الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الفرع الخامس: أدلة القائلين باعتبار القرائن:
1 -
قوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18].
قال ابن العَرَبِيّ رحمه الله: «قوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ}
…
الآية فيها ثلاث مسائل المسألة الأولى أرادوا أن يجعلوا الدم علامة على صدقهم فروي في الإسرائيليات أن الله تعالى قرن بهذه العلامة علامة تعارضها وهي سلامة القميص في التلبيب والعلامات إذا تعارضت تعين الترجيح فيقضى بجانب الرجحان وهي قوة التُّهْمَة لوجوه تضمنها القرآن منها طلبهم إياه شفقة ولم يكن من فعلهم ما يناسبها فيشهد بصدقها بل كان سبق ضدها وهي تبرمهم به ومنها أن الدم محتمل أن يكون في القميص موضوعا ولا يمكن افتراس الذئب ليوسف وهو لابس للقميص ويسلم القميص من تخريق وهكذا يجب على الناظر أن يلحظ الأمارات والعلامات وتعارضها»
(1)
.
(2)
.
(1)
«أحْكَام القُرآن» لابن العَرَبِيّ (3/ 40 - 41).
(2)
«أحْكَام القُرآن» للقُرْطُبِيّ (9/ 150).
2 -
(1)
.
(1)
«أضواء البيان» لمحمد الأمين الشِّنْقِيطِيّ (2/ 215 - 216).
والقرينة في هذه الآية لا تسلم من الاعتراض ولا تفيد القطع وحدها، فإن المرأة ربما أنكرت على غلامها قصدها لفعل الفاحشة فهرب منها وأدركته من الدبر. واعترض عليها بأن الشاهد كان صبيًا في المهد فيكون كلامه هو الدليل لا القرينة وبأن ذلك من شرع من قبلنا.
ويجيب على هذه الاعتراضات الدكتور عوض عبد الله فيقول: «القرائن كانت كثيرة وكفيلة بصرف هذه التُّهْمَة عنه، أما القرينة المذكورة في الآية إنما جاءت دليلا مرجحا ومقويا لتلك القرائن، ومن هذه القرائن التي ذكرها المفسرون أن يوسف عليه السلام كان عبدا في ظاهر الأمر والعبد لا يمكن أن يتسلط على مولاه إلى هذا الحد، كما أنهم رأوا أن المرأة زيّنت نفسها على أكمل الوجوه، ولم يكن على يوسف عليه السلام آثار للتزين. ثم إنّ أحوال يوسف عليه السلام في المدة الطويلة تدل على براءته
…
» ويقول مجيبًا على الاعتراض الثاني: «وقد دفع هذا الاعتراض بأنه يستبعد أن يكون الشاهد صبيا بل كان رجلا حكيما وهو الذي يناسب سياق الآية، فلو أنطق الله الطفل لكان كافيا قوله: «إنها كاذبة» ولما احتاج إلى نصب العلامة، ثم قوله تعالى:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} [يوسف: 26] ليكون أولى بالقبول في حق المرأة ولو كان صبيا لا يتفاوت الحال كونه من أهلها أو من غير أهلها. كما أن لفظ الشاهد لا يقع في العرف إلا لمن تقدمت معرفته بالواقعة وإحاطته بها. وقيل: إنه لا تعارض بين كونه صبيًّا تكلم في المهد وبين الأمارة المنصوبة، فقد يتكلم الصبي، ومع ذلك ينبههم إلى الدليل الذي غفلوا عنه وهي أمارة القميص»
(1)
.
(1)
«نظام الإثبات في الفقه الإسلامي» للدكتور عوض عبد الله «مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة» (62/ 119 - 145) 1404 هـ.
3 -
عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جاء الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا فقالت هذه لِصَاحِبَتِهَا إنما ذَهَبَ بِابْنِكِ أَنْتِ وَقَالَتْ الأُخْرَى إنما ذَهَبَ بِابْنِكِ فَتَحَاكَمَتَا إلى دَاوُدَ فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى فَخَرَجَتَا على سُلَيْمَانَ بن دَاوُدَ عليهما السلام فَأَخْبَرَتَاهُ فقال ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا فقالت الصُّغْرَى لا؛ يَرْحَمُكَ الله، هو ابْنُهَا فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى»
(1)
.
