الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قول السادة الحنابلة:
قال ابن مُفْلِح رحمه الله: «وأقل الحيض يوم وليلة (و ش) وعنه يوم، لا ثلاثة (هـ) ولا حد لأقله (م) ذكر ابن جرير عكسه (ع)»
(1)
.
قول السادة الظاهرية:
قال ابن حَزْم رحمه الله: «وأقل الحيض دفعة، فإذا رأت المرأة الدم الأسود من فرجها أمسكت عن الصلاة والصوم وحرم وطؤها على بعلها وسيدها»
(2)
.
•
المناقشة والترجيح:
* لقد استدل القائلون بثلاثة الأيام، وهم: أبو حنيفة وصاحباه
(3)
وسفيان الثَّورِيّ
(4)
بأدلة منها:
1 -
حديث رواه الدَّارَقُطْنِيّ عن أبي أمامة الباهلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أقل ما يكون
(1)
«الفُرُوع» لابن مُفْلِح (1/ 268 - 270). وقال في المقدمة: وأشير إلى ذكر الوفاق والخلاف فعلامة ما أجمع عليه (ع)، ما وافقنا عليه الأئمة الثلاثة أو كان الأصح في مذهبهم (و)، خلافهم (خ)، علامة خلاف أبي حنيفة (هـ)، مالك (م) فإن كان لأحدهما روايتان فبعد علامته (ر)، للشافعي (ش). ولقوليه (ق). وعلامة وفاق أحدهم ذلك وقبله (و).
(2)
«المُحَلَّى» لابن حَزْم (1/ 406 - 411).
(3)
صاحبا أبي حنيفة هما: محمد بن الحسن الشَّيبانِيّ، والقاضي أبو يوسف، وقد تقدم التعريف بهما.
(4)
هو: أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، الكوفى، أمير المؤمنين في الحديث، الثقة الحافظ الفقيه العابد الإمام الحجة، أحد «الأعلام» علمًا وزهدًا، ومن كبار أتباع التابعين، ولد في الكوفة سنة 97 هـ، له من الكتب: الجامع الكبير والجامع الصغيركلاهما في الحديث. وتوفي رحمه الله في البصرة سنة 161 هـ. راجع ترجمته في: «طَبَقَات الفُقَهَاء» (1/ 85)، «وَفَيَات الأعْيَان» (2/ 386)، «السِّيَر» للذَّهَبِيّ (7/ 229).
الحيض للجارية البكر والثيب ثلاث؛ وأكثر ما يكون عشرة أيام، وإذا رأت الدم أكثر من عشرة أيام فهي مستحاضة»
(1)
.
ولو صح الحديث لما كان لأحد بعده صلى الله عليه وسلم قول، ولكنه لا يصح.
2 -
واستدلوا بآثار منها:
أ- ما رواه الدَّارِمِيّ عن الحسن قال: «أدنى الحيض ثلاث»
(2)
.
ب- وروى الدَّارِمِيّ أيضًا وغيره عن سفيان قال: بلغني عن أنس أنه قال: «أدنى الحيض ثلاثة أيام»
(3)
.
ج- وروى الدَّارَقُطْنِيّ عن معاذ مرفوعًا: «لا حيض أقل من ثلاث ولا فوق عشر»
(4)
.
(1)
انظر «تَنقِيح التَّحقِيق في أحَادِيث التَّعْلِيق» للذَّهَبِيّ (1/ 89)، وقال: «عبد الملك [أحد الرواة] مجهول
…
ورواه سليمان بن عمرو
…
فسليمان هو أبو داود النَّخْعِيّ كذبه أحمد وغيره
…
»، وضعف الذَّهَبِيّ كل الروايات بهذا المعنى.
(2)
«سُنَن الدَّارِمِيّ» كتاب الطهارة، باب في أقل الحيض، حديث (831).
(3)
«سُنَن الدَّارِمِيّ» كتاب الطهارة، باب في أقل الحيض، حديث (732).
(4)
«ضُعَفَاء العُقَيْلِيّ» (4/ 51).
وكل هذه الآثار ضعفها الحافظ ابن عبد الهادي
(1)
(2)
، وابن الجَوْزِيّ
(3)
، والذَّهَبِيّ
(4)
(5)
، بل والزَّيْلَعِيّ
(6)
أيضًا.
