الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(52) باب الأمر بسجود السهو، وما جاء فيمن سها عن الجلسة الوسطى
[458]
- عَن أَبِي هُرَيرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ أَحَدَكُم إِذَا قَامَ
ــ
في المسجد، ولو لم يكن كذلك لما منع، ألا ترى أنه لو رفع صوته خارج المسجد لم يعاقب بذلك، وبدليل قوله: إن المساجد لم تُبن لهذا. ويقتبس من هذا: أن الحالف ألا يدخل دارًا، فأدخل رأسه فيها، أنه يحنث بذلك. قال بعض علمائنا: وكذلك لو أدخل رجله؛ لأن الاعتماد في الدخول على الرجل، ولهذا فرق بعض أصحابنا بين أن يكون اعتماده عليها أم لا.
(52)
ومن باب: السهو في الصلاة
قال الإمام أبو عبد الله: أحاديث السهو كثيرة مشهورة (1)، والثابت منها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أحاديث: حديث أبي هريرة الذي ذكر فيه أنه سجد سجدتين، ولم يذكر موضعهما. وحديث أبي سعيد الخدري (2)، وهما جميعًا فيمن شكّ كم صلّى. وحديث ابن مسعود (3)، وذكر فيه: أنه قام إلى خامسة، والسجود بعد السلام. وحديث ابن بحينة وفيه: القيام من اثنتين، والسجود قبل السلام. وحديث ذي اليدين (4)، وفيه السلام من اثنتين والسجود بعد السلام.
(1) من (ل).
(2)
رواه أحمد (3/ 87)، ومسلم (571)، وأبو داود (1024 و 1026 و 1027 و 1029)، والترمذي (396)، والنسائي (3/ 27)، وابن ماجه (1204).
(3)
رواه البخاري (1226)، ومسلم (572)، وأبو داود (1019 و 1020 و 1021 و 1022)، والترمذي (392 و 393)، والنسائي (3/ 31 - 33)، وابن ماجه (1205).
(4)
رواه البخاري (1228)، ومسلم (573)، وأبو داود (1008 و 1009 و 1010 =
يُصَلِّي جَاءَهُ الشَّيطَانُ، فَلَبَسَ عَلَيهِ، حَتَّى لا يَدرِيَ كَم صَلَّى، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ
ــ
قلت: وقد أغفل الإمام حديث عمران بن حصين (1)، وهو أنّه سلم في ثلاث، ثم صلى ركعة ثم سلّم، ثم سجد سجدتين، لكن لم يذكره؛ لأنه رأى أنه في معنى حديث ذي اليدين. ويلزمه على هذا ألا يُعَدَّ حديث أبي هريرة؛ لأنه عنده في معنى حديث أبي سعيد، والصحيح في عدد الأحاديث الصحيحة في السهو أنها ستة حسب ما نبّهنا عليه.
قال الإمام: وقد اختلف الناس في طريق الأخذ بهذه الأحاديث، فأما داود فلم يقس عليها، وقال: إنما يستعمل ذلك فيما ورد فيه من الصلوات، على حسب الترتيب في مواضع السجود المذكورة، وقال ابن حنبل كقول داود في هذه الصلوات خاصة، وخالفه في غيرها، وقال: ما فيها من سهو فإن السجود كله قبل السلام. واختَلَف مَن قاس عليها من الفقهاء، فبعضهم قال: إنما تُفيد هذه الأحاديث التخيير، وللمكلف أن يفعل أي ذلك شاء من السجود قبل أو بعد في نقص أو زيادة، وهو قول مالك في المجموعة. وقال أبو حنيفة: الأصل ما فيه السجود بعد السلام، وردَّ بقيّة الأحاديث إليه. وقال الشافعي: الأصل ما فيه السجود قبل السلام، وردّ بقيّة الأحاديث إليه. ورأى مالك: أن ما فيه النقص السجود فيه قبل السلام، وأن ما فيه الزيادة يكون فيه السجود بعد، وهل هذا الترتيب هو الواجب أو هو الأولى؟ قولان للأصحاب. وسيأتي بيان متمسك كل فريق إن شاء الله تعالى.
وقوله: جاءه الشيطان فَلَبَس عليه، يُروَى مخفف الباء ومشدّدها، وهي مفتوحة في الماضي، مكسورة في المستقبل، على كل حال معناه: خَلَطَ، يقال:
= و 1011 و 1012)، والترمذي (394)، والنسائي (3/ 30 - 36)، وابن ماجه (1214).
