المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(6) باب التشديد في النياحة، وما جاء في اتباع الجنائز - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٢

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(3) كتاب الصلاة

- ‌(1) باب ما جاء في الأذان والإقامة

- ‌(2) باب الأذان أمان من الغارة، وما جاء في اتخاذ مُؤذِّنَينِ

- ‌(3) باب إذا سَمِعَ المؤذن قال مثل ما قال، وفضل ذلك، وما يقول بعد الأذان

- ‌(4) باب فضل الأذان وما يُصيب الشيطان عنده

- ‌(5) باب رفع اليدين في الصلاة، ومتى يرفعهما؟ وإلى أين

- ‌(6) باب التكبير في الصلاة

- ‌(7) باب ما جاء في القراءة في الصلاة وبيان أركانها

- ‌(8) باب ترك قراءة بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ في الصلاة

- ‌(9) باب حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة

- ‌(10) باب التَّشَهُّد في الصلاة

- ‌(11) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(12) باب التَّحمِيد والتَّأمِين

- ‌(13) باب إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤتَمَّ به

- ‌(14) باب استخلاف الإمام إذا مرض، وجواز ائتمام القائم بالقاعد

- ‌(15) باب العمل القليل في الصلاة لا يضرها

- ‌(16) باب إذا نَابَ الإمامَ شيءٌ فَليُسَبِّح الرجالُ وَليُصَفِّق النساءُ

- ‌(17) باب الأمر بتحسين الصلاة، والنهي عن مسابقة الإمام

- ‌(18) باب النهي عن رفع الرأس قبل الإمام، وعن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، والأمر بالسكون فيها

- ‌(19) باب الأمر بتسوية الصفوف، ومن يلي الإمام

- ‌(20) باب في صفوف النساء وخروجهن إلى المساجد

- ‌(21) باب في قوله تعالى: {وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِت بِهَا}

- ‌(22) باب القراءة في الظهر والعصر

- ‌(23) باب القراءة في الصبح

- ‌(24) باب القراءة في المغرب والعشاء

- ‌(25) باب أمر الأئمة بالتخفيف في تمام

- ‌(26) باب في اعتدال الصلاة وتقارب أركانها

- ‌(27) باب اتباع الإمام والعمل بعده

- ‌(28) باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌(29) باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود

- ‌(30) باب ما يقال في الركوع والسجود

- ‌(31) باب الترغيب في كثرة السجود، وعلى كم يسجد؟ وفيمن صلى معقوص الشعر

- ‌(32) باب كيفية السجود

- ‌(33) باب تحريمُ الصلاةِ التكبيرُ، وتحليلُها التسليمُ

- ‌(34) باب في سترة المصلي وأحكامها

- ‌(35) باب مَنع المصلي مَن مَرَّ بين يديه، والتَّغليِظ في المرور بين يدي المصلي

- ‌(36) باب دنو المصلي من سترته وما جاء فيما يقطع الصلاة

- ‌(37) باب اعتراض المرأة بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة

- ‌(38) باب الصلاة بالثوب الواحد على الحصير

- ‌(39) باب أول مسجد وضع في الأرض، وما جاء أن الأرض كلها مسجد

- ‌(40) باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(41) باب تحويل القبلة من الشام إلى الكعبة، والنهي عن بناء المساجد على القبور وعن التصاوير فيها

- ‌(42) باب ثواب من بَنَى للهِ مسجدًا

- ‌(43) باب التطبيق في الركوع وما ثبت من نسخه

- ‌(44) باب [جواز الإقعاء على العقبين]

- ‌(45) باب نسخ الكلام في الصلاة

- ‌(46) باب جواز الإشارة بالسلام في الصلاة، ولعن الشيطان

- ‌(47) باب جواز حمل الصغير في الصلاة، وجواز التقدم والتأخر، ومن صلى على موضع أرفع من موضع المأموم

- ‌(48) باب النهي عن الاختصار في الصلاة، وما يجوز من مس الحصى فيها، وما جاء في البصاق في المسجد

- ‌(49) باب الصلاة في النعلين والثوب المعلم وبحضرة الطعام

- ‌(50) باب النهي عن إتيان المساجد لمن أكل الثوم أو البصل، وإخراج من وُجد منه ريحها من المسجد

