الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(122) باب قراءة سورتين في ركعة من النوافل
[693]
عَن أَبِي وَائِلٍ قَالَ: غَدَونَا عَلَى عَبدِ الله بنِ مَسعُودٍ يَومًا بَعدَمَا صَلَّينَا الغَدَاةَ، فَسَلَّمنَا بِالبَابِ، فَأَذِنَ لَنَا. قَالَ: فَمَكَثنَا بِالبَابِ هُنَيَّةً قَالَ: فَخَرَجَتِ الجَارِيَةُ فَقَالَت: أَلا تَدخُلُونَ؟ فَدَخَلنَا، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ يُسَبِّحُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكُم أَن تَدخُلُوا وَقَد أُذِنَ لَكُم؟ فَقُلنَا: لا، إِلا أَنَّا ظَنَنَّا أَنَّ بَعضَ أَهلِ البَيتِ نَائِمٌ، قَالَ: ظَنَنتُم بِآلِ ابنِ أُمِّ عَبدٍ غَفلَةً؟ قَالَ: ثُمَّ أَقبَلَ يُسَبِّحُ حَتَّى ظَنَّ أَنَّ الشَّمسَ قَد طَلَعَت، فَقَالَ: يَا جَارِيَةُ! انظُرِي، هَل طَلَعَت؟ قَالَ: فَنَظَرَت فَإِذَا هِيَ لَم تَطلُع، فَأَقبَلَ يُسَبِّحُ حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّ الشَّمسَ قَد طَلَعَت فقَالَ: يَا جَارِيَةُ، انظُرِي هَل طَلَعَت؟ فَنَظَرَت فَإِذَا هِيَ قَد طَلَعَت فَقَالَ: الحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي أَقَالَنَا يَومَنَا هَذَا (قَالَ مَهدِيٌّ: أَحسِبُهُ قَالَ: وَلَم يُهلِكنَا بِذُنُوبِنَا). قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ: قَرَأتُ المُفَصَّلَ البَارِحَةَ كُلَّهُ. قَالَ فَقَالَ عبد الله: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعرِ؟ إِنَّا لَقَد سَمِعنَا القَرَائِنَ، وَإِنِّي
ــ
سهل وتغيّر، وسؤاله المغفرة: مخافةَ وقوع التقصير فيما يلزم من ذلك، والله أعلم.
(122)
ومن باب: قراءة سورتين في ركعة
قوله: فإذا هو جالسٌ يُسبح؛ أي: يسبح الله ويذكره، لا بمعنى: يتنفَّل؛ لأن ذلك في وقت يُمنع التنفل فيه.
وقوله: هذًّا كهذ الشعر: إنكار منه على من يسرع في قراءته، ولا يُرتل ولا يتدبَّر، ونصب هذًّا على المصدر؛ كأنه قال: أتهذّ هذًّا؟ وهذّ الشعر:
لأَحفَظُ القَرَائِنَ الَّتِي كَانَ يَقرَؤُهُنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنَ المُفَصَّلِ، وَسُورَتَينِ مِن آلِ حم.
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِن بَنِي بَجِيلَةَ، يُقَالُ لَهُ: نَهِيكُ بنُ سِنَانٍ، إِلَى عَبدِ الله، فَقَالَ: إِنِّي أَقرَأُ المُفَصَّلَ فِي رَكعَةٍ. فَقَالَ عَبدُ الله: أهَذًّا كَهَذِّ الشِّعرِ؟ ! لَقَد عَلِمتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقرَأُ بِهِنَّ، سُورَتَينِ فِي كل رَكعَةٍ.
ــ
الاسترسال في إنشاده من غير تدبُّرٍ في معانيه، ومعنى هذا: أن الشعر هو الذي إن فعل الإنسان فيه ذلك سُوِّغ له، وأما في القرآن فلا ينبغي مثل ذلك فيه، بل يقرأ بترتيل وتدبر؛ ولذلك قال: إن قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسَخ فيه نفع (1)، والتراقي: جمع ترقوة، وهي عظامُ أعالي الصدر، وهو كناية عن عدم الفهم؛ كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم به الخوارج؛ إذ قال: لا يجاوز حناجرهم (2).
والنظائر والقرائن هي: السّور المتقاربة في المقدار، وقد عدّدها ثماني عشرة في رواية، وفي أخرى عشرين، ولا بُعد في ذلك، فإنه يذكر في وقت الأقلّ من غير تعرُّضٍ للحصر، ويزيد في وقت آخر. أو يكون النبي صلى الله عليه وسلم قرن في وقت بين ثماني عشرة، وفي أخرى بين عشرين. وقد ذكر أبو داود هذا الحديث عن علقمة والأسود؛ قالا: أتى ابنَ مسعودٍ رجلٌ فقال: إني أقرأ المفصل في ركعة، فقال: أهذًّا كهذِّ الشعرِ، ونثرًا كنثر الدَّقَل؟ لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ النظائر؛ السورتين في ركعة: الرحمن والنجم في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، والواقعة ونون في ركعة، وسأل سائل
(1) رواه البخاري في تاريخه (6/ 337).
(2)
رواه البخاري (3344)، ومسلم (722) من حديث أبي وائل.
وَفِي أُخرَى: فَقَالَ عَبدُ الله: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعرِ؟ إِنَّ أَقوَامًا يَقرَؤونَ القُرآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُم، وَلَكِن إِذَا وَقَعَ فِي القَلبِ فَرَسَخَ فِيهِ نَفَعَ، إِنَّ أَفضَلَ الصَّلاةِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، إِنِّي لأَعلَمُ النَّظَائِرَ. . . الحَدِيث.
ــ
والنازعات في ركعة، وويل للمطففين وعبس في ركعة، وهل أتى ولا أقسم في ركعة، وعمّ يتساءلون والمرسلات في ركعة، والدخان وإذا الشمس كوّرت في ركعة. وقال أبو داود: هذا تأليف ابن مسعود (1).
قلت: وهذا مفسِّرٌ لرواية من روى: ثماني عشرة. وزاد في رواية ابن الأعرابي: والمدثر والمزمل في ركعة، فكملت عشرين.
وقوله في رواية أبي داود: ونثر كنثر الدَّقَل، الدَّقَل: رديء التمر. ووجه التشبيه: أنه يتناثر مُتتابعًا على غير ترتيب، فشبَّه المسرع في قراءته بذلك.
وقوله في الأم: لا يصعد له عمل (2)؛ أي: لا يكون له ثواب يصعد به؛ كما قال امرؤ القيس:
*عَلَى لاحِبٍ لَا يُهْتَدَى بِمَنَارِه*
أي: ليس له منارٌ فَيُهْتَدَى به.
وقوله: إن أفضل الصلاة الركوع والسجود: حجة لمن قال: إن كثرة السجود أفضل من تطويل القيام، وقد تقدّم ذكر الخلاف في هذه المسألة. واختُلف في مبدأ المفصل، فقيل: من سورة محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: من سورة ق، وسُمِّيَ بذلك؛ لكثرة الفصل بين سوره بسطر: بسم الله الرحمن الرحيم.
(1) يعني بهذا: الترتيب في مصحفه.
(2)
كذا وجدنا هذه العبارة وشرحها في جميع أصول المفهم، ولم نجدها في صحيح مسلم (الأم) ولا ارتباط بينها وبين موضوع الباب رقم (122).