المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(106) باب الترغيب في قيام رمضان وليلة القدر وكيفية القيام - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٢

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(3) كتاب الصلاة

- ‌(1) باب ما جاء في الأذان والإقامة

- ‌(2) باب الأذان أمان من الغارة، وما جاء في اتخاذ مُؤذِّنَينِ

- ‌(3) باب إذا سَمِعَ المؤذن قال مثل ما قال، وفضل ذلك، وما يقول بعد الأذان

- ‌(4) باب فضل الأذان وما يُصيب الشيطان عنده

- ‌(5) باب رفع اليدين في الصلاة، ومتى يرفعهما؟ وإلى أين

- ‌(6) باب التكبير في الصلاة

- ‌(7) باب ما جاء في القراءة في الصلاة وبيان أركانها

- ‌(8) باب ترك قراءة بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ في الصلاة

- ‌(9) باب حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة

- ‌(10) باب التَّشَهُّد في الصلاة

- ‌(11) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(12) باب التَّحمِيد والتَّأمِين

- ‌(13) باب إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤتَمَّ به

- ‌(14) باب استخلاف الإمام إذا مرض، وجواز ائتمام القائم بالقاعد

- ‌(15) باب العمل القليل في الصلاة لا يضرها

- ‌(16) باب إذا نَابَ الإمامَ شيءٌ فَليُسَبِّح الرجالُ وَليُصَفِّق النساءُ

- ‌(17) باب الأمر بتحسين الصلاة، والنهي عن مسابقة الإمام

- ‌(18) باب النهي عن رفع الرأس قبل الإمام، وعن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، والأمر بالسكون فيها

- ‌(19) باب الأمر بتسوية الصفوف، ومن يلي الإمام

- ‌(20) باب في صفوف النساء وخروجهن إلى المساجد

- ‌(21) باب في قوله تعالى: {وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِت بِهَا}

- ‌(22) باب القراءة في الظهر والعصر

- ‌(23) باب القراءة في الصبح

- ‌(24) باب القراءة في المغرب والعشاء

- ‌(25) باب أمر الأئمة بالتخفيف في تمام

- ‌(26) باب في اعتدال الصلاة وتقارب أركانها

- ‌(27) باب اتباع الإمام والعمل بعده

- ‌(28) باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌(29) باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود

- ‌(30) باب ما يقال في الركوع والسجود

- ‌(31) باب الترغيب في كثرة السجود، وعلى كم يسجد؟ وفيمن صلى معقوص الشعر

- ‌(32) باب كيفية السجود

- ‌(33) باب تحريمُ الصلاةِ التكبيرُ، وتحليلُها التسليمُ

- ‌(34) باب في سترة المصلي وأحكامها

- ‌(35) باب مَنع المصلي مَن مَرَّ بين يديه، والتَّغليِظ في المرور بين يدي المصلي

- ‌(36) باب دنو المصلي من سترته وما جاء فيما يقطع الصلاة

- ‌(37) باب اعتراض المرأة بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة

- ‌(38) باب الصلاة بالثوب الواحد على الحصير

- ‌(39) باب أول مسجد وضع في الأرض، وما جاء أن الأرض كلها مسجد

- ‌(40) باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(41) باب تحويل القبلة من الشام إلى الكعبة، والنهي عن بناء المساجد على القبور وعن التصاوير فيها

- ‌(42) باب ثواب من بَنَى للهِ مسجدًا

- ‌(43) باب التطبيق في الركوع وما ثبت من نسخه

- ‌(44) باب [جواز الإقعاء على العقبين]

- ‌(45) باب نسخ الكلام في الصلاة

- ‌(46) باب جواز الإشارة بالسلام في الصلاة، ولعن الشيطان

- ‌(47) باب جواز حمل الصغير في الصلاة، وجواز التقدم والتأخر، ومن صلى على موضع أرفع من موضع المأموم

- ‌(48) باب النهي عن الاختصار في الصلاة، وما يجوز من مس الحصى فيها، وما جاء في البصاق في المسجد

- ‌(49) باب الصلاة في النعلين والثوب المعلم وبحضرة الطعام

- ‌(50) باب النهي عن إتيان المساجد لمن أكل الثوم أو البصل، وإخراج من وُجد منه ريحها من المسجد