- ‌(51) باب النهي عن أن تنشد الضالَّة في المسجد

- ‌(52) باب الأمر بسجود السهو، وما جاء فيمن سها عن الجلسة الوسطى

- ‌(53) باب فيمن لم يّدرِ كم صلى

- ‌(54) باب فيمن سلَّم من اثنتين أو ثلاث

- ‌(55) باب ما جاء في سجود القرآن

- ‌(56) باب كيفية الجلوس للتشهد

- ‌(57) باب كم يسلم من الصلاة، وبأي شيء كان يعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(58) باب الاستعاذة في الصلاة من عذاب القبر وغيره

- ‌(59) باب قدر ما يقعد الإمام بعد السلام وما يقال بعده

- ‌(60) باب السكوت بين التكبير والقراءة في الركعة الأولى وما يقال فيه

- ‌(61) باب فضل التحميد في الصلاة

- ‌(62) باب إتيان الصلاة بالسكينة، ومتى تقام؟ ومتى يقام لها؟ وإتمام المسبوق

- ‌(63) باب من أدرك ركعة من فعل الصلاة أو وقتها فقد أدركها

- ‌(64) باب إذا ذكر الإمام أنه مُحدِث خرج فأمرهم بانتظاره

- ‌(65) باب أَوقَات الصَّلَوَاتِ

- ‌(66) باب الإبراد بالظهر في شدة الحر

- ‌(67) باب تعجيل الظهر بعد الإبراد وفي زمن البرد

- ‌(68) باب تعجيل صلاة العصر

- ‌(69) باب ما جاء في الصلاة الوسطى

- ‌(70) باب من فاتته صلوات كيف يقضيها

- ‌(71) باب المحافظة على الصبح والعصر

- ‌(72) باب تعجيل صلاة المغرب

- ‌(73) باب تأخير العشاء الآخرة

- ‌(74) باب التغليس بصلاة الصبح

- ‌(75) باب المنع من إخراج الصلاة عن وقتها

- ‌(76) باب صلاة الفذ جائزة، والجماعة أفضل

- ‌(77) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة والجمعة

- ‌(78) باب النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان، وفضل العشاء والصبح في جماعة

- ‌(79) باب الرخصة في التخلف عن الجماعة للعذر

- ‌(80) باب صلاة النفل في جماعة، والصلاة على البسط وإن عتقت وامتهنت

- ‌(81) باب فضل انتظار الصلاة في المسجد

- ‌(82) باب من كانت داره عن المسجد أبعد كان ثوابه في إتيانه أكثر

- ‌(83) باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات

- ‌(84) باب الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح

- ‌(85) باب في الإمامة، ومن أحق بها

- ‌(86) باب ما جاء في القنوت والدعاء للمُعَيَّنِ وعليه في الصلاة

- ‌(87) باب من نام عن صلاة أو نسيها

- ‌(88) باب من نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس فله أن يؤذن إذا كان في جماعة، ويصلي ركعتي الفجر

- ‌(89) باب ما جاء في حكم قَصرِ الصلاة في السفر

- ‌(90) باب من أين يبدأ بالقصر إذا خرج من وطنه، واستمراره على القصر ما لم ينو إقامة

- ‌(91) باب قَصر الصلاة بِمنىً

- ‌(92) باب جواز التخلف عن صلاة الجماعة والجمعة لعذر المطر

- ‌(93) باب التنفل والوتر على الراحلة في السفر

- ‌(94) باب الجمع بين الصلاتين في السفر والحضر

- ‌(95) باب الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال

- ‌(96) باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

- ‌(97) باب ما يقول عند دخول المسجد، والأمر بِتحيَّتِهِ

- ‌(98) باب في صلاة الضحى

- ‌(99) باب الوصية بالضحى وأقله ركعتان

- ‌(100) باب ما جاء في ركعتي الفجر

- ‌(101) باب رواتب الفرائض وفضلها

- ‌(102) باب في صلاة النفل قائمًا وقاعدًا

- ‌(103) باب كيف صلاة الليل وكم عددها

- ‌(104) باب في صلاة الوتر

- ‌(105) باب فيمن غلب عن حزبه، وفيمن خاف أن يغلب عن وتره، وفضل طول القنوت وآخر الليل

- ‌(106) باب الترغيب في قيام رمضان وليلة القدر وكيفية القيام

- ‌(107) باب في كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، وتَبَتُّلِه ودُعَائِهِ

