الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث سِيرَته
1 - اسمه ونسبه ونسبته ومولده:
ولد برهان الدين أبو محمَّد أو أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل بن أبي العباس الربعي الجعبري السلفي الشافعي في (قلعة جعبر)(1) في حدود سنة أربعين وستمائة للهجرة تقريبًا.
وقد قال عن مولده:
وخذ مولدي في أربعين مقربًا
…
وست مئات أو معين على الرسم (2)
وبهذا البيت الذي يروى عنه في تحديد مولده على وجه التقريب، استطعنا من خلاله أن نحدد مولده، وهو الذي اتفق عليه غالب من ترجم له وأرخ مولده (3).
وقد اتفق معظم من ترجم له على رفع نسبه إلى هذا القدر المذكور ولم أر من زاد عليه أكثر مما ذكرته من سلسلة نسب أجداده الآخرين التابعين في النسب.
وقد كني بأبي محمَّد بولده محمَّد (4) شيخ الخليل بعد والده، وكني بأبي إسحاق جريًا
(1) تقدم التعريف بهذه المنطقة ص 24.
(2)
انظر: مرآة الجنان لليافعي 4/ 284. هذا البيت مع مجموعة أخرى كما وجدت على أول ورقة من رسالة المصنف الهبات الهنيات 63/ أ.
(3)
وانفرد ابن الجزري في غاية النهاية 1/ 21 فقال: كان مولد الجعبري في حدود أربعين وستمائة أو قبلها تقريبًا. ولم يذكر ابن كثير في البداية والنهاية 14/ 160، والسيوطي في بغية الوعاة 1/ 420 الاحتمال المذكور في مولده.
(4)
محمَّد بن إبراهيم شيخ الخليل بعد والده كان مولده عام 690 هـ في بلد الخليل، تلا على والده وسمع منه الحديث واستجاز له والده جمعًا، وولي منصب والده بعد وفاته، وزوجه والده وأنجب أولادًا كثيرين، أجاز لبعضهم عالمنا برهان الدين، وانتشر فيهم العلم، واشتهرت هذه الأسرة في بلد الخليل، توفي محمَّد عام 749 هـ.
انظر: الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل 2/ 154 - 155 ترجمته وترجمة بعض أولاده.
على عادة الناس فيمن اسمه إبراهيم، كما أنه أيضًا كني بأبي العباس، ودعي بابن السراج وابن مؤذن جعبر (1).
أما ألقابه: فقد لقب ببرهان الدين، وهو الغالب عليه، وبه اشتهر واستمر عليه، ولقب في بغداد خاصة بتقي الدين (2).
أما نسبه: فهو ينسب إلى قبيلة ربيعة القبيلة العربية المشهورة، وقد اتفقت المراجع على ذلك، فهو عربي الأصل، ينحدر نسبه الأعلى من عائلة عربية، فجده الأعلى الذي نزل منطقة (دوسر) قديمًا في آخر القرن الخامس الهجري والتي سميت فيما بعد بـ (قلعة جعبر) باسمه هو جعبر بن سابق بن مالك، رجل من بني قشير بن كعب بن ربيعة، نزل هذه المنطقة المذكورة، واستولى عليها ولقب نفسه بالأمير سابق الدين الجعبري -كما تقدم- (3).
وينتسب إلى (قلعة جعبر) جماعة كثيرون من العلماء والفضلاء، ومنهم صاحب الترجمة. ونسب إلى بلد (الخليل) بفلسطين، لأنها موطنه الأخير الذي استقرّ فيه فيما بعد، وعاش فيه بضعًا وأربعين عامًا حتى الوفاة (4).
ونسب إلى طريقة السلف أيضًا لأنه سلفي المعتقد، ونسب إلى مذهب الإمام الشافعي لكونه من فقهاء الشافعية (5).