والشاهد أنه استدل بشفقة إحداهما دون الأخرى على أمومتها.
4 -
عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا من وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ في نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا»
(2)
فجعل صلى الله عليه وسلم صماتها قرينة على الرضا.
والشاهد أنه صلى الله عليه وسلم جعل سكوت البكر قرينة على رضاها وأقر العمل بها.
5 -
وحين أجليت بنو النَّضِير قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم لعم حُيَيِّ بن أَخْطَب: «ما فَعَلَ مَسْكُ حُيَيٍّ الذي جاء بِهِ من النَّضِيرِ قال: أَذْهَبَتْهُ النَّفَقَاتُ وَالْحُرُوبُ قال: الْعَهْدُ قَرِيبٌ وَالْمَالُ أَكْثَرُ من ذلك فَدَفَعَهُ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الزُّبَيْرِ فَمَسَّهُ بِعَذَابٍ وقد كان قبل ذلك دخل خَرِبَةً فقال قد رَأَيْت حُيَيًّا يَطُوفُ في خَرِبَةٍ ههنا فَذَهَبُوا فَطَافُوا فَوَجَدُوا الْمَسْكَ في الْخَرِبَةِ فَقَتَلَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ابْنَيْ أبي الْحُقَيْقِ وَأَحَدُهُمَا زَوْجُ صَفِيَّةَ بِالنَّكْثِ الذي نَكَثُوا»
(3)
.
(1)
«صَحِيح البُخَارِيّ» (3/ 1260)، «صَحِيح مُسْلِم» كتاب الأقضية، باب بيان اختلاف المجتهدين (3/ 1344)، اللفظ له.
(2)
«صَحِيح البُخَارِيّ» (6/ 2556)، «صَحِيح مُسْلِم» كتاب النكاح، باب استئذان الثيب (2/ 1037)، اللفظ له.
(3)
«فَتْح البَارِي» لابن حَجَر (7/ 479).
والشاهد أنه ما كان ليمسه بعذاب إلا لأنه اقتنع بكذبه بناءً على شواهد الأحوال (العهد قريب والمال كثير).
6 -
وعن زيد بن خالد الجهني أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال: «عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بها فَإِنْ جاء رَبُّهَا فَأَدِّهَا إليه»
(1)
.
فجعل صلى الله عليه وسلم وصفه لها قرينة على ملكيته.
7 -
(2)
.
والشاهد أنه حكم بالسلَب لمن كان سيفه أعمق في جسد أبي جهل بدلالة الدم الذي عليه.
(1)
«صَحِيح البُخَارِيّ» كتاب في اللقطة، باب لا تحتلب ماشية أحد
…
(5/ 2265)، «صَحِيح مُسْلِم» كتاب اللقطة (3/ 1348).
(2)
«صَحِيح مُسْلِم» كتاب الجهاد والسِّيَر، باب استحقاق القاتل سَلَب القتيل (3/ 1372).
8 -
أنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه حكموا بالقافة وليست إلا علامة.
9 -
وقال عمر بن الخطابِ وهو جالس على منبرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ قد بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عليه الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا أُنْزِلَ عليه آيَةُ الرَّجْمِ قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا فَرَجَمَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَأَخْشَى إن طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ ما نَجِدُ الرَّجْمَ في كِتَابِ اللهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا الله وَإِنَّ الرَّجْمَ في كِتَابِ اللهِ حَقٌّ على من زَنَى إذا أَحْصَنَ من الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أو كان الْحَبَلُ أو الِاعْتِرَافُ»
(1)
.
وهذا صحيح صريح من قوله رضي الله عنه وجاء فعله مطابقًا لذلك وليس الحمل إلا علامة على حصول الزنا. وعمر يعرف خطر هذا الحد فهو الذي حد بالقذف ثلاثة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم شهدوا بالزنا مع رابع ثم نكل هذا الرابع عن شهادته
(2)
.
