الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: اجتهادات الفقهاء في تمييز جنس المولود أو الطفل
تمهيد: بين يدي الكلام عن اجتهادات الفقهاء ينبغي أن نؤكد أمورًا هي:
أولًا: عندما يجتهد الفقيه في طلب الحق فيخطئه فإن له أجرًا واحدًا فإن أصابه فله أجران قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا اجْتَهَدَ الحَاكِمُ فأصَابَ فلَهُ أجْرَانِ وإذا اجتَهَدَ فأخطَأ فله أَجْرٌ»
(1)
.
ثانيًا: لقد كان الفقهاء بحاجة إلى تمييز جنس المولود واستفرغوا وسعهم في الاستقراء والتحري في حدود إمكانات زمانهم. يقول ابن قُدامة رحمه الله «وقد وجدنا في عصرنا شيئًا شبيهًا بهذا لم يذكره الفرضيون ولم يسمعوا به؛ فإنا وجدنا شخصين ليس لهما في قبلهما مخرج، لا ذكر ولا فرج، أما أحدهما: فذكروا أنه ليس في قبله إلا لحمة ناتئة كالربوة يرشح البول منها رشحًا على الدوام، والثاني: شخص ليس له إلا مخرج واحد بين المخرجين منه يتغوط ومنه يبول، وسألت من أخبرني عنه عن زيه، فأخبرني أنه إنما يلبس لباس النساء، ويخالطهن، ويغزل معهن، ويعد نفسه امرأة. وحدثت أن في بعض بلاد العجم شخصًا ليس له مخرج أصلًا لا قبل ولا دبر وإنما يتقيأ ما يأكله وما يشربه»
(2)
.
وإن الطبيب الذي ينظر في كلام ابن قُدامة رحمه الله يعرف دقته؛ غير أن الحالة التي ذكر أنه سمع بوقوعها في بلاد العجم لا يمكن أن تعيش طويلًا في زمانهم. أما بقية الأوصاف، فتدل على دقةٍ وسعةِ اطلاعٍ وتتبعٍ لمثل هذه الحالات النادرة وتحرٍّ ليس فقط
(1)
«صَحِيح البُخَارِيّ» كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ (6/ 2676)؛ و «مسند أبي عَوانَة» (4/ 168)، واللفظ له.
(2)
«المُغْنِي» لابن قُدامة (6/ 224).
للتكوين العضوي للحالة، بل وما يسمى في الطب الحديث بجنس التنشئة
(1)
حيث أنه سأل عن تصرف وسلوك المريضة، فأخبر أنها تتصرف تصرف النساء. وإنك ستجد في تفصيل كلام الفقهاء الشيء الكثير مما أشرنا إليه، فرحم الله فقهاء الإسلام الأعلام وجزاهم خير الجزاء.
ثالثًا: إن الإشكال بين الفقهاء في تحديد جنس الخنثى يكون قبل البلوغ غالبًا، حيث إنه بالبلوغ في الأغلب الأعم من الحالات تتضح الحالة، وعندئذ فإن الفقهاء لا يهملون خصائص التأنيث والتذكير الثانوية
(2)
وهم أيضًا يعتدون بالمَيْل وبالحيض والإمناء وغيرها من العلامات.
وقد أشار إلى هذا المعنى السَّرَخْسي في «المَبسُوط» حيث قال: «قلنا: لا يبقى الإشكال فيه بعد البلوغ وإنما يكون ذلك في صغره إذا مات قبل أن يبلغ»
(3)
وإن كان تعقبه الزَّيْلَعِيّ في «تَبْيين الحَقَائق» حيث قال: «قال بعضهم في هذا المقام: لا يتصور بقاؤه مشكلا بعد البلوغ. قلت: هذا كلام بلا فكر لأنه بعد البلوغ إذا لم تظهر إحدى العلامات أو تعارضت كان مشكلًا، وبه صرح القُدورِيُّ وصاحب «الهِدَايَة» »
(4)
.
