الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(73) باب تأخير العشاء الآخرة
[523]
- عَن عَائِشَةَ قَالَت: أَعتَمَ النبي صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيلَةٍ حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيلِ وَحَتَّى نَامَ أَهلُ المَسجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى، فَقَالَ: إِنَّهُ لَوَقتُهَا لَولا أَن أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي.
وفي رواية: لولا أن يشق.
رواه أحمد (6/ 150)، والبخاري (569)، ومسلم (638)(219)، والنسائي (1/ 267).
ــ
(73)
ومن باب: تأخير العشاء الآخرة
[قول عائشة: أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة؛ أي: أخر العشاء الآخرة إلى عتمة الليل](1) وهي ظلمته -. وذات ليلة؛ أي: ليلة من الليالي. وهذا يدل: على أن غالب أحواله كان يقدمها رفقًا بهم، ولئلا يشق عليهم؛ كما قال في آخر هذا الحديث. وقال الخطابي: إنما أخرهم [ليقل حظ النوم، وتطول مدة الصلاة، فيكثر أجرهم](2)؛ لأنهم في صلاة ما داموا ينتظرون الصلاة. وقال بعض الحكماء (3): النوم المحمود مقدار ثمان ساعات.
وقوله: إنه لوقتها؛ يعني: الأفضل، ولهذا وشبهه قال مالك: إن تأخير العشاء أفضل. وقيل عنه: تعجيلها أفضل أخذًا بالتخفيف؛ ولأن التعجيل كان
(1) ساقط من (ع).
(2)
ساقط من (م).
(3)
في هامش (ظ): العلماء.
[524]
- وَعَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: مَكَثنَا لَيلَةً نَنتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِصَلاةِ العِشَاءِ الآخِرَةِ، فَخَرَجَ إِلَينَا حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيلِ أَو بَعدَهُ، فَلا نَدرِي أَشَيءٌ شَغَلَهُ فِي أَهلِهِ أَو غَيرُ ذَلِكَ، فَقَالَ حِينَ خَرَجَ: إِنَّكُم لَتَنتَظِرُونَ صَلاةً مَا يَنتَظِرُهَا أَهلُ دِينٍ غَيرُكُم، وَلَولا أَن يَثقُلَ عَلَى أُمَّتِي لَصَلَّيتُ بِهِم هَذِهِ السَّاعَةَ، ثُمَّ أَمَرَ المُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلاةَ وَصَلَّى.
وَفِي رِوَايَةٍ: شُغِلَ عَنهَا لَيلَةً فَأَخَّرَهَا حَتَّى رَقَدنَا فِي المَسجِدِ، ثُمَّ استَيقَظنَا، ثُمَّ رَقَدنَا، ثُمَّ استَيقَظنَا، ثُمَّ خَرَجَ عَلَينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. . . وذكر نحوه.
رواه أحمد (2/ 88)، والبخاري (570)، ومسلم (639)، وأبو داود (420)، والنسائي (1/ 267 - 268).
ــ
غالب أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها. وقد اختار بعض أصحابنا تقديمها إذا اجتمعوا، وتأخيرها إذا أبطؤوا؛ أخذًا بحديث جابر الآتي.
وقوله في حديث ابن عمر: مكثنا ليلة؛ أي: لبثنا وأقمنا ننتظر.
وقوله: فلا ندري! أشيء شغله (1) في أهله أو غير ذلك؟ وقال في الرواية الأخرى: شغل عنها ليلة، قيل: إنه جهز جيشًا.
وقوله: فأخرها حتى رقدنا في المسجد، ثم استيقظنا، ثم رقدنا: يعني به: نوم الجالس المحتبي وخطرات السِّنَات (2)، لا نوم الاستغراق، كما قال في الحديث الآخر: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون حتى تخفق رؤوسهم، ثم
(1) في (ظ): شغله عنها.
(2)
"السنات": جمع سِنة، وهي النعاس، وهو ما يتقدَّم النوم من الفتور وانطباق العينين.
[525]
- ومن حَدِيثِ عَائِشَة: فَلَم يَخرُج رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى قَالَ عُمَرُ: نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبيَانُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. . . وذكر نحوه. وَفِيهِ: قَالَ ابنُ شِهَابٍ: وَذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَمَا كَانَ لَكُم أَن تَنزُرُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على الصَّلاةِ. وَذَلِكَ حِينَ صَاحَ عُمَرُ.
رواه مسلم (638)(218).
[526]
- وَعَن ثَابِتٍ، أَنَّهم سَأَلُوا أَنَسًا عَن خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم العِشَاءَ ذَاتَ لَيلَةٍ إِلَى شَطرِ اللَّيلِ، أَو كَادَ يَذهَبُ شَطرُ
ــ
يصلون ولا يتوضؤون (1). وقد تقدم القول في النوم في كتاب الطهارة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: وما كان لكم أن تبرزوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: رواه الرازي بالباء، وتقديم الراء، وضم التاء، وكسر الراء: من الإبراز، وهو الإخراج، ورواه سائر الرواة: تنزروا بفتح التاء، وبالنون، وتقديم الزاي، وضمها، وهو الصحيح (2)، ومعناه: الإلحاح عليه في الخروج، وهذا إنما قاله صلى الله عليه وسلم مؤدبًا لهم ومعلمًا لما صاح عمر: نام النساء والصبيان، والله تعالى أعلم.
