الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(102) باب في صلاة النفل قائمًا وقاعدًا
[614]
- عَن عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا، فَيَقرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِذَا بَقِيَ مِن قِرَاءَتِهِ قَدرُ مَا يَكُونُ ثَلاثِينَ أَو أَربَعِينَ آيَةً، قَامَ فَقَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ يَفعَلُ فِي الرَّكعَةِ الثَّانِيَةِ مِثلَ ذَلِكَ.
رواه أحمد (6/ 178)، والبخاري (1118 و 1119)، ومسلم (731)(112)، وأبو داود (953 و 954)، والترمذي (372)، والنسائي (3/ 219)، وابن ماجه (1226).
[615]
- وعَنهَا قَالَت: لَمَّا بَدَّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَثَقُلَ كَانَ أَكثَرُ صَلاتِهِ جَالِسًا.
رواه مسلم (732)(117).
ــ
(102)
ومن باب: صلاة النفل قائمًا وقاعدًا
قول عائشة رضي الله عنها: لما بَدَّن وثقل كان أكثر صلاته جالسًا: أكثر الرواة قيدوه: بَدُن، بضم الدال، ورواه الصدفي عن العذري: بَدَّن، مفتوحة الدال مشددة، وارتضى أبو عبيد رواية الفتح والتشديد، وقال: يقال: بَدَّن الرجل تبدينًا: إذا أسنّ، وأنشد (1):
وكُنتُ خِلتُ الشَّيبَ والتَّبدينا
…
والهمَّ مما يُذهِلُ القرينا
قال: ومن رواه بَدُن ليس له معنى؛ لأنه خلاف وصفه صلى الله عليه وسلم، ومعناه: كثر
(1) هو حميد الأرقط.
[616]
- وعَن عَبدِ الله بنِ شَقِيقٍ قَالَ: قُلتُ لِعَائِشَةَ: هَل كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَهُوَ قَاعِدٌ؟ قَالَت: نَعَم، بَعدَمَا حَطَمَهُ النَّاسُ.
رواه أحمد (6/ 171 و 218)، ومسلم (732)(115)، وأبو داود (956).
[617]
- وعَن حَفصَةَ قَالَت: مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي سُبحَتِهِ قَاعِدًا، حَتَّى كَانَ قَبلَ وَفَاتِهِ بِعَامٍ، فَكَانَ يُصَلِّي فِي سُبحَتِهِ قَاعِدًا، وَكَانَ يَقرَأُ بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُهَا، حَتَّى تَكُونَ أَطوَلَ مِن أَطولِ مِنهَا.
رواه أحمد (6/ 285)، ومسلم (733)، والترمذي (373)، والنسائي (3/ 223).
ــ
لحمه؛ يقال: بدن الرجل يَبدُنُ بَدَانَةً. قلت: ولا معنى لإنكار بَدُنَ، وقد صحت الرواية فيه، وقد جاء معناه مفسَّرًا من قول عائشة؛ قالت: فلما كبر وأخذه اللحم، وفي رواية: أسَنَّ وكثر لحمه. وقول أبي عبيد: لم يكن ذلك وصفه صلى الله عليه وسلم: صِدق؛ لأنه لم يكن في أصل خلفته بادنًا كثير اللحم، لكن عندما أسنّ وضعف عن كثير مما كان يتحمله في حال النشاط من الأعمال الشاقة استرخى لحمه، وزاد على ما كان في أصل خلقته زيادة يسيرة، بحيث يصدق عليه ذلك الاسم، والله أعلم.
وقولها: بعدما حطمه الناس: قال أبو عبيد: يقال: حَطَم فلانًا أهلُه: إذا كبر فيهم؛ كأنه مما تحمَّل من أثقالهم صيَّروه شيخًا محطومًا. والحَطمُ: كسر الشيء اليابس، يؤيد هذا قول حفصة: أنه صلى الله عليه وسلم ما صلى سُبحَتَه قاعدًا حتى كان قبل وفاته بعامٍ.
وقولها: فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها؛ أي: يمد ويرتل في قراءة السورة القصيرة، حتى يكون زمان قراءتها أطول من زمان قراءة سورة أخرى فوق الأولى في العدد.