(3)
.
وصحح الحافظ رحمه الله الحديث من رواية ابن وَهْب وذكر اختلافهم فيمن وقعت له الحادثة بين عمر وعثمان ومن ناظره بين علي وابن عباس-رضي الله عن الجميع
(4)
.
(1)
«صَحِيح البُخَارِيّ» (6/ 2503)، «صَحِيح مُسْلِم» كتاب الحدود، باب رجم الثيب الزاني (3/ 1317).
(2)
«مُصَنَّف عبد الرَّزَّاق» شهد على المغيرة أربعة بالزنى فنكل زياد فحد عمر الثلاثة (7/ 384).
(3)
«سُنَن سعيد بن منصور» (2/ 93).
(4)
انظر «تَلْخِيص الحَبِير» لابن حَجَر (3/ 219).
وعنِ عبد الرحمن بن حاطبٍ عن أبيه: «أَنّ حَاطِبًا تُوُفِّيَ وَأَعْتَقَ من صلى من رَقِيقِهِ وَصَامَ. وَكَانَتْ له وَلِيدَةٌ نُوبِيَّةٌ قد صَلَّتْ وَصَامَتْ وَهِيَ أَعْجَمِيَّةٌ لم تَفْقَهْ فلم يَرُعْهُ إِلاَّ حَمْلُهَا. فَذَهَبَ إلَى عُمَرَ فَزِعًا، فقال له عُمَرُ أنت الرَّجُلُ الذي لَا تَأْتِي بِخَيْرٍ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا عُمَرُ أَحَبَلْتِ؟ فقالت نعم من مَرْعُوشٍ بِدِرْهَمَيْنِ؛ فإذا هِيَ تَسْتَهِلُّ بِهِ. وَصَادَفَتْ عِنْدَهُ عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ وَعُثْمَانَ بن عَفَّانَ وَعَبْدَ الرحمن بن عَوْفٍ، فقال أَشِيرُوا عَلي وَعُثْمَانُ جَالِسٌ فَاضْطَجَعَ فقال عَلِيٌّ وَعَبْدُ الرحمن قد وَقَعَ عليها الْحَدُّ. قال أَشِرْ عَلَيَّ يا عُثْمَانُ. قال قد أَشَارَ عَلَيْك أَخَوَاك. قال أَشِرْ عَلي أنت. قال أَرَاهَا تَسْتَهِلُّ بِهِ كَأَنَّهَا لَا تَعْلَمُهُ، وَلَيْسَ الْحَدُّ إِلاَّ على من عَلِمَهُ، فَأَمَرَ بها فَجُلِدَتْ مِائَةً وَغَرَّبَهَا
(1)
»
(2)
.
وقد يجاب عن هذه الآثار بأن عمر رضي الله عنه لم يحد كل حامل فقد روى عبد الرزاق عن طارق بن شهاب قال: بلغ عمر أن امرأة مُتعبِّدَة حمَلَت فقال عُمَر أراها قامت من الليل تُصلي فخَشَعَت فسَجَدَت فأتاها غاوٍ مِن الغُواة فتَجثَّمَها، فأتته فحدثته بذلك سواء فخلي سبيلها
(3)
.
وروى ابن أبي شَيْبَة عن عبد الملك بن ميسرة عن النزَّال بن سبرة قال بينما نحن بمنى مع عمر إذا امرأة ضخمة على حمارة تبكي؛ قد كاد الناس أن يقتلوها من الزحام، يقولون زنيت. فلما انتهت إلى عمر قال ما يبكيك؟ إن امرأة ربما استكرهت! فقالت كنت امرأة ثقيلة الرأس وكان الله يرزقني من صلاة الليل فصليت ليلة ثم نمت فوالله ما أيقظني إلا الرجل قد ركبني فرأيت إليه مُقَفِّيا ما أدري من هو من خلق الله فقال عمر لو قتلت هذه خَشِيت على الأخشبين النار ثم كتب إلى الأمصار ألا تقتل نفس دونه»
(4)
.
