المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(41) باب تحويل القبلة من الشام إلى الكعبة، والنهي عن بناء المساجد على القبور وعن التصاوير فيها - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٢

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(3) كتاب الصلاة

- ‌(1) باب ما جاء في الأذان والإقامة

- ‌(2) باب الأذان أمان من الغارة، وما جاء في اتخاذ مُؤذِّنَينِ

- ‌(3) باب إذا سَمِعَ المؤذن قال مثل ما قال، وفضل ذلك، وما يقول بعد الأذان

- ‌(4) باب فضل الأذان وما يُصيب الشيطان عنده

- ‌(5) باب رفع اليدين في الصلاة، ومتى يرفعهما؟ وإلى أين

- ‌(6) باب التكبير في الصلاة

- ‌(7) باب ما جاء في القراءة في الصلاة وبيان أركانها

- ‌(8) باب ترك قراءة بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ في الصلاة

- ‌(9) باب حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة

- ‌(10) باب التَّشَهُّد في الصلاة

- ‌(11) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(12) باب التَّحمِيد والتَّأمِين

- ‌(13) باب إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤتَمَّ به

- ‌(14) باب استخلاف الإمام إذا مرض، وجواز ائتمام القائم بالقاعد

- ‌(15) باب العمل القليل في الصلاة لا يضرها

- ‌(16) باب إذا نَابَ الإمامَ شيءٌ فَليُسَبِّح الرجالُ وَليُصَفِّق النساءُ

- ‌(17) باب الأمر بتحسين الصلاة، والنهي عن مسابقة الإمام

- ‌(18) باب النهي عن رفع الرأس قبل الإمام، وعن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، والأمر بالسكون فيها

- ‌(19) باب الأمر بتسوية الصفوف، ومن يلي الإمام

- ‌(20) باب في صفوف النساء وخروجهن إلى المساجد

- ‌(21) باب في قوله تعالى: {وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِت بِهَا}

- ‌(22) باب القراءة في الظهر والعصر

- ‌(23) باب القراءة في الصبح

- ‌(24) باب القراءة في المغرب والعشاء

- ‌(25) باب أمر الأئمة بالتخفيف في تمام

- ‌(26) باب في اعتدال الصلاة وتقارب أركانها

- ‌(27) باب اتباع الإمام والعمل بعده

- ‌(28) باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌(29) باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود

- ‌(30) باب ما يقال في الركوع والسجود

- ‌(31) باب الترغيب في كثرة السجود، وعلى كم يسجد؟ وفيمن صلى معقوص الشعر

- ‌(32) باب كيفية السجود

- ‌(33) باب تحريمُ الصلاةِ التكبيرُ، وتحليلُها التسليمُ

- ‌(34) باب في سترة المصلي وأحكامها

- ‌(35) باب مَنع المصلي مَن مَرَّ بين يديه، والتَّغليِظ في المرور بين يدي المصلي

- ‌(36) باب دنو المصلي من سترته وما جاء فيما يقطع الصلاة

- ‌(37) باب اعتراض المرأة بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة

- ‌(38) باب الصلاة بالثوب الواحد على الحصير

- ‌(39) باب أول مسجد وضع في الأرض، وما جاء أن الأرض كلها مسجد

- ‌(40) باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(41) باب تحويل القبلة من الشام إلى الكعبة، والنهي عن بناء المساجد على القبور وعن التصاوير فيها

- ‌(42) باب ثواب من بَنَى للهِ مسجدًا

- ‌(43) باب التطبيق في الركوع وما ثبت من نسخه

- ‌(44) باب [جواز الإقعاء على العقبين]

- ‌(45) باب نسخ الكلام في الصلاة

- ‌(46) باب جواز الإشارة بالسلام في الصلاة، ولعن الشيطان

- ‌(47) باب جواز حمل الصغير في الصلاة، وجواز التقدم والتأخر، ومن صلى على موضع أرفع من موضع المأموم

- ‌(48) باب النهي عن الاختصار في الصلاة، وما يجوز من مس الحصى فيها، وما جاء في البصاق في المسجد

- ‌(49) باب الصلاة في النعلين والثوب المعلم وبحضرة الطعام

- ‌(50) باب النهي عن إتيان المساجد لمن أكل الثوم أو البصل، وإخراج من وُجد منه ريحها من المسجد