وكل واحد منهما أصاب الحق من وجه، فكلام السَّرَخْسي يحمل على الغالب الأعم من الحالات، وكلام الزَّيْلَعِيّ يحمل على النادر كمثل حالات الخنثى الحقيقية أو حالات التأنيث رَغم وجود الخُصْيَة
(5)
.
(1)
Sex of Rearing
(2)
كشعر الوجه للرجال وبروز الثديين للنساء.
(3)
«المَبسُوط» للسَّرَخْسِيِّ (30/ 104).
(4)
«تَبْيين الحَقَائق شرح كَنْز الدَّقَائق» للزَّيْلَعِيّ (6/ 215).
(5)
Testicular Feminization Syndrome
أما أقوال الفقهاء في تحديد جنس الخنثى، فالحقيقة أنني لم أجد تفصيلًا في هذه المسألة أوسع وأحسن مما فصل فيها الإمام العلامة النَّوَوِيّ في «المَجْمُوع» ، ولذلك أنقل مقالته مقطعةً إلى أجزاء، ثم أعلق على ما ورد في كل جزء من معلومات متعلقة بالطب مبينًا صوابها من خطئها، وكذلك أذكر آراء أصحاب المذاهب الأخرى، وأناقش الآراء مع بيان أولاها بالصواب في ظني.
قال النَّوَوِيّ رحمه الله: «واعلم أن الخنثى ضربان:
(أحدهما): وهو المشهور أن يكون له فرج المرأة وذكر الرجل.
(والضرب الثاني): أن لا يكون له واحد منهما، بل له ثقبة يخرج منها الخارج ولا تشبه فرج واحد منهما
…
قال البَغَوِيّ: وحكم هذا الثاني أنه مشكِل يوقَف أمرُه حتى يبلغَ فيختارَ لنفسِه ما يميل إليه طبعه من ذكورة وأنوثة، فإن أمنى على النساء ومال إليهن، فهو رجل وإن كان عكسه، فامرأة، ولا دلالة في بول هذا. وأما الضرب الأول فهو الذي فيه التفريع، فمذهبنا أنه إما رجل وإما امرأة وليس قسمًا ثالثًا»
(1)
.
التعليق: أما الضرب الأول الذي أشار إليه فإما أن يكون الخنثى الحقيقية وهذه الحالات شديدة الندرة - كما تقدم - وعندها لا يصح قوله «فمذهبنا أنه إما رجل وإما امرأة» ، وإما أن يكون الخنثى الكاذبة، وعندها يصح قوله «فمذهبنا أنه إما رجل وإما امرأة وليس قسمًا ثالثًا» . إذًا فالقول صحيح في الغالب الأعم.
وأما كلامه عن الضرب الثاني الذي لا يكون له فرج المرأة ولا ذكر الرجل، فإنه يتحدث عن أنواع من الحالات يكون فيها عيوب شديدة في المجاري البولية والجيب
(1)
«المَجْمُوع» للنَّوَوِيّ (2/ 52 - 53).
البولي التناسلي
(1)
. وهذه الحالات يصعب أن تطول حياتها سيما في أزمنتهم. وهذه الحالات لا يعدها الأطباء من أحوال الخنثى، بل يناقشونها ضمن عيوب تكوين المثانة والمستقيم. والفقهاء معنيون بتمييز الجنس، وهذه الحالات تؤدي إلى صعوبة في ذلك، فاتجه أن يعدوها من أنواع الخنثى.
وأما ما ذكره من كلام البَغَوِيّ عن هذا الصنف وأنه يكون مشكلًا، فهو صحيح في زمانهم، وليس كذلك في زماننا إلا عند غِيَاب الأطباء الأكْفَاء. ويبقى كذلك حتى يبلغ فتظهر عليه العلامات الثانوية للجنس
(2)
ويحصل منه الميل المذكور. ولكن عند وجود الأطباء، فإن الكشف عن هذه الحالات عن طريق التحليل الكروموسومي، ثم الكشف الإشعاعي لمعرفة المستوى الغددي للجنس وتكوين الأعضاء الجنسية الداخلية، يؤدي إلى إلحاق المولود أو الطفل بأحد الجنسين وإجراء العلاجات والجراحات اللازمة له.
