الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(56) باب كيفية الجلوس للتشهد
[468]
- عَن عَبدِ اللَّهِ بنِ الزُّبَيرِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَعَدَ فِي الصَّلاةِ جَعَلَ قَدَمَهُ اليُسرَى تحت فَخِذِهِ وَسَاقِهِ، وَفَرَشَ قَدَمَهُ اليُمنَى، وَوَضَعَ يَدَهُ اليُسرَى عَلَى رُكبَتِهِ اليُسرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمنَى عَلَى فَخِذِهِ اليُمنَى،
ــ
(56)
ومن باب: كيفية الجلوس للتشهد
قوله: وفرش قدمه اليمنى؛ هكذا الرواية، ولا يصح غيرها نقلا، وقد أشكلت هذه اللفظة على جماعة، حتى قال أبو محمد الخُشَنِي: صوابه: وفرش قدمه اليسرى، ورأى أنه غلط؛ لأن المعروف في اليمنى أنها منصوبة، كما جاء في حديث ابن عمر من رواية أبي داود: أنه صلى الله عليه وسلم كان ينصب اليمنى ويثني اليسرى (1)، وكذا جاء في البخاري (2) من حديث أبي حميد قال: وإذا جلس في الركعة الآخرة جلس على رجله اليسرى، ونصب اليمنى، وقعد على مقعدته. والصواب حمل الرواية على الصحة وعلى ظاهرها، وأنه صلى الله عليه وسلم في هذه الكَرَّة لم ينصب قدمه اليمنى، ولا فتح أصابعه، وإنما باشر الأرض بجانب رجله اليسرى، وبسطها عليها، إما لعذر، كما كان يفعل ابن عمر حيث قال: إن رجليّ لا تحملاني، وإما ليبين أن نصبهما وفتح أصابعهما ليس بواجب، وهذا هو الأظهر، والله أعلم.
وقوله: ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى؛ يعني: بسطها عليها كما جاء في حديث ابن عمر، وهو معنى قوله في الرواية الأخرى: ويلقم كفه اليسرى
(1) رواه أبو داود (958).
(2)
رواه البخاري (828).
وَأَشَارَ بِإِصبَعِهِ.
زَادَ فِي رِوَايَةٍ: وَوَضَعَ إِبهَامَهُ عَلَى إِصبَعِهِ الوُسطَى، وَيُلقِمُ كَفَّهُ اليُسرَى رُكبَتَهُ.
رواه مسلم (579)، وأبو داود (988)، والنسائي (2/ 237).
[469]
- وعَنِ ابنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلاةِ وَضَعَ يَدَيهِ عَلَى رُكبَتَيهِ، وَرَفَعَ إِصبَعَهُ اليُمنَى الَّتِي تَلِي الإِبهَامَ فَدَعَا بِهَا، وَيَدَهُ اليُسرَى عَلَى رُكبَتِهِ اليُسرَى بَاسِطَهَا عَلَيهَا.
وَفِي رِوَايَةٍ: وَعَقَدَ ثَلاثًا وَخَمسِينَ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ.
ــ
ركبته مع تبديد أصابعه وتفريقها.
وقوله: ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى؛ يعني: مقبوضة. وعليه يدل قوله: ووضع إبهامه على أصبَعِه الوسطى.
وقوله في حديث ابن عمر: وعقد ثلاثًا وخمسين، وقد بين هذا بيانًا شافيًا وائل بن حُجر فيما رواه أبو داود (1)، قال: وجعل حدّ مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض اثنتين من أصابعه، وحلّق حلقة. وإلى ظاهر حديث وائل هذا ذهب بعض أهل العلم، فقالوا بالتحليق، وكرهه بعض علماء المدينة، أخذًا بظاهر حديث ابن عمر؛ حيث حكى أنه صلى الله عليه وسلم عقد ثلاثًا وخمسين. ومن قال بالتحليق؛ منهم من ذهب إلى أن التحليق برؤوس الأنامل، وهو الخطابي. ومنهم من ذهب إلى أنه هو أن يضع أنملة الوسطى بين عقدتي الإبهام، والأمر قريب، ويفيد مجموع الأحاديث التخيير.
وقوله: وأشار بإصبعه؛ يعني بها المسبحة، وهي التي تلي الإبهام، كما
(1) رواه أبو داود (957).
رواه مسلم (580)(114 و 115)، وأبو داود (987)، والترمذي (254)، والنسائي (2/ 237)، وابن ماجه (913).
* * *
ــ
قال ابن عمر: وأشار بها؛ معناه مدّها في القبلة. وهل حركها أم لا؟ اختلفت الرواية في ذلك، فزاد أبو داود في حديث ابن الزبير: أنه صلى الله عليه وسلم كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها، وإلى هذا ذهب بعض العراقيين (1)، فمنع من تحريكها، وبعض أصحابنا رأوا: أن مدها إشارة إلى دوام التوحيد.
ومن حديث وائل بن حجر بعد قوله: وحلَّق حلقة: ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها (2). وإلى هذا ذهب أكثر العلماء وأكثر أصحابنا. ثم من قال بالتحريك، فهل يواليه أو لا يواليه؟ اختلف فيه على قولين، وسبب اختلافهم في ماذا يعلل به ذلك التحريك؟ فأما من وَالَى التحريك، فتأوّل ذلك بأنها مُذكرة بموالاة الحضور في الصلاة، وبأنها مَقمَعَة ومدفعة للشيطان. ومن لم يوالِ رأى تحريكها عند التلفُّظ بكلمتي الشهادة فقط. وتأوّل في الحركة: كأنها نطق تلك الجارحة بالتوحيد، والله تعالى أعلم.
وقد اختلف العلماء في المختار من كيفية الجلوس في الصلاة. فقال مالك: كل جلوس في الصلاة هو على هيئة واحدة؛ وهو أن يفضي إلى الأرض بأيسر وركيه، ويقعد على مقعدته، ويضع قدمه اليسرى تحت ساقه اليمنى، وينصب قدمه اليمنى مستقبلا بأطراف أصابعه القبلة، تمسُّكًا بحديث ابن عمر، وهو أنه علّم الجلوس في الصلاة كذلك، وقال: هو سنة الصلاة، وبمثله قال أبو حنيفة، غير أنه يفرش قدمه اليسرى تحت مقعدته، ويقعد عليها، وبهذا قال الشافعي في الجلسة الوسطى، وبمذهب مالك قال في الآخرة، وفرق بينهما تمسُّكًا بحديث أبي حميد
(1) في (م): البغداديين.
(2)
هذا لفظ النسائي (2/ 127).