- ‌(51) باب النهي عن أن تنشد الضالَّة في المسجد

- ‌(52) باب الأمر بسجود السهو، وما جاء فيمن سها عن الجلسة الوسطى

- ‌(53) باب فيمن لم يّدرِ كم صلى

- ‌(54) باب فيمن سلَّم من اثنتين أو ثلاث

- ‌(55) باب ما جاء في سجود القرآن

- ‌(56) باب كيفية الجلوس للتشهد

- ‌(57) باب كم يسلم من الصلاة، وبأي شيء كان يعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(58) باب الاستعاذة في الصلاة من عذاب القبر وغيره

- ‌(59) باب قدر ما يقعد الإمام بعد السلام وما يقال بعده

- ‌(60) باب السكوت بين التكبير والقراءة في الركعة الأولى وما يقال فيه

- ‌(61) باب فضل التحميد في الصلاة

- ‌(62) باب إتيان الصلاة بالسكينة، ومتى تقام؟ ومتى يقام لها؟ وإتمام المسبوق

- ‌(63) باب من أدرك ركعة من فعل الصلاة أو وقتها فقد أدركها

- ‌(64) باب إذا ذكر الإمام أنه مُحدِث خرج فأمرهم بانتظاره

- ‌(65) باب أَوقَات الصَّلَوَاتِ

- ‌(66) باب الإبراد بالظهر في شدة الحر

- ‌(67) باب تعجيل الظهر بعد الإبراد وفي زمن البرد

- ‌(68) باب تعجيل صلاة العصر

- ‌(69) باب ما جاء في الصلاة الوسطى

- ‌(70) باب من فاتته صلوات كيف يقضيها

- ‌(71) باب المحافظة على الصبح والعصر

- ‌(72) باب تعجيل صلاة المغرب

- ‌(73) باب تأخير العشاء الآخرة

- ‌(74) باب التغليس بصلاة الصبح

- ‌(75) باب المنع من إخراج الصلاة عن وقتها

- ‌(76) باب صلاة الفذ جائزة، والجماعة أفضل

- ‌(77) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة والجمعة

- ‌(78) باب النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان، وفضل العشاء والصبح في جماعة

- ‌(79) باب الرخصة في التخلف عن الجماعة للعذر

- ‌(80) باب صلاة النفل في جماعة، والصلاة على البسط وإن عتقت وامتهنت

- ‌(81) باب فضل انتظار الصلاة في المسجد

- ‌(82) باب من كانت داره عن المسجد أبعد كان ثوابه في إتيانه أكثر

- ‌(83) باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات

- ‌(84) باب الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح

- ‌(85) باب في الإمامة، ومن أحق بها

- ‌(86) باب ما جاء في القنوت والدعاء للمُعَيَّنِ وعليه في الصلاة

- ‌(87) باب من نام عن صلاة أو نسيها

- ‌(88) باب من نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس فله أن يؤذن إذا كان في جماعة، ويصلي ركعتي الفجر

- ‌(89) باب ما جاء في حكم قَصرِ الصلاة في السفر

- ‌(90) باب من أين يبدأ بالقصر إذا خرج من وطنه، واستمراره على القصر ما لم ينو إقامة

- ‌(91) باب قَصر الصلاة بِمنىً

- ‌(92) باب جواز التخلف عن صلاة الجماعة والجمعة لعذر المطر

- ‌(93) باب التنفل والوتر على الراحلة في السفر

- ‌(94) باب الجمع بين الصلاتين في السفر والحضر

- ‌(95) باب الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال

- ‌(96) باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(97) باب ما يقول عند دخول المسجد، والأمر بِتحيَّتِهِ

- ‌(98) باب في صلاة الضحى

- ‌(99) باب الوصية بالضحى وأقله ركعتان

- ‌(100) باب ما جاء في ركعتي الفجر

- ‌(101) باب رواتب الفرائض وفضلها

- ‌(102) باب في صلاة النفل قائمًا وقاعدًا

- ‌(103) باب كيف صلاة الليل وكم عددها

- ‌(104) باب في صلاة الوتر

- ‌(105) باب فيمن غلب عن حزبه، وفيمن خاف أن يغلب عن وتره، وفضل طول القنوت وآخر الليل