- ‌(108) باب ترتيل القراءة والجهر بها في صلاة الليل وتطويلها

- ‌(109) باب استغراق الليل بالنوم من آثار الشيطان

- ‌(110) باب أفضل النوافل ما صُلِّي في البيت

- ‌(111) باب أَحَبُّ العمل إلى الله أَدوَمُهُ وإن قَلَّ، وكراهية التَّعَمُّقِ والتشديد

- ‌أبواب فضائل القرآن وما يتعلق بها

- ‌(112) باب الأمر بِتَعاهُدِ القرآن، وذَمِّ من فرط فيه حتى نسي

- ‌(113) باب تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها

- ‌(114) باب إقراء النبي صلى الله عليه وسلم القرآن وتعليمه كيفية الأداء

- ‌(115) باب فضل تعلُّم القرآن وقراءته وفضل سورة البقرة وآل عمران

- ‌(116) باب فضل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة

- ‌(117) باب فضل سورة الكهف، وتنزل السكينة عند قراءتها

- ‌(118) باب فضل قراءة {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

- ‌(119) باب فضل قراءة المعوذتين

- ‌(120) باب لا حسد إلا في اثنتين، ومن يرفع بالقرآن

- ‌(121) باب إنزال القرآن على سبعة أحرف

- ‌(122) باب قراءة سورتين في ركعة من النوافل

- ‌(123) باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها

- ‌(124) باب في الركعتين بعد العصر

- ‌(125) باب الركوع بعد الغروب وقبل المغرب

- ‌(126) باب صلاة الخوف

- ‌(4) كتاب الجمعة

- ‌(1) باب فضل الغسل للجمعة وتأكيده، ومن اقتصر على الوضوء أجزأه

- ‌(2) باب فضل يوم الجمعة، والساعة التي فيه

- ‌(3) باب فضل التهجير للجمعة ووقتها

- ‌(4) باب الإنصات للخطبة وفضله

- ‌(5) باب الخطبة، والقيام لها، والجلوس بين الخطبتين، والإشارة باليد

- ‌(6) باب ما يقال في الخطبة ورفع الصوت بها

- ‌(7) باب ركوع من دخل والإمام يخطب، والتعليم في حالة الخطبة

- ‌(8) باب ما يُقرَأُ به في صلاة الجمعة، وفي صبح يومها

- ‌(9) باب ما جاء في التنفل بعد الجمعة

- ‌(10) باب التغليظ في ترك الجمعة

- ‌(5) أبواب صلاة العيدين

- ‌(1) باب الخروج إلى المصلى في العيدين، وخروج النساء

- ‌(2) باب لا صلاة قبل صلاة العيدين في المصلى، ولا أذان ولا إقامة

- ‌(3) باب الصلاة فيهما قبل الخطبة

- ‌(4) باب ما يقال في الخطبة

- ‌(5) باب ما يقرأ في صلاة العيدين

- ‌(6) باب الفرح واللعب في أيام الأعياد

- ‌(6) أبواب الاستسقاء

- ‌(1) باب الخروج إلى المصلى لصلاة الاستسقاء، وكيفية العمل فيها

- ‌(2) باب الدعاء في السُّقيَا في المسجد وبغير صلاة

- ‌(3) باب التبرك بالمطر، والفرح به، والتعوُّذ عند الريح والغيم

- ‌(7) أبواب كسوف الشمس والقمر

- ‌(1) باب الأمر بالصلاة والذكر والصدقة عند الكسوف

- ‌(2) باب كيفية العمل فيها، وأنها ركوعان في كل ركعة

- ‌(3) باب ما جاء أن في كل ركعة ثلاث ركعات

- ‌(4) باب ما جاء أن في كل ركعة أربع ركعات

- ‌(5) باب يطول سجودها كما يطول ركوعها

- ‌(6) باب ما جاء أن صلاة الكسوف ركعتان كسائر النوافل

- ‌(7) باب شهود النساء صلاة الكسوف

- ‌(8) كتاب الجنائز

- ‌(1) باب تلقين الموتى، وما يقال عند المصيبة، وعند حضور المرضى والموتى

