الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
مناقشة الآراء والترجيح:
أما القول بالتحريم، فاستُدِل له بقوله تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 5 - 6] ولا ينتهض مثل ذلك للتحريم - سيما مع وجود المعارضة - وقد قال الله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 114]؛ فإن هذا من دليل الإشارة، ولو كان يفهم بدلالة التضمن في المنطوق الصريح لما خفي على كثير من أهل العلم وظهر للإمام الشافعي. ولفظ الآية فيه إجمال والقرينة المبينة للمعنى المقصود هي المستثنى (الأزواج وملك اليمين) وفي ذلك بيان أن المراد بحفظ الفروج هو حفظها عمن لا يحل من النساء. ولو لم تكن هذه القرينة لانصرف المعنى إلى ما ذهبنا إليه بقرينة عرف الاستعمال، وقد يتوجه القول أن لفظ {حَافِظُونَ} ليس فيه أصلًا إجمال بل هو ظاهر على أن الحفظ عمن لا يحل من النساء من جهة العرف.
ولم يستدل أحد من محققي العلماء بالروايات الضعيفة في تحريم الاستمناء، ولكن يكثر استعمال الوعاظ لها مثال ذلك:
ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سبعة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ويقول: ادخلوا النار مع الداخلين: الفاعل والمفعول به، والناكح يدَه، وناكح البهيمة، وناكح المرأة في دبرها، وناكح المرأة وابنتها، والزاني بحليلة جاره، والمؤذي لجاره حتى يلعنه»
(1)
ولو صحت هذه الروايات لما كان لأحد بعده صلى الله عليه وسلم قول، ولكنها شديدة الضعف.
وقد يستدل بأنه صلى الله عليه وسلم أرشد الشباب عند عدم القدرة على النكاح إلى الصوم، ولم يذكر
(1)
ضعفه الألبَانِيّ في «السلسلة الضعيفة» برقم 319.
الاستمناء، حيث قال:«ومن لم يستطع (أي النكاح) فعليه بالصوم فإنه له وجاء»
(1)
. والجواب أنه صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى الأفضل، ولا يلزم أن يرشدهم إلى كل خطوات العلاج دفعة واحدة، ونَقْل التابعين عمن قبلهم يشعر أن الاستمناء لم يكن نادرًا في أزمنتهم وسكت عنه الشرع، وفي سكوته دليل على الإباحة لا عكسها.
ثم إن مما قد يستدل به على التحريم من التعليل الآتي:
1 -
نكاح اليد أو الاستمناء قد يكون صارفًا عن الزواج وإحصان المرء نفسه. والجواب: أن هناك فرقًا بين الاستمناء والجماع لا يسمح للقادر على الثاني أن يستغني بالأول إلا في حالات شاذة قليلة، ولا عبرة بالنادر. ثم إنه لا يقدر على الزواج كل أحد سيما في أزمنتنا هذه حيث انتشرت العزوبة انتشارا واسعًا بين الشباب والفتيات، ولكن ينبغي أن ييسر الزواج لأن فيه الإحصان الحقيقي، إضافة إلى غير ذلك من فوائده، ولن يكون تحليل الاستمناء سببًا في عزوف الناس عن الزواج.
2 -
المضار الصحية
(2)
التي يكثر ذكر الوعاظ وبعض العلماء والأطباء لها.
• ولم يثبت علميًّا شيء منها
(3)
، وإن شاع غير ذلك في أوساط العلماء والدعاة. فكل
(1)
«صَحِيح البُخَارِيّ» كتاب النكاح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج (5/ 1950).
(2)
انظر (ص 411).
(3)
Male Puberty: Physical، psychological and emotional issues، Mark A.Goldstein M.D.Adolescent Medicine، Volume 14.Number 3 October 2003
أوردت في رسالتي أبحاثًا غربية لأن الطب الحديث في أغلبه نتاج غربي، وإن كان لا ينكر منصف تأثره في بداياته بشكل بالغ بطب المسلمين، ولعل في هذا دعوة لتجديد العزم على طلب السبق؛ والمطلوب من مراكز البحث العلمي في العالم الإسلامي إجراء دراسات متقنة في كافة فروع الطب، لا سيما في مثل هذه الأبواب التي لا يخفى أن النقل فيها عن الغربيين لن يصفو من كدر وشك ولن يحصل الاطمئنان إلا إذا كان النقل عن الثقات من أطبائنا.
ما ذكر من آثار سلبية على البصر والمفاصل وغيرها لم يثبت منه شيء عن طريق البحث العلمي والتحقيق - على الأقل في زماننا- غير أن الإسراف في أي شيء قد تكون له مضار، ومثل ذلك أيضًا الإسراف في الجماع. وينبغي من التنبيه هنا أن التحريم لو ثبت بالدليل، فإنه لا يندفع إجماعًا بادعاء عدم الضرر، ولكن إن لم يثبت التحريم بالدليل الصريح، فإنه قد يحكم على الشيء بالمنع إذا ثبت ضرره.
• وغاية ما نحب أن ننبه عليه في هذه الفقرة هو عدم ثبوت الضرر عن طريق البحث العلمي، وإن ادعاه بعض الأطباء، ولكن الأصل عدم الضرر فنحن نقول بذلك حتى يثبت بالبحث العلمي القائم على التحقيق خلافه، إذ ينبغي أن ننزه الحكم الشرعي عن الاستدلال له بدعاوى هذا الطبيب أو ذاك العارية من البرهان. فإن قيل قد يتبين ضرره في المستقبل، قلنا فعندئذ يتوجه المنع.
• وحيث إنه لا يوجد دليل صحيح صريح على التحريم؛ فإن الأصل على البراءة والحل، وتتوجه الكراهة لمن فعله لغير حاجة لكونه مما يترفع عنه كبار النفوس وأصحاب الفضل، أما من فعله لحاجة فليس عليه بأس إن شاء الله. حتى أن المالكية الذين حرموه في كل حال قالوا يفعله إن خاف الزنا، قال الخَرَشِيّ رحمه الله:«اعلم أن استمناء الشخص بيده حرام، خشي الزنا أما لا، لكن إن لم يندفع عنه الزنا إلا به قدمه عليه ارتكابا لأخف المفسدتين»
(1)
.
• إن ثورة الشهوة عند الشباب جامحة وقد تؤدي بهم وبالمجتمع إلى مخاطر عظيمة؛ وإن قول الحسن وزياد أبي العلاء «كانوا يفعلونه في المغازي»
(2)
يشعر أنهم ينقلون
عن الصحابة كما أشار إليه ابن حَزْم
(1)
وقال مجاهد: «كان من مضى يأمرون شبابهم بالاستمناء يستعفون بذلك» (2) إلى غير ذلك من الآثار عن كبار التابعين. فكيف يسوغ أن يحموا شبابهم، ونضيق على شبابنا لنوقعهم في العنت، وهم أولى بالتخفيف لشدة الفتن وضيق طرق الحلال واتساع طرق الحرام.
• كل ذلك من الآثار، مع ما وضحنا من عدم وجود الدليل الظاهر على المنع، ومع وجود الحاجة الماسة لتسكين الشهوة عند كثير من الشباب حماية لهم وللمجتمع، يُشْعِر بأن القول الراجح في حكم الاستمناء هو الكراهة لغير حاجة، والجواز عند ثورة الشهوة لتسكينها، وقد يتوجه الوجوب لمن خاف على نفسه الزنا ورأى أنه لا يندفع عنه إلا به والله تعالى أعلم.
* * *
(1)
المصدر السابق.