نشأته: نشأ برهان الدين الجعبري نشأة علمية، وربي تربية سليمة في أسرة عريقة مشهورة بالعلم والصلاح والمعرفة، ونبت منبتًا حسنًا منذ طفولته بين العلماء، فعاش تحت رعاية والده وعنايته.
وكان والده عمر بن إبراهيم من أعيان ووجهاء (قلعة جعبر) والبارزين بها، وقد اشتهر بمؤذن جعبر (6)، وسمع الحديث عن جماعة منهم: أبو الحجاج (*) يوسف بن خليل بن
(1) انظر: الوافي 6/ 74، والمنهل الصافي 1/ 112.
(2)
ولقبه ابن جابر الوادي آشي في برنامجه ص 51 برضي الدين وهو أحد تلامذته.
(3)
انظر: البداية والنهاية 13/ 131 - 132، ومعجم البلدان 1/ 141 - 142، وتاريخ ابن خلكان 1/ 363 - 364، أخبار الأمير سابق الجعبري. وقال صاحب معجم البلدان: والجعبري في اللغة القصير الغليظ - وهو بفتح الجيم وسكون العين المهملة بعدها موحدة مفتوحة ثم راء -. وانظر: دائرة المعارف للبستاني 6/ 475.
(4)
انظر: تاريخ بغداد ص 12، والأنس الجليل 2/ 154.
(5)
الوافي 6/ 74 - 76، والمنهل الصافي 1/ 112 - 113، والأنس الجليل 2/ 154.
(*) ترجمته ص 27.
عبد الله المتوفى سنة 648 هـ بحلب قرأ عليه جزء الإِمام ابن عرفة (1)، وأجازه لعالمنا عندما حضر مع والده مجلس هذا العالم، وقد وصفه الجعبري في (عوالي مشيخته)(2) بأنه محدث مجيد.
وقرأ والده أيضًا على كمال الدين أبي عبد الله محمَّد بن الحسن المنجي قاضي جعبر المعروف بابن البواري، الذي كان حيًا في سنة 648 هـ وقد شارك عالمنا والده في السماع من هذا الشيخ أيضًا فقال: كنت أحضر مجلسه وأنا ذو عشر (3).
وقد شارك أيضًا في غير هذين من المشايخ الذين كان يحضر مجالسهم مع والده (4).
وقد ذكر المصنف بأن والده سمع من الحافظ مسجد الدين أبي البركات عبد السلام (5) بن عبد الله بن الخضر المعروف بالمجد ابن تيمية المتوفى سنة 652 هـ وقرأ عليه كتابه (المحرر)(6) و (المنتقى في الأحكام)(7)، ولعالمنا إجازة بهذه الكتب عن مؤلفها المذكور.
وقد كان لبرهان الدين أخ يدعى أبا عبد الله محمد (8) بن عمر بن إبراهيم الجعبري، ولد في حدود سنة اثنتين وأربعين وستمائة للهجرة، وكان مقيمًا بمشهد جعفر الطيار بالقرب من الكرك (9)، أكثر من عشرين سنة، وكان بها حيًا في سنة 728 هـ، روى عنه علم الدين
(1) ابن عرفة: هو أبو علي الحسن بن عرفة بن يزيد العبيدي، محدث توفي سنة 257 هـ، وله جزء في الحديث مشهور يسمى جزء ابن عرفة.
انظر: كشف الظنون 1/ 583، وفي التقريب ص 70، قال: صدوق من العاشرة.
(2)
عوالي مشيخة برهان الدين 61/ أ، وانظر: الدرر الكامنة 1/ 50.
(3)
انظر المصدرين السابقين.
(4)
لم أعثر على ترجمة موسعة لوالد المصنف غير ما ذكره هو عن والده في عوالي مشيخته.
(5)
انظر ترجمته في: البداية والنهاية 13/ 285، وفي دول الإِسلام 2/ 121 - 122، وفي غاية النهاية 1/ 386، وفي فوات الوفيات 2/ 223، وفي ذيل طبقات الحنابلة 2/ 249، وفي العبر 2/ 215 وفي شذرات الذهب 5/ 257.