- ‌(2) باب في إغماض الميت، والدعاء له

- ‌(3) باب ما جاء في البكاء على الميت، وعنده

- ‌(4) باب في عيادة المريض، والصبر عند الصدمة الأولى

- ‌(5) باب ما جاء أن الميت ليعذبُ ببكاءِ الحَيِّ عليه

- ‌(6) باب التشديد في النياحة، وما جاء في اتباع الجنائز

- ‌(7) باب الأمر بغسل الميت وكيفيته

- ‌(8) باب في تكفين الميت وتسجيته، والأمر بتحسين الكفن

- ‌(9) باب الإسراع بالجنازة، وفضل الصلاة عليها، واتباعها

- ‌(10) باب الاستشفاع للميت، وأن الثناء عليه شهادة له، وأنه مستريح ومستراح منه

- ‌(11) باب الأمر بالصلاة على الميت، وكيفية الصلاة عليه، وكم التكبيرات

- ‌(12) باب الدعاء للميت، وأين يقوم الإمام من المرأة

- ‌(13) باب ما جاء في الصلاة على القبر

- ‌(14) باب الأمر بالقيام للجنازة ونسخه

- ‌(15) باب ركوب المتبع للجنازة إذا انصرف منها

- ‌(16) باب في كيفية القبور وكراهية تجصيصها والبناء عليها، وهل يجعل في القبر شيء

- ‌(17) باب النهي عن الجلوس على القبور والصلاة إليها

- ‌(18) باب الصلاة على الميت في المسجد

- ‌(19) باب زيارة القبور والتسليم عليها، والدعاء والاستغفار للموتى

- ‌(20) باب من لا يصلى عليه

- ‌(21) باب النهي عن تمني الموت لضر نزل به

- ‌(22) باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

الفصل: ‌(6) باب التشديد في النياحة، وما جاء في اتباع الجنائز

(6) باب التشديد في النياحة، وما جاء في اتباع الجنائز

[803]

- عَن أَبِي مَالِكٍ الأَشعَرِيَّ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَربَعٌ فِي أُمَّتِي مِن أَمرِ الجَاهِلِيَّةِ، لا يَترُكُونَهُنَّ: الفَخرُ فِي الأَحسَابِ، وَالطَّعنُ فِي الأَنسَابِ، وَالاستِسقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ، وَقَالَ: النَّائِحَةُ إِذَا لَم تَتُب قَبلَ

ــ

وفي الأم: أن عمر رضي الله عنه لما طعن عوّلت عليه حفصة (1). هكذا صحيح الرواية، وقد روي: أعوَلَت، وهما لغتان، غير أن الثانية أشهر وأفصح، وكلاهما من العويل، وهو البكاء ومعه صوت.

(6)

ومن باب: التشديد في النياحة

قوله صلى الله عليه وسلم: أربع في أمتي من أمر الجاهلية؛ أي: من شأنهم وخصالهم.

ولا يتركونهن، يعني: غالبًا.

والفخر في الأحساب؛ يعني: الافتخار بالآباء الكبراء والرؤساء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أذهب عنكم عُبِّيَّة الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي، الناس كلّهم بنو آدم، وآدم خلق من تراب (2).

والطعن في الأنساب: استحقارُها وعيبُها، وقد تقدم الكلام على الاستسقاء بالنجوم. والاستسقاء: استدعاء السُّقيا وسؤالُه، وكأنهم كانوا يسألون من النجوم أن تسقيهم؛ بناءً منهم على اعتقادهم الفاسد في أن النجوم تُوجِد المطر وتخلقه.

(1) ينظر صحيح مسلم (2/ 640).

(2)

رواه أحمد (2/ 524)، وأبو داود (5116)، والترمذي (3950 و 3951) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 587

مَوتِهَا، تُقَامُ يَومَ القِيَامَةِ وَعَلَيهَا سِربَالٌ مِن قَطِرَانٍ، وَدِرعٌ مِن جَرَبٍ.

رواه أحمد (5/ 342)، ومسلم (934).

