الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول دراسة منهج المؤلّف في الكتاب
منهج المصنف وأسلوبه في هذا الكتاب:
لقد رسم المؤلف لنفسه في هذا الكتاب منهجًا سار عليه في تدوين المعلومات، وقد سلك فيه مسلك الإِيجاز والاختصار.
ومنهجه هذا وأسلوبه هو الأسلوب الذي درج عليه كثير من علماء عصره من الفقهاء والمحدثين والأصوليين وغيرهم من المؤلفين.
وقد جمع في هذا الكتاب بين طريقة الفقهاء والمحدثين والأصوليين ولم يلتزم بمنهج المحدثين فقط كغيره من المتقدمين الذين كتبوا في ناسخ الحديث ومنسوخه قبله كابن شاهين وابن الجوزي والحازمي، فهو لم يذكر الأحاديث بأسانيدها ولكن قد يكون له عذر في هذا لأن كثيرًا من المتأخرين في عصره لم يعد لديهم الاهتمام بذكر الأسانيد لطول سلسلة رجال الإسناد وعدم ضبط الرواة المتأخرين، فقد اكتفى المؤلف بالعزو في بعض المواطن إلى الأمهات من كتب السنّة المشهورة كالصحاح والمسانيد والسنن، وغيرها.
كما أنَّه لم يسلك أَيضًا طريقة علماء الأصول في ترتيب مسائل النسخ في المقدمة التي عملها وجعلها مدخلًا للكتاب وهي مقدمة كلها مباحث أصولية في النسخ.
ولم يسلك أَيضًا طريقة الفقهاء في تلك المسائل الفقهية والخلافية التي ذيل بها في آخر المسائل الواردة في النسخ، فهو يورد المذاهب المختلفة في القول بالنسخ أو عدمه بأدلتها ثم يبين الصواب أو الحق من ثبوت النسخ أو عدم ثبوته.
وبهذا العمل جاء الكتاب جيدًا في بابه، حيث جمع مادة حديثية وأصولية وفقهية مبتكرة، ونظمه تنظيمًا تصاعديًا، فجعل كل موضوع مدخلًا لما بعده من المواضيع، فبدأ بذكر المقدمة وهي مشتملة على عدة فصول وفروع متابعة لها، وهي موجزة إيجازا شديدًا، وتحتوي على النقاط الآتية:
1 -
ذكر فيها المصنف السبب الباعث له على تأليف هذا الكتاب، فذكر أنَّه شفع به كتابه
الذي قد تقدم تأليفه قبل هذا في ناسخ القرآن ومنسوخه تكميلًا لفائدة طلبة الحديث، لأن هذا من أهم مقاصد فن الحديث.
2 -
ثم تناول في المقدمة أَيضًا أهمية هذا الفني وعناية السلف به، والنهي عن الإقدام على الفتوى وتفسير النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والقصص على النَّاس إلَّا بعد معرفة الناسخ والمنسوخ، وتشديد الصَّحَابَة والتابعين والأئمة في ذلك.
3 -
ثم ذكر تعريف النسخ لغة وشرعًا، وذكر أكثر من تعريف لعلماء الأصول وأورد على بعضها اعتراضات، وأشار إلى خلاف أبي مسلم الأَصْبهانِيّ في النسخ وإلى إنكار اليهود للنسخ أَيضًا.
4 -
ثم ذكر أركان وشروط النسخ وما يتعلق به من المسائل كنسخ القرآن بالسنة والعكس. والخلاف فيه، ونسخ المتواتر بالأحاد، ونسخ المضيق والموسع، والنسخ قبل التمكن من الفعل، ونسخ الحرمة بالإباحة وبالعكس، ونسخ المنطوق والمفهوم، ونسخ جزء العبادة والزيادة عليها ونقصها بجزء أو بشرط، ونسخ الأخف بالأثقل وبمثله، والنسخ إلى بدل وبغير بدل. إلى غير ذلك من مسائل النسخ التي ذكرها الأصوليون.
5 -
ثم ساق فروعًا ذكر فيها الفرق بين النسخ والتخصيص.