- ‌(51) باب النهي عن أن تنشد الضالَّة في المسجد

- ‌(52) باب الأمر بسجود السهو، وما جاء فيمن سها عن الجلسة الوسطى

- ‌(53) باب فيمن لم يّدرِ كم صلى

- ‌(54) باب فيمن سلَّم من اثنتين أو ثلاث

- ‌(55) باب ما جاء في سجود القرآن

- ‌(56) باب كيفية الجلوس للتشهد

- ‌(57) باب كم يسلم من الصلاة، وبأي شيء كان يعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(58) باب الاستعاذة في الصلاة من عذاب القبر وغيره

- ‌(59) باب قدر ما يقعد الإمام بعد السلام وما يقال بعده

- ‌(60) باب السكوت بين التكبير والقراءة في الركعة الأولى وما يقال فيه

- ‌(61) باب فضل التحميد في الصلاة

- ‌(62) باب إتيان الصلاة بالسكينة، ومتى تقام؟ ومتى يقام لها؟ وإتمام المسبوق

- ‌(63) باب من أدرك ركعة من فعل الصلاة أو وقتها فقد أدركها

- ‌(64) باب إذا ذكر الإمام أنه مُحدِث خرج فأمرهم بانتظاره

- ‌(65) باب أَوقَات الصَّلَوَاتِ

- ‌(66) باب الإبراد بالظهر في شدة الحر

- ‌(67) باب تعجيل الظهر بعد الإبراد وفي زمن البرد

- ‌(68) باب تعجيل صلاة العصر

- ‌(69) باب ما جاء في الصلاة الوسطى

- ‌(70) باب من فاتته صلوات كيف يقضيها

- ‌(71) باب المحافظة على الصبح والعصر

- ‌(72) باب تعجيل صلاة المغرب

- ‌(73) باب تأخير العشاء الآخرة

- ‌(74) باب التغليس بصلاة الصبح

- ‌(75) باب المنع من إخراج الصلاة عن وقتها

- ‌(76) باب صلاة الفذ جائزة، والجماعة أفضل

- ‌(77) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة والجمعة

- ‌(78) باب النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان، وفضل العشاء والصبح في جماعة

- ‌(79) باب الرخصة في التخلف عن الجماعة للعذر

- ‌(80) باب صلاة النفل في جماعة، والصلاة على البسط وإن عتقت وامتهنت

- ‌(81) باب فضل انتظار الصلاة في المسجد

- ‌(82) باب من كانت داره عن المسجد أبعد كان ثوابه في إتيانه أكثر

- ‌(83) باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات

- ‌(84) باب الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح

- ‌(85) باب في الإمامة، ومن أحق بها

- ‌(86) باب ما جاء في القنوت والدعاء للمُعَيَّنِ وعليه في الصلاة

- ‌(87) باب من نام عن صلاة أو نسيها

- ‌(88) باب من نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس فله أن يؤذن إذا كان في جماعة، ويصلي ركعتي الفجر

- ‌(89) باب ما جاء في حكم قَصرِ الصلاة في السفر

- ‌(90) باب من أين يبدأ بالقصر إذا خرج من وطنه، واستمراره على القصر ما لم ينو إقامة

- ‌(91) باب قَصر الصلاة بِمنىً

- ‌(92) باب جواز التخلف عن صلاة الجماعة والجمعة لعذر المطر

- ‌(93) باب التنفل والوتر على الراحلة في السفر

- ‌(94) باب الجمع بين الصلاتين في السفر والحضر

- ‌(95) باب الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال

- ‌(96) باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(97) باب ما يقول عند دخول المسجد، والأمر بِتحيَّتِهِ

- ‌(98) باب في صلاة الضحى

- ‌(99) باب الوصية بالضحى وأقله ركعتان

- ‌(100) باب ما جاء في ركعتي الفجر

- ‌(101) باب رواتب الفرائض وفضلها

- ‌(102) باب في صلاة النفل قائمًا وقاعدًا

- ‌(103) باب كيف صلاة الليل وكم عددها

- ‌(104) باب في صلاة الوتر

- ‌(105) باب فيمن غلب عن حزبه، وفيمن خاف أن يغلب عن وتره، وفضل طول القنوت وآخر الليل

- ‌(106) باب الترغيب في قيام رمضان وليلة القدر وكيفية القيام

- ‌(107) باب في كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، وتَبَتُّلِه ودُعَائِهِ

- ‌(108) باب ترتيل القراءة والجهر بها في صلاة الليل وتطويلها

- ‌(109) باب استغراق الليل بالنوم من آثار الشيطان

- ‌(110) باب أفضل النوافل ما صُلِّي في البيت

- ‌(111) باب أَحَبُّ العمل إلى الله أَدوَمُهُ وإن قَلَّ، وكراهية التَّعَمُّقِ والتشديد

