28

[313]

- وَعَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ المَسجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَدَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم السَّلامَ، فَقَالَ: ارجِع فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَم تُصَلِّ! فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى كَمَا كَانَ صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ عَلَيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: وَعَلَيكَ السَّلامُ، ثُمَّ قَالَ: ارجِع فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَم تُصَلِّ! حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا أُحسِنُ غَيرَ هَذَا، فعَلِّمنِي! قَالَ: إِذَا قُمتَ إِلَى الصَّلاةِ فَكَبِّر، ثُمَّ اقرَأ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرآنِ، ثُمَّ اركَع حَتَّى تَطمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارفَع حَتَّى تَعتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسجُد حَتَّى تَطمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارفَع

ــ

وقوله في حديث أبي هريرة للذي علمه الصلاة إذا قمت إلى الصلاة فكبر، هذا الحديث ومساقه يدل على أنه عليه الصلاة والسلام قصد إلى ذكر فرائض الصلاة لا غير؛ لأن جميع ما ذكره فيه فرض، وما لم يذكره ليس من فرائضها، هذا قول كافة أصحابنا وغيرهم، وهذا ينتقض عليهم بالنية والسلام إذ لم يذكرهما.

وقوله ما تيسر معك من القرآن متمَسَّك أبي حنيفة، فإنه يأخذ بعمومه، ويقال له: إن ما تيسر هو الفاتحة؛ لأن الله تعالى قد يسَّرها على ألسنة الناس صغارهم وكبارهم، ذكورهم وإناثهم، أحرارهم وعبيدهم، ويتأيد هذا التأويل بقوله لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب (1).

وقوله ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، وقال في السجود كذلك، واختلف أصحابنا في وجوب الطمأنينة، والأصل المتقدم يرفع هذا الخلاف، بل ينبغي عليه أن تكون واجبة على كل حال، وهذا يدل على اختلافهم في ذلك الأصل.

(1) سبق تخريجه برقم (311).

ص: 29

حَتَّى تَطمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افعَل ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا.

زَادَ فِي رِوَايَةٍ: إِذَا قُمتَ إِلَى الصَّلاةِ فَأَسبِغِ الوُضُوءَ، ثُمَّ استَقبِلِ القِبلَةَ فَكَبِّر.

رواه أحمد (2/ 437)، والبخاري (757)، ومسلم (397)، وأبو داود (856)، والترمذي (303)، والنسائي (2/ 125).

[314]

- وَعَن عِمرَانَ بنِ حُصَينٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهرَ، فَجَعَلَ رَجُلٌ يَقرَأُ خَلفَهُ بِسَبِّحِ اسمَ رَبِّكَ الأَعلَى، فَلَمَّا انصَرَفَ قَالَ: أَيُّكُم قَرَأَ؟ أَو: أَيُّكُمُ القَارِئُ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا! فَقَالَ: قَد ظَنَنتُ أَنَّ بَعضَكُم خَالَجَنِيهَا!

ــ

وقوله ثم افعل ذلك في صلاتك كلها يدل على وجوب القراءة في كل ركعة، وهو المشهور (1) على ما تقدم.

وقوله ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، يريد بين السجدتين. وفي رواية ثم اجلس حتى تطمئن جالسًا، وهذا يدل على وجوب الفصل بين السجدتين، وهل يجب لذاته فلا بد منه أو للفصل فيحصل الفصل بأقل ما يحصل منه ويكون تمامه سنة؟ اختُلف فيه.

وقوله قد علمت أن بعضكم خالجنيها؛ أي خالطنيها، ويروى نازعنيها؛ أي كأنه نزع ذلك من لسانه، وهو مثل حديثه الآخر: ما لي أنازع القرآن! (2) ولا حجة فيه لمنكري القراءة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام إنما أنكر المخالجة لا القراءة.

(1) في (ل): المفهوم.

(2)

رواه أبو داود (823 و 824)، والترمذي (311)، والنسائي (2/ 141) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.

ص: 30