الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: رأي الطب الحديث في إمكانية استيفاء القِصاص
من غير حيف أو سراية
• الحقيقة أن الطب قد تطور في الجراحة تطورًا مذهلًا أسهم فيه التطور في التخدير والتعقيم وغير ذلك. وفي السنوات الأخيرة مكن التصوير بالكمبيوتر الجراحين من عمل جراحات تجميل فائقة الدقة، وقد ساهم في غيرها من الجراحات أيضًا. وهناك أنواع من الأشعة المغناطيسية والمقطعية التي تظهر الأعضاء داخل الجسم بجميع أبعادها.
إن هذا كله يمكن من تحديد قدر الجناية بدقة كبيرة، وكذلك من استيفاء القِصاص، مع تحقق مطلق المماثلة والأمن من الزيادة المطلقة.
• إن الطب إذًا قد يمكن من استيفاء القِصاص في كثير من الحالات التي لم يكن الاستيفاء فيها ممكنًا، ولكن هل يمكن ذلك في كل الجروح والشجاج والكسور وإبانة الأعضاء وإزالة المنافع؟
الحق أن ذلك غير ممكن، فإن هذه كلها ليست شيئًا واحدًا والكسور تختلف فيما بينها اختلافًا واسعًا، فربما كان الاستيفاء يسيرًا في كسر عظم العَضُد، ولكن عظام الفخذ والرأس مثلا لا يمكن فيها ذلك مع أمن عدم الزيادة الممنوعة والسراية
(1)
.
(1)
«أثر التقنية الحديثة في الخلاف الفقهي» المطلب الثالث من المبحث الأول في الفصل الخامس. وفيه إفادات سعادة الدكتور مأمون فرغلي لفضيلة الدكتور هشام بن عبد الملك آل الشيخ حول الاستيفاء في كسر العظام.
وفي بحث الدكتور يوسف بن أحمد القاسم، الأستاذ المساعد بالمعهد العالي للقضاء، الموسوم بـ «استيفاء القِصاص فيما دون النفس على ضوء المستجدات الطبية» ،
(1)
نقل فضيلته جواب لجنة طبية بمجمع الرياض الطبي عن استفساراتٍ وجهتها المحكمةُ الجزئية بالرياض إلى إدارةِ الطبِّ الشرعيِّ. ولتمام الفائدة أنقله هنا من غير تصرف:
• «استفسرت المحكمة الجزئية من إدارة الطب الشرعي بمجمع الرياض الطبي عن هذا الموضوع في خطابها رقم (3037: 4) وتاريخ 7: 8: 1426 هـ، وذلك عبر الأسئلة الآتية:
س 1 - هل يمكن القِصاص بلا حيف في الأطراف التي لا تنتهي إلى مفصِل، كالقِصاص بقطع الساق من نصفه، وكالقِصاص بقطع بعض الأذن؟
س 2 - هل يمكن القِصاص بلا حيف من الجروح والشجاج التي لا تنتهي إلى عظم، كالقِصاص من الحارصة والبازلة والدامية، وكالقِصاص بما فوق الموضحة كالآمَّة والدامغة، وكالقِصاص بجرح الفخذ بما لا ينتهي إلى عظم، وكالقِصاص بلا حيف من الجائفة كقطع بعض الكُلْيَة أو الكبد؟
س 3 - هل يمكن القِصاص بلا حيف بإزالة المنفعة، كإزالة منفعة السمع، أو البصر، أو المشي؟
بعد هذا، شكلت لجنة طبية بمجمع الرياض الطبي للإجابة عن استفسارات فضيلة رئيس المحكمة الجزئية، وتم عقدُ سبعةِ اجتماعاتٍ في مقر إدارة الطب الشرعي بالمجمع، وذلك خلال الفترة الممتدة من تاريخ 19: 11: 1426 وحتى تاريخ 23: 1: 1427 هـ، وكانت هذه اللجنة الطبية مكونة من:
(1)
«استيفاء القصاص فيما دون النفس على ضوء المستجدات الطبية» [شبكة] /المؤلف يوسف بن أحمد القاسم، أستاذ مساعد بالمعهد العالي للقضاء بالسعودية.
1 -
الدكتور محمد عبد الحميد حامدة (استشاري الطب الشرعي بوزارة الصحة).
2 -
الدكتور جعلود (استشاري الأنف والأذن والحَنْجَرَة بالمجمع الطبي).
3 -
الدكتور حامد صبح (استشاري جراحة العظام بالمجمع الطبي).
4 -
الدكتور طارق ظافر (استشاري الجراحة العامة بالمجمع الطبي).