- ‌أبواب فضائل القرآن وما يتعلق بها

- ‌(112) باب الأمر بِتَعاهُدِ القرآن، وذَمِّ من فرط فيه حتى نسي

- ‌(113) باب تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها

- ‌(114) باب إقراء النبي صلى الله عليه وسلم القرآن وتعليمه كيفية الأداء

- ‌(115) باب فضل تعلُّم القرآن وقراءته وفضل سورة البقرة وآل عمران

- ‌(116) باب فضل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة

- ‌(117) باب فضل سورة الكهف، وتنزل السكينة عند قراءتها

- ‌(118) باب فضل قراءة {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

- ‌(119) باب فضل قراءة المعوذتين

- ‌(120) باب لا حسد إلا في اثنتين، ومن يرفع بالقرآن

- ‌(121) باب إنزال القرآن على سبعة أحرف

- ‌(122) باب قراءة سورتين في ركعة من النوافل

- ‌(123) باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها

- ‌(124) باب في الركعتين بعد العصر

- ‌(125) باب الركوع بعد الغروب وقبل المغرب

- ‌(126) باب صلاة الخوف

- ‌(4) كتاب الجمعة

- ‌(1) باب فضل الغسل للجمعة وتأكيده، ومن اقتصر على الوضوء أجزأه

- ‌(2) باب فضل يوم الجمعة، والساعة التي فيه

- ‌(3) باب فضل التهجير للجمعة ووقتها

- ‌(4) باب الإنصات للخطبة وفضله

- ‌(5) باب الخطبة، والقيام لها، والجلوس بين الخطبتين، والإشارة باليد

- ‌(6) باب ما يقال في الخطبة ورفع الصوت بها

- ‌(7) باب ركوع من دخل والإمام يخطب، والتعليم في حالة الخطبة

- ‌(8) باب ما يُقرَأُ به في صلاة الجمعة، وفي صبح يومها

- ‌(9) باب ما جاء في التنفل بعد الجمعة

- ‌(10) باب التغليظ في ترك الجمعة

- ‌(5) أبواب صلاة العيدين

- ‌(1) باب الخروج إلى المصلى في العيدين، وخروج النساء

- ‌(2) باب لا صلاة قبل صلاة العيدين في المصلى، ولا أذان ولا إقامة

- ‌(3) باب الصلاة فيهما قبل الخطبة

- ‌(4) باب ما يقال في الخطبة

- ‌(5) باب ما يقرأ في صلاة العيدين

- ‌(6) باب الفرح واللعب في أيام الأعياد

- ‌(6) أبواب الاستسقاء

- ‌(1) باب الخروج إلى المصلى لصلاة الاستسقاء، وكيفية العمل فيها

- ‌(2) باب الدعاء في السُّقيَا في المسجد وبغير صلاة

- ‌(3) باب التبرك بالمطر، والفرح به، والتعوُّذ عند الريح والغيم

- ‌(7) أبواب كسوف الشمس والقمر

- ‌(1) باب الأمر بالصلاة والذكر والصدقة عند الكسوف

- ‌(2) باب كيفية العمل فيها، وأنها ركوعان في كل ركعة

- ‌(3) باب ما جاء أن في كل ركعة ثلاث ركعات

- ‌(4) باب ما جاء أن في كل ركعة أربع ركعات

- ‌(5) باب يطول سجودها كما يطول ركوعها

- ‌(6) باب ما جاء أن صلاة الكسوف ركعتان كسائر النوافل

- ‌(7) باب شهود النساء صلاة الكسوف

- ‌(8) كتاب الجنائز

- ‌(1) باب تلقين الموتى، وما يقال عند المصيبة، وعند حضور المرضى والموتى

- ‌(2) باب في إغماض الميت، والدعاء له

- ‌(3) باب ما جاء في البكاء على الميت، وعنده

- ‌(4) باب في عيادة المريض، والصبر عند الصدمة الأولى

- ‌(5) باب ما جاء أن الميت ليعذبُ ببكاءِ الحَيِّ عليه

- ‌(6) باب التشديد في النياحة، وما جاء في اتباع الجنائز

- ‌(7) باب الأمر بغسل الميت وكيفيته

- ‌(8) باب في تكفين الميت وتسجيته، والأمر بتحسين الكفن

- ‌(9) باب الإسراع بالجنازة، وفضل الصلاة عليها، واتباعها

- ‌(10) باب الاستشفاع للميت، وأن الثناء عليه شهادة له، وأنه مستريح ومستراح منه

- ‌(11) باب الأمر بالصلاة على الميت، وكيفية الصلاة عليه، وكم التكبيرات

- ‌(12) باب الدعاء للميت، وأين يقوم الإمام من المرأة

- ‌(13) باب ما جاء في الصلاة على القبر

- ‌(14) باب الأمر بالقيام للجنازة ونسخه

- ‌(15) باب ركوب المتبع للجنازة إذا انصرف منها

- ‌(16) باب في كيفية القبور وكراهية تجصيصها والبناء عليها، وهل يجعل في القبر شيء

- ‌(17) باب النهي عن الجلوس على القبور والصلاة إليها