(1)
وفيه التعزير إذا لم تتوافر كل شروط الحد.
(2)
«المُحَلَّى» لابن حَزْم (11/ 184).
(3)
«مُصَنَّف عبد الرَّزَّاق» (7/ 409).
(4)
«مُصَنَّف ابن أبي شَيْبَة» (5/ 512).
والجواب على الأثرين أن الناس قد علموا أن الحامل بلا زوج تحد وأن عمر إنما درأ عنها الحد للشبهة، ولكن هذه شبهة يمكن لكل أحد أن يدعيها!
وقد يقال بحصر استعمال العلامات في حدي الخمر والزنا، ولكن لم؟ إن هذا قد ثبت من عمل الصحابة في هذين الحدين، ولو كانت هناك قرائن قاطعة في غيرهما لعملوا بها، سيما وأن حد الزنا يتشدد في إثباته بما لا يفعل في حد غيره. إننا إذا وسعنا دائرة استعمال القرائن في كل الحدود، لكنا موافقين لطريقة الصحابة ومنهجهم وإن كان عين الحكم بالقرائن إنما ثبت عنهم في هذين الحدين.
بقِي أن الحدود مما يدرأ بالشبهات وقول الجمهور من المذاهب الأربعة بعدم اعتبار القرائن في الحدود يحدث شبهة قوية تدفع الحد ولكن لا تدفع التُّهْمَة إن ثبتت بالقرينة القاطعة ولا تدفع العقوبة الملائمة لهذه التُّهْمَة.
هذا في القرائن التي لم يكن عليها العمل في زمان الصحابة، أما الحمل ورائحة الخمر وتقيؤها، فإن النفس تطمئن لمتابعة عمل الصحابة فيها سيما مع عدم وجود المنكر منهم لتلك الحدود التي أقيمت بمحْضَرِهم. ولكن تدرأ تلك الحدود بأدنى شبهة، كاستكراه النائمة، وتصدق دعواها -سيما مع عدم وجود التُّهْمَة - كما فعلوا رضي الله عنهم.
10 -
وعن السائب بن يزيد رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج عليهم فقال: إني وجدت من فلان [عبيد الله ابنه] ريح شراب فزَعَم أنه شَرابُ الطِّلاء وأنا سائلٌ عمَّا شرِبَ فإن كان يُسْكِر جَلَدته فجَلَدَه عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحدَّ تامًّا»
(1)
.
(1)
«سُنَن النَّسَائيّ الكُبْرَى» كتاب الأشربة، باب ذكر ما أعد الله لشارب الخمر من الذل والهوان (3/ 238).
11 -
وأُتي عثمان بن عفان بِالوليد بن عقبة فشهِد عليه حُمْرَانُ ورجل آخر؛ فشهد أحدهما أنه رآه شرِبها يعني الخمر وشهِد الآخَر أنه رآه يتقيَّأها فقال عثمان: «إنه لم يتقيأها حتى شَرِبَهَا فقال لِعَلِيٍّ رضي الله عنه أَقِمْ عليه الْحَدَّ فقال على لِلْحَسَنِ أَقِمْ عليه الْحَدَّ فقال الْحَسَنُ وَلِّ حَارَّهَا من تَوَلَّى قَارَّهَا، فقال عَلِيٌّ لِعَبْدِ اللهِ بن جَعْفَرٍ أَقِمْ عليه الْحَدَّ، قال فَأَخَذَ السَّوْطَ فَجَلَدَهُ، وَعَلِيٌّ يَعُدُّ، فلما بَلَغَ أَرْبَعِينَ قال حَسْبُكَ جَلَدَ النبي صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ أَحْسَبُهُ قال وَجَلَدَ أبو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهَذَا أَحَبُّ إلي»
(1)
.
وهذا أمر حصل بمحضَر من الصحابة من غير نكير وورد مثله عن عمر - كما ذكرنا - وابن مسعود كذلك.
