الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(91) باب قَصر الصلاة بِمنىً
[575]
- عَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى رَكعَتَينِ، وَأَبُو بَكرٍ بَعدَهُ، وَعُمَرُ بَعدَ أَبِي بَكرٍ، وَعُثمَانُ صَدرًا مِن خِلافَتِهِ، ثُمَّ إِنَّ
ــ
به عند العرب إذا انقضت (1) ليلته - فأقام بها اليوم الخامس والسادس والسابع، وخرج بعد تمام ثلاثٍ كما شرع، فلم يقم بمكة أكثر من ثلاث، وخرج إلى منى للنظر في حجه، وهو فيه في حكم المسافر حتى أكمله، ثم عاد إلى المدينة، فجاء هذا موافقًا لمذهبنا في أن ثلاثة أيام ليست بإقامة.
واختلف في إقامته بمكة زمن الفتح؛ فروي عن ابن عباس خمس عشرة وسبع عشرة وتسع عشرة، وعن عمران بن حصين ثماني عشرة.
قلت: والأشبه في هذه الأقوال قول الجمهور ومالك وغيره؛ لأنه يعتضد بإباحة النبي صلى الله عليه وسلم المقام للمهاجر بمكة ثلاثًا، فإنه أبقى عليه فيها حكم المسافر، ومنعه من مقام الرابع فحكم له فيه بمقام الحاضر القاطن، فكان ذلك أصلا معتمدًا. وأما ما استُدِلَّ به غير هذا من إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في الفتح وفي حجته وكم أقام في الطائف فلا حجة فيه؛ لما في تلك الروايات من الاضطراب الكثير، ولأنه يمكن أن يقال في كل واحد منها إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أقام تلك المدة فقصر لأنه لم يُجمع في نيته على إقامة أربعة أيام بلياليها، والله أعلم.
(91)
ومن باب: قصر الصلاة بمنى
فيه حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى بمنى ركعتين، وأبو بكر وعمر، وعثمان صدرًا من خلافته؛ لا خلاف أن هذا حكم الحاج من غير أهل مكة وعرفة
(1) في نسخة (ع): دخلت.
عُثمَانَ صَلَّى بَعدُ أَربَعًا، فَكَانَ ابنُ عُمَرَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ صَلَّى أَربَعًا وَإِذَا صَلَاّهَا وَحدَهُ صَلَّى رَكعَتَين.
وَفِي رِوَايَةٍ مكان صدرًا من خلافته: ثماني سنين - أو قال: ست سنين.
رواه البخاري (1082)، ومسلم (694)(17)، والنسائي (3/ 121).
ــ
بمنى يقصرون، وعند مالك أن حكم الحاج من أهل مكة أنهم يقصرون بمنى وعرفات، وكذلك أهل عرفة بمنى ومكة يقصرون، وخالفه في ذلك أبو حنيفة والشافعي وجماعة فقالوا إنهم (1) يتمون؛ إذ ليس في المسافة مسافة قصر، وحجة مالك التمسك بظاهر حديث ابن عمر المذكور واتّباع العمل العام في ذلك، ولأن تكرار الحاج في مشاعره ومناسكه مقدار المسافة التي تُقصر فيها الصلاة، والله تعالى أعلم.
فأما أهل تلك المواضع فلا خلاف أحسبه في أن كل واحد منهم يتم في موضعه وإن شرع في عمل الحج لأنهم في أهلهم، وقد ذكرنا ما تُؤُوِّل به إتمام عثمان.
وقوله ست سنين أو ثماني سنين، الصحيح سبع سنين، قال عمران بن حصين: حججت مع عثمان سبعًا من إمارته لا يصلي إلا ركعتين، ثم صلى بمنى أربعًا (2).
وقوله فكان ابن عمر إذا صلّى مع الإمام صلّى أربعًا، وإذا صلّى وحده صلّى ركعتين؛ يعني بالإمام عثمان لما أتم، فإن ابن عمر وابن مسعود كانا يصليان معه ويتمّان مع اعتقادهما أن القصر أولى وأفضل، لكنهما اتبعاه لأن
(1) من (ظ) و (ط).
(2)
رواه ابن أبي شيبة (2/ 450).
[576]
- وعَن عَبدَ الرَّحمَنِ بنَ يَزِيدَ قَالَ: صَلَّى بِنَا عُثمَانُ بِمِنًى أَربَعَ رَكَعَاتٍ، فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبدِ الله بنِ مَسعُودٍ فَاستَرجَعَ، ثُمَّ قَالَ: صَلَّيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى رَكعَتَينِ، وَصَلَّيتُ مَعَ أَبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ بِمِنًى رَكعَتَينِ،
ــ
الإتمام جائز، ومخالفة الإمام فيما رآه مما يسوغ ممنوعة. ويحتمل أن يريد بالإمام هنا أيّ إمام اتفق من أئمة المسلمين، ويعني به أن ابن عمر كان إذا صلى خلف مقيم أتم تغليبًا لفضيلة الجماعة وبحكم الموافقة فيما يجوز أصله.
وقد اختلف في مسافر صلى خلف مقيم، وهذا الخلاف يتنزل على الخلاف المتقدم في حكم القصر، فقياس من قال إن القصر فرض أن لا تجزئه صلاته، وحكاه القاضي أبو محمد عن بعض المتأخرين من أصحابنا. وقال غير هؤلاء: يقتدي به في الركعتين خاصة، ثم هل يسلم ويتركه أو ينتظره ويسلم معه؟ قولان.
ومن قال بأن القصر سنة من أصحابنا اختلفوا؛ فروى ابن الماجشون وأشهب أنه يتم ثم يعيد في الوقت، إلا أن يكون في أحد مسجدي الحرمين أو مساجد الأمصار الكبار، وروى مطرف أن لا إعادة، ورواه ابن القاسم.
قلت: وقياس من قال بالتخيير أن لا إعادة أصلا؛ بل القصر والإتمام في حقه سيّان يفعل أيهما شاء، إلا أن الأولى به أن لا يخالف الإمام، فإذا صلى خلف مقيم اتبعه من جهة منع المخالفة لا من جهة التخيير، والله أعلم.
وقوله فاسترجع؛ أي قال {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ} وهذا الاسترجاع لما رأى من تفويت عثمان لفضيلة القصر ولوجود صورة خلافه لمن تقدمه، ولا يفهم منه أن ذلك الإتمام لا يجزئ؛ لأنه قال: وليت حظي من أربع ركعات (1) ركعتان متقبَّلتان - فلو كانت تلك الصلاة لا تجزئ لما كان له فيها حظ؛ لا من ركعتين ولا من غيرهما، فإنها كانت تكون فاسدة كلها، والله تعالى أعلم.
(1) ساقطة من الأصول، واستدركناها من التلخيص.