الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
مقَارَنة بَين كتب نَاسِخ الحَدِيث ومَنسُوخه
المَوجوُدة اليوم
مقارنة بين كتب ناسخ الحديث ومنسوخه:
تقدم أن ذكرت عددًا كثيرًا من الكتب التي ألّفت في ناسخ الحديث ومنسوخه، وتناولت وصف الموجود منها والذي تمكنت من الاطّلاع عليه. والاستفادة منه والرجوع إليه هو كتاب ابن شاهين المتوفى سنة 385 هـ، وكتاب الحازمي المتوفى سنة 584 هـ، وكتاب ابن الجوزي المتوفى سنة 597 هـ، وكتاب الجعبري المتوفى سنة 732 هـ، وهو كتابنا هذا الذي أقوم بدراسته وتحقيقه. وكتاب أبي حامد الرازي المتوفى بعد سنة 630 هـ.
والأربعة الكتب الأولى هي التي يمكن تقسيمها إلى مجموعتين:
المجموعة الأولى وهي تضم كتاب ابن شاهين وكتاب ابن الجوزي، والمجموعة الثانية وهي تضم كتاب الحازمي وكتاب الجعبري. وذلك لأن مادة كتاب ابن الجوزي الحديثية مقتبسة من كتاب ابن شاهين ومستمدة منه، فهو لم يغادر المسائل التي ذكرها ابن شاهين في كتابه فتبعه في إيرادها مع التعقيب عليه فيها بلهجة شديدة وإنكار لاذع لدعوى ابن شاهين النسخ في بعضها، اللهمّ إلَّا القليل النادر من المسائل أعرض عنها ابن الجوزي، وقد خالفه أيضًا في ترتيبها فقد رتب ابن الجوزي كتابه على أبواب الفقه.
أما كتاب برهان الدين الجعبري هذا الذي أقوم بدراسته فهو أيضًا مستمد مادته الحديثية من كتاب الحازمي وهو تابع له في ذكر كل المسائل اللهمّ إلَّا في مسألتين أو ثلاث فقط انفرد بذكرها الجعبري.
والحازمي معروف بشخصيته ومكانته العلمية في فن الحديث وفي ناسخ الحديث ومنسوخه خاصة، فكتابه منفرد في بابه، واف بالمطلوب - كما تقدم وصفه مفصلًا ص 94 - 95 - لكن هنا أحببت أن أشير إلى أنه لم يستمد مادته العلمية من كتاب معين، بل وضعه على نسق متميز عن غيره.
فلم ينقل عن ابن شاهين المتقدم عليه ولا عن ابن الجوزي المعاصر له، ولكنه تلقى
معلومات الكتاب بالرواية والنقل عن شيوخه مع دقة الاختيار وحسن التنظيم.
وابن الجوزي والحازمي تعاصرا وعاشا معًا في بغداد في وقت واحد، ولكل واحد منهما وجهة نظره، وفهمه المستقل، وأسلوبه ومنهجه في تدوين المعلومات وترتيبها في هذا الفن، إلى جانب اختلاف مذهب كل واحد منهما في الفقه، فابن الجوزي فقيه حنبلي، والحازمي فقيه شافعي، ولربما يميل الواحد منهما في بعض المسائل إلى دعم رأي إمامه ضمن قواعد مذهبه الفقهية.
وهما ليسا كغيرهما من الفقهاء المتعصبين، بل كان رائدهما الحق، فكانا يسيران مع الدليل، وهما فقهاء المحدثين، ولعل هذا فيما أحسب عاملًا في اختلافهما وتباينهما في تدوين بعض مسائل النسخ، واختلاف وجهات النظر في قضاياه، ولذلك انفرد كل واحد منهما بذكر مسائل لا توجد لدى الآخر حتى حصل عند كل واحد منهما ما لم يحصل عند الآخر، وذلك بإيراد أحاديث الناسخ والمنسوخ في مسائل أبواب الفقه.
فقد يرى ابن الجوزي حسب فهمه وما وصله أن بعض الأحاديث دخلها الناسخ والمنسوخ في حين أن الحازمي لا يرى ذلك، فيترك إيرادها وذكر ما قيل فيها من ناحية النسخ. والحاكم والضابط لهذا الاختلاف هو معرفة صحة طرق النقل التي تفيدنا بأن هذا ناسخ وأن هذا منسوخ، ومعرفة المتقدم من المتأخر من الأمرين وغير ذلك من قواعد معرفة طرق الناسخ والمنسوخ في هذا الفن.
وكلاهما ممن يعرف ذلك ولا يجهله، ولكن ربما أن أحدهما قد اطّلع على ما لم يطلع عليه الآخر فيورد أحدهما بعض الأحاديث لا على سبيل وجود ناسخ ومنسوخ فيها، ولكن لبيان الصواب فيها ما دام قد قيل بأن فيها ناسخًا ومنسوخًا وهي ليست من بابه، وإنما يجيء ذكرها لمجرد التنبيه عليها فقط.
وهذا وارد كثيرًا في كتاب ابن الجوزي والحازمي، فنراهما كثيرًا يذكران الأحاديث ثم يقولان عقبها بالجمع أو بالترجيح بينهما ويخرجانها من باب النسخ لأنه لم يثبت. وهذا ما أردت تقريره حول هذين الكتابين.
أما كتاب أبي حامد الرازي فهو مختصر جدًا، وأسلوبه فيه هو اكتفاؤه بإيراد الحديث بغير سند، ثم الحكم بأن هذا منسوخ بحديث كذا، أو يقول: بأن النسخ غير صحيح وغير وارد، وقد رتبه على أبواب الفقه ولم يستوعب أبواب الفقه كلها، وهو مفيد من ناحية إعطاء الحكم الفوري عن المسائل والأحاديث.