ثم قال رحمه الله: «والطريق إلى معرفة ذكورته وأنوثته من أوجه:
منها: البول، فإن بال بآلة الرجال فقط فهو رجل، وإن بال بآلة المرأة فقط فهو امرأة، وهذا لا خلاف فيه، فإن كان يبول بهما جميعًا نظر: إن اتفقا في الخروج والانقطاع والقدر، فلا دلالة فيه؛ وإن اختلفا في ذلك، ففيه وجهان: أحدهما: لا دلالة في البول فهو مشكل إن لم تكن علامة أخرى. والثاني: وهو الأصح أنهما إن كانا ينقطعان معًا، ويتقدم أحدهما في الابتداء فهو للمتقدم، وإن استويا في التقدم وتأخر انقطاع أحدهما فهو للمتأخر وإن تقدم أحدهما وتأخر الآخر فهو للسابق على أصح الوجهين، وقيل لا دلالة، وإن استويا في الابتداء والانقطاع وكان أحدهما أكثر وزنًا فوجهان .. »
(3)
.
(1)
Urogenital Sinus & Cloaca
(2)
Secondary Sexual Characteristics
(3)
«المَجْمُوع» للنَّوَوِيّ (2/ 52 - 53).
التعليق: هنا يبدأ التفصيل في الكلام عن تحديد جنس الخنثى. ويبدأ بالكلام عن المبال. والحقيقية الطبية في زماننا تبين أن الاعتماد على المبال قد يؤدي إلى الخطأ؛ فإن الطفل الذكر قد تكون فتحة البول عنده أسفل القضيب
(1)
، فيبول كما المرأة فيحكم عليه بالأنوثة وهو ذكر، وإن كان التشوه الحاصل له علامة على ضعف في الذكورة. ولكن قد لا يكون هناك في بعض الأزمنة أو الأمكنة الطبيب الكفء، لذا فإن اعتماد المبال يأخذ حكم الضرورة عند حاجتهم لتحديد الجنس قبل البلوغ - أو بعده في حالات نادرة جدًا - أما عند وجود الأطباء الأكفاء، فإنه لا ينبغي قطعًا الحكم على جنس المولود دون مراجعتهم؛ فإن الظن لا يغني من الحق شيئًا.
ويحسن التنبيه هنا إلى أن الفقهاء على شتى مذاهبهم يعتبرون المبال على اختلاف بينهم في التفاصيل؛ جاء في «المَبسُوط» : «فإن ما يقع به الفصل بين الذكر والأنثى عند الولادة الآلة
…
وعند انفصال الولد من الأم منفعة تلك الآلة خروج البول منها
…
فإذا كان يبول من مبال الرجل عرفنا أن آلة الفصل في حقه هذا وأن الآخر زيادة خرق في البدن، فإذا كان يبول من مبال النساء عرفنا أن الآلة هذا وأن هذا بمنزلة مبالين في البدن
…
وإن كان يبول منهما جميعًا معًا قال أبو حنيفة رحمه الله لا علم لي بذلك، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: يورث بأكثرهما
…
وتوقف [أبو حنيفة] في الجواب لأنه لا طريق للتمييز بالرجوع إلى المعقول، ولم يجد فيه نصًّا فتوقف وقال: لا أدري، وهذا من علامة فقه الرجل وورعه أن لا يخبط في الجواب
…
وكذلك أبو يوسف ومحمد قالا: إذا استويا في المقدار لا علم لنا بذلك ولم ينقل عن أحد منهم أنه علم ذلك أو وقف فيه على دليل .. »
(2)
.
