الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والواجب ألا يدفعنا التعصب لإمام أو مذهب إلى رد الحق، سيما إذا شهد له دليل الحس، فإن أهل السنة لا يُهمِلون الحس أو الدليل الحسي. ولعل التوقف عند هذه الكُلِّيَّة وبيانَها مما يُفيد قبل الشروع في تفاصيل بحثنا.
أهل السنة لا يهملون دليل الحس:
وفي ذلك يقول الإمام ابن تَيمِيَّة رحمه الله في «درء التعارض» : «والأصل في مذاهب الناس كلهم ثلاث مقالات: القول بالحس بحسْب، وهو مذهب الدهرية فإنهم قالوا بما يدركه الحس ولم يقولوا بمعقول ولا خبر؛ وقال قوم بالحس والمعقول بحسب ولم يقولوا بالخبر وهو مذهب الفلاسفة لأنهم لا يثبتون النبوة؛ وقال أهل المقالة الثالثة بالحس والنظر والأثر وهم جماعة المسلمين وهو قول علمائنا وبه نقول»
(1)
.
ويقول الإمام ابن حَزْم رحمه الله
(2)
(3)
.
بل إن أهل السنة يؤولون ظواهر النصوص التي تخالف أدلة الحس، قال الإمام ابن
(1)
«دَرْء التَّعَارُض» لابن تَيمِيَّة (7/ 332 - 333).
(2)
هو: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حَزْم الظَّاهِرِيّ، عالم الأندلس في عصره، من أذكياء العالم، وأحد فحول أئمة الإسلام. ولد بقرطبة سنة 384 هـ، وتوفي بها سنة 456 هـ، كان من صدور الباحثين، فقيهًا حافظًا، يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة، وخالف الجمهور فأنكر القياس؛ وكان بعيدًا عن المصانعة، وانتقَد كثيرًا من العلماء والفقهاء، وكانت فيه حِدَّة رحمه الله، فتمالؤوا على بغضه، وأجمعوا على تضليله، وحذروا سلاطينهم من فتنته، ونهَوا عوامهم عن الدنو منه، فأقصته الملوك وطاردته، أشهر مصنفاته:«الفِصَل في المِلَل والنِّحَل» و «المُحَلى» و «الناسخ والمنسوخ» . راجع ترجمته في: «وَفَيَات الأعْيَان» (3/ 325)، «نفح الطيب» (2/ 78)، «البِدَايَة والنِّهَايَة» (12/ 91).
(3)
«الإحكام في أصول الأحكام» لابن حَزْم (1/ 64).
قُدامة رحمه الله
(1)
بشأن التخصيص بدليل الحس: «الأول دليل الحس وبه خصص قوله {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25] خرج منه السماء والأرض وأمور كثيرة بالحس»
(2)
.
وقال الإمام الغَزالِيّ رحمه الله
(3)
(4)
.
بل إن أهل السنة يأخذون بدليل الحس في الحكم على صحة الأخبار، وفي ذلك يقول
(1)
هو: موفق الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن قُدامة الجَمَّاعيلِيّ المَقْدِسِيّ الدِّمَشْقِيّ الحنبلي، علامة الشام في زمانه، الفقيه الأصولي النظار، شيخ الإسلام، من أكابر الحنابلة، له تصانيف، منها:«المُغْنِي» في الفقه، أحد أجل الكتب في الإسلام وأفضل ما كتب في الفقه المقارن، و «روضة الناظر» في أصول الفقه، و «المُقْنِع» و «الكَافِي» في الفقه وغير ذلك، ولد في جَمَّاعِيل سنة 541 هـ وتوفي رحمه الله في دمشق سنة 620 هـ. راجع ترجمته في:«المَقْصد الأرْشَد» (2/ 15 - 20)، و «الأعلام» للزرِكلِيّ (4/ 67).
(2)
«رَوْضَة النَّاظِر» لابن قُدامة (1/ 243).
(3)
هو: أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغَزاليّ الطُّوسِيّ، العالم العامل، العلامة العلم، الداعية إلى الإخلاص وطالبه، اشتغل بالفلسفة ثم تركها وصنف «تهافت الفلاسفة» ، ثم اشتغل بالكلام وتركه في آخر عمره وألف «إلجام العوام عن علم الكلام» ، متصوف، له نحو مائتي مصنف، أحاط بمذهب الإمام الشافعي، وهو من أصحاب الوجوه فيه، كان آية في الذكاء، مدققًا في الفقه والأصول، لكن لم تكن له عناية بتحقيق الآثار ولم يكن رحمه الله من أهل هذا الفن، مولده سنة 450 هـ، ووفاته رحمه الله سنة 505 هـ، من كتبه:«إحْيَاء عُلُوم الدِّين» و «المُنقِذ مِن الضَّلال والمُوصِل إلى ذي العِزَّة والجَلال» في التصوف و «البسيط» و «الوسيط» و «الوجيز» في الفقه و «شِفَاء الغَلِيل» و «المُسْتَصْفَى من عِلْم الأصُول» في أصول الفقه. راجع ترجمته في: «وَفَيَات الأعْيَان» (4/ 257)، «السِّيَر» للذَّهَبِيّ (19/ 323)، «طَبَقَات الشَّافِعِيَّة الكُبْرَى» (6/ 191)، «شَذَرَات الذَّهَب» (2/ 10).
(4)
«المُسْتَصْفَى» للغَزالِيّ (1/ 245).
الإمام ابن القَيِّم رحمه الله في المَنَار المُنِيف: «ومنها تكذيب الحس له [أي للخبر] كحديث «الباذنجان لما أكل له» و «الباذنجان شفاءٌ من كل داء» قبَّح الله واضعهما فإن هذا لو قاله يوحنس أمهر الأطباء لسخر الناس منه. ولو أُكِل الباذنجان للحُمَّى والسَّوداء الغالبة وكثير من الأمراض لم يزدها إلا شدة، ولو أكله فقير ليستغني لم يفده الغنى، أو جاهل ليتعلم لم يفده العلم. وكذلك حديث «إذا عَطَس الرجل عند الحديث فهو دليل صدقه» وهذا وإن صحح بعض الناس سنده فالحس يشهد بوضعه لأنا نشاهد العُطاسَ والكذبُ يعمل عمله ولو عَطَس مائة ألفِ رجلٍ عند حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحكم بصحته بالعُطاس ولو عَطَسوا عند شهادة زور لم تصدق»
(1)
.
(1)
«المَنَار المُنِيف» لابن القَيِّم (1/ 51).