الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(106) باب الترغيب في قيام رمضان وليلة القدر وكيفية القيام
[639]
- عَن أَبِي هُرَيرَةَ، كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِن غَيرِ أَن يَأمُرَهُم فِيهِ بِعَزِيمَةٍ، فَيَقُولُ: مَن قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ
ــ
(106)
ومن باب: الترغيب في قيام رمضان
قوله: كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، يدل: على أن قيام الليل في رمضان من نوافل الخير، ومن أفضل أعمال البر، لا خلاف في هذا، وإنما الخلاف في الأفضل منه. هل إيقاعه في البيت، أو في المسجد؟ فذهب مالك إلى أن إيقاعه في البيت أفضل لمن قوي عليه، وكان أولا يقوم في المسجد ثم ترك ذلك، وبه قال أبو يوسف، وبعض أصحاب الشافعي. وذهب ابن عبد الحكم وأحمد وبعض أصحاب الشافعي: إلى أن حضورها في الجماعة أفضل، وقال الليث: لو قام الناس في بيوتهم، ولم يقم أحد في المسجد، لا ينبغي أن يخرجوا إليه، والحجة لمالك قوله صلى الله عليه وسلم: خير صلاة المرء في بيته إلَاّ المكتوبة (1)، وقول عمر: نعمت البدعة هي، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون فيها. وحجة مخالفه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلاّها في الجماعة في المسجد، ثم أخبر بالمانع الذي منعه من الدوام على ذلك، وهو خشية أن تفرض عليهم، ثم إن الصحابة كانوا يصلونها في المسجد أوزاعًا متفرقين؛ إلى أن جمعهم عمر على قارئٍ واحد، فاستقرّ الأمر على ذلك، وثبتت سنته بذلك.
(1) رواه البخاري (6113)، ومسلم (781)، وأبو داود (1447)، والنسائي (3/ 198) من حديث زيد بن ثابت.
لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ. فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمرُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ كَانَ الأَمرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلافَةِ أَبِي بَكرٍ، وَصَدرًا مِن خِلافَةِ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ.
وَفِي رِوَايَةٍ: مَن قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ، وَمَن قَامَ لَيلَةَ القَدرِ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ.
ــ
قلت: ومالك أحق الناس بالتمسك بهذا؛ بناءً على أصله في التمسّك بعمل أهل المدينة.
وقوله: من قام رمضان، دليل على جواز إطلاق لفظ رمضان غير مضافٍ إلى شهر؛ خلافًا لمن منع ذلك حتى يقال: شهر رمضان، قال: لأن رمضان اسم من أسماء الله تعالى، ولا يصح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: إيمانًا واحتسابًا؛ أي: تصديقًا بما جاء في ذلك، واحتسابًا بالأجرة على الله تعالى. وقد روي: من قام رمضان وصامه إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدّم من ذنبه (1).
وقوله: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر؛ أي: لم يزل أمر قيام رمضان معلوم الفضيلة يقومونه لكن متفرقين وفي بيوتهم؛ ولم يجمعوه على قارئٍ واحد؛ حتى كان مِن جَمعِ عمر لهم على أُبَيٍّ في المسجد ما قد ذكره مالك في الموطأ.
ثم اختُلف في المختار من عدد القيام، فعند مالك: أن المختار من ذلك ست وثلاثون؛ لأن ذلك عمل أهل المدينة المتصل. وقد قال نافع: لم أدرك الناس إلا وهم يقومون بتسع وثلاثين ركعة، يوترون منها بثلاث. وقال الشافعي: عشرون
(1) رواه ابن ماجه (1326) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفِي أُخرَى: مَن يُقِم لَيلَةَ القَدرِ فَيُوَافِقهَا. . . .
رواه أحمد (2/ 281) و (423)، والبخاري (37)، ومسلم (759)، وأبو داود (1371 و 1372)، والترمذي (808)، والنسائي (4/ 157 - 158).