[618]
- وعَن عَبدِ الله بنِ عَمرٍو قَالَ: حُدِّثتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصفُ الصَّلاةِ. قَالَ: فَأَتَيتُهُ فَوَجَدتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا، فَوَضَعتُ يَدِي عَلَى رَأسِهِ فَقَالَ: مَا لَكَ يَا عَبدَ الله بنَ عَمرٍو! ،
ــ
وقوله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل قاعدًا نصف الصلاة: يعنى في الأجر، مع عدم العذر المانع من القيام (1)، وعليه حمله الثوري وابن الماجشون وابن شعبان. وحمله بعضهم على من رُخِّص له في الصلاة جالسًا من أصحاب الأعذار الذين لو كلفوا ذلك لقدروا على القيام بمشقّة، وهذا يَطَّرد في الفرض والنفل، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق، ومنع الشافعي من صلاة الفرض قاعدًا، إلا مع عدم القدرة على القيام، ويجوز ذلك في النفل مع القدرة بالإجماع، وأما من عجز عن القيام لعذرٍ مانع منه فأجره إن شاء الله تعالى تامٌّ كامل؛ لأنه فعل عبادته على كمالها في حقه ولم يقصِّر فيها:{مَن جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشرُ أَمثَالِهَا} وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم فيما خرجه الترمذي - وصححه -، من حديث الأربعة النفر حيث قال فيه: إنما الدنيا لأربعة نفر: رجل آتاه الله مالا وعلمًا، فهو يتَقي الله ربه، ويصل به رحمه، ويعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأفضل المنازل، ورجل آتاه الله علمًا ولم يؤته مالا، فهو يقول: لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيّته، فأجرهما سواء (2)، وهذا نص في الغرض.
وقوله: فوضعت يدي على رأسه: هذا يدل على عظيم تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وحنانه وحسن أخلاقه، وأنه كان مع خاصة أصحابه فيما يرجع إلى المعاشرة والمخالطة كواحد منهم؛ إذ كان يباسطهم ويمازحهم، ويكون معهم في عملهم، ولا يستأثر عليهم، ولا يترفع عنهم، ولذلك كانت الأمة من إماء أهل المدينة تأخذ
(1) ساقط من (ع).
(2)
رواه الترمذي (2325) من حديث أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه.
قُلتُ: حُدِّثتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنَّكَ قُلتَ: صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصفِ الصَّلاةِ وَأَنتَ تُصَلِّي قَاعِدًا! ! قَالَ: أَجَل، وَلَكِنِّي لَستُ كَأَحَدٍ مِنكُم.
رواه مسلم (735)، وأبو داود (950)، والنسائي (3/ 223)، وابن ماجه (1229).
* * *
ــ
بيده وتنطلق به حيث شاءت، ويجلس يحدثها حيث أرادت. ومن كانت هذه حاله، فلا يستنكر من بعض أصحابه أن يعامله بمثل ذلك في بعض الأحوال، سيّما وكان مقصود عبد الله: أن يقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يجيبه عما وقع في خاطره من هذا الأمر الدينيّ المهم في حقّه، والله تعالى أعلم. وهذا كله على ما صح عندنا من الرواية على رأسه وظاهره: أنه عائد على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذُكر لي أن بعض الناس رواه: رأسِيَه، فألحق به ياء المتكلم وهاء السكت، ووجهها واضح لو ثبت، وأظن أنه إصلاح ورأي، لا رواية. ويقرب من فعل عبد الله فعل جبريل عليه السلام معه؛ حيث أسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه (1)، على قول من قال: إنه أراد فخذي النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو الصحيح (2).
وقوله: أجل؛ أي: نعم.
وقوله: لست كأحدٍ منكم؛ أي: لا يكون له في صلاته قاعدًا نصف الأجر، بل أكثر من ذلك، أو الأجر كله، والله أعلم. ويحتمل أن يكون معناه: لست كأحدٍ منكم ممن لا عذر له، ممن قلت له هذا القول؛ فإنه لم يصل قاعدًا حتى ثقل، والأول أظهر.
(1) سبق تخريجه في كتاب الإيمان برقم (7).
(2)
في حاشية (ظ): قد ثبت في هذه القصة أنَّ وَضْع عبدالله يده على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنَّما كان في الليل، في ظلمةٍ، مِن غير قصدٍ من عبد الله، وإنَّما وقعتْ يدُه على رأسه صلى الله عليه وسلم بغير تعمُّد، وهذا هو الحقّ، والله أعلم.