6 -
ثم ذكر الأحكام الخمسة: الواجب، والمندوب، والمباح، والمكروه، والحرام. وصيغ الأمر والنهي والطلب والإباحة وفروع العام والخاص والمطلق والمقيد وتعريف كل واحد منها. وتعريف القرآن والسنة، وبيان المحكم والمجمل والمؤول والمتشابه والمفسر، والنص والظاهر، وغير ذلك مما هو مذكور في المقدمة.
7 -
ثم ذكر بعد هذا أدلة التعارض والترجيح مع الأمثلة لذلك، وشدة الاختصار وقوة الإيجاز، حتَّى كادت أن تكون بعض العبارات ألغازًا، لا يتمكن القارئ العجل من فهمها لأول وهلة، إذا لم يكن لديه أدنى معرفة سابقة من علم أصول الفقه ومباحثه، وبعض المسائل لا يفهمها إلَّا المتخصصون في هذا الفن.
والواقع أن هذه المقدمة هامة ومفيدة، وهي مدخل لمعرفة محتوى الكتاب، فقد استمدها المصنف من كتب الأصول وقواعد هذا الفن، وباقي الكتاب من الناحية الحديثية مستمد من كتاب الاعتبار للحازمي وتشتمل هذه المقدمة على خمس الكتاب وقد أخذت
مني وقتا كبيرًا في تحقيق مسائلها ومباحثها الأصولية.
وقد رتب المؤلف كتابه هذا على نسق ترتيب كتب الفقه، وتبع في الغالب ترتيب الاعتبار للحازمي وترتيب فقهاء الشافعية في تنظيم الأبواب وعناوين المواضيع الفقهية، وقد أشار إلى ذلك في مقدمته بأن هذا أسهل للباحث للوقوف على المسائل والاستفادة منها، وهي طريقة ابن الجوزي أَيضًا على اختلاف في تقديم وتأخير العناوين حسب ترتيب فقهاء الحنابلة في ذلك.
وبعد أن فرغ المؤلف من المقدمة التي تقدم وصفها، شرع في ذكر عناوين الكتاب، مبتدئًا بالعبادات وأولها كتاب الطهارة، وما يحتوي من أبواب ومسائل. ثم كتاب الصلاة، ثم
…
على حسب ترتيب كتب الفقه.
وقد سار المؤلف على طريقة الفقهاء في إيراد مسائل الكتاب فهو يذكر آراء العلماء في عصر الصَّحَابَة والتابعين، ثم الأئمة، ثم يعقب بعد ذلك برأي من قال بالنسخ في المسألة ومن قال بعدمه ويناقش الآراء، فإن ظهر له النسخ قواه، وإن لم يظهر له رده وبين الصواب إما بالجمع إذا أمكن وإمّا بالترجيح بين الأدلة.
وقد يورد الحديث في مواضع متعددة حسب الشاهد منه أو شطره أو جملة منه، وقد يعزوه لأصحاب الكتب المشهورة، وقد لا يعزوه لأحد فيترك حتَّى اسم الصحابي راوي الحديث، ويكتفي بذكر جملة الشاهد منه، وقد يورده في بعض الأماكن بمعناه، أو يعزوه لأصحاب الكتب الستة أو لأحدهم فلا أجده فيها.
أما عن ملاحظات سند الحديث فتقدم الكلام عنه أن المتأخرين في عصر المصنف لم يعد لديهم الاهتمام بذكر الإسناد في عزو الأحاديث لعدم ضبط الرواة المتأخرين في رجال الإسناد.
وقد اعتنى المصنف بهذا الكتاب فذيله بذكر فوائد وتنبيهات مفيدة في بعض الأحكام وقضايا النسخ في آخر معظم المسائل وشرح بعض الكلمات الغريبة والمفردات، وبين بعض الأماكن الواردة في ألفاظ الأحاديث، وصرح بذكر أسماء الأعلام ممن نقل مذاهبهم من الصَّحَابَة والتابعين والأئمة وغيرهم ممن لهم آراء واردة في قضايا الناسخ
والمنسوخ كما صرح ببعض أسماء الكتب المؤلفة، ويرجح بعض الأحيان بين هذه المذاهب ويختار منها ما ظهر له أنَّه الصواب.
