الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(117) باب فضل سورة الكهف، وتنزل السكينة عند قراءتها
[681]
- عَنِ البَرَاءِ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَقرَأُ سُورَةَ الكَهفِ، وَعِندَهُ فَرَسٌ مَربُوطٌ بِشَطَنَينِ، فَتَغَشَّتهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَت تَدُورُ وَتَدنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنفِرُ مِنهَا، فَلَمَّا أَصبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ فَقَالَ: تِلكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَت لِلقُرآنِ.
رواه أحمد (4/ 293 و 298)، والبخاري (3614)، ومسلم (795)(240)، والترمذي (2887).
ــ
(117)
ومن باب: فضل سورة الكهف
قوله: بشطنين؛ أي: حَبلَين. والشَّطَن: الحبل الطويل، والنوى: الشطون البعيدة، وشَطَن؛ أي: بعد، ومنه الشيطان على أحد التأويلين. وتغشته: غطَّته. والسكينة: مأخوذة من السكون، وهو الوقار والطمأنينة، وهي هنا اسم للملائكة؛ كما فسرها في الرواية الأخرى، وسَمّاهم بذلك لشدّة وقارهم وسكونهم؛ تعظيمًا لقراءة هذه السورة (1)، واختلف المفسرون في قوله - تعالى -:{فِيهِ سَكِينَةٌ مِن رَبِّكُم} على أقوال كثيرة، فقيل: السكون: الرحمة. وقيل: حيوان كالهرّ له جناحان وذنب، ولعينيه شعاع، فإذا نظر للجيش انهزم، وقيل: آيات يسكنون لها. وقال ابن وهب: روح من الله يتكلم معهم، ويبيّن لهم إذا اختلفوا. وهذا القول أشبهها؛ لأنه موافق لما في هذا الحديث. والمربد للتمر مثل الأندر (2)
(1) ساقط من (ع).
(2)
أي: البيدر.
[682]
- وَعَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيَّ: أَنَّ أُسَيدَ بنَ حُضَيرٍ بَينَمَا هُوَ لَيلَةً يَقرَأُ فِي مِربَدِهِ، إِذ جَالَت فَرَسُهُ فَقَرَأَ، ثُمَّ جَالَت أُخرَى فَقَرَأَ، ثُمَّ جَالَت أَيضًا، فَقَالَ، أُسَيدٌ: فَخَشِيتُ أَن تَطَأَ يَحيَى، فَقُمتُ إِلَيهَا، فَإِذَا مِثلُ الظُّلَّةِ فَوقَ رَأسِي، فِيهَا أَمثَالُ السُّرُجِ، عَرَجَت فِي الجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا. قَالَ: فَغَدَوتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! بَينَمَا أَنَا البَارِحَةَ مِن جَوفِ اللَّيلِ أَقرَأُ فِي مِربَدِي، إِذ جَالَت فَرَسِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اقرَأِ، ابنَ حُضَيرٍ. قَالَ: فَقَرَأتُ. ثُمَّ جَالَت أَيضًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اقرَأِ، ابنَ حُضَيرٍ! قَالَ: فَقَرَأتُ. ثُمَّ جَالَت أَيضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اقرَأِ، ابنَ حُضَيرٍ! قَالَ: فَانصَرَفتُ، وَكَانَ يَحيَى قَرِيبًا مِنهَا، خَشِيتُ أَن تَطَأَهُ، فَرَأَيتُ مِثلَ الظُّلَّةِ، فِيهَا أَمثَالُ السُّرُجِ، عَرَجَت فِي الجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: تِلكَ المَلائِكَةُ كَانَت تَستَمِعُ لَكَ،
ــ
للطعام. وجالت: اضطربت. والرواية المشهورة: تنفر؛ من النفور، وعند أبي بحر: تنقز بالقاف والزاي، ومعناه: تَثِب؛ يقال: نَقَزَ الصبي، وقَفَزَ: إذا وثب.
وقوله: فخشيت أن تطأ يحيى، يعني: أنه خشي أن تطأ الفرس يحيى ابنه، وقد فسره بعد ذلك. والظُّلَّة: السحابة فوق الرأس؛ مأخوذة من الظل. والجَوّ: ما بين السماء والأرض. والسُّرُج: جمع سراج؛ شَبَّه الأنوار التي رأى في السحابة بها.
وقوله صلى الله عليه وسلم لابن حُضير: اقرأ؛ عند إخباره له بما رأى، هو أمر له بمداومة على القراءة فيما يستأنفه؛ فرحًا بما أطلعه الله عليه، وكرر ذلك تأكيدًا (1).
وقوله صلى الله عليه وسلم: تلك الملائكة كانت تستمع لك: استطابة لقراءته؛ لحسن
(1) ساقط من (ع).
