الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: التوفيق بين أقوال الفقهاء والمعارف الطبية
تمهيد:
أقوال الفقهاء في هذا الباب هي اجتهاد لهم وليس مرجعها إلى نص من نصوص الوحي، فإنه لم يأت بيان الطريقة التي يحدد بها جنس المولود في كتاب ولا سنة؛ وما روي في ذلك الشأن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يصح عنه من أي وجه.
فإنه قد روى ذلك البَيْهَقِيّ بسنده عن ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن مولود ولد له قبل وذكر من أي يورث فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يوَرَّث من حيث يَبول» . ثم قال رحمه الله محمد بن السائب [أحد رواة الحديث]: لا يُحتَج به
(1)
.
وضعف الحديث النووي في «المَجْمُوع» ، بل قال: ضعيف بالاتفاق
(2)
. وقال الألبَانِيّ
(3)
في «الإرواء»
(4)
: موضوع.
والحديث له طريق أخرى في الكامل لابن عدي رحمه الله بسنده عن ابن عباس عن النبي
(1)
«سُنَن البَيْهَقِيّ» كتاب الفرائض، باب ميراث الخنثى (6/ 261).
(2)
«المَجْمُوع» للنَّوَوِيّ (2/ 52).
(3)
هو: محمد ناصر الدين الألبَانِيّ، العلامة المحدث، ولد في مدينة أشقودرة عاصمة ألبانيا سنة 1332 هـ وهاجر إلى دمشق، ودرس بمدارسها حتى قبيل نهاية المرحلة الابتدائية، ثم انصرف عن التعليم النظامي إلى العلوم الشرعية والعربية، وخاصة الحديث حتى برز فيه وبرع، وقد درس في مساجد دمشق وفي الجامعة الإسلامية بالمدينة وغيرها، وتوفي سنة 1420 هـ- من مصنفاته الكثيرة:«سلسلة الأحاديث الصحيحة» ، و «سلسلة الأحاديث الضعيفة» ، و «إرْوَاء الغَلِيل». راجع ترجمته في:«حياة الألبَانِيّ وآثاره وثناء العلماء عليه» .
(4)
«إرْوَاء الغَلِيل» للألبَانِيّ (6/ 152 برقم 1710).
-صلى الله عليه وسلم قال: «الخُنُثى يَرث مِن قِبل مَباله» ثم قال ابن عدي رحمه الله: وسليمان بن عمرو [أحد رواة الحديث] اجتمعوا على أنه يضع الحديث»
(1)
.
وأرجى ما في الباب من الآثار ما جاء موقوفًا على علي رضي الله عنه في الخنثى، قال:«يوَرَّث مِن قِبل مَبالِه»
(2)
، وقال الألبَانِيّ رحمه الله في «الإرواء»:«والصحيح في هذا عن عليٍّ موقوفًا»
(3)
.
وعلي رضي الله عنه يفتي باجتهاده ولو كان ثَمَّ نصٌّ لبينه. وليست هذه المسألة من المسائل التي يشيع العلم بها، فيقول قائل: إنه قول صحابي لا يعرف له مخالف من الصحابة، فيكون إجماعًا.
وحاصل ما ذكرنا أن الوحي (الكتاب والسنة) لم يأتِ بطريقة لتحديد جنس المولود والخنثى، وأن آراء الفقهاء مردها إلى الاجتهاد وهذا غير ملزم؛ فإنه مبني على علوم ومعارف أهل تلك الأزمنة، وما قصروا رحمهم الله في البحث والتحري والاستقراء والتتبع. أما في زماننا هذا، فإن تطور العلوم مكَّن الأطباء من معرفة نوع المولود أو الطفل على نحوٍ أكثرَ دقةً، والمقصود إصابة الحق.
ويبقى اجتهاد الفقهاء - أو بعضه - نافعًا في حالة عدم وجود الأطباء الأكفاء - كما سنبين - أما في حالة وجودهم، فيرتفع الإشكال بحمد الله.
والآن نعرض ما نراه التوفيق الملائم بين آراء الفقهاء (المتقدمين) والطب الحديث.
(1)
«الكامل في ضعفاء الرجال» لابن عدي (3/ 249).
(2)
«مُصَنَّف ابن أبي شَيْبَة» كتاب الفرائض، باب في الخنثى يموت كيف يورث (6/ 277).
(3)
«إرْوَاء الغَلِيل» للألبَانِيّ (6/ 152 برقم 1710).