- ‌(106) باب الترغيب في قيام رمضان وليلة القدر وكيفية القيام

- ‌(107) باب في كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، وتَبَتُّلِه ودُعَائِهِ

- ‌(108) باب ترتيل القراءة والجهر بها في صلاة الليل وتطويلها

- ‌(109) باب استغراق الليل بالنوم من آثار الشيطان

- ‌(110) باب أفضل النوافل ما صُلِّي في البيت

- ‌(111) باب أَحَبُّ العمل إلى الله أَدوَمُهُ وإن قَلَّ، وكراهية التَّعَمُّقِ والتشديد

- ‌أبواب فضائل القرآن وما يتعلق بها

- ‌(112) باب الأمر بِتَعاهُدِ القرآن، وذَمِّ من فرط فيه حتى نسي

- ‌(113) باب تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها

- ‌(114) باب إقراء النبي صلى الله عليه وسلم القرآن وتعليمه كيفية الأداء

- ‌(115) باب فضل تعلُّم القرآن وقراءته وفضل سورة البقرة وآل عمران

- ‌(116) باب فضل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة

- ‌(117) باب فضل سورة الكهف، وتنزل السكينة عند قراءتها

- ‌(118) باب فضل قراءة {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

- ‌(119) باب فضل قراءة المعوذتين

- ‌(120) باب لا حسد إلا في اثنتين، ومن يرفع بالقرآن

- ‌(121) باب إنزال القرآن على سبعة أحرف

- ‌(122) باب قراءة سورتين في ركعة من النوافل

- ‌(123) باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها

- ‌(124) باب في الركعتين بعد العصر

- ‌(125) باب الركوع بعد الغروب وقبل المغرب

- ‌(126) باب صلاة الخوف

- ‌(4) كتاب الجمعة

- ‌(1) باب فضل الغسل للجمعة وتأكيده، ومن اقتصر على الوضوء أجزأه

- ‌(2) باب فضل يوم الجمعة، والساعة التي فيه

- ‌(3) باب فضل التهجير للجمعة ووقتها

- ‌(4) باب الإنصات للخطبة وفضله

- ‌(5) باب الخطبة، والقيام لها، والجلوس بين الخطبتين، والإشارة باليد

- ‌(6) باب ما يقال في الخطبة ورفع الصوت بها

- ‌(7) باب ركوع من دخل والإمام يخطب، والتعليم في حالة الخطبة

- ‌(8) باب ما يُقرَأُ به في صلاة الجمعة، وفي صبح يومها

- ‌(9) باب ما جاء في التنفل بعد الجمعة

- ‌(10) باب التغليظ في ترك الجمعة

- ‌(5) أبواب صلاة العيدين

- ‌(1) باب الخروج إلى المصلى في العيدين، وخروج النساء

- ‌(2) باب لا صلاة قبل صلاة العيدين في المصلى، ولا أذان ولا إقامة

- ‌(3) باب الصلاة فيهما قبل الخطبة

- ‌(4) باب ما يقال في الخطبة

- ‌(5) باب ما يقرأ في صلاة العيدين

- ‌(6) باب الفرح واللعب في أيام الأعياد

- ‌(6) أبواب الاستسقاء

- ‌(1) باب الخروج إلى المصلى لصلاة الاستسقاء، وكيفية العمل فيها

- ‌(2) باب الدعاء في السُّقيَا في المسجد وبغير صلاة

- ‌(3) باب التبرك بالمطر، والفرح به، والتعوُّذ عند الريح والغيم

- ‌(7) أبواب كسوف الشمس والقمر

- ‌(1) باب الأمر بالصلاة والذكر والصدقة عند الكسوف

- ‌(2) باب كيفية العمل فيها، وأنها ركوعان في كل ركعة

- ‌(3) باب ما جاء أن في كل ركعة ثلاث ركعات

- ‌(4) باب ما جاء أن في كل ركعة أربع ركعات

- ‌(5) باب يطول سجودها كما يطول ركوعها

- ‌(6) باب ما جاء أن صلاة الكسوف ركعتان كسائر النوافل

- ‌(7) باب شهود النساء صلاة الكسوف

- ‌(8) كتاب الجنائز

- ‌(1) باب تلقين الموتى، وما يقال عند المصيبة، وعند حضور المرضى والموتى