5 -
الدكتور عبد الرحمن الصقيهي (استشاري جراحة العيون).
وبعد أن أجيب الأطباء عن بعض المصطلحات الفقهية والقضائية الواردة في خطاب المحكمة، أجابوا عن الاستفسارات بالإجابات الآتية:
1 -
جواب السؤال الأول:
أ- لا يمكن القِصاص بلا حيف في الأطراف العلوية والسفلية (كالفخذين والساقين والقدمين، بالإضافة للعضدين والساعدين والكفين) كقطع الساق أو الساعد من نصفه، ولكن يمكن ذلك بصفةٍ تقريبية، وتؤخذ كل حالة بحسَبها.
ب- بخصوص القِصاص بلا حيفٍ في الأعضاء التي لها حد تنتهي إليه، كقطع الجزء الخارجي من الأذن والأنف أو بعضهما، فلا يمكن القِصاص بلا حيف، ولكن بصفة تقريبية، علمًا أنه لا يمكن ذلك في عظم الأنف، وتؤخذ كل حالةٍ بحسَبها.
2 -
جواب السؤال الثاني:
أ- لا يمكن القِصاص بشكل عام في الشجاج (جراح الرأس والوجه) بلا حيف، ولكن يمكن بشكل تقريبي.
أما ما يخص الهاشمة والآمة والدامغة، فهذه قد يكون القِصاص منها خطرًا على الحياة، وتؤخذُ كلُّ حالةٍ على حسبها.
ب- بخصوص الجراح غير الجائفة، فينطبق عليها ما ينطبق على الشجاج، مع الأخذ
بعين الاعتبار الأماكن في الجسم التي قد تتعطل فيها منفعة كبيرة للجاني مثل الإصابات في الظهر قرب العمود الفقري إذا خشي إصابة الحبل الشوكي.
ج- بخصوص الجراح الجائفة، كقطع بعض الكُلْيَة أو الكبد، فلا يمكن فيها القِصاص لوجود خطورة على حياة الجاني.
3 -
جواب السؤال الثالث:
أ- لا يمكن القِصاص بلا حيف بإزالة المنفعة، كإزالة منفعة السمع، أو منفعة الشم، وكذلك منفعة المشي.
ب- بما يخص العين:
1 -
القِصاص بالحاجب يكون حكمه كالشجاج في الوجه، إذ لا يمكن إلا في الموضحة (التي تشق الجلد وتصل للسِّمحاق) وبشكل تقريبي.
أما مقدار شعر الحاجب، فيكون القِصاص فيه بلا حيف بشكل تقريبي، وتؤخذ كل حالة على حسَبها.
2 -
يمكن إزالة الجَفْن إلى مفصله كاملا أو بعضٍ منه عن طريق مختص فقط، وبشكل تقريبي، وذلك في حالة إزالة المقلة مع الجَفْن، وينتفي فيما عدا ذلك؛ حيث يؤدي إزالة الجَفْن دون المقلة إلى جفاف العين وحدوث ضرر للمقلة، وخلاف ذلك ينتفي الاستيفاء تمامًا، وتؤخذ كل حالة على حسبها.
3 -
يمكن إزالة المُقلة كاملة كمثيلتها في المجني عليه. أما جروح المُقلة فلا يمكن استيفاؤها تمامًا.
أما ما يخص ذَهاب البصر مع بقاء المقلة سليمة، فلا يمكن إلا بأجهزة دقيقة كالليزر، على أن يقوم بها مختص، وتكون بشكل تقريبي، وتؤخذ كل حالة على حسبها» انتهى
جواب اللجنة الطبية.
ولقد لفت الدكتور يوسف القاسم الانتباه إلى عدة أمور مهمة تضمنها جواب اللجنة الطبية وهي:
1 -
ضرورة عرض كل حالة على طبيب مختص للتفاوت بين الحالات.
2 -
ما يمكن فيه القِصاص بلا حيف فإنه يمكن بشكل تقريبي.
3 -
عدم إمكان القِصاص بلا حيف في بعض المواضع كبعض المنافع والشجاج كالهاشمة والآمة والدامغة، ومن الجروح الجائفة.
وأضيف أنه من اللافت أن اللجنة أكدت على أن كل أنواع الاستيفاء إنما تتم بشكل تقريبي حتى ما اتفق عليه الأقدمون كالقطع من مَفصِل.
وكذلك فإن اللجنة نفت إمكان القِصاص من غير حيف بإزالة منافع السمع والشم والمشي خلافًا للجمهور من المتقدمين الذين رأوا إمكان ذلك.
* * *