[640]
- وعَن عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي المَسجِدِ ذَاتَ لَيلَةٍ، فَصَلَّى بِصَلاتِهِ نَاسٌ. ثُمَّ صَلَّى مِنَ القَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ - وفي رواية: عَجَزَ المَسجِدُ عَن أَهلِهِ - ثُمَّ اجتَمَعُوا مِنَ اللَّيلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، فَلَم يَخرُج إِلَيهِم رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أَصبَحَ قَالَ: قَد رَأَيتُ الَّذِي صَنَعتُم فَلَم يَمنَعنِي مِنَ الخُرُوجِ إِلَيكُم إِلا أَنِّي خَشِيتُ أن تفرَضَ عَلَيكُم، قَالَ: وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ.
رواه البخاري (119)، ومسلم (671)(177 و 178)، وأبو داود (1373)، والنسائي (3/ 202).
ــ
ركعة، وقال كثير من أهل العلم: إحدى عشرة ركعة، أخذًا بحديث عائشة المتقدم. وسيأتي الكلام على أحاديث ليلة القدر.
وقوله: من يقم ليلة القدر فيوافقها: اختلف في القدر الذي أضيفت الليلة إليه، فقال ابن عباس: القدر: العظمة؛ من قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدرِهِ} ؛ أي: ما عظموه حق عظمته، وقال مجاهد: القدر: تقدير الأشياء من أمور السنة. وقال ابن الفضل: يعني سوق المقادير إلى المواقيت، وقيل: قُدِّر في وقتها إنزال القرآن.
ويقم في - هذه الرواية - يعني به: يطلب بقيامه ليلة القدر، وحينئذ يلتئم مع قوله: يوافقها؛ لأن معنى يوافقها: يصادفها، ومن صلى فيها فقد صادفها،
[641]
- وَعَن أُبَيَّ بنَ كَعبٍ، (وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ عَبدَ الله بنَ مَسعُودٍ يَقُولُ: مَن قَامَ السَّنَةَ أَصَابَ لَيلَةَ القَدرِ) فَقَالَ أُبَيٌّ: وَالله الَّذِي لا إِلهَ إِلا هُوَ! إِنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ (يَحلِفُ مَا يَستَثنِي) وَوَالله، إِنِّي لأَعلَمُ أَيُّ لَيلَةٍ هِيَ، هِيَ اللَّيلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقِيَامِهَا، هِيَ لَيلَةُ صَبِيحَةِ سَبعٍ وَعِشرِينَ، وَأَمَارَتُهَا أَن تَطلُعَ الشَّمسُ فِي صَبِيحَةِ يَومِهَا لا شُعَاعَ لَهَا.
رواه مسلم (762)، (179)، وأبو داود (1378)، والترمذي (793).
* * *
ــ
ويحتمل أن تكون الموافقة هنا: عبارة عن قبول الصلاة فيها والدّعاء، أو يوافق الملائكة في دعائها، أو يوافقها حاضر القلب متأهلا لحصول الخير والثواب؛ إذ ليس كل دعاء يسمع، ولا كل عمل يقبل، فإنه:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ} وسيأتي استيفاء هذا المعنى إن شاء الله تعالى.
وقوله: وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحتها بيضاء لا شعاع لها، وفي حديث أبي هريرة: إن القمر يطلع فيها مثل شقّ جَفنَة (1)؛ قيل: إن ذلك إنما كان لصعود الملائكة الذين تنزلوا في ليلة القدر حين تطلع الشمس، فكأن الملائكة بكثرتها حالت بين الناظرين إلى الشمس وبين شعاعها، والله أعلم.
ثم هل هذه الأمارات راتبة لكل ليلة قدر تأتي، أو كان ذلك لتلك الليلة الخاصة؟ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: وأراني أسجد في صبيحتها في ماء وطين؟ (2) قولان لأهل العلم، والأول أولى؛ لما رواه أبو عمر بن عبد البر من طريق عبادة بن
(1) رواه مسلم (1170).
(2)
رواه البخاري (2027)، ومسلم (1167/ 215) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.