- ‌(18) باب الصلاة على الميت في المسجد

- ‌(19) باب زيارة القبور والتسليم عليها، والدعاء والاستغفار للموتى

- ‌(20) باب من لا يصلى عليه

- ‌(21) باب النهي عن تمني الموت لضر نزل به

- ‌(22) باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

الفصل: ‌(106) باب الترغيب في قيام رمضان وليلة القدر وكيفية القيام

(106) باب الترغيب في قيام رمضان وليلة القدر وكيفية القيام

[639]

- عَن أَبِي هُرَيرَةَ، كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِن غَيرِ أَن يَأمُرَهُم فِيهِ بِعَزِيمَةٍ، فَيَقُولُ: مَن قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ

ــ

(106)

ومن باب: الترغيب في قيام رمضان

قوله: كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، يدل: على أن قيام الليل في رمضان من نوافل الخير، ومن أفضل أعمال البر، لا خلاف في هذا، وإنما الخلاف في الأفضل منه. هل إيقاعه في البيت، أو في المسجد؟ فذهب مالك إلى أن إيقاعه في البيت أفضل لمن قوي عليه، وكان أولا يقوم في المسجد ثم ترك ذلك، وبه قال أبو يوسف، وبعض أصحاب الشافعي. وذهب ابن عبد الحكم وأحمد وبعض أصحاب الشافعي: إلى أن حضورها في الجماعة أفضل، وقال الليث: لو قام الناس في بيوتهم، ولم يقم أحد في المسجد، لا ينبغي أن يخرجوا إليه، والحجة لمالك قوله صلى الله عليه وسلم: خير صلاة المرء في بيته إلَاّ المكتوبة (1)، وقول عمر: نعمت البدعة هي، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون فيها. وحجة مخالفه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلاّها في الجماعة في المسجد، ثم أخبر بالمانع الذي منعه من الدوام على ذلك، وهو خشية أن تفرض عليهم، ثم إن الصحابة كانوا يصلونها في المسجد أوزاعًا متفرقين؛ إلى أن جمعهم عمر على قارئٍ واحد، فاستقرّ الأمر على ذلك، وثبتت سنته بذلك.

(1) رواه البخاري (6113)، ومسلم (781)، وأبو داود (1447)، والنسائي (3/ 198) من حديث زيد بن ثابت.

ص: 388

لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ. فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمرُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ كَانَ الأَمرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلافَةِ أَبِي بَكرٍ، وَصَدرًا مِن خِلافَةِ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ.

وَفِي رِوَايَةٍ: مَن قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ، وَمَن قَامَ لَيلَةَ القَدرِ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ.

ــ

قلت: ومالك أحق الناس بالتمسك بهذا؛ بناءً على أصله في التمسّك بعمل أهل المدينة.

وقوله: من قام رمضان، دليل على جواز إطلاق لفظ رمضان غير مضافٍ إلى شهر؛ خلافًا لمن منع ذلك حتى يقال: شهر رمضان، قال: لأن رمضان اسم من أسماء الله تعالى، ولا يصح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: إيمانًا واحتسابًا؛ أي: تصديقًا بما جاء في ذلك، واحتسابًا بالأجرة على الله تعالى. وقد روي: من قام رمضان وصامه إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدّم من ذنبه (1).

وقوله: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر؛ أي: لم يزل أمر قيام رمضان معلوم الفضيلة يقومونه لكن متفرقين وفي بيوتهم؛ ولم يجمعوه على قارئٍ واحد؛ حتى كان مِن جَمعِ عمر لهم على أُبَيٍّ في المسجد ما قد ذكره مالك في الموطأ.

ثم اختُلف في المختار من عدد القيام، فعند مالك: أن المختار من ذلك ست وثلاثون؛ لأن ذلك عمل أهل المدينة المتصل. وقد قال نافع: لم أدرك الناس إلا وهم يقومون بتسع وثلاثين ركعة، يوترون منها بثلاث. وقال الشافعي: عشرون

(1) رواه ابن ماجه (1326) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 389

وفِي أُخرَى: مَن يُقِم لَيلَةَ القَدرِ فَيُوَافِقهَا. . . .