وقوله: أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ذات ليلة إلى شطر الليل - أو كاد يذهب شطر الليل -؛ أي: نصف الليل. وهذا كقوله في حديث ابن عمرو: ووقت العشاء مغيب الشفق إلى نصف الليل (3)، فكلاهما حجة لما صار إليه ابن حبيب من أن آخر وقت العشاء الآخرة نصف الليل.
(1) رواه مسلم (376)، وأبو داود (200)، والترمذي (78) من حديث أنس رضي الله عنه.
(2)
انظر: إكمال إكمال المعلم (2/ 315) حيث قال: وهو الصواب.
(3)
سبق تخريجه برقم (499).
اللَّيلِ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَد صَلَّوا وَنَامُوا، وَإِنَّكُم لَن تَزَالُوا فِي صَلاةٍ مَا انتَظَرتُمُ الصَّلاةَ.
قَالَ أَنَسٌ: كَأَنِّي أَنظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ في يده مِن فِضَّةٍ، وَرَفَعَ إِصبَعَهُ اليُسرَى بِالخِنصِرِ.
رواه البخاري (572)، ومسلم (640)(222)، والنسائي (1/ 268)، وابن ماجه (692).
[527]
- وَعَن جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ نَحوًا مِن صَلاتِكُم، وَكَانَ يُؤَخِّرُ العَتَمَةَ بَعدَ صَلاتِكُم شَيئًا، وَكَانَ يُخِفُّ الصَّلاةِ.
رواه مسلم (643)(227).
[528]
- وعَنِ عبد الله بنِ عُمَرَ، قَالَ: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: لا تَغلِبَنَّكُمُ الأَعرَابُ عَلَى اسمِ صَلاتِكُم أَلا إِنَّهَا العِشَاءُ، وَهُم يُعتِمُونَ بِالإِبِلِ.
ــ
وقوله: كأني أنظر إلى وبيص خاتمه في يده من فضة، الوبيص: البريق، وهو دليل على جواز اتخاذ خاتم الفضة، وعلى جعله في اليد اليسرى، وهو الأفضل. والأحسن عند مالك، وسيأتي الكلام على ذلك.
وقوله صلى الله عليه وسلم: لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء (1). الأعرابي: من كان من أهل البادية. والعربي: منسوب إلى العرب وإن لم يكن بدويًّا. وهذا
(1) وردت لفظة (باب) قبل هذا الحديث في المخطوط، ورأينا حذفها وإتباع الحديث للباب السابق لعدم الفصل في المفهم، ولأن المعنى بين الأحاديث متفق.
وَفِي رِوَايةٍ: فَإِنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ العِشَاءُ، وَإِنَّهَا تُعتِمُ بِحِلابِ الإِبِلِ.
رواه أحمد (2/ 10 و 19)، ومسلم (644)، وأبو داود (4984)، والنسائي (1/ 270)، وابن ماجه (704).
* * *
ــ
النهي عن اتباع الأعراب في تسميتهم العشاء: عتمة إنما كان لئلا يعدل بها عما سماها الله تعالى به في كتابه؛ إذ قال: {وَمِن بَعدِ صَلاةِ العِشَاءِ} فكأنه إرشاد إلى ما هو الأولى، وليس على جهة التحريم، ولا على أن تسميتها العتمة لا يجوز. ألا ترى أنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أطلق عليها ذلك؛ إذ قال: ولو يعلمون ما في العتمة والصبح (1)، وقد أباح تسميتها بذلك أبو بكر وابن عباس رضي الله عنهم. وقيل: إنما نهى عن ذلك تنزيهًا لهذه العبادة الشريفة الدينية عن أن يطلق عليه ما هو اسم لفعلة دنيوية؛ وهي الحَلبَةُ التي كانوا يحلبونها في ذلك الوقت ويسمونها: العتمة. ويشهد لهذا قوله: وإنها تُعتِمُ كلاب الإبل. قلت: يظهر لي أن المقصود من هذا النهي، ومن قوله: لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب (2): ألا نتبع الأعراب في تسميتهم هاتين الصلاتين بذلك؛ لأنهم لم يقتدوا في تسميتها، لا بما جاء في كتاب الله - من تسميتها العشاء -، ولا بما جاء في السنة - من تسميتها بالمغرب -؛ إذ قد ثبت في غير ما حديث تسميتها: بالمغرب، كما جاء في حديث جبريل وغيره، والله تعالى أعلم.
* * *
(1) رواه البخاري (657)، ومسلم (651) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
رواه أحمد (5/ 55)، والبخاري (563) من حديث عبد الله المزني.