(1)
Hypospadias
(2)
«المَبسُوط» للسَّرَخْسِيِّ (30/ 104).
ولقد آثرت إيراد كلام السَّرَخْسِيّ رحمه الله لما فيه من فوائد، فإن توقف أبي حنيفة فيه ورعٌ منه ودليلٌ أنهم رحمهم الله لم يكن عندهم تسرع في الفتيا ولا طيش. وكذلك فإن هناك فائدة في قول السَّرَخْسِيّ:«وتوقف بالجواب لأنه لا طريق للتمييز بالرجوع إلى المعقول، ولم يجد فيه نصًّا فتوقف» قلت: ليس من نص في هذا ولا السابق من الكلام عن المبال، وسيأتي
(1)
ضعف ما روي فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما المعقول، فمتحقق في زماننا بالإحالة إلى الأطباء.
وجاء في «المُدَوَّنَة» : «القول في الخنثى قلت: أرأيت الخنثى ما قول مالك فيها
…
قال: لم أسمع من مالك فيه شيئًا وما اجترأنا على شيء من هذا. قلت: فهل سمعته يقول في ميراثه شيئًا؟ قال: لا ما سمعناه يقول في ميراثه شيئًا، وأحب إلى أن ينظر في مباله فإن كان يبول من ذكره فهو غلام، وإن كان يبول من فرجه فهي جارية؛ لأن النسل إنما يكون من موضع المبال وفيه الوطء، فيكون ميراثه وشهادته وكل أمره على ذلك»
(2)
.
وجاء في «الفُرُوع» : «فإن بال أو سبق بوله من ذكره فهو ذكر، نص عليه، وعكسه أنثى، وإن خرج منهما معًا اعتبر أكثرهما، فإن استويا فمشكل، وقيل: لا يعتبر أكثرهما»
(3)
.
وإن ما يظهر من اتفاقهم على اعتبار المبال إنما يكون عند حصول الإشكال والاشتباه. وإنه من توفيق الله لهم أن اعتمدوا على هذا المعيار لأنه الأقرب إلى تحديد الجنس الصواب في أزمنتهم، لأنه كلما ضعفت ذكورة الجنين الذكر، تراجعت فتحة البول إلى الخلف، وكلما زادت هرمونات الذكورة في الأنثى، كبر البظر وتقدمت فتحة
(1)
في المطلب الرابع من هذا المبحث.
(2)
«المُدَوَّنَة» أجوبة مالك برواية سَحْنُون (2/ 173).
(3)
«الفُرُوع» لابن مُفْلِح (5/ 40).
البول إلى الأمام بالجهة السفلية منه
(1)
. وسنبين أنه عند وجود الأكْفَاء من الأطباء في زماننا فلا إشكال بحمد الله، ولا حاجة للاعتماد على المبال.
ثم قال النَّوَوِيّ رحمه الله في علامات التأنيث والتذكير:
(2)
.
التعليق: لابد من اعتبار المني أو الحيض عند عدم اجتماعهما. والمقصود من مني المرأة هو الإفرازات المَهْبِلية. ولا يمكن للخنثى الكاذبة - وهي الأعم الأغلب - أن يحصل منها الإمناء ووجود الإفرازات المَهْبِلية؛ إذ إن هذا النوع من الخَناثى له أعضاء باطنة لجنس واحد، وإنما حصل اللبس لعيب في الأعضاء الظاهرة، إلا في حالات نادرة كحالات التأنيث رَغم وجود الخُصْيَة
(3)
، والتي تكون الأعضاء الباطنة مخالفة للجنس الكروموسومي، فيكون لها مَهْبِل - من غير رحمٍ أو برحمٍ ضامرٍ - ولكن هذه الحالات
(1)
Christopher P Houk، MD، Lynne L Levitsky، MD،.Evaluation of the infant with ambiguous genitalia.In: UpToDate، Rose، BD (Ed)، UpToDate، Waltham، MA، 2007.
