الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(10) باب الاستشفاع للميت، وأن الثناء عليه شهادة له، وأنه مستريح ومستراح منه
[815]
- عَن عَائِشَةَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِن مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيهِ أُمَّةٌ مِنَ المُسلِمِينَ يَبلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُم يَشفَعُونَ لَهُ إِلا شُفِّعُوا فِيهِ.
رواه أحمد (6/ 32 و 40)، ومسلم (947)، والترمذي (1029)، والنسائي (4/ 75 - 76).
[816]
- وعَن عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ مَاتَ ابنٌ لَهُ بِقُدَيدٍ أَو بِعُسفَانَ، فَقَالَ: يَا كُرَيبُ، انظُر مَا اجتَمَعَ لَهُ مِنَ النَّاسِ! قَالَ: فَخَرَجتُ فَإِذَا نَاسٌ قَدِ اجتَمَعُوا لَهُ، فَأَخبَرتُهُ، فَقَالَ: تَقُولُ هُم أَربَعُونَ؟ قَالَ: نَعَم. قَالَ: أَخرِجُوهُ؛ فَإِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَا مِن رَجُلٍ مُسلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَربَعُونَ رَجُلا لا يُشرِكُونَ بِاللهِ شَيئًا إِلا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ.
رواه أحمد (1/ 277)، ومسلم (948)، وأبو داود (3170)، وابن ماجه (1489).
ــ
(10)
ومن باب: الاستشفاع للميت
قوله صلى الله عليه وسلم من صلّى عليه مائةٌ من المسلمين شُفِّعوا فيه، وفي الحديث الآخر أربعون، قيل: سبب هذا الاختلاف اختلاف السؤال، وذلك أنه سئل مرَّة عمَّن صلّى عليه مائةٌ واستشفعوا له، فقال: شفعوا. وسئل مرَّة أخرى عمَّن صلّى عليه أربعون فأجاب بذلك، ولو سئل عن أقلَّ من ذلك لقال ذلك - والله أعلم - إذ قد يستجاب دعاء الواحد ويقبل استشفاعه، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
[817]
- وعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثنِيَ عَلَيهَا خَير، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: وَجَبَت، وَجَبَت، وَجَبَت. وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثنِيَ عَلَيهَا شَرّ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: وَجَبَت، وَجَبَت، وَجَبَت. فقَالَ عُمَرُ: فِدًاكَ أَبِي وَأُمِّي، مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثنِيَ عَلَيهَا خَيرٌ فَقُلتَ: وَجَبَت، وَجَبَت، وَجَبَت. وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثنِيَ عَلَيهَا شَرٌّ فَقُلتَ: وَجَبَت، وَجَبَت، وَجَبَت! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَن أَثنَيتُم عَلَيهِ خَيرًا وَجَبَت لَهُ الجَنَّةُ، وَمَن أَثنَيتُم عَلَيهِ شَرًّا وَجَبَت لَهُ النَّارُ، وأَنتُم شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأَرضِ، أَنتُم شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأَرضِ، أَنتُم شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأَرضِ.
ــ
مَن صلّى عليه ثلاثة صفوف شُفِّعوا له - (1) ولعلهم يكونون أقلَّ من أربعين.
