الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواه أحمد (2/ 454 و 470)، والبخاري (789)، ومسلم (392)(27 و 28)، وأبو داود (836)، والنسائي (2/ 232).
* * *
(7) باب ما جاء في القراءة في الصلاة وبيان أركانها
[310]
- عَن عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لا صَلاةَ لِمَن لَم يَقرَأ بِأُمِّ القُرآنِ.
ــ
(7)
ومن باب: القراءة في الصلاة
قوله لا صلاة ظاهره نفي الإجزاء في كل صلاة لا يُقرأ فيها بأم القرآن، وهو مذهب مالك والشافعي والجمهور، ورأى أبو حنيفة أنها لا تتعين وأن غيرها من آي القرآن وسُوَرِهِ يجزئ، فيتعين عليه حمل لا صلاة على نفي الكمال أو على الإجمال بينهما، كما صار القاضي إليه. ومذهب الجمهور هو الصحيح؛ لأن نفي الإجزاء هو السابق للفهم، كما تقول العرب: لا رجل في الدار - فإنه يقتضي هذا نفي أصل الجنس الكامل والناقص، ولا يصار لنفي الوصف إلا بدليل من خارج.
واختلف العلماء في القراءة في الصلاة؛ فذهب جمهورهم إلى وجوب قراءة أم القرآن للإمام والفذِّ في كل ركعة، وهو مشهور قول مالك، وعنه أيضًا أنها واجبة في جُلّ الصلاة، وهو قول إسحاق، وعنه أنها تجب في ركعة واحدة، وقاله المغيرة والحسن. وعنه أن القراءة لا تجب في شيء من الصلاة، وهو أشذ الروايات، وحُكي عنه أنها تجب في نصف الصلاة، وإليه ذهب الأوزاعي،
زَادَ فِي رِوَايَةٍ: فَصَاعِدًا.
رواه البخاري (756)، ومسلم (394)(36)، وأبو داود (823)، والترمذي (247)، والنسائي (2/ 137 - 138).
[311]
- وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَن صَلَّى صَلاةً لَم يَقرَأ فِيهَا بِأُمِّ القُرآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ - ثَلاثًا، غَيرُ تَمَامٍ. فَقِيلَ لأَبِي هُرَيرَةَ: إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الإِمَامِ! فَقَالَ: اقرَأ بِهَا فِي نَفسِكَ، فَإِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
وذهب الأوزاعي أيضا وأبو أيوب وغيرهما إلى أنها تجب على الإمام والفذّ والمأموم على كل حال، وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله تعالى.
وقوله فصاعدًا معناه: فزائدًا، ويلزم من ظاهر هذا اللفظ أن تكون الزيادة على أم القرآن - التي هي السورة - واجبة، ولا قائل أعلمه يقول بوجوب قراءة السورة زيادة على أم القرآن، وإنما الخلاف في وجوب أم القرآن خاصة. وقد أجمعوا على أن لا صلاة إلا بقراءةٍ في الركعتين الأوليَين، إلا ما قاله الشافعي فيمن نسي القراءة في الصلاة كلها أنها تجزئه لعذر النسيان، وهذا شاذ، وقد رجع عنه، وإلا ما شذ من قول مالك.
وقوله من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، قال الهروي: الخداج النقصان؛ يقال خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج وإن كان تام الخلق. وأخدجته: إذا ولدته ناقصًا وإن كان لتمام الولادة. فقوله خداج أي: ذات خداج، فحذف ذات وأقام الخداج مقامه، وهذا مذهب الخليل في الخداج وأبي حاتم والأصمعي، وأما الأخفش فعكس وجعل الإخداج قبل الوقت وإن كان تام الخلق.
وسميت الفاتحة أم الكتاب لأنها أصله؛ أي: هي محيطة بجميع علومه،
يَقُولُ: قَالَ اللهُ عز وجل: قَسَمتُ الصَّلاةَ بَينِي وَبَينَ عَبدِي نِصفَينِ، وَلِعَبدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ العَبدُ {الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} قَالَ اللهُ تعالى: حَمِدَنِي عَبدِي. وَإِذَا قَالَ {الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ اللهُ تعالى:
ــ
فهي منها وراجعة إليها، ومنها سميت الأم أُمًّا؛ لأنها أصل النَّسل، والأرض أُمًّا في قوله:
فالأرض معقلنا وكانت أُمَّنا
…
فيها مقابرنا وفيها نولد
ومنه: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} و: {هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ} ولا معنى لكراهية من كره تسميتها بأم القرآن مع وجود ذلك في الحديث.