وَلَو قَرَأتَ لأَصبَحَت يَرَاهَا النَّاسُ مَا تَستَتِرُ مِنهُم.
رواه البخاري (5018) من حديث أُسيد، ورواه مسلم (796) من حديث أبي سعيد.
[683]
- وعَن أَبِي الدَّردَاءِ، أَنَّ نَّبِيّ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَن حَفِظَ عَشرَ آيَاتٍ مِن أَوَّلِ سُورَةِ الكَهف عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ.
ــ
ترتيلها، وحضور قلبه فيها، وخشوعه وإخلاصه. والله - تعالى - أعلم، وإطلاع الله - تعالى - له على ذلك: إظهار كرامته له؛ ليزداد يقينًا مع يقينه، واجتهادًا في عبادته. وهذا دليل على جواز رؤية من ليس بنبي للملائكة.
وقوله: لو قرأت لأصبحت يراها الناس: يعني: لو دمت على حالتك في قراءتك لأصبحت على تلك الحال ظاهرة للناس، لكنه قطع القراءة، فارتفعت الملائكة وغابت؛ لتخصيص الكرامة به، وليعمل الناس على التصديق بالغيب.
وقوله صلى الله عليه وسلم: من قرأ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال. وفي الرواية الأخرى: من آخر الكهف. واختلف المتأوِّلون في سبب ذلك؛ فقيل: لما في قصة أصحاب الكهف من العجائب والآيات، فمن علمها لم يستغرب أمر الدجال، ولم يَهُلهُ ذلك، فلا يفتتن به. وقيل: لما في قوله - تعالى -: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَولِيَاءَ} - إلى آخر السورة - من المعاني المناسبة لحال الدجّال، وهذا على رواية من روى: من آخر الكهف. وقيل: لقوله - تعالى -: {قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأسًا شَدِيدًا مِن لَدُنهُ} ؛ تمسُّكًا بتخصيص البأس بالشدة واللدنِّية، وهو مناسب لما يكون من الدجال من دعوى الإلهية، واستيلائه، وعظيم فتنته، ولذلك عظَّم النبي صلى الله عليه وسلم أمره، وحذّر منه، وتعوّذ من فتنته. فيكون معنى هذا الحديث: أن من قرأ هذه الآيات وتدبرها، ووقف على معناها؛ حذره، فأمن من ذلك. وقيل: هذا من خصائص هذه السورة كلها، فقد روي: من حفظ
وفي رِوَايَةٍ: مِن آخِرِ الكَهفِ.
رواه أحمد (6/ 449)، ومسلم (809)، وأبو داود (4323)، والترمذي (2888).
* * *
ــ
سورة الكهف، ثم أدرك الدجال لم يسلط عليه (1). وعلى هذا تجتمع رواية من روى: من أول سورة الكهف، ورواية من روى: من آخرها، ويكون ذكر العشر على جهة الاستدراج في حفظها كلها. وقيل: إنما كان ذلك لقوله: {قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأسًا شَدِيدًا مِن لَدُنهُ} فإنه يهون بأس الدجال، وقوله:{وَيُبَشِّرَ المُؤمِنِينَ الَّذِينَ يَعمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُم أَجرًا حَسَنًا} ؛ فإنه يهون الصبر على فتن الدجال بما يظهر من جنته وناره، وتنعيمه وتعذيبه، ثم ذمُّه - تعالى - لمن اعتقد الولد؛ يفهم منه: أن من ادعى الإلهية أولى بالذم، وهو الدجال، ثم قصة أصحاب الكهف فيها عبرة تناسب العصمة من الفتن، وذلك أن الله - تعالى - حكى عنهم أنهم قالوا:{رَبَّنَا آتِنَا مِن لَدُنكَ رَحمَةً وَهَيِّئ لَنَا مِن أَمرِنَا رَشَدًا} فهؤلاء قوم ابتلوا فصبروا، وسألوا إصلاح أحوالهم، فأصلحت لهم، وهذا تعليم لكل مدعو إلى الشرك. ومن روى: من آخر الكهف؛ فلما في قوله - تعالى -: {وَعَرَضنَا جَهَنَّمَ يَومَئِذٍ لِلكَافِرِينَ عَرضًا} فإن فيه ما يهون ما يظهره الدجال من ناره.
وقوله: {الَّذِينَ كَانَت أَعيُنُهُم فِي غِطَاءٍ عَن ذِكرِي} تنبيه على أحوال تابعي الدجال؛ إذ قد عموا عن ظهور الآيات التي تكذبه. والله أعلم. والكهف: المغار الواسع في الجبل، والصغير منها يسمى الغار.
(1) رواه الحاكم (4/ 511) من حديث أبي سعيد الخدري.