وكثيرًا ما يرجح مذهب الإِمام الشَّافعيّ ويشير إلى بقية المذاهب، وقد يذكر بعض الأوجه والأقوال غير المشهورة والمعتمدة في مذهب الشَّافعيّ من أقوال الأصحاب وخلافاتهم.
كما يشير إلى مخالفة الإمامين أبي يوسف، ومحمَّد بن الحسن صاحبي الإمام أبي حنيفة لما ذهب إليه الإِمام أبو حنيفة، كما يشير إلى تعدد الروايات من مذهب أَحْمد، كما يشير إلى الأقوال المتعددة التي ينقلها أصحاب مالك عن مالك في المسألة الواحدة.
ثم ختم كتابه بخاتمة بيّن فيها أنواع النسخ في الكتاب والسنّة، من حيث نسخ اللفظ والحكم ونسخ الحكم دون اللفظ والعكس.
وبهذه الأمور والميزات المذكورة جاء الكتاب من أجمع ما كتب في ناسخ الحديث ومنسوخه لتأخر زمن مؤلفه واطّلاعه على كتب المتقدمين مع ما انفرد به من جمع النوادر والفوائد والمسائل الدقيقة والمباحث الأصولية المتعلقة بالنسخ التي لم يتعرض لها كثير من المؤلفين في هذا الموضوع قبله، وبهذا الجهد والعمل اكتملت الفائدة في هذا الكتاب وبرزت فيه جوانب المؤلف الفكرية والثقافية والعلمية إلى جانب شموله لمعظم المباحث الفقهية والحديثية التي ذكر فيها ناسخ ومنسوخ، وبالجملة فهو كتاب مفيد في فنه.
ولا ننسى أن نشير بأنه إلى جانب هذا المجهود العظيم قد شابت الكتاب بعض المآخذ، وهي لا تنقص من مكانة الكتاب وقيمته العلمية ومقدار فائدته، وقدرة مؤلفه، وإنما العصمة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ونجملها في النقاط الآتية:
1 -
المبالغة في الاختصار والإيجاز حتَّى أصبح بعد ذلك لا يفهم المراد من بعض العبارات بسهولة، بل تحتاج إلى روية وتأمل، وتمهل، وقد يصل الاختصار إلى الإخلال بالمقصود منها، أو لا يستقيم إلَّا بتقدير أو حذف، وهذا متعب للقارئ.
ويمكن أن يلتمس للمؤلف عذره في ذلك، لأنه عاش في عصر كان الغالب والطابع العام على التأليف هو الإيجاز والاختصار الشديد، وكتب المؤلفين في هذا العصر خير شاهد، فما كتبه ابن الحاجب والنووي وأمثالهما من فقهاء المذاهب الذين ولعوا بالاختصار هو شاهد على ذلك، ويعرف ذلك بالمقارنة بين كتاب المصنف وكتاب الاعتبار للحازمي، وتظهر الفوارق بين الكتابين وسهولة فهم ما في الاعتبار من العبارات
وكشف ما في هذا الكتاب من خلل من شدة الاختصار.
2 -
المؤلف سار على نهج الحازمي في الاعتبار حذو القذة بالقذة، واستفاد منه في كتابه هذا كثيرًا، ومع هذا لم يشر إلى كتاب الحازمي ولا مرة واحدة.
3 -
أكثر المؤلف من ترجيح ودعم مذهب الإمام الشَّافعيّ في أكثر المسائل، مع أنَّه قد يكون الصواب مع غيره، وما أدري إن كان تمذهبه هذا هو الذي غلب عليه في دعم هذا المذهب، وهو غير معيب إن كان القصد إظهار الحق، وإلَّا فهي زلة مغمورة في جملة محاسن الكتاب والمؤلف.
4 -
توجد هناك بعض الأخطاء، قاسيت فيها الأمرين، وأعتقد أنها من الناسخ - سامحه الله وعفا عنه -، وحملها على الناسخ أولى من حملها على المصنف، لأنه عالم إمام عرف بالإتقان والتحرير في مؤلفاته.
وسوف أذكر الملاحظات مثل هذه عند وصف النسخة والتنبيه على ما فيها من ذلك.