12 -
عمل الفقهاء بالقرائن:
لا شك أن أمثلة عمل فقهاء المذاهب الأربعة بالقرائن لا تنحصر وقد مثلنا من قبل لعمل فقهاء الحنفية - وهم أضيق المذاهب في اعتبار القرائن - بأمثلة تبين المقصود وتغني عن الإعادة.
ولكن ينبغي أن ننوه على أنهم اتفقوا على قرينة الحيازة أو اليد
(2)
وقرينة قبول الرجل التهنئة وشراء لوازم الولادة على أن الولد منه، وإهداء العروس يوم الزفاف على أنها امرأته التي عقد عليها
(3)
. وجمهورهم يأخذون بقرينة الاستعمال
(4)
(1)
«سُنَن أبي دَاوُد» كتاب الحدود، باب الحد في الخمر (4/ 163).
(2)
انظر «تَبْيين الحَقَائق» للزَّيْلَعِيّ (4/ 295)، «المَبسُوط» للسَّرَخْسِيِّ (7/ 172)، «فتاوى السُّبكِيّ» (1/ 333)، «قَوَاعِد الأحْكَام» للعز (2/ 119).
(3)
انظر «درر الحكام» (4/ 485 - 487). وعليه إجماعهم كما في «المَوْسُوعَة الفِقْهِيَّة» (33/ 157 - 158).
(4)
فمن كان راكبًا للدابة أولى من الممسك بلجامها، ومن حفر بئرًا في دار أولى بها. انظر «المَبسُوط» للسَّرَخْسِيِّ (5/ 215) و (17/ 87) و (17/ 90)، «درر الحكام» لحَيْدَر (4/ 485 - 487)، «المُغْنِي» لابن قُدامة (4/ 327) و (10/ 274)، «قَوَاعِد الأحْكَام» للعز (2/ 119).
والصَّلاحِيَة
(1)
وبالعلامة في بدن اللقيط ومكان وجده ووصف اللُّقَطَةِ
(2)
، وبالآلة المستعملة في القتل على العمدية
(3)
، وفتح أبواب دار والأذان فيه على وقفه مسجدًا
(4)
، وغير ذلك كثير.
13 -
أما استدلالهم بالمعقول، فلهم في هذا الحجة الظاهرة، وليس أجمع ولا أجمل من قول الإمام ابن القَيِّم رحمه الله في ذلك حيث قال عن الحكم بالقرائن:
«وهذا موضع مزَلَّة أقدام، ومضَلَّة أفهام، وهو مقام ضَنْك، ومُعْتَرَك صعب، فرط فيه طائفة، فعطلوا الحدود، وضيعوا الحقوق، وجرءوا أهل الفجور على الفساد، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد، محتاجة إلى غيرها، وسدوا على نفوسهم طرقا صحيحة من طرق معرفة الحق والتنفيذ له، وعطلوها، مع علمهم وعلم غيرهم قطعا أنها حق مطابق للواقع، ظنا منهم منافاتها لقواعد الشرع. ولعمر الله إنها لم تناف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وإن نافت ما فهموه من شريعته باجتهادهم، والذي أوجب لهم ذلك:
(1)
فالمرأة أولى بما يصلح للنساء إذا تنازعت مع زوجها على متاع البيت وعند بعضهم العَطَّار أولى بآلته والنجار بآلته إذا تنازعاهما. انظر «درر الحكام» (4/ 485 - 487)، «الفُرُوق» للقَرافِيِّ (3/ 274)، «المُغْنِي» لابن قُدامة (10/ 272 و 273).
(2)
انظر «بَدَائع الصَّنَائع» للكَاسَانِيّ (6/ 253)، «قَوَاعِد الأحْكَام» للعز (2/ 119)، «المَبسُوط» للسَّرَخْسِيِّ (17/ 130).
(3)
انظر «المَبسُوط» للسَّرَخْسِيِّ (26/ 64)، «أسْنَى المَطَالِب» للأنصَارِيّ (4/ 2)، «الإنْصَاف» للمِرداوِيِّ (9/ 436).
(4)
انظر «المُغْنِي» لابن قُدامة (5/ 351).