(2)
«المَجْمُوع» للنَّوَوِيّ (2/ 52 - 53).
(3)
Testicular Feminization Syndrome
لا قضيب لها، ولا تمني كالرجال، والصواب أن تبقى امرأة -كما تقدم- ولا يتصور حدوث المني والحيض معًا إلا في حالات الخنثى الحقيقية. وإن كان المني هنا خاليًا من الحيوانات المنوية، ولم يحصل في أي من هذه الحالات أن صار الخنثى أبًا ولكن حملت بعض الحالات -كما تقدم.
وقد يلجأ إلى هذه العلامات عند غِيَاب الأطباء الأكْفاء ووصول الطفل إلى مرحلة البلوغ.
(1)
.
التعليق: قد يحصل هذا أيضًا في حالة الخنثى الحقيقية، أما في حالات الخنثى الكاذبة فتلك التي أصلها أنثى تحيض ولكن بولها لا يكون تمامًا كبول الذكر. وحالات الخنثى التي أصلها ذكر لا تحيض البتة. ومن ثم فينبغي تقديم الحيض كعلامة.
ثم قال: «ولو تعارض المني والحيض فثلاثة أوجه ذكرها البَغَوِيّ وغيره. أحدهم: وهو قول أبي إسحاق: إنه امرأة لأن الحيض مختص بالنساء والمني مشترك، والثاني: وهو قول أبي بكر الفارسي إنه رجل؛ لأن المني حقيقة وليس دم الحيض حقيقة، والثالث: لا دلالة للتعارض وهو الأصح الأعدل
(2)
…
وصححه الرَّافِعِيّ»
(3)
.
التعليق: ويتصور هذا في حالة الخنثى الحقيقية - شديدة الندرة - وإن كان المني خاليًا من الحيوانات المنوية كما أسلفنا. وسنبين أن الأصلح لهذه الحالات أن تمارس دور الأنثى ويتم علاجها لتثبيت الجنس الأنثى.
(1)
«المَجْمُوع» للنَّوَوِيّ (2/ 52 - 53).
(2)
انظر أيضًا «الفُرُوع» لابن مُفْلِح (5/ 40).
(3)
«المَجْمُوع» للنَّوَوِيّ (2/ 52 - 53).
(1)
.
التعليق: قد تلد الخنثى الحقيقية - كما تقدم - وإن كان نادرًا جدًّا فوق ندرة الخنثى الحقيقية نفسها، ولكن عند حصوله ينبغي مساعدتها على قبول جنس الأنثى والثبات عليه.
التعليق: الوجه الأول هو الأصح، فإن الهرمونات التي يتم إفرازها عند البلوغ هي التي تؤدي إلى ظهور علامات الجنس الثانوية، وحتى في حالة الخنثى الأنثى التي أصلها ذكر المعروفة بالتأنيث رَغم وجود الخُصْيَة، والتي يظهر فيها الثديان وبقية الصفات الجنسية الثانوية للنساء رَغم أن المريض ذكر، فإن هذه الحالة ينبغي أن تبقى أنثى؛ فإنه لا سبيل إلى علاجها أو إجراء جراحات لها لتثبيتها في جنس الرجال، وتكون قد تربت بالفعل على أنها أنثى، وكما ذكر الدكتور البار في الكلام عن أنواع الأنثى، لا ينبغي للطبيب أن يخبرها بحقيقة جنسها، ولكن يخبرها بأنها لن تحيض ولن تلد. ويحسن أيضًا أن يضاف إلى الكلام عن نبات شعر اللحية وتوزيع شعر العانة عند البالغين، فإنه يمكن
(1)
«المَجْمُوع» للنَّوَوِيّ (2/ 52 - 53).
أن يفرق به بين الذكر والأنثى؛ فإنه في حال الذكر يصل إلى السرة وليس كذلك في حال الأنثى
(1)
.
