الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن مُفْلِح رحمه الله: «وأكثره أي الحيض خمسةَ عشرَ يومًا، وعنه [أحمد] سبعة عشر»
(1)
.
قول السادة الظاهرية:
قال ابن حَزْم رحمه الله: «فإن تمادى الأسود فهو حيض إلى تمام سبعة عشر يومًا، فإن زاد ما قل أو كثر فليس حيضًا»
(2)
.
اختيار الإمام ابن تَيمِيَّة رحمه الله:
(3)
.
•
المناقشة والترجيح:
* أما مستند من قال بعدم التقدير فهو عمومات النصوص التي تأمر بالإمساك عن الصلاة والصيام إذا أقبلت الحيضة والاغتسال إذا أدبرت، وليس في شيء من نصوص الوحي التحديد، وإنما اختلفوا في التحديد على هذه الأقوال الكثيرة لعدم وجود الدليل الذي يرجعون إليه، اللهم إلا استقراء أحوال النساء، وهذا استقراء لا يتيسر مثله في أزمنتهم، وأحسن ما يقال فيه أنه استقراء ناقص.
ولكن الإشكال هنا هو الحاجة إلى التحديد لرفع المعاناة عن النساء اللاتي لا يتوقف حيضهن إلا أيامًا قليلة في كل شهر أو عدة أشهر، أو يختلط الأمر عليها فترى الحيض
(1)
«الفُرُوع» لابن مُفْلِح (1/ 268 - 270).
(2)
«المُحَلَّى» (1/ 406 - 411).
(3)
«الاختِيارات الفِقْهِيَّة» لابن تَيمِيَّة-جمعها البَعْلِيّ المتوفى 803 هـ (1/ 28).
ليومين ثم الطهر ليوم أو بعض يوم ثم حيضًا لستة أيام ثم طهرًا لخمسة ثم حيضًا لعشرين يومًا ثم طهرًا ليومين وهكذا، وهو واقع، ويزداد مع استعمال وسائل منع الحمل المختلفة، وإن كان يقع أيضًا للنساء من غير استعمال هذه الوسائل لاضطرابات في الهرمونات قد يعانين منها.
إن عدم القول بتحديد أكثر الحيض من شأنه أن يوقع كثيرًا من النساء في العنت، فتبقى الأسابيع الطوال لا يأتيها زوجها، ويجتمع عليها صيام أكثر أيام رمضان فتصومها على مدار العام، فكلما طَهُرَت صامت.
* أما مستند من قال بالعشرة:
1 -
فحديث أبي أمامة الباهلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أقلُّ ما يكون الحيضُ للجاريةِ البكرِ والثيبِ ثلاثٌ وأكثرُ ما يكون عشرةُ أيام، وإذا رَأَت الدَّمَ أكثرَ من عشرة أيامٍ فهي مُستَحاضة»
(1)
.
والحديث -كما سبق في بحث أقل الحيض- لا يصح، ولا تقوم به حجة.
2 -
واستدلوا بآثار عن بعض الصحابة، منها عن معاذ رضي الله عنه ورُفِع -:«لا حَيضَ أقلُ من ثلاثٍ ولا فوقَ عشرٍ»
(2)
، وهي آثار ضعفها أهل الحديث
(3)
.
وإن صح شيء من هذه الآثار التي اضطربت في أقل الحيض وأكثره فلا دليل في كلام أحد غير المعصوم، وهذه الأمور كلها مما يدخل في باب الاجتهاد، والمتتبع لآراء الفقهاء
(1)
رواه الدَّارَقُطْنِيّ: كتاب الحيض، باب الحيض (2/ 436)، انظر التعليق عليه في بحث أقل الحيض (ص 167).
(2)
«ضُعَفَاء العُقَيْلِيّ» (4/ 51).
(3)
انظر التفصيل في بحث أقل الحيض (ص 167)، وانظر التحقيق في ضعف كل هذه الآثار التي أتت بالتحديد في «التَّحْقِيق في أحَادِيثِ الخِلاف» لابن الجَوْزِيّ (1/ 261 - 262).
يرى من غير شك اعتمادهم على الوقوع، وكانوا يسألون الأهل، وينقلون عن الجيران والمستفتيات
…
إلخ.
* أما مستند من قال بالثلاثة عشر يومًا، وهو سعيد بن جبير، فلم يُذْكَر عنه، ولعله الوقوع.
* ومستند من قال بالخمسة عشر يومًا:
1 -
حديث: «تَمكُثُ إحْدَاهُنَّ شَطْرَ عُمرِها لا تَصُومُ ولا تُصَلِّي» .
وهو لا يصح بهذا اللفظ، وليس في كتب الحديث به، وحكم عليه النَّوَوِيّ رحمه الله بالبطلان
(1)
. ولو صح، لما لزم أن يكون الشطر النصف؛ ألا ترى أنها بعد الإياس تصلي وتصوم سائر الأيام، فلا يصح أنها لا تفعل ذلك نصف عمرها على أي حال.
2 -
قالوا لو كان الحيض أكثر من ذلك لكان أكثر من الطهر.
والجواب أنه لو كان خمسة عشر يومًا كل شهر، لكان أكثر من الطهر في كل العام وفي بعض الأشهر، فإن بعض الأشهر تسعة وعشرون. وليس في الوحي ما يمنع أن يكون الحيض أكثر من الطهر.
3 -
واستدلوا بأنه أكثر ما يقع.
وليس كذلك، بل روي السبعةَ عشرَ يومًا عن أحمد وابن مهدي
(2)
.
(1)
«المَجْمُوع» للنَّوَوِيّ (2/ 406).
(2)
«المُحَلى» (1/ 406 - 411).
* ومستند من قال بالسبعةَ عشرةَ يومًا:
الوقوع كما روي عن أحمد وعبد الرحمن بن مهدي وعن نساء آل الماجِشُون، وذكر ذلك كله ابن حَزْم رحمه الله
(1)
.
وقالوا: لم يذكر فوقه فيكون إجماعًا (1).
والجواب أن هذا حكاية واقع، وقد حكى الإمام أحمد رحمه الله السبعة عشر ونقله ابن حَزْم عنه وعن عبد الرحمن بن مهدي، ولم نعرف من قال بذلك قبلهما، فلو حصل بعدهما أن امرأة حاضت من كل شهر ثمانية عشر يومًا، فهل تكذب نفسها، ومن أين للمحدد بالسبعة عشر أن يقول لها إن دمها الأسود الذي يَعْرِف والمصاحَب بأعراض الحيض ليس حيضًا.
إن القول بالأكثر والأقل إجماع صحيح، ولكنْ في غير حكاية الواقع التي تغيرت على مر الأيام، فلا ندري عند أي مرحلة ينعقد الإجماع ولا تصح من بعد مخالفته. ومثل هذا الإجماع الاستقرائي لا يصلح كدليل قطعي بل هو حجة ظنية غيرها قد يكون أقوى منها
(2)
. كذلك، إن هذا لو كان حجة، فهو كذلك على القائل بالأكثر من السبعة عشر يومًا دون القائل بالأقل.
(1)
«المُحَلى» (1/ 406 - 411).
(2)
انظر: «مَجْمُوع الفَتَاوَى» لابن تَيمِيَّة (19/ 267).