(6)
المحرر: كتاب فقه، وهو من الكتب المؤلفة في فروع مذهب الإِمام أحمد. وقد طبع عدة مرات.
(7)
المنتقى: هو كتاب في أحاديث الأحكام، وقد شرحه الإمام الشوكاني في نيل الأوطار، وهو غني عن التعريف.
(8)
انظر: الدرر الكامنة 4/ 102، ترجمته.
(9)
الكرك - بسكون الراء وآخره كاف - قرية في أصل جبل لبنان. انظر: معجم البلدان 4/ 452 (كرك).
البرزالي وذكره في معجمه. وله إجازة أيضًا من يوسف بن خليل، فقد شارك أخاه برهان الدين وأبا المذكورة (1).
ويبدو أن والدهما قد عني بهما معًا، واهتم بتوجيههما وتربيتهما وتنشئتهما على العلم وحبه والاشتغال به، فبذل جهدًا في ذلك من خلال ما لمسناه منه من إحضارهما معه مجالس العلماء وأخذ الإِجازات لهما.
وقد عاش برهان الدين في (قلعة جعبر) برهة من الزمن بين أسرته يتلقى العلم عن علماء بلده، ويحضر مجالس العلماء الأفذاذ أكثر من عشرين عامًا، ولم نعرف إلى متى ظلت رعاية والده له في هذه المدة.
وقد صرح برهان الدين بأنه بدأ بالقراءة والسماع وهو في التاسعة من عمره، أي في عام 649 هـ (2)، فعاش بعدها حياة حافلة بالعلم والمعرفة والنشاط العلمي والتربوي والثقافي المتواصل، وبرز حتى توفرت لديه عوامل التفوق، وظهر نبوغه وذكاؤه، وكان يتمتع بذاكرة قوية وحفظ ونباهة، فقد حفظ القرآن الكريم وهو في هذا السن، واستظهر عددًا من المتون في الفقه والحديث والقراءات وغيرها، فحفظ كتاب (التيسير في القراءات)(3)، وحفظ (غاية الاختصار في الفقه)(4) وكتاب (التعجيز في مختصر الوجيز) وعرضه حفظًا على مؤلفه تاج الدين ابن يونس المتوفى سنة 671 هـ (5)، ثم قرأه بحثًا عليه مرة أخرى في بغداد وأعجب به
(1) الدرر الكامنة 4/ 102.
(2)
عوالي مشيخة برهان الدين الجعبري ق 62/أ، وبرنامج ابن جابر الوادي آشي ص 51.
(3)
كتاب في القراءات السبع للحافظ المقرئ أبي عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمرو الداني المتوفى سنة 444 هـ.
انظر ترجمته في: غاية النهاية (1/ 503 - 505) وقد طبع الكتاب بالعراق.
(4)
كتاب مختصر في الفقه على مذهب الإِمام الشافعي، ويسمى متن الغاية والتقريب ويشتهر بمتن أبي شجاع، ألفه أحمد بن الحسين بن أحمد، أبو شجاع شهاب الدين أبو الطيب الأصفهاني المتوفى سنة 593 هـ. وانظر شرح ابن قاسم مع حاشية الباجوري عليه 1/ 14.
انظر ترجمته في: طبقات الشافعية 4/ 38، والأعلام 1/ 116 - 117 وقد طبع هذا الكتاب مرارًا.
وهناك كتاب آخر بهذا الاسم في القراءات لأبي العلاء الحسن بن أحمد الهمداني المتوفى سنة 569 هـ. انظر: عوالي مشيخة المصنف ق 60/ ب.
والنشر في القراءات العشر 1/ 87، ثم تبين لي ان هذا هو الذي حفظه المؤلف.
