الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(116) باب فضل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة
[678]
- عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَينَمَا جِبرِيلُ قَاعِدٌ عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، سَمِعَ نَقِيضًا مِن فَوقِهِ، فَرَفَعَ رَأسَهُ، فَقَالَ: هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ اليَومَ لَم يُفتَح قَطُّ إِلا اليَومَ. فَنَزَلَ مِنهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الأَرضِ، لَم يَنزِل قَطُّ إِلا اليَومَ. فَسَلَّمَ وَقَالَ: أَبشِر بِنُورَينِ أُوتِيتَهُمَا لَم يُؤتَهُمَا نَبِيٌّ قَبلَكَ: فَاتِحَةُ الكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ البَقَرَةِ، لَن تَقرَأَ بِحَرفٍ مِنهُمَا إِلا أُعطِيتَهُ.
رواه مسلم (806)، والنسائي (2/ 138).
ــ
(116)
ومن باب: فضل فاتحة الكتاب
قوله: سمع نقيضًا من فوقه؛ أي: صوتًا. والنقيض: صوت الباب عند فتحه.
وقوله: بنورين؛ أي: بأمرين عظيمين، نيّرين، تبيِّن لقارئهما وتنوره، وخصت الفاتحة بهذا؛ لما ذكرناه؛ من أنها تضمنت جملة معاني الإيمان والإسلام، والإحسان. وعلى الجملة: فهي آخذة بأصول القواعد الدينية، والمعاقد المعارفية. وخصت خواتيم سورة البقرة بذلك: لما تضمنته من الثناء على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أصحابه رضي الله عنهم بجميل انقيادهم لمقتضاها، وتسليمهم لمعناها، وابتهالهم إلى الله، ورجوعهم إليه في جميع أمورهم؛ ولما حصل فيها من إجابة دعواتهم، بعد أن علموها، فخُفِّف عنهم، وغُفر لهم، ونُصروا، وفيها غير ذلك مما يطول تتبعه.
[679]
- وعَن أَبِي مَسعُودٍ الأَنصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَن قَرَأَ هَاتَينِ الآيَتَينِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي لَيلَةٍ كَفَتَاهُ.
رواه البخاري (5008 و 5009)، ومسلم (808)، وأبو داود (1397)، والترمذي (2881)، وابن ماجه (1369).
[680]
- وعَن أُبَيِّ بنِ كَعبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا أَبَا المُنذِرِ! أَتَدرِي أَيُّ آيَةٍ مِن كِتَابِ الله مَعَكَ أَعظَمُ؟ قَالَ:
ــ
وقوله: من قرأ هاتين الآيتين في ليلة كفتاه؛ أي: من قيام الليل، أو من حزبه، إن كان له حزب من القرآن، وقيل: وقتاه شرَّ كل شيطان، وكل ذي شر؛ كما جاء في أن: من قرأ آية الكرسي لم يزل عليه من الله حافظ، ولم يقربه شيطان حتى يصبح (1)، أو لكثرة ما يحصل له بقراءتهما من الثواب والأجر. والله - تعالى - أعلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم لأُبيٍّ فيه: أيّ آية من كتاب الله معك أعظم؟ حجة لمن يقول بتفضيل بعض آي القرآن على بعض، وتفضيل القرآن على سائر الكتب المنزلة، وهذا مما اختلف فيه، فذهب إلى جوازه إسحاق بن راهويه، وغيره من العلماء والمتكلمين مستدلا بهذا الحديث، وبما يشبهه؛ كقوله:{قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن (2). ومنع ذلك الشيخ أبو الحسن الأشعري، والقاضي أبو بكر، وجماعة من الفقهاء، قالوا: لأن الأفضل يشعر بنقص المفضول، وكلام الله - تعالى - لا نقص
(1) رواه البخاري (5010)، والترمذي (2883) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
رواه أبو يعلى (1017) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 218) وقال: رواه الطبراني في الكبير، ورجال أبي يعلى ثقات. من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
ورواه مسلم (811) من حديث أبي الدرداء، وسيأتي في التلخيص برقم (984).
قُلتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعلَمُ. قَالَ: يَا أَبَا المُنذِرِ أَتَدرِي أَيُّ آيَةٍ مِن كِتَابِ الله مَعَكَ أَعظَمُ؟ قال: قُلتُ: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ} قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدرِي وَقَالَ: لِيَهنِكَ العِلمُ أَبَا المُنذِرِ.
رواه أحمد (5/ 142)، ومسلم (810).
* * *
ــ
فيه. وتأولوا هذا اللفظ: بأن أفعل يأتي بمعنى فعيل؛ كما قال - تعالى -: {وَهُوَ أَهوَنُ عَلَيهِ} وهذا فيه نظر؛ فإنا نقول: إن أريد بالنقص اللازم من التفضيل إلحاق ما يعيب المفضول؛ فهذا ليس بلازم مطلقًا، وإن أريد بالنقص: أن المفضول ليس فيه ما في الأفضل من ذلك القدر الذي زاد به؛ فهو الحق، ولولا ذلك لما تحققت المفاضلة. ثم لا يجوز إطلاق النقص ولا الأنقص على شيء من كلام الله - تعالى -. وأما تأويل الحديث فهو وإن كان فيه مسوّغًا، فلا يجري في كل موضع يستدل به على التفضيل، فإن منها نصوصًا لا تقبل التأويل؛ كقوله صلى الله عليه وسلم:{قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن (1)، وغير ذلك مما في هذا المعنى.
وإنما كانت آية الكرسي أعظم؛ لما تضمنته من أوصاف الإلهية وأحكامها، على ما لا يخفى على من تأملها، فإنها تضمنت من ذلك ما لم يتضمنه غيرها من الآي. وقال بعض المتأخرين: إن هذه الآية اشتملت من الضمائر العائدة على الله - تعالى - على ستة عشر، وكلها تفيد تعظيمًا لله - تعالى -، فكانت أعظم آية في كتاب الله - تعالى - لذلك. والله أعلم.
وقوله لأُبيٍّ حين أخبره بذلك: ليهنك العلم، وضربه صدره: تنشيط له، وترغيب في أن يزداد علمًا وبصيرة، وفرح بما ظهر عليه من آثاره المباركة، وفيه إلقاء العالم المسائل على المتعلم؛ ليختبره بذلك.
(1) سبق تخريجه في الصفحة السابقة.