- ‌(2) باب في إغماض الميت، والدعاء له

- ‌(3) باب ما جاء في البكاء على الميت، وعنده

- ‌(4) باب في عيادة المريض، والصبر عند الصدمة الأولى

- ‌(5) باب ما جاء أن الميت ليعذبُ ببكاءِ الحَيِّ عليه

- ‌(6) باب التشديد في النياحة، وما جاء في اتباع الجنائز

- ‌(7) باب الأمر بغسل الميت وكيفيته

- ‌(8) باب في تكفين الميت وتسجيته، والأمر بتحسين الكفن

- ‌(9) باب الإسراع بالجنازة، وفضل الصلاة عليها، واتباعها

- ‌(10) باب الاستشفاع للميت، وأن الثناء عليه شهادة له، وأنه مستريح ومستراح منه

- ‌(11) باب الأمر بالصلاة على الميت، وكيفية الصلاة عليه، وكم التكبيرات

- ‌(12) باب الدعاء للميت، وأين يقوم الإمام من المرأة

- ‌(13) باب ما جاء في الصلاة على القبر

- ‌(14) باب الأمر بالقيام للجنازة ونسخه

- ‌(15) باب ركوب المتبع للجنازة إذا انصرف منها

- ‌(16) باب في كيفية القبور وكراهية تجصيصها والبناء عليها، وهل يجعل في القبر شيء

- ‌(17) باب النهي عن الجلوس على القبور والصلاة إليها

- ‌(18) باب الصلاة على الميت في المسجد

- ‌(19) باب زيارة القبور والتسليم عليها، والدعاء والاستغفار للموتى

- ‌(20) باب من لا يصلى عليه

- ‌(21) باب النهي عن تمني الموت لضر نزل به

- ‌(22) باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

الفصل: ‌(41) باب تحويل القبلة من الشام إلى الكعبة، والنهي عن بناء المساجد على القبور وعن التصاوير فيها

(41) باب تحويل القبلة من الشام إلى الكعبة، والنهي عن بناء المساجد على القبور وعن التصاوير فيها

[419]

- عَنِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ قَالَ: صَلَّيتُ مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم إِلَى بَيتِ المَقدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهرًا - وفي رواية: أو سبعة عشر شهرا -، حَتَّى نَزَلَتِ

ــ

(41)

ومن باب: تحويل القبلة

قد تقدّم القول في: الشطر في الطهارة. وأحاديث تحويل القبلة من الشام - من بيت المقدس - فيها مسائل أصولية:

المسألة الأولى: نسخ السنة بالقرآن، أجازه الجمهور، ومنعه الشافعي، وهذه الأحاديث حجّة عليه. وكذلك قوله تعالى:{فَلا تَرجِعُوهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ} ؛ نسخ لما قرّره رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد والصلح على ردّ كل من أسلم من الرجال والنساء من أهل مكة، وغير ذلك.

المسألة الثانية: رفع القاطع بخبر الواحد؛ وذلك أن استقبال بيت المقدس كان مقطوعًا به من الشريعة عندهم، ثم إن أهل قباء لما أتاهم الآتي فأخبرهم أن القبلة قد حُوِّلت إلى المسجد الحرام قبلوا قوله، واستداروا نحو الكعبة، فتركوا التواتر بخبر الواحد، وهو مظنون. وقد اختلف العلماء في جوازه عقلا ووقوعه؛ قال أبو حامد: والمختار: جواز ذلك عقلا لو تعبّدنا الشرع به، ووقوعه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل قصة قباء، وبدليل أنه كان عليه الصلاة والسلام يُنفِذ آحاد الولاة إلى الأطراف، وكانوا يبلغون الناسخ والمنسوخ جميعًا، لكن ذلك ممنوع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بدليل الإجماع من الصحابة على أن القرآن المتواتر المعلوم لا يرتفع بخبر الواحد، فلا ذاهب إلى تجويزه من السلف والخلف، وبسط ذلك في الأصول.