وقوله قسمت الصلاة يعني أم القرآن، سماها صلاة؛ لأن الصلاة لا تتم - أو لا تصح - إلا بها، ومعنى القسمة هنا من جهة المعاني؛ لأن نصفها الأول في حمد الله وتمجيده والثناء عليه وتوحيده، والنصف الثاني في اعتراف العبد بعجزه وحاجته إليه وسؤاله في تثبيته لهدايته ومعونته على ذلك، وهذا التقسيم حجة على أن بسم الله الرحمن الرحيم ليست من الفاتحة خلافًا للشافعي، وسيأتي قوله.
وقوله تعالى حمدني عبدي؛ أي: أثنى عليّ بصفات كمالي وجلالي. ومجّدني شرّفني؛ أي: اعتقد شرفي ونطق به، والمجد: نهاية الشرف، وهو الكثيرُ صفاتِ الكمالِ، والمجد: الكثرة، ومنه قوله:
في كل شجر نار واستَمجَدَ المَرخُ والعَفَار (1)
(1)"المرخ": شجر سريع الاشتعال. و"العفار": شجر يتّخذ منه الزناد. و"اسْتمجد": استكثر.
وهذا المثلُ يضرب في تفضيل بعض الشيء على بعض.
أَثنَى عَلَيَّ عَبدِي. وَإِذَا قَالَ {مَالِكِ يَومِ الدِّينِ} قَالَ: مَجَّدَنِي عَبدِي - وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبدِي. فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعبُدُ وَإِيَّاكَ نَستَعِينُ} قَالَ: هَذَا بَينِي وَبَينَ عَبدِي، وَلِعَبدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ:{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} ، {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَلا الضَّالِّينَ} قَالَ: هَذَا لِعَبدِي، وَلِعَبدِي مَا سَأَلَ.
رواه أحمد (2/ 250 و 285)، ومسلم (395)(38)، وأبو داود (819 و 820)، والترمذي (2954 و 2955)، والنسائي (2/ 135 - 136).
ــ
أي: كثر نارهما.
وقوله وربما قال: فوّض إليّ عبدي؛ أي: يقول هذا ويقول هذا، غير أن فوض أقل ما يقوله، وليس شكا، وهو مطابق لقوله: مَالِكِ يَومِ الدِّينِ - لأنه تعالى هو المنفرد في ذلك اليوم بالملك، إذ لا تبقى دعوى لمدّع. والدين: الجزاء، والحساب، والطاعة، والعبادة، والملك.
وقوله نعبد؛ أي: نخضع ونتذلل. ونستعين نسألك العون، اهدنا أرشدنا وثبتنا على الهداية، والصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه؛ والمنعم عليهم هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون. والمغضوب عليهم اليهود، والضلاّل النصارى، كذا روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
وإنما قال الله تعالى هنا هذا بيني وبين عبدي لأنها تضمّنت تذلل العبد لله وطلبه الاستعانة منه، وذلك يتضمّن تعظيم الله تعالى وقدرته على ما طُلب منه.
وقوله فيما بقي من السورة هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل؛ لأن العبد دعا لنفسه، وقال مالك في قوله فهؤلاء لعبدي: هي إشارة إلى أنها ثلاث آيات
(1) رواه أحمد (4/ 378)، والترمذي (2953) من حديث عدي رضي الله عنه.
[312]
- وَعَنهُ قَالَ: فِي كُلِّ صَّلاةٍ قِرَاءَةٌ، فَمَا أَسمَعَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَسمَعنَاكُم، وَمَا أَخفَى مِنَّا أَخفَينَا مِنكُم. مَن قَرَأَ بِأُمِّ الكتاب فَقَد أَجزَأَت عَنهُ، وَمَن زَادَ فَهُوَ أَفضَلُ.
رواه أحمد (2/ 348)، ومسلم (396)(44)، والنسائي (2/ 163).
ــ
لا آيتان؛ وذلك أن المسلمين قد اتفقوا على أن الفاتحة سبع آيات، فإذا كانت ثلاث آيات عند قوله {مَالِكِ يَومِ الدِّينِ} بقيت أربع آيات:{إِيَّاكَ نَعبُدُ وَإِيَّاكَ نَستَعِينُ} تبقى ثلاث آيات، فتصحّ الإشارة إليها بهؤلاء. وقد عدّ البصريون والشاميون والمدنيون {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم} آية، وعليه تصح القسمة والإشارة، والله أعلم.
