الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضوابط تغير الفتوى
1 -
الضابط الأول: هو ما قدَّمنا بذكره قبل إثبات المسألة من أن المقصود هو تغير الفتوى الشرعية لا حكم الله.
2 -
الضابط الثاني: ليس كل شيء قابلًا للتغير.
يقول في هذا الشأن ابن القَيِّم رحمه الله: «الأحكام نوعان: نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها لا بحسَب الأزمنة ولا الأمكنة ولا اجتهاد الأئمة كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه. النوع الثاني: ما يتغير بحسَب اقتضاء المصلحة له زمانًا ومكانًا وحالا كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها، فإن الشارع ينوع فيها بحسَب المصلحة»
(1)
.
3 -
الضابط الثالث: أن تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان ليس لمجرد تغير الزمان والمكان، وإلا كان ذلك طعنًا في شمولية الشريعة الخاتِمة لكل مكان وزمان إلى قيام الساعة، بل المقصود أن الزمان والمكان أوعِيَة لما فيهما من الحوادث والوقائع والأحوال والعادات والأعراف، والتي يؤَثِّر تغيرها على الفتوى في مرحلة تحقيق المناط.
4 -
الضابط الرابع: تتغير الفتوى عند وجود المقتضي وانتفاء المانع وليس بالتشهي أو للترخص. من أمثلة ذلك:
(1)
«إغَاثَة اللَّهْفَان من مَصَائد الشَّيطَان» لابن القَيِّم (1/ 330).
أ- وجود سببٍ حادثٍ يؤثر على الفتوى:
فلقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع القرآن في مصحف واحد، فلما مات الكثير من القُرَّاء على عهد أبي بكر رضي الله عنه في حروب الردة، خاف عمرُ رضي الله عنه ومِن بعدِه بقيةُ الأصحاب من ضياع القرآن فعَمَدوا إلى جمعه، فكان موت القراء سببًا للجمع الذي تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذا أردنا أن نقترب أكثر من موضوع رسالتنا، نقول: إن تقدم الطب الشرعي قد مكَّن القضاء من إثبات الحقوق لأصحابها وإقامة العدل في كثير من القضايا، وإن الطب الشرعي لم يكن بشكله المعاصر موجودًا أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يعتبِرْه من أدوات الإثبات في القضاء، ولم ينطق الوحي تصريحًا بجعله من أدلة الإثبات. ولكنَّ القضاء الإسلامي في زماننا ينبغي أن يضع هذه الوسيلة لإقامة العدل موضع الانتفاع، لاسيما إن كانت دقتها تصل في بعض الأحوال إلى مِائة بالمِائة، وهو ما لا يتحقق حتى مع شَهادة العدول. وهذه الوسائل، وإن قَصُرت عن إثبات الحدود التي تُدرأ بالشبهات - في غير ما جرى عليه عمل الصحابة - فلا أقل من أن تستعمل في التعزير الرادع ورفع المظالم وإقامة العدل بين الناس.
ب- وجود العارض أو زواله:
كما امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هدم الكعبة وإدخال الحِجر فيها لحَداثة عهد قريشٍ بجاهلية، ثم فعل ذلك عبد الله بن الزبير رضي الله عنه زمنَ خلافته لتمكُّن الإسلام.
ج- تغير الآلات والوسائل:
فإن الشريعة في أبواب المعاملات جاءت بقواعدَ عامةٍ - في الأكثر- ولم تُسهِب في تحديد الوسائل حتى تبقى مرنةً صالحةً لكل زمانٍ ومكانٍ.
وإن الوسائل في الحياة المعاصرة قد تغيرت كثيرًا، لذا وجب أن نُعِد الدبابة والطائرة
لإرهاب العدو بدل السيف والرمح؛ وأن نستخدم البصمة الوراثية - عند القدرة - في إثبات الأبوة بدل القيافة أو على الأقل نقدمها عليها؛ ويجب أن نعيد تحديد مفهوم القبض والحيازة في البيع والشراء، مع الثورة في مجالات الاتصالات، وانتشار المعاملات المالية التي تتم عن طريق الاتصالات الحديثة، ومنها الشبكة المعلوماتية.
د- تزاحم المأمورات والمنهيات على المحَل الواحد أو الواقعة الواحدة:
فإن متقدمي الحنفية كانوا يحرمون أخذ الأجرة على تعليم القرآن حيث وجد المتطوعون وأرادوا أن يكون هذا العملُ خالصًا لوجه الله تكريمًا وإعزازًا لكتاب الله. ثم قل المتطوعون وانقطعت أرزاقهم من بيت المال، فخاف خلَفُهم على القرآن، فأجازوا ما قد منعوا منه سابقًا، وما كان منعهم الأول ولا إجازتهم الثانية إلا حمايةً لكتاب الله.
هـ- اختلاف العوائد والأعراف:
وهذا بشأن الأحكام المترتبة على هذه العوائد كما تقدم بذلك النقل عن ابن فَرْحُون والقَرَافِيّ وغيرهما.
وهذا يُحتاج إليه أكثر ما يكون في أبواب الأيمان والنذور والمعاملات لفهم كلام الناس وعقودهم، فمن نذر أن يطعم عشرة مساكين لحمًا، ثم أطعمهم سمكًا، يقال: إن كان العرف في بلده تسمية السمك لحمًا جاز وإلا فلا.
و- ظهور الخطأ في الفتوى السابقة:
وهنا نرجح فتوى أخرى لأئمة متبوعين وافقوا في فتواهم الصواب، وذلك كظهور خطأ استمرار الحمل لأربع أو ست سنوات أو وصول المائع إلى الجَوْف عن طريق الأذن أو الدِّمَاغ.
وإنه من فضل الله على هذه الأمة أنها لم تجتمع على ضلالة، بل لا تجد فتوى خالفت الصواب لبعض الأئمة المتبوعين إلا وجدت غيرها لإمام آخر قد وافقته.