وذكر صاحب «بَدَائع الصَّنَائع» أن القول بثلاثة مروي عن ابن مسعود وعمران ابن حصين
(7)
.
(1)
هو: محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن قُدامة المَقْدِسِيّ، الجَمَّاعيلِيّ ثم الدِّمَشْقِيّ، الحافظ شمس الدين أبو عبد الله الحنبلي، توفي رحمه الله سنة 744، قال عنه الذَّهَبِيّ:«الفقيه البارع المقرئ المجود المحدث الحافظ النَّحْوِيّ الحاذق» . وله: «الأعلام في ذكر المشايخ الأئمة الأعلام» ، و «تَنقِيح التَّحقِيق في أحَادِيث التَّعْلِيق» ، و «الصارم المُنكي» ، و «العمدة في الحفاظ». راجع ترجمته في:«الوفيات» (1/ 458)، «هَدِيَّة العَارِفِين في أسْمَاء المُؤلِّفِين وآثار المُصَنِّفِين» (6/ 151).
(2)
انظر: «تَنقِيح التَّحقِيق في أحَادِيث التَّعْلِيق» لابن عبد الهادي (1/ 241 - 242). لاحظ أن تنقيح التحقيق اسم لكتابين للذَّهَبِيّ وابن عبد الهادي على «التَّحقِيق في أحَادِيث التَّعْلِيق» لابن الجَوْزِيّ، الذي خرج فيه أحاديث كتاب أبي يعلى الفراء في الخلاف العالي.
(3)
انظر: «التَّحْقِيق في أحَادِيثِ الخِلاف» لابن الجَوْزِيّ (1/ 260 - 262).
(4)
هو: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذَّهَبِيّ، الحافظ المؤرخ الفقيه العلامة المحقق، أعلم الناس بسير الأولين، صحب شيخ الإسلام ابن تَيمِيَّة، تُرْكُمَانِيّ الأصل، من أهل ميافارقين، مولده سنة 673 هـ في دمشق، ووفاته رحمه الله بها سنة 748 هـ تصانيفه تقارب المائة منها:«دول الإسلام» ، و «تاريخ الإسلام الكبير» ، و «سير أعلام النبلاء» ، و «العبر في خبر من غبر» ، و «تهذيب تَهْذِيب الكَمَال» ، و «ميزان الاعتدال في نقد الرجال». تراجع ترجمته في:«طَبَقَات الشَّافِعِيَّة الكُبْرَى» (9/ 100)، «شَذَرَات الذَّهَب» (3/ 153).
(5)
انظر: «تَنقِيح التَّحقِيق في أحَادِيث التَّعْلِيق» للذَّهَبِيّ (1/ 89، 240).
(6)
انظر: «نَصْب الرَّايَة» للزَّيْلَعِيّ (1/ 192). هو: عبدالله بن يوسف بن محمد الزيلعي، جمال الدين الزيلعي، الفقيه، المحدث. من زَيْلَعْ، أخذ عن الفخر الزيلعي شارح «الكنز» ، وغير واحد. من كتبه:«نصب الراية» ، و «تخريج أحاديث الكشاف» ، توفي بالقاهرة سنة 762 هـ. انظر ترجمته في:«الدرر الكامنة» لابن حجر (3/ 95)، و «البدر الطالع» للشوكاني (1/ 277).
(7)
«بَدَائع الصَّنَائع» للكَاسَانِيّ (1/ 45).
ولو صح شيء من هذه الآثار، فلا دليل فيها لأنها مما يقال فيه بالاستقراء والتتبع، وكذا هو الحال في أكثر هذه التقديرات خلافًا لما ذكره صاحب «البدائع» رحمه الله.
3 -
واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت حُبَيش وأم حبيبة: «دَعِي الصَّلاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي»
(1)
، وقالوا: إن أدنى ما يقع عليه اسم أيام ثلاثة.
ولا حجة لهم في هذا الخبر لأنه واقعة عين وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك من كانت لها أيام معهودة ثم استُحيضت، وقد جاءت روايات كثيرة للحديث بغير هذا اللفظ، ومنها قوله لأم حبيبة رضي الله عنها:«امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي»
(2)
. وليس في هذا اللفظ، والذي تكرر في عدة أحاديث
(3)
ذكر الأيام.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: «إذا أقبَلَت الحَيضَة فدَعِي الصَّلاة فإذا ذَهَبَ قَدرُها - أو فإذا أدبَرَت
(4)
- فاغسِلِي عَنك الدَّم وصَلِّي»
(5)
وهذا في أي حيض بأي مقدار.
