الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد عن مراحل العمر
يمر الإنسان بمراحل متعددة في حياته وفي مرحلة الطفولة يقطع معظم هذه المراحل وذلك أنها مرحلة النمو النفسي والعقلي والجسمي.
وإن مراحل النمو التي يمر بها الإنسان يمكن أن تقسم إلى ست:
1 -
مرحلة الصبي غير المميز. 2 - مرحلة المميز.
3 -
مرحلة المراهقة. 4 - مرحلة البلوغ.
5 -
مرحلة الرشد. 6 - مرحلة الأشد.
ثم تبدأ مراحل الضعف والشيخوخة.
والناظر في هذه المراحل يجد أنه حسَب تعريف الطفولة في الإسلام، وهو من كان دون الحلم؛ فإن المراحل الثلاث الأولى جزء من الطفولة، ثم تأتي مرحلة البلوغ كحد فاصل بين الطفولة وما بعدها، أي مرحلة التكليف.
أما حسب التعريفات الطبية
(1)
للطفل فإن الفرد يبقى طفلًا إلى سن الحادية والعشرين أي ما زال جسمه ينمو. وفي أكثر البلدان يعنى طب الأطفال بالأشخاص منذ الولادة إلى سن الثامنة عشر أو الحادية والعشرين سنة.
ونحن سنعرف بالمراحل السابقة للبلوغ باختصار قبل أن نبدأ في الكلام عن تحديد البلوغ
(1)
Nelson Text book of Pediatrics، 15 th Ed، Page 3، 3 T
المرحلة الأولى: الصبي غير المميز وتبدأ هذه المرحلة بالولادة وتنتهي، عند أكثر الفقهاء
(1)
، ببلوغ سن السابعة.
ولعل المقصود من تحديد سن السابعة هو تيسير القضاء ورفع المشاحنات، فإنه من المعلوم أن الأطفال يتفاوتون في نموهم، والفقهاء أولى من غيرهم بمعرفة ذلك، ولقد تنبهوا إليه بالفعل
(2)
، ولكنهم أرادوا وضع ضابط معين مستقيم ينتهي إليه الحُكَّام، فكان أن اختاروا سن السابعة وهو اختيار موفق منهم رحمهم الله ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم:«مُرُوا أولادَكم بالصَّلاةِ وهُم أبناءُ سبعِ سِنين»
(3)
وكذلك فأنت ترى موافقة ذلك للمعقول، ولقد اتفق أن الدراسة الإلزامية تبدأ في الغالب الأعم من بلاد العالم في سن السادسة فمع الاحتياط ومراعاة تأخر بعض الأطفال في إدراكهم يكون سن السابعة هو الفصل بين المرحلة الأولى من حياة الطفل والثانية، وينادي الكثير من المختصين بتأخير دخول الطلاب المدارس إلى السابعة.
وفي المرحلة الأولى تكون للطفل أهلية وجوب، بل تبدأ وهو جنين وإن كانت عندئذٍ ناقصة. وأهلية الوجوب تعني أن الطفل تثبت له وعليه حقوق كثبوت الميراث له وضمان الغرم في ماله وغير ذلك
(4)
. ويكون الولي مسؤولًا عن أداء الحقوق الواجبة على الطفل ولا يُلزم الطفلُ نفسه بأدائها؛ وكذلك فإن الطفل في هذه المرحلة غير مكلف
(1)
«الأحوال الشخصية» لأبي زَهْرَة (ص 412)، «عوارض الأهلية» للجُبُورِيّ (ص 135).
(2)
حتى أن المتقدمين منهم لم يعينوا سنًا. «الأحوال الشخصية» لأبي زَهْرَة (ص 412).
(3)
«سُنَن أبي دَاوُد» كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة (1/ 133). وقال الألبَانِيّ «حسن صحيح» (انظر:«سُنَن أبي دَاوُد بتحقيق مشهور» رقم: (495).)، لعله أقرب إلى الحسن لأنه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والأرجح فيها التحسين.
(4)
«عوارض الأهلية» للجُبوري (ص 137).
بالإيمان ولا العبادات، ولا يعاقب بالحدود والتعزيرات
(1)
.
المرحلة الثانية: الصبي المميز وهو الذي أصبح له بصر عقلي يميز به بين الحسن والقبيح؛ وتبدأ بنهاية المرحلة السابقة أي عند بلوغ الصبي - أو الجارية - سن السابعة، وتنتهي بالبلوغ
(2)
.
ويكون الصبي في هذه المرحلة كالسابقة مع بعض الاختلاف فتكون له أهلية وجوب مثل الصبي في المرحلة السابقة غير أنه أيضًا تثبت له أهلية أداء (أي تصرف) وإن كانت ناقصة. فإن تصرفاته إما نافعة نفعًا محضًا أو ضارة ضررًا محضًا أو مترددة بين النفع والضرر. فأما تصرفاته النافعة نفعًا محضًا - كقبول الهدية والصدقة والوصية - فجائزة بدون إذن الولي. وتصرفاته الضارة ضررًا محضًا -كأن يهب ماله أو يطلق زوجته- لا تصح حتى لو أذن الولي. وتصرفاته المترددة بين النفع والضرر - كالبيع والإجارة تصح عند الجمهور - خلافًا للشافعية - إن أذن الولي
(3)
. والصبي في هذه المرحلة كسابقتها غير مكلف بشيء عند جمهور العلماء - خلافًا لرواية مرجوحة عن أحمد
(4)
- وإن كان يثاب على فعل الخير كما هو ثابت.