ص: 125

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المسألة الثالثة: وهي أن النسخ إذا وجد من الشارع، فهل يكون نسخًا في حق من لم يبلغه الناسخ؟ أو لا يكون نسخًا في حقه حتى يبلغه؟ اختلف فيه على قولين، وفائدة الخلاف في هذه المسألة في عبادات فُعلت بعد النسخ، وقبل البلاغ: هل تعاد أو لا؟ فإن قلنا بالأول، أعادها؛ إذ لم تكن عبادة في نفسها، وقد نسخت. وإن تنزَّلنا على الثاني لم يُعد؛ إذ هو مخاطب بفعل ما قد تقرر الأمر به، وهو الأولى. وقد ردّ إلى هذه المسألة مسألة الوكيل إذا تصرف بعد العزل وقبل العلم به، فهل يمضي تصرفه أو لا؟ قولان. وقد فرّق القاضي عياض بين مسألة النسخ ومسألة الوكيل: بأن مسألة الوكيل تعلق بها حق الغير على الموكّل، فلهذا توجه الخلاف فيها. ولم يختلف المذهب عندنا في أحكام من أعتق ولم يعلم بعتقه: أنها أحكامُ حرٍّ فيما بينه وبين الناس، فأما ما بينه وبين الله فجائزة. ولم يختلفوا في المُعتَقَةِ أنها لا تعيد ما صلت - بعد عِتقِها وقبل علمها بغير ستر. وإنما اختلفوا فيمن يطرأ عليه موجب يغيِّر حكم عبادة وهو فيها؛ بناء على هذه المسألة.

المسألة الرابعة: خبر الواحد، وهو مجمع عليه من السلف، معلوم بالتواتر من عادة النبي صلى الله عليه وسلم في توجهه ولاته ورسله آحادًا للآفاق ليعلِّموا الناس دينهم، ويبلِّغوهم سنة رسولهم؛ من الأوامر والنواهي، والمخالف في ذلك معاند، أو ناقص الفطرة.

وقول البراء: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا - أو سبعة عشر شهرًا-. الصحيح: سبعة عشر؛ من غير شك. وهو قول مالك وابن المسيب وابن إسحاق. ويروى (1): ثمانية عشر شهرًا. وبعد سنتين. وبعد تسعة أشهر، أو عشرة أشهر، والصحيح ما ذكرناه أوّلا.

(1) في (ل): وقد روي.

ص: 126

الآيَةُ الَّتِي فِي البَقَرَةِ: {وَحَيثُ مَا كُنتُم فَوَلُّوا وُجُوهَكُم شَطرَهُ} فَنَزَلَت بَعدَمَا صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَانطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ، فَمَرَّ بِنَاسٍ مِنَ الأَنصَارِ وَهُم يُصَلُّونَ، فَحَدَّثَهُم فَوَلَّوا وُجُوهَهُم قِبَلَ البَيتِ.

رواه أحمد (4/ 288)، والبخاري (40)، ومسلم (525)(11)، والترمذي (2966)، والنسائي (1/ 243)، وابن ماجه (1010).

[420]

- وعَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: بَينَمَا النَّاسُ فِي صَلاةِ الصُّبحِ بِقُبَاءٍ، إِذ جَاءَهُم آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَد أُنزِلَ عَلَيهِ اللَّيلَةَ، وَقَد أُمِرَ أَن يَستَقبِلَ الكَعبَةَ، فَاستَقبَلُوهَا وَكَانَت وُجُوهُهُم إِلَى الشَّامِ، فَاستَدَارُوا إِلَى الكَعبَةِ.

البخاري (403)، ومسلم (526)(13)، والترمذي (341)، والنسائي (2/ 61).

[421]

- وعَن عَائِشَةَ: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَينَهَا بِالحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أُولَئِكِ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوا عَلَى قَبرِهِ مَسجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلكِ الصُّوَرَ، أُولَئِكِ شِرَارُ الخَلقِ عِندَ اللَّهِ يَومَ القِيَامَةِ.

رواه أحمد (6/ 51)، والبخاري (427)، ومسلم (528)(16)، والنسائي (2/ 42).

ــ

وقوله: فاستقبلوها روي بفتح الباء على الخبر، وبكسرها على الأمر، وكلاهما صحيح.

وقوله: أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا، وصوّروا تلك الصور، قال الشيخ: إنما فعل ذلك أوائلهم ليتأنّسوا برؤية تلك الصورة، ويتذكروا بها أحوالهم الصالحة، فيجتهدون كاجتهادهم، ويعبدون الله

ص: 127

[422]

- وَعَنهَا قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَم يَقُم مِنهُ: لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيَائِهِم مَسَاجِدَ.

