الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواه مسلم (483)، وأبو داود (878).
* * *
(31) باب الترغيب في كثرة السجود، وعلى كم يسجد؟ وفيمن صلى معقوص الشعر
[385]
- عَن مَعدَانُ بنُ أَبِي طَلحَةَ اليَعمَرِيُّ، قَالَ: لَقِيتُ ثَوبَانَ مَولَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلتُ: أَخبِرنِي بِعَمَلٍ أَعمَلُهُ يُدخِلُنِي اللهُ بِهِ الجَنَّةَ، أَو قَالَ: قُلتُ: بِأَحَبِّ الأَعمَالِ إِلَى اللهِ. فَسَكَتَ، ثُمَّ سَأَلتُهُ فَسَكَتَ، ثُمَّ سَأَلتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: سَأَلتُ عَن ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: عَلَيكَ بِكَثرَةِ السُّجُودِ، فَإِنَّكَ
ــ
إليه. وقد اختلف الناس في ذلك، فمنهم من يقول: الأنبياء كلهم معصومون من الكبائر والصغائر. وذهبت شرذمة من الروافض إلى تجويز كل ذلك عليهم إلا ما يناقض مدلول المعجزة؛ كالكذب والكفر. وذهب المقتصدون: إلى أنهم معصومون عن الكبائر إجماعًا سابقًا خلاف الروافض، ولا يُعتَدّ بخلافهم؛ إذ قد حكم بكفرهم كثير من العلماء. وللكلام في هذه المسألة تصانيف قد دُوِّنت فيها.
[(31) ومن باب: الترغيب في كثرة السجود وعلى كم يسجد](1)
قوله في حديث ثوبان - وقد سئل عن أحب الأعمال إلى الله؟ فقال: عليك بكثرة السجود. الحديث دليل على أن السجود أفضل من طول القيام، وهي مسألة اختلف العلماء فيها. فذهبت طائفة إلى ظاهر هذا الحديث، وذهبت طائفة أخرى إلى أن طول القيام أفضل؛ متمسكين بقوله عليه الصلاة والسلام: أفضل
(1) هذا العنوان لم يرد في الأصول، وأثبتناه من التلخيص.
لا تَسجُدُ لِلَّهِ سَجدَةً إِلا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنكَ بِهَا خَطِيئَةً. قَالَ مَعدَانُ: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّردَاءِ فَسَأَلتُهُ، فَقَالَ: لِي مِثلَ مَا قَالَ لي ثَوبَانُ.
رواه أحمد (5/ 276)، ومسلم (488)، والترمذي (388)، والنسائي (2/ 228).
[386]
- وَعَن رَبِيعَةَ بنِ كَعبٍ الأَسلَمِيِّ؛ قَال: كُنتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأتيته بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: سَل فَقُلتُ: أَسأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الجَنَّةِ. قَالَ: أَو غَيرَ ذَلِكَ؟ قُلتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفسِكَ بِكَثرَةِ السُّجُودِ.
رواه أحمد (4/ 57 و 58)، ومسلم (489)، وأبو داود (1320)، والنسائي (2/ 227 - 228).
ــ
الصلاة القنوت (1)، وفسّروا القنوت بالقيام كما قال تعالى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} ذكر هذه المسألة والخلاف فيها الترمذي، والصحيح من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يطوِّل في قيام صلاة الليل، وداوم على ذلك إلى حين موته، فدلّ على أن طول القيام أفضل. ويحتمل أن يُقال: إن ذلك يرجع إلى حال المصلي؛ فرب مصلٍّ يحصل له في حال القيام من الحضور والتدبر والخشوع ما لا يحصل له في السجود، ورب مصلٍّ يحصل له في السجود من ذلك ما لا يحصل له في القيام، فيكون الأفضل في حقه: الحال التي حصل له فيها ذلك المعنى؛ الذي هو روح الصلاة، والله تعالى أعلم.
وقوله في حديث ربيعة: أَو غَيرَ ذلك؛ رويناه بإسكان الواو من أَو، ونصب غيرَ؛ أي: أو: سل غير ذلك؛ كأنه حَضَّه على سؤال شيء آخر غير مرافقته؛
(1) رواه مسلم (756)، والترمذي (387) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
[387]
- وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أُمِرتُ أَن أَسجُدَ عَلَى سَبعَةِ أَعظُمٍ: الجَبهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ على أَنفِهِ - وَاليَدَينِ، وَالرِّجلَينِ، وَأَطرَافِ القَدَمَينِ، وَلا نَكفِتَ الثِّيَابَ وَلا الشَّعرَ.