رواه أحمد (2/ 281) و (423)، والبخاري (37)، ومسلم (759)، وأبو داود (1371 و 1372)، والترمذي (808)، والنسائي (4/ 157 - 158).

[640]

- وعَن عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي المَسجِدِ ذَاتَ لَيلَةٍ، فَصَلَّى بِصَلاتِهِ نَاسٌ. ثُمَّ صَلَّى مِنَ القَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ - وفي رواية: عَجَزَ المَسجِدُ عَن أَهلِهِ - ثُمَّ اجتَمَعُوا مِنَ اللَّيلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، فَلَم يَخرُج إِلَيهِم رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أَصبَحَ قَالَ: قَد رَأَيتُ الَّذِي صَنَعتُم فَلَم يَمنَعنِي مِنَ الخُرُوجِ إِلَيكُم إِلا أَنِّي خَشِيتُ أن تفرَضَ عَلَيكُم، قَالَ: وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ.

رواه البخاري (119)، ومسلم (671)(177 و 178)، وأبو داود (1373)، والنسائي (3/ 202).

ــ

ركعة، وقال كثير من أهل العلم: إحدى عشرة ركعة، أخذًا بحديث عائشة المتقدم. وسيأتي الكلام على أحاديث ليلة القدر.

وقوله: من يقم ليلة القدر فيوافقها: اختلف في القدر الذي أضيفت الليلة إليه، فقال ابن عباس: القدر: العظمة؛ من قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدرِهِ} ؛ أي: ما عظموه حق عظمته، وقال مجاهد: القدر: تقدير الأشياء من أمور السنة. وقال ابن الفضل: يعني سوق المقادير إلى المواقيت، وقيل: قُدِّر في وقتها إنزال القرآن.

ويقم في - هذه الرواية - يعني به: يطلب بقيامه ليلة القدر، وحينئذ يلتئم مع قوله: يوافقها؛ لأن معنى يوافقها: يصادفها، ومن صلى فيها فقد صادفها،

ص: 390

[641]

- وَعَن أُبَيَّ بنَ كَعبٍ، (وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ عَبدَ الله بنَ مَسعُودٍ يَقُولُ: مَن قَامَ السَّنَةَ أَصَابَ لَيلَةَ القَدرِ) فَقَالَ أُبَيٌّ: وَالله الَّذِي لا إِلهَ إِلا هُوَ! إِنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ (يَحلِفُ مَا يَستَثنِي) وَوَالله، إِنِّي لأَعلَمُ أَيُّ لَيلَةٍ هِيَ، هِيَ اللَّيلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقِيَامِهَا، هِيَ لَيلَةُ صَبِيحَةِ سَبعٍ وَعِشرِينَ، وَأَمَارَتُهَا أَن تَطلُعَ الشَّمسُ فِي صَبِيحَةِ يَومِهَا لا شُعَاعَ لَهَا.

رواه مسلم (762)، (179)، وأبو داود (1378)، والترمذي (793).

* * *

ــ

ويحتمل أن تكون الموافقة هنا: عبارة عن قبول الصلاة فيها والدّعاء، أو يوافق الملائكة في دعائها، أو يوافقها حاضر القلب متأهلا لحصول الخير والثواب؛ إذ ليس كل دعاء يسمع، ولا كل عمل يقبل، فإنه:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ} وسيأتي استيفاء هذا المعنى إن شاء الله تعالى.

وقوله: وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحتها بيضاء لا شعاع لها، وفي حديث أبي هريرة: إن القمر يطلع فيها مثل شقّ جَفنَة (1)؛ قيل: إن ذلك إنما كان لصعود الملائكة الذين تنزلوا في ليلة القدر حين تطلع الشمس، فكأن الملائكة بكثرتها حالت بين الناظرين إلى الشمس وبين شعاعها، والله أعلم.

ثم هل هذه الأمارات راتبة لكل ليلة قدر تأتي، أو كان ذلك لتلك الليلة الخاصة؟ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: وأراني أسجد في صبيحتها في ماء وطين؟ (2) قولان لأهل العلم، والأول أولى؛ لما رواه أبو عمر بن عبد البر من طريق عبادة بن

(1) رواه مسلم (1170).

(2)

رواه البخاري (2027)، ومسلم (1167/ 215) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

ص: 391