وقوله اقرأ بها في نفسك، اختلف العلماء في قراءة المأموم خلف الإمام؛ فذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن المأموم لا يترك قراءة أم القرآن على حال، وإليه ذهب الشافعي تمسكًا بقول أبي هريرة وبعموم قوله لا صلاة، وذهب مالك وابن المسيب في جماعة من التابعين وغيرهم وفقهاء أهل الحجاز والشام إلى أنه لا يقرأ معه فيما جهر به وإن لم يسمعه، ويقرأ معه ما أسر فيه الإمام تمسكًا بقوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ القُرآنُ فَاستَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا، وبقول أبي هريرة: فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقوله عليه الصلاة والسلام: إذا قرأ الإمام فأنصتوا (1). وذهب أكثر هؤلاء إلى أن القراءة فيما يُسِرّ فيه الإمام غير واجبة، إلا داود وأحمد بن حنبل وأصحاب الحديث فإنهم أوجبوا قراءة الفاتحة إذا أسرّ الإمام، وذهب الكوفيون إلى ترك قراءة المأموم خلف الإمام على كل حال.
(1) رواه أحمد (4/ 415)، ومسلم (404)، وأبو داود (972 و 973)، والنسائي (2/ 96 و 97) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
[313]
- وَعَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ المَسجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَدَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم السَّلامَ، فَقَالَ: ارجِع فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَم تُصَلِّ! فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى كَمَا كَانَ صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ عَلَيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: وَعَلَيكَ السَّلامُ، ثُمَّ قَالَ: ارجِع فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَم تُصَلِّ! حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا أُحسِنُ غَيرَ هَذَا، فعَلِّمنِي! قَالَ: إِذَا قُمتَ إِلَى الصَّلاةِ فَكَبِّر، ثُمَّ اقرَأ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرآنِ، ثُمَّ اركَع حَتَّى تَطمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارفَع حَتَّى تَعتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسجُد حَتَّى تَطمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارفَع
ــ
وقوله في حديث أبي هريرة للذي علمه الصلاة إذا قمت إلى الصلاة فكبر، هذا الحديث ومساقه يدل على أنه عليه الصلاة والسلام قصد إلى ذكر فرائض الصلاة لا غير؛ لأن جميع ما ذكره فيه فرض، وما لم يذكره ليس من فرائضها، هذا قول كافة أصحابنا وغيرهم، وهذا ينتقض عليهم بالنية والسلام إذ لم يذكرهما.
وقوله ما تيسر معك من القرآن متمَسَّك أبي حنيفة، فإنه يأخذ بعمومه، ويقال له: إن ما تيسر هو الفاتحة؛ لأن الله تعالى قد يسَّرها على ألسنة الناس صغارهم وكبارهم، ذكورهم وإناثهم، أحرارهم وعبيدهم، ويتأيد هذا التأويل بقوله لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب (1).
وقوله ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، وقال في السجود كذلك، واختلف أصحابنا في وجوب الطمأنينة، والأصل المتقدم يرفع هذا الخلاف، بل ينبغي عليه أن تكون واجبة على كل حال، وهذا يدل على اختلافهم في ذلك الأصل.
(1) سبق تخريجه برقم (311).
حَتَّى تَطمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افعَل ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا.
زَادَ فِي رِوَايَةٍ: إِذَا قُمتَ إِلَى الصَّلاةِ فَأَسبِغِ الوُضُوءَ، ثُمَّ استَقبِلِ القِبلَةَ فَكَبِّر.
رواه أحمد (2/ 437)، والبخاري (757)، ومسلم (397)، وأبو داود (856)، والترمذي (303)، والنسائي (2/ 125).
[314]
- وَعَن عِمرَانَ بنِ حُصَينٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهرَ، فَجَعَلَ رَجُلٌ يَقرَأُ خَلفَهُ بِسَبِّحِ اسمَ رَبِّكَ الأَعلَى، فَلَمَّا انصَرَفَ قَالَ: أَيُّكُم قَرَأَ؟ أَو: أَيُّكُمُ القَارِئُ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا! فَقَالَ: قَد ظَنَنتُ أَنَّ بَعضَكُم خَالَجَنِيهَا!
ــ
وقوله ثم افعل ذلك في صلاتك كلها يدل على وجوب القراءة في كل ركعة، وهو المشهور (1) على ما تقدم.
وقوله ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، يريد بين السجدتين. وفي رواية ثم اجلس حتى تطمئن جالسًا، وهذا يدل على وجوب الفصل بين السجدتين، وهل يجب لذاته فلا بد منه أو للفصل فيحصل الفصل بأقل ما يحصل منه ويكون تمامه سنة؟ اختُلف فيه.
وقوله قد علمت أن بعضكم خالجنيها؛ أي خالطنيها، ويروى نازعنيها؛ أي كأنه نزع ذلك من لسانه، وهو مثل حديثه الآخر: ما لي أنازع القرآن! (2) ولا حجة فيه لمنكري القراءة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام إنما أنكر المخالجة لا القراءة.
(1) في (ل): المفهوم.
(2)
رواه أبو داود (823 و 824)، والترمذي (311)، والنسائي (2/ 141) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.