إن هذه الصفات هي التي تحدد نظرة المجتمع للفرد فلا يسوغ إهمالها. وهذا الذي ذكرته هو مذهب الحنابلة، جاء في الفُرُوع:«ويوقف الباقي حتى يبلغ فيعمل بما ظهر من علامة رجل أو امرأة، كنبات لحيته أو تفلك ثدييه، والمنصوص: أو سقوطهما»
(2)
وكذلك هو مذهب الحنفية
(3)
.
ثم قال رحمه الله: «وأما نزول اللبن من الثدي فقطع البَغَوِيّ بأنه لا دلالة فيه للأنوثة، وذكر غيره فيه وجهين الأصح لا دلالة»
(4)
.
التعليق: بل ينبغي المصير إليه - وهو مذهب الحنفية
(5)
- في الحالات المشكلة، وعند عدم وجود الأطباء الأكفاء، فإن نزول اللبن من ثدي الرجل لا يكون إلا في حالات شديدة الندرة ولا عبرة بالنادر.
ثم قال رحمه الله: «وأما عدد الأضلاع ففيه وجهان (أحدهما) يعتبر، فإن كانت أضلاعه من الجانب الأيسر ناقصة ضلعًا فهو رجل وإن تساوت من الجانبين فامرأة
…
(والثاني) لا دلالة فيه وهو الصحيح وبه قطع صاحب الحاوي والأكثرون وصححه الباقون: لأن هذا لا أصل له في الشرع ولا في كتب التشريح. قال إمام الحرمين: هذا الذي قيل من تفاوت الأضلاع لست أفهمه ولا أدري فرقًا بين الرجال والنساء، قال صاحب
(1)
انظر الموسوعة الطبية الفقهية لكنعان (ص 161).
(2)
«الفُرُوع» لابن مُفْلِح (5/ 40).
(3)
«المَبسُوط» للسَّرَخْسِيِّ (30/ 104).
(4)
«المَجْمُوع» للنَّوَوِيّ (2/ 52 - 53).
(5)
انظر «المَبسُوط» للسَّرَخْسِيِّ (30/ 104).
«الحاوي» : لا أصل لذلك، لإجماعهم على تقديم المبال عليه، يعني ولو كان له أصل لقدم على المبال، لأن دلالته حسية كالولادة»
(1)
.
التعليق: رحم الله إمام الحرمين، فإن الفرق بين الأضلاع خطأ فاحش من جهة الطب، فإنه لا خلاف اليوم بين الأطباء أن الأضلاع اثنا عشر في الناحيتين في الرجل والمرأة. ولذلك فلا عبرة بهذا في تحديد الجنس على الرَّغم من انتشار هذا القول في كتب الفُرُوع
(2)
.
(3)
.
التعليق: ويتصور أن يميل إليهما إذا كان الخنثى المشكل وإن كان الأكثر أن يميل إلى الرجال؛ فإن الخُصْيَة في هذه الحالة تكون ضامرة، وهرمونات الذكورة تكون قليلة، بينما يمكن لمثل هذه الحالات أن تحيض بل وأن تحمل، على وجه الندرة، كما تقدم.
وهذا الذي ذكر هو مذهب الفقهاء الحنفية والحنابلة
(4)
. وفي هذا الكلام فائدة عظيمة، وهي حرص فقهائنا رحمهم الله على تقدير الجانب الشعوري العاطفي في هذا الشأن المعقد.
* * *
(1)
«المَجْمُوع» للنَّوَوِيّ (2/ 52 - 53).
(2)
انظر أيضًا «الفُرُوع» لابن مُفْلِح (5/ 40).
(3)
«المَجْمُوع» للنَّوَوِيّ (2/ 52 - 53).
(4)
انظر «المَبسُوط» للسَّرَخْسِيِّ (30/ 104)، «الفُرُوع» لابن مُفْلِح (5/ 40).