وقوله أنتم شهداء الله في الأرض، قال الداودي: معنى هذا عند الفقهاء إذا أثنى عليه أهل الفضل والصدق؛ لأن الفَسَقَة قد يُثنون على الفاسق فلا يدخل في الحديث، ولذلك لو كان القائل فيه عدوًّا له وإن كان فاضلا؛ لأن شهادته له في حياته كانت غير مقبولة له وعليه وإن كان عدلا. وقيل: ذلك فيمن علم الله أنه لا يحمله الحسد والعداوة أو فرط المحبة وكثرة الإطراء والغلو المذموم فيقول ما ليس فيه من خير أو شر، ولكن إنما ذلك لمن وفّق الله له من يقول قولا عدلا بما علمه ممن يريد به الله، فيوجب الله له ما قالاه، وهو الذي وفقهما الله له وسبق له في علمه تعالى. وربما قَبِل علمهما وترك علمه من سريرته فلم يؤاخذه به إذا كان مسلمًا تفضُّلا منه تعالى وسترًا عليه وتحقيقًا لظنِّهم. وقال بعضهم: في تكرار أنتم شهداء الله في الأرض ثلاثًا إشارة إلى أن القرون الثلاثة الذين قال صلى الله عليه وسلم فيهم: خير أمَّتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين
(1) رواه البيهقي في شعب الإيمان (9252) من حديث ميمونة.
رواه أحمد (3/ 186 و 245)، والبخاري (2642)، ومسلم (949)، والنسائي (4/ 49 - 50)، والترمذي (1058)، وابن ماجه (1491).
[818]
- وعَن أَبِي قَتَادَةَ بنِ رِبعِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَهُ مُرَّ عَلَيهِ بِجَنَازَةٍ فَقَالَ: مُستَرِيحٌ وَمُستَرَاحٌ مِنهُ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا المُستَرِيحُ وَالمُستَرَاحُ مِنهُ؟ فَقَالَ: العَبدُ المُؤمِنُ يستَرِيحُ مِن نَصَبِ الدُّنيَا، وَالعَبدُ الفَاجِرُ تستَرِيحُ مِنهُ العِبَادُ وَالبِلادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ.
ــ
يلونهم (1). والأظهر فيه التأكيد على ما تقرَّر من أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تُفهم عنه (2).
وقوله صلى الله عليه وسلم من أثنيتم عليه شرًّا وجبت له النار يشكل بالنهي عن سبِّ الموتى، ولقوله: اذكروا محاسنَ موتاكم، وكفّوا عن مساوئهم (3). وقد انفصل عنه من أوجه؛
أحدها: أن هذا الذي تحدث عنه بالشرِّ كان مستظهرًا له ومشهورًا به، فيكون ذلك من باب لا غيبة لفاسق (4).
(1) رواه البخاري (3650)، ومسلم (2535)، وأبو داود (4657)، والترمذي (2303)، والنسائي (7/ 17 - 18).
(2)
ساقط من (ع)، واستدرك من (هـ) و (ظ).
(3)
رواه أبو داود (4900)، والترمذي (1019)، والحاكم (1/ 385) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(4)
انظره في كشف الخفاء (2/ 366).
وَفِي رِوَايَةٍ: يَستَرِيحُ مِن أَذَى الدُّنيَا وَنَصَبِهَا إِلَى رَحمَةِ اللهِ.
رواه أحمد (5/ 296 و 304)، والبخاري (6512)، ومسلم (950)، والنسائي (4/ 48).
* * *
ــ
وثانيها: أن محمل النهي إنما هو فيما بعد الدّفن، وأما قبله فمسوغ ليتَّعظ به الفسّاق، وهذا كما يكره لأهل الفضل الصلاة على المعلن بالبدع والكبائر.
وثالثها: أن الذي أثنى عليه الصحابة بالشرِّ يحتمل أن يكون من المنافقين، ظهرت عليه دلائل النفاق فشهدت الصحابة بما ظهر لهم، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم وجبت له النار، والمسلم لا تجب له النار، وهذا هو مختار عياض.
ورابعها: أن يكون النهي عن سبّ الموتى متأخرًا عن هذا الحديث، فيكون ناسخًا.
والثناء - ممدود، مقدَّم الثاء المثلثة على النون - إنما يقال في الخير غالبًا، والذي يقال في الشر هو النثى - بتقديم النون وتأخير الثاء والقصر، إلا أن هذا الحديث جاء في الثناء في الشرِّ لمطابقته للفظ (1) الثناء في الخير.
* * *
(1) ساقط من (ع).