قَالَت: فلَولا ذَلِكَ أُبرِزَ قَبرُهُ، غَيرَ أَنَّهُ خُشِيَ أَن يُتَّخَذَ مَسجِدًا.

رواه أحمد (6/ 34 و 80)، والبخاري (1330)، ومسلم (529)، والنسائي (2/ 40 - 41).

ــ

تعالى عند قبورهم، فمضت لهم بذلك أزمان، ثم إنهم خلف من بعدهم خلف جهلوا أغراضهم، ووسوس لهم الشيطان: أن آباءهم وأجدادهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها، فعبدوها، فحذّر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك، وشدّد النكير والوعيد على فعل ذلك، وسَدَّ الذرائع المؤدية إلى ذلك، فقال: اشتدّ غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، فلا تتخذوا القبور مساجد (1)، أي: أنهاكم عن ذلك. وقال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد (2)، وقال: اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد (3)، ولهذا بالغ المسلمون في سدّ الذريعة في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأَعلُوا حيطان تربته، وسَدُّوا المداخل إليها، وجعلوها محدقة بقبره صلى الله عليه وسلم، ثم خافوا أن يُتخذ موضع قبره قبلة - إذ كان مستقبل المصلين -، فتتصور الصلاة إليه بصورة العبادة، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلث من ناحية الشمال، حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره (4)، ولهذا الذي ذكرناه كله قالت عائشة: ولولا ذلك لأُبرز قبره.

(1) رواه مالك في الموطأ (1/ 172) من حديث عطاء بن يسار رضي الله عنه.

(2)

رواه مسلم (532)، وهو تتمة حديث جندب في التلخيص (424).

(3)

رواه مالك في الموطأ (1/ 172) من حديث عطاء بن يسار رضي الله عنه.

(4)

هذا الوصف يتوافق مع وَضْع القبر الشريف في عصر المؤلف. ثم طرأ عليه تعديل في العصر المملوكي ثم العثماني بحيث أصبح القبر ضمن حجرة مربعة تعلوه القبة الخضراء. فمن صلّى خلف الحجرة لم يكن مستقبلًا القبر لوجود الساتر.

ص: 128

[423]

- وَعَنهَا وَعَن عبد الله بنِ عَبَّاسٍ قَالا: لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَفِقَ يَطرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجهِهِ، فَإِذَا اغتَمَّ كَشَفَهَا عَن وَجهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: لَعنَةُ اللَّهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيَائِهِم مَسَاجِدَ. يُحَذِّرُ مِثلَ مَا صَنَعُوا.

رواه أحمد (6/ 275 و 299)، والبخاري (3453 و 3454)، ومسلم (531)، والنسائي (2/ 40).

[424]

- وَعَن جُندَبِ، قَالَ: سَمِعتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبلَ أَن يَمُوتَ بِخَمسٍ، وَهُوَ يَقُولُ: إِنِّي أَبرَأُ إِلَى اللَّهِ أَن يَكُونَ لِي مِنكُم خَلِيلٌ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَنِي

ــ

تنبيه: وفي هذه الأحاديث ما يَستَدِلّ به مالك - على صحة القول بسد الذرائع - على الشافعي وغيره من المانعين لذلك، وهي مستوفاة في الأصول.

وقوله: لما نُزِلَ برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يعني: نزل به الموت. وطَفِقَ: أخذ وجعل، وهي من أفعال المقَارَبَة، وهي لا بدّ لها من اسم وخبر، إلا أن خبرها يلزم فيه أن يكون فعلا مجردًا عن أن، وقد قدّمنا القول في عسى، ويوشك.

والخميصة: كساءٌ له أعلام.

وقوله في حديث جندب: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل؛ أي: أبعد عن هذا وأنقطع عنه. وإنما كان ذلك؛ لأن قلبه صلى الله عليه وسلم قد امتلأ بما تخلله من محبة الله تعالى وتعظيمه، فلا يتسع لمخالّة غيره، أو لأنه صلى الله عليه وسلم قد انقطع بحاجاته كلها إلى الله، ولجأ إليه في سدِّ خلاّته، فكفاه ووقاه، فلا يحتاج إلى أحد من المخلوقين، وقد تقدم القول في الخلّة والخليل.

ص: 129