بقي أن نقول إن التحديد بسن السابعة لبداية هذه المرحلة مفيد وجيه؛ بيد أنه قد يحتاج بعض القضاة التأكد من وصول الطفل المعين إلى مرحلة التمييز، وقد يقرر القاضي أن يستعين بطبيب الأطفال، وهنا يستطيع طبيب الأطفال عن طريق اختبارات النمو
(1)
«عوارض الأهلية» للجُبوري (ص 135 - 136).
(2)
«عوارض الأهلية» للجُبوري (ص 140).
(3)
للتفصيل، انظر «عوارض الأهلية» للجُبوري (ص 140 - 145)؛ وانظر «أصول الفقه» للخُضَرِيّ (ص 106 - 108).
(4)
«مُذَكِّرَة في أُصُول الفِقْه على رَوْضَة النَّاظِر» لمحمد الأمين الشِّنْقِيطِيّ (ص 36).
والتي تشمَلُ النمو الحركي والعقلي والنفسي واللغوي أن يحدد ما إذا كان الطفل المعين قد وصل إلى هذه المرحلة التي يصل إليها غالبية أبناء السابعة أم لم يصل.
المرحلة الثالثة: المراهقة
(1)
: وهي مقاربة البلوغ، وهي الفترة التي تسبق البلوغ مباشرة وبعض الفقهاء جعل المراهق من بلغ العاشرة، ولم يبلغ حتى يبلغ، وعلى هذا يمكن أن نقول أن المراهقة هي ما بين العاشرة والخامسة عشر
(2)
إلا أن يقطعها البلوغ.
وتحديد العاشرة وجيه لقوله صلى الله عليه وسلم: «مُرُوا أولادَكم بالصَّلاةِ وهُم أبناءُ سبعِ سِنين واضرِبوهم عليها وهُم أبناءُ عشرٍ وفَرِّقُوا بينهُم في المضَاجِع»
(3)
والمراهق كالصبي المميز في الأحكام مع اختلاف بسيط، وهو منعه من الاطلاع على عورات النساء
(4)
بل ومعاملة المراهقين والمراهقات كالبالغين والبالغات في كل ما يتصل بالعورات والاختلاط بين الجنسين، إلا الاستئذان فإن الصحيح أنهم لا يستأذنون إلا في الأوقات الثلاثة، وذلك للنص حيث قال تعالى:{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59].
هذا الفرق البسيط في الأحكام بين المراهق والمميز لا ينبغي أن يجعلنا نهمل خطورة هذه المرحلة، بل إنه ينبهنا إلى خطورتها؛ فإن الفتى أو الفتاة الآن في مرحلة تمهيد للبلوغ، يحصل فيها نمو سريع، وتحصل تغييرات في البناء الجسمي والعضوي، تصاحبها تغيرات في
(1)
انظر «المَوْسُوعَة الفِقْهِيَّة» (8/ 187).
(2)
نبين في كلامنا عن سن البلوغ أنه يحكم به، ولو من غير احتلام، عند بلوغ الخامسة عشرة على مذهب الجمهور.
(3)
«سُنَن أبي دَاوُد» كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة (1/ 133). وقال الألبَانِيّ «حسن صحيح» (انظر:«سُنَن أبي دَاوُد بتحقيق مشهور» رقم: (495).)، لعله أقرب إلى الحسن لأنه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والأرجح فيها التحسين.
(4)
انظر «نهاية المُحْتاج إلى شرح المِنهاج» لابن شهاب الدين الرَّمْليّ (6/ 191).
النمو العقلي والنفسي، مدفوعة بتغيرات كبيرة في الإفراز الهرموني، مما يجعل الطفل في مرحلة انتقال خطيرة، يحتاج فيها إلى فهمِ ودعمِ مَن حولَه من الآباء والمعلمين
(1)
.
المرحلة الرابعة: البلوغ وهو في اللغة: الوصول، وفي الاصطلاح: انتهاء حد الصغر في الإنسان ليكون أهلًا للتكاليف الشرعية
(2)
. وتنتقل إليه الولاية على نفسه - وماله إن كان رشد
(3)
- وهذه المرحلة تبدأ مع الاحتلام أو الحيض، فهما أظهر علاماتها، وإن كانت هناك علامات أخرى ولا تنتهي إلا بموت الإنسان، والسبب في إضافة مراحل بعدها هو أن الطفل ببلوغه لا يحكم برشده حتى يختبر، وعلى ذلك فكل رشيد بالغ وليس العكس، وفي الكلام عن مرحلة الرشد نبين أنها قد تكون مصاحبة للبلوغ أو متأخرة عنه شيئًا يسيرًا.
* * *
(1)
انظر «كيف يتعامل الآباء والمعلمون مع المراهقين لمساعدتهم على التكيف الاجتماعي» لمحمد حامد يوسف.
(2)
«المَوْسُوعَة الفِقْهِيَّة» (8/ 186).
(3)
«الأحوال الشخصية» لأبي زَهْرَة (ص 438 - 440).