الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حاجة الطب إلى الفقه
الطب يحتاج إلى الفقه لكونه من جملة حركة الإنسان في الكون التي جاء الإسلام ليحكمها ويهديها إلى سبيل الرشاد. فالعَلاقة بين الطبيب والمريض أو أوليائه وكذلك بين الطبيب وبقية فريقِ العملِ الطبيِّ، وآدابُ المهنة وضوابطها، وما يجوز التداوي به وما يحرم، وما يجوز من الجراحات وما لا يجوز
…
إلخ، كلُّ ذلك محكوم بالفقه. فالفقه إذًا حاكم على جميع أطراف المعاملات الطبية، وكذلك العمل الطبي نفسه.
وليس ذلك يعني أن صناعة المعرفة الطبية مقيدةٌ بالفقه، أو أنها لا تُستمَدُّ إلا من الوحي. كلا فإن هذا وإن جاز في بعض الأزمنة وفي بعض الأديان اعتقاده، فإنه لم يكن يومًا من دين الإسلام في شيء، ولقد وضح ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغ توضيح وأجلاه حيث قال:«أنتُم أعْلَمُ بأمُورِ دُنْيَاكُم»
(1)
.
إن البحث العلمي ونتائجه هما العمدة في المعارف والصناعة الطبية لدى المسلمين. والفقه حاكم على وسائل البحث العلمي لا على نتائجه
(2)
، فإن الفقه يمنع قتل الأجنة لاستعمالها في بحوث الخلايا الجذعية، ولكنه لا يعارض نتائج البحث أو فكرته بل يحض عليه حتى يعُده من الواجبات الشرعية؛ قال الإمام النَّوَوِيّ رحمه الله
(3)
: «وأما العلوم
(1)
«صَحِيح مُسْلِم» كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي (4/ 1835).
(2)
يعتقد المسلم أن اليقيني من أخبار الوحي لا يمكن أن يتعارض مع اليقيني من قواطع العلم، لأن الخلق خلق الله والوحي من عند الله. فإذا ظهر ثم تعارض، تأكدنا من الحقيقة العلمية وأنها يقينية، فإن كانت كذلك، أعدنا تقليب النظر في فهم الخبر. وليس من خبر قطعي الثبوت أجمعت الأمة على فهمه على نحو يخالف حقيقة علمية يقينية.
(3)
هو: محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مُرِّيّ بن حسن الحِزامِيّ الحَوْرانِيّ النَّوَوِيّ الشافعي، الإمام الحصور، العلامة الفقيه، المحدث المؤرخ، العالم العامل، العابد الزاهد، أحد الشيخين في المذهب الشافعي، ولد سنة 631 هـ في نوا من قرى حَوْرَان بسوريا، وإليها ينسب. من كتبه:«المَجْمُوع شرح المُهَذَّب» «مِنْهَاج الطَّالِبِين» «شرح صَحِيح مُسْلِم» «التقريب والتيسير» «الإيضاح» «تهذيب الأسماء واللغات» «رَوْضَة الطَّالِبِين» «رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين» . توفي: سنة 676 هـ. راجع ترجمته في: «طَبَقَات الشَّافِعِيَّة الكُبْرَى» (8/ 395)، «طَبَقَات الشَّافِعِيَّة» لابن قاضي شُهْبَة (2/ 153)«شَذَرَات الذَّهَب» (3/ 354).
العقلية فمنها ما هو فرض كفاية كالطب والحساب المُحْتاج إليه»
(1)
.
بل إنك تجد إمامًا جليلا كالشافعي رحمه الله
(2)
يقول: «لم أعلم علمًا بعد الحلال والحرام أنبل من الطب»
(3)
.
وبعد انتهاء البحث العلمي يكون الفقه حاكمًا على تطبيقاته حتى يكون استعماله فيما هو نافع وفيه صلاح الإنسان.
وإنه لم يثبت بحمد الله أن شيئًا من قطعيات الوحي يعارض أيًّا من حقائق البحث العلمي. ونحن نجزم أن ذلك لن يكون، فآيات الله لا تتعارض.
(1)
«رَوْضَة الطَّالِبِين» للنَّوَوِيّ (1/ 223).
(2)
هو: أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع القُرشِيّ المُطَّلِبِيّ الشافعي المكي، نزيل مصر، إمام عصره وفريد دهره، أحد الأئمة الأربعة، إليه ينسب المذهب الشافعي، ولد سنة 150 هـ، وتتلمذ على سفيان بن عُيَيْنة ومسلم بن خالد الزِّنجِي ومالك بن أنس ومحمد ابن الحسن الشَّيبانِيّ وغيرهم من فقهاء عصره، نبغ في العربية والفقه والحديث وغيرها من علوم الإسلام، وهو أول من صنف في أصول الفقه، وعنه أخذ الإمام أحمد، وأبو ثور، وداود الظَّاهِرِيّ بواسطة، والربيع المُرادِيّ، والربيع الجِيزِيّ، والبُوَيْطِيّ، والمُزَنِيّ وخلق سواهم. توفي: سنة 204 هـ وله أربع وخمسون؛ من مؤلفاته: «الرسالة» في الأصول، «الأُمّ» في الفقه، «أحْكَام القُرآن» وغيرها. راجع ترجمته في:«طَبَقَات الشَّافِعِيَّة الكُبْرَى» (2/ 71)، «وَفَيَات الأعْيَان» (4/ 163)، «السِّيَر» للذَّهَبِيّ (10/ 5).
(3)
«الطب من الكتاب والسنة» للبَغْدادِيّ (ص 187).