وكذلك فإن الخلاف في أقل الجمع معروف، والحنفية رحمهم الله يجعلونه اثنين كما في قوله تعالى:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11]، قالوا: الاثنان إخوة.
والحاصل: أن خطابه لامرأة معينة ذات أيام معهودة لا ينسحب على كل النساء. وكذلك، فإن استعمال لفظ الأيام قد يكون خرج مخرج الغالب لأن الغالب من عادة النساء أنهن يحضن عدة أيام، لا أن المرأة لا يمكن أن تحيض دون ذلك.
(1)
«صَحِيح البُخَارِيّ» كتاب الطهارة، باب شهود الحائض العيدين (1/ 124).
(2)
«صَحِيح مُسْلِم» كتاب الحيض، باب المستحاضة وغسلها وصلاها (1/ 264).
(3)
انظر: «المُحَلَّى» (1/ 409 - 411).
(4)
«صَحِيح البُخَارِيّ» كتاب الطهارة، باب إذا رأت المستحاضة الطهر (1/ 125).
(5)
«سُنَن البَيْهَقِيّ الكُبْرَى» كتاب الطهارة، باب أقل الحيض (1/ 320).
* أما من قال بأن أقل الحيض يوم وليلة فاحتجوا:
1 -
ببعض الآثار، كالذي رواه الدَّارِمِيّ عن عَطَاء
(1)
قال: «أدنى الحيض يوم»
(2)
ولا حجة في قول أحد غير المعصوم صلى الله عليه وسلم، فإن كلام غيره يستدل له لا به، وقد يكون إخبار عَطَاء رحمه الله عن ذلك من جهة الوقوع.
2 -
وقالوا: إنه أدنى ما قيل فيكون إجماعًا، وليس كذلك، فإن مالكًا يقول بالدَّفعة في العبادة، وهي رواية عن أحمد.
3 -
وقالوا: إنه لم يقع دونه، وليس كذلك، فقد روي عن الأوزاعِيّ
(3)
قال: «عندنا امرأةٌ تحيض غُدْوةً وتطهر عَشِيَّة»
(4)
.
(1)
هو: عَطَاء بن أسْلَم بن صَفْوان الجُنْدِيّ ابن أبي رَبَاح، صاحب كرسي الإفتاء في مكة في زمن التابعين، فقيه مفسر، من التابعين، ولد في جند باليمن سنة 27 هـ، ونشأ بمكة، فكان مفتي أهلها ومحدثهم، سمع من الجمع من الصحابة منهم جابر بن عبد الله وابن عباس وابن الزبير وأخذ عنه العلم جمع من التابعين وأتباع التابعين، وتوفي رحمه الله بمكة سنة 114 هـ. راجع ترجمته في:«طَبَقَات الفُقَهَاء» (1/ 57)، «وَفَيَات الأعْيَان» (3/ 261)، «السِّيَر» للذَّهَبِيّ (5/ 78).
(2)
«سُنَن الدَّارِمِيّ» كتاب الطهارة، باب في أقل الحيض (1/ 231).
(3)
هو: أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يَحْمَد الأوزاعِيّ، من قبيلة الأوزاع، سابع السبعة الذين هم الأئمة الأربعة، والليث وسفيان، بالإضافة إليه، إمام الديار الشامية في الفقه والزهد، وأحد الكتاب المترسلين، ولد في بعلبك سنة 88 هـ، وسكن بيروت وتوفي رحمه الله بها سنة 157 هـ، وعرض عليه القضاء فامتنع، له كتاب السُّنَن في الفقه، والمسائل، ويقدر ما سئل عنه بسبعين ألف مسألة أجاب عليها كلها، وكانت الفتيا تدور بالأندلس على رأيه، إلى زمن الحكم بن هشام. راجع ترجمته في:«طَبَقَات الفُقَهَاء» (1/ 71)، «وَفَيَات الأعْيَان» (3/ 127)، «السِّيَر» للذَّهَبِيّ (7/ 107)، «شَذَرَات الذَّهَب» (1/ 241).
(4)
«المُحَلَّى» لابن حَزْم (1/ 410).