(1)
رواه مسلم (574)، وأبو داود (1039)، والترمذي (395)، وابن ماجه (1215).
أَحَدُكُم فَليَسجُد سَجدَتَينِ وَهُوَ جَالِسٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ: جَاءَ الشَّيطَانُ فَهَنَّاهُ وَمَنَّاهُ
رواه أحمد (2/ 330)، والبخاري (1232)، ومسلم (389) في المساجد (82)، وأبو داود (1030)، والترمذي (397)، والنسائي (3/ 31)، وابن ماجه (1216).
ــ
لَبَستُ عليه الأمر، ألبِسُهُ؛ أي: خلطته، ومنه قوله تعالى:{وَلَلَبَسنَا عَلَيهِم مَا يَلبِسُونَ} فأما بكسر الباء في الماضي، وفتحها في المستقبل، فهو من لباس الثوب، ومنه:{وَيَلبَسُونَ ثِيَابًا خُضرًا مِن سُندُسٍ وَإِستَبرَقٍ}
وقوله: فليسجد سجدتين وهو جالس، هذا الحديث مقصوده الأمر بالسجود عند السهو، وهل ذلك بعد السلام، أو قبل؟ لم يتعرض له فيه، وقد رُوي (1) عن مالك والليث: أنهما حملا هذا الحديث على المُستَنكِح (2)، وليس في الحديث ما يدل عليه، وما قالاه ادعاء تخصيص، ولا بد من دليله، على أنه قد اختلف قول مالك في المستنكح، هل عليه سجود أم لا؟ بل نقول: إن في الحديث ما يدل على نقيض ما قالاه، وهو قوله: فإذا وجد ذلك أحدكم، وهذا خطاب لعموم المخاطبين، وعمومهم السلامة من الاستنكاح، فإنه نادر الوقوع، وقد ذهب الحسن في طائفة من السلف، إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث، فقالوا: ليس على من لم يَدرِ كَم صلى، ولا يدري هل زاد أو نقص غير سجدتين وهو جالس. وذُكر عن الشعبي والأوزاعي وجماعة كثيرة من السلف: أن من لم يدر كم صلى أعاد أبدًا حتى يتيقن، والذي ذهب إليه الأكثر: أن يحمل حديث أبي هريرة على مفصَّل حديث أبي سعيد الآتي بعد هذا، ويُرَدّ إليه، لا سيما وقد زاد أبو داود في حديث
(1) في (ل): نقل.
(2)
"المستنكح": الذي يغالبه النعاس.
[459]
- وَعَن عَبدِ اللَّهِ بنِ بُحَينَةَ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكعَتَينِ مِن بَعضِ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ قَامَ فَلَم يَجلِس، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ وَنَظَرنَا تَسلِيمَهُ، كَبَّرَ فَسَجَدَ سَجدَتَينِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبلَ التَّسلِيمِ، ثُمَّ سَلَّمَ.
زاد فِي رِوَايَةٍ: وسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ، مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنَ الجُلُوسِ.
رواه البخاري (1230)، ومسلم (570)(85)، وأبو داود (1034 و 1035)، والترمذي (391)، والنسائي (3/ 19 - 20)، وابن ماجه (1206) و (1207).
* * *
ــ
أبي هريرة من طريق صحيحة: وهو جالس قبل أن يسلم، فيكون مساويًا لحديث أبي سعيد، فهو هو، والله أعلم.
ثم هذا الأمر بالسجود لمن سها؛ على جهة الوجوب، أو فيه تفصيل؟ فيه خلاف، فمن أصحابنا من قال: هو محمول على الندب، أما في الزيادة فواضح؛ لأنه ترغيم للشيطان، وأما في النقصان فهو جبر للنقص، وأرفع درجات الجبر أن يتنزل منزلة الأصل، والأصل مندوب إليه، فيكون الجبر مندوبًا إليه؛ لأن سجود السهو إنما يكون في إسقاط السنن - على ما يأتي -، وعلى هذا لا يعيد من ترك السجود، وقال بعض أصحابنا: السجود للنقص واجب، وللزيادة فضيلة، ثم اختلفوا: هل ذلك في كل نقص، أو يختص بالوجوب؟ إذا كان المسقط فعلا ولم يكن قولا؟ روايتان.
* * *