[804]

- وَعَن عَائِشَةَ، قَالَت: لَمَّا جَاءَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَتلُ ابنِ حَارِثَةَ وَجَعفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبدِ اللهِ بنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعرَفُ فِيهِ الحُزنُ. قَالَت: وَأَنَا أَنظُرُ مِن صَائِرِ البَابِ (شَقِّ البَابِ) فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ نِسَاءَ جَعفَرٍ، وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ، فَأَمَرَهُ أَن يَذهَبَ فَيَنهَاهُنَّ، فَذَهَبَ فَأَتَاهُ، فَذَكَرَ أَنَّهُنَّ لَم يُطِعنَهُ، فَأَمَرَهُ الثَّانِيَةَ أَن يَنهَاهُنَّ فَذَهَبَ، ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: وَاللهِ! لَقَد غَلَبنَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَت: فَزَعَمَت أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اذهَب فَاحثُ فِي أَفوَاهِهِنَّ مِنَ التُّرَابِ. قَالَت عَائِشَةُ،

ــ

والسربال: واحد السرابيل، وهي: الثياب والقُمُص، يعني: أنّهنّ يلطَّخنَ بالقطِرَان، فيصير لهنّ كالقُمُص، حتى يكون اشتعال النار والتصاقها بأجسادهن أعظم، ورائحته أنتن، وألمها بسبب الحر (1) أشدّ.

وقولها (2): من صائر الباب، قد فسّره في الحديث بشقّ الباب، وهكذا صحّت روايته. قال الإمام: والصواب: صِير الباب - بكسر الصاد -. وفي حديث آخر: من اطلَّع من صِير باب فقد دَمَر (3)، وهو شَقّ الباب، ودَمَر: دخل بغير إذن. وكون نساء جعفر لم يُطِعن الناهي لهنّ عن البكاء، إمّا لأنه لم يُصرِّح لهن بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهن، فظننَّ منه أنه كالمحتسب في ذلك، وكالمرشد للمصلحة، أو لأنهن غُلبن في أنفسهن على سماع النهي؛ لحرارة المصيبة، والله تعالى أعلم.

وقوله: احثُ في أفواههنّ التراب؛ يدلّ على أنهنّ صرخن؛ إذ لو كان

(1) في (ظ) و (ط): الجرب.

(2)

في النسخ: قوله، والصواب ما أثبتناه.

(3)

انظره في النهاية لابن الأثير (3/ 66).

ص: 588

قُلتُ: أَرغَمَ اللهُ أَنفَكَ وَاللهِ مَا تَفعَلُ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا تَرَكتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ العَنَاءِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: مِنَ العِيِّ.

رواه البخاري (1299)، ومسلم (935)، وأبو داود (3122)، والنسائي (4/ 15)، وابن ماجه (1581).

[805]

- وَعَن أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَت: أَخَذَ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مع البَيعَةِ أَلا نَنُوحَ،

ــ

بكاءً بالعين فقط، لما كان لملء أفواههنّ بالتراب معنًى، وليس أمره صلى الله عليه وسلم للرجل بذلك ليفعله بهن على كل حالٍ، ولكن على طريق أن هذا مما يُسكتهنّ إن فعلنه، فافعله إن أمكنك، وهو لا يمكنك. وفيه دليل على أن المنهي عن المنكر، إن لم ينته عوقب وأُدِّب إن أمكن ذلك، وإلا فالملاطفة فيه أولى إن وقعت.

وقول عائشة رضي الله عنها للرجل: أرغَمَ الله أنفك؛ أي: ألصقه الله بالرغام - وهو التراب -، دعت عليه؛ لأنها فهمت أنه أَحرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بكثرة تكراره عليه وإخباره ببكائهن، ولذلك قالت له: والله ما تفعل ما أمرك به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: لا تقدر على فعله، لتعذُّره: وما تركتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من العناء. ولم تُرِد الاعتراض على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره.

ووقع في رواية العذري مكان: من العناء من الغيّ - بالغين المعجمة والياء المشدَّدة، الذي هو ضد الرشد، وعند الطبري مثله، إلا أنه بالمهملة. والأول أليق بالمعنى وأصح، وكذلك رواه البخاري.

وقول أم عطية: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ننوح، دليل على تحريم النياحة، وتشديد المنع فيها؛ لأنها تستجلب الحزن، وتصدّ عن الصبر المحمود.

ص: 589

فَمَا وَفَت مِنَّا امرَأَةٌ إِلا خَمسٌ: أُمُّ سُلَيمٍ، وَأُمُّ العَلاءِ، وَابنَةُ أَبِي سَبرَةَ امرَأَةُ مُعَاذٍ، (أَوِ ابنَةُ أَبِي سَبرَةَ، وَامرَأَةُ مُعَاذٍ).

وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَت أُمُّ عَطِيَّةَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِلا آلَ فُلانٍ فَإِنَّهُم كَانُوا أَسعَدُونِي فِي الجَاهِلِيَّةِ؛ فَلا بُدَّ لِي مِن أَن أُسعِدَهُم. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِلا آلَ فُلانٍ.

رواه أحمد (6/ 408)، والبخاري (1306)، ومسلم (936)(31 و 33)، وأبو داود (3127)، والنسائي (7/ 148 - 149).

ــ

وقولها: فما وفت منّا امرأة إلَاّ خمس، ثم ذكرت ثلاثًا أو أربعًا، قال عياض: معناه: أنه لم يفِ ممن بايع معها على ذلك. وفي كتاب البخاري تكميلهنَّ، فقال: ابنة أبي سبرة، وامرأة معاذ، وامرأتان، أو ابنة أبي سبرة، وامرأة معاذ، وامرأة أخرى.

وقول أم عطية عند المبايعة: إلا آل فلان، فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بدّ لي من أن أسعدهم، فقال: إلا آل فلان، أشكل هذا الحديث على العلماء، وكثرت فيه أقوالهم؛ فقيل فيه: إن هذا كان قبل تحريم النياحة. وهذا فاسد بمساق حديث أم عطية هذا، فإن فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ عليهن في البيعة: ألا يَنُحن. وذكر النياحة مع الشرك، وألا يعصينه في معروف، فلولا أن النياحة محرمة، لما أكدّ أمرها عليهن، وذكرها في البيعة مع محظورات أخر، ولَمَّا فهمت أم عطية التحريم استثنت.

وثانيها: أن ذلك خاص بأم عطية. وهذا أيضًا فاسد، فإنه لا يخصّها بتحليل ما كان من قبيل الفواحش كالزنى والخمر.

وثالثها: أن النهي عن النياحة إنما كان على جهة الكراهة، لا على جهة العزم

ص: 590

[806]

- وَعَنهَا، قَالَت: كُنَّا نُنهَى عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَلَم يُعزَم عَلَينَا.

رواه أحمد (6/ 409)، والبخاري (1278)، ومسلم (938)(34)، وأبو داود (3167)، وابن ماجه (1577).

* * *

ــ

والتحريم. وهذا أيضًا فاسد بما تقدَّم، وبقوله: أربع في أمتي من أمر الجاهلية. وبقوله: النائحة إذا لم تتب جاءت يوم القيامة وعليها سربالٌ من قطران ودرع من حرب. وهذا وعيد يدل على أنه من الكبائر.

ورابعها: أن قوله صلى الله عليه وسلم: إلا آل فلان، ليس فيه نص على أنها تساعدهم بالنياحة، فيمكن أنها تساعدهم باللقاء والبكاء الذي لا نياحة فيه، وهذا أشبهُ مِمَّا قبله.

وخامسها: أن يكون قوله: إلا آل فلان إعادةٌ لكلامها على جهة الإنكار والتوبيخ؛ كما قال للمستأذن حين قال: أنا، فقال صلى الله عليه وسلم: أنا أنا (1)، منكرًا عليه. ويدل على صحة هذا التأويل ما زاد النسائي في حديثٍ بمعنى حديث أم عطية، فقال: لا إسعاد في الإسلام (2)؛ أي: على النياحة. والله أعلم.

وقولها: نُهينا عن اتِّباع الجنائز، ولم يعزم علينا؛ أي: لم يحرم علينا، ولم يُشدّد علينا. وظاهر كلامها أنهن نُهين عن ذلك نَهي تنزيه وكراهة. وإلى منع ذلك صار جمهور العلماء لهذا النهي، ولقوله عليه الصلاة والسلام: ارجعنَ مأزورات غير مأجورات (3). وإليه ذهب ابن حبيب، وكرهه مالك للشابة، وفي الأمر

(1) رواه البخاري (6250)، ومسلم (2155)، وأبو داود (5187)، والترمذي (2712)، وابن ماجه (3759) من حديث جابر رضي الله عنه.

(2)

رواه أحمد (3/ 197)، والنسائي (4/ 16) من حديث أنس رضي الله عنه.

(3)

رواه ابن ماجه (1578) من حديث علي رضي الله عنه.

ص: 591