(5)
كتاب التعجيز في الفقه على مذهب الإِمام الشافعي وهو مختصر الوجيز للإِمام الغزالي، اختصره وشرحه أيضًا تاج الدين عبد الرحيم بن محمَّد بن محمَّد بن يونس الموصلي الشافعي المتوفى سنة 671 هـ في بغداد، وهو شيخ الجعبري، وقد أكمل شرح التعجيز الجعبري بعد وفاة شيخه ابن يونس. =
ابن يونس، ويقول برهان الدين: وقربني منه وأجاز لي إجازة مالك للشافعي (1).
وأعجب به أيضًا شيخه منتجب الدين التكريتي فقال المصنف: فلما رأى نجابتي حثني على تحصيل الفقه (2).
أما أخبار هذه المنطقة التي عاش بها برهان الدين في أول طلبه العلم ونشأته بها، وهي "قلعة جعبر"، فإن لها تاريخًا حافلًا مجيدًا لما تميزت به من الموقع الجغرافي والسياسي الهامين، وقد كان بها جماعة من العلماء ساهموا في دفع عجلة العلم في هذه الرقعة من البلاد الإِسلامية، ورحل منها جماعة إلى الأمصار والمدن والبلدان الأخرى واشتهر ذكرهم، فمنهم من استوطن (دمشق) ومنهم من استوطن (القاهرة) ومنهم من استوطن (بغداد) ومنهم من نزل بلد (الخليل) و (القدس)، وغيرها، ولها على عالمنا فضل كبير في تكوينه أولًا، فقد جمع فيها زاده العلمي والثقافي، واصطبغ بالصبغة العلمية الصافية ونهل من معينها العلم والمعرفة، وبذل جهده حتى تمكن من الطلب والاشتغال، وتوفرت لديه عوامل النمو العلمي والثقافي (3)، حتى تطلّع فيما بعد إلى المزيد من العلم، واستعد بعد ذلك للقيام بالرحلات إلى المدن الهامة، كـ (بغداد) و (دمشق) وغيرهما -كما سيأتي (4).
وقد احتلت هذه المنطقة مكانة سياسية في عهد دولة السلاجقة فقد اتخذها السلطان جلال الدين ملكشاه (5) بن ألب أرسلان السلجوقي المتوفى سنة 485 هـ حصنًا، وهو الذي انتزعها من الأمير سابق الدين الجعبري في آخر القرن الخامس الهجري، ثم صارت من بعده لنور الدين محمود (6) بن زنكي المتوفى سنة 569 هـ الذي لقب بالملك العادل، ثم
= انظر ترجمة ابن يونس في: البداية والنهاية 13/ 265، وطبقات الشافعية للسبكي 5/ 72، والعبر 5/ 29، وطبقات الشافعية للاسنوي 2/ 574، ومرآة الجنان 4/ 171، وشذرات الذهب 5/ 332، وهدية العارفين 1/ 561، وفي كشف الظنون 1/ 471، 492، وفي الأعلام 3/ 348.
(1)
عوالي مشيخة برهان الدين ق 61/ أ.
(2)
المصدر السابق. وستأتي ترجمة التكريتي ص 39.
(3)
فعاش فيها من سنة 640 هـ إلى ما بعد سنة 660 هـ. الدرر الكامنة 1/ 50.
(4)
انظر: أخبار هذه المنطقة في معجم البلدان 2/ 141 - 142 والتاريخ الباهر ص 47، 73.
(5)
له ترجمة في التاريخ الباهر ص 73، وفي تاريخ دولة آل سلجوق للأصفهاني ص 57، والبداية والنهاية 12/ 142 - 143.
(6)
له ترجمة في الروضتين 1/ 227 - 229، وفي الكامل لابن الأثير 1/ 151، وفي تاريخ ابن الوردي 2/ 83، وفي تاريخ ابن خلكان 2/ 87، وفي الدارس 1/ 99، 331، وفي النجوم الزاهرة 6/ 71، وفي مرآة الجنان 8/ 305، والأعلام 1/ 170 وفي البداية والنهاية 12/ 277 - 284.