ــ
لأنه فهم منه أن يطلب المساواة معه في درجته، وذلك مما لا ينبغي لغيره. فلمّا قال الرجل: هو ذاك؛ قال له: أعِنِّي على نفسك بكثرة السجود؛ أي: الصلاة؛ ليزداد من القرب ورفعة الدرجات، حتى يقرب من منزلته، وإن لم يُساوِهِ فيها. ولا يعترض هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه حذيفة ليلة الأحزاب: ألا رجل يأتيني بخبر القوم؛ جعله الله معي يوم القيامة (1)؛ لأن هذا مثل قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيهِم} الآية؛ لأن هذه المَعِيَّة هي النجاة من النار، والفوز بالجنة، إلا أن أهل الجنة على مراتبهم ومنازلهم بحسب أعمالهم وأحوالهم. وقد دلّ على هذا أيضا قوله عليه الصلاة والسلام: المرء مع من أحب، وله ما اكتسب (2).
وقوله: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة - وأشار بيده على أنفه -؛ هذا يدل على أن الجبهة الأصل في السجود، وأن الأنف تبع. وقد اختلف العلماء فيمن اقتصر على أحدهما دون الآخر على ثلاثة أقوال: الإجزاء، ونَفيُهُ، والتفرقة؛ فإن اقتصر على الجبهة أجزأه، وإن اقتصر على الأنف لم يُجزئِه، وهو مشهور مذهبنا. وقد سَوَّى في هذا الحديث في الأمر بكيفية السجود بين الوجه واليدين والركبتين والقدمين، فدلّ هذا الظاهر: على أن من أخَلَّ بعضو من تلك الأعضاء مع تمكُّنِه من ذلك لم يفعل المأمور به.
وقوله: ولا نكفتَ الشعر ولا الثياب: الكَفتُ: الضَّمُّ، وكذلك الكَفُّ
(1) رواه مسلم (1788) من حديث حذيفة رضي الله عنه. وانظر: عيون الأثر (2/ 98).
(2)
رواه الترمذي (2386) من حديث أنس رضي الله عنه.
رواه أحمد (1/ 292 و 305)، والبخاري (812)، ومسلم (490)(230)، وأبو داود (889)، والترمذي (273)، والنسائي (2/ 208).
[388]
- وَعَنهُ، أَنَّه رَأَى عَبدَ اللهِ بنَ الحَارِثِ يُصَلِّي وَرَأسُهُ مَعقُوصٌ مِن وَرَائِه، فَقَامَ فَجَعَلَ يَحُلُّهُ، فَلَمَّا انصَرَفَ أَقبَلَ إِلَى ابنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: مَا لَكَ وَرَأسِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكتُوفٌ.
رواه أحمد (1/ 304)، ومسلم (492)، وأبو داود (647)، والنسائي (2/ 216).
* * *
ــ
أيضًا، ومنه:{أَلَم نَجعَلِ الأَرضَ كِفَاتًا} وظاهر هذا الحديث يقتضي: أن الكَفتَ المنهيَّ عنه إنما هو في حال الصلاة، وذلك لأنه شغل في الصلاة لم تدع إليه حاجة، أو لأنه يرفع شعره وثوبه من مباشرة الأرض في السجود فيكون كبرًا. وذهب الداودي: إلى أن ذلك لمن فعله في الصلاة. قال عياض: ودليل الآثار وفعل الصحابة يخالفه.
والشعر المَعقُوص: هو المضفور المربوط، وحلُّ عبد الله بن عباس عَقِيصَةَ (1) عبد الله بن الحارث في الصلاة دليل على تغليظ المنع من ذلك. ولم يأمره بالإعادة، وهو مجمع عليه؛ على ما حكاه الطبري. وقد حكى ابن المنذر فيه الإعادة عن الحسن البصري وحده، وذلك - والله أعلم - لما جاء: أن الشعر يسجد معه، ولهذا مَثَّلَهُ بالذي يصلي وهو مكتوف.
* * *
(1) في (ع): ضفيرة.