الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
مجالات استعمال البصمة:
أما عن مجالات استعمال البصمة والفرق بينها وبين القيافة، فأبدأ هنا من حيث انتهت مجموعة من السادة الفقهاء والأطباء - حفظهم الله -
(1)
ذوي الخبرة بالأحكام الفقهية المتعلقة بالطب، فلقد اجتمعوا لمناقشة هذه القضية تحت مظلة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في ندوة سميت «ندوة مدى حجية استخدام البصمة الوراثية لإثبات البنوة» .
وقد انتهت مناقشاتهم التي تبعت تقديم الدكتور سعد الدين هلالي لبحثه عن الموضوع إلى التوصيات الآتية:
«1 - أن كل إنسان يتفرد بنمط خاص في التركيب الوراثي ضمن كل خلية من خلايا جسده، لا يشاركه فيه أي شخص آخر في العالم ويطلق على هذا النمط اسم «البصمة الوراثية» ، والبصمة الوراثية من الناحية العلمية وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية، والتحقق من الشخصية ولاسيما في مجال الطب الشرعي. وهي ترقى إلى مستوى القرائن القوية التي يأخذ بها أكثر الفقهاء - في غير
(1)
أسماء المشاركين في الحلقة النقاشية: الدكتور عبد الرحمن العوضي رئيس المنظمة والدكتورة صديقة العوضي والدكتور أحمد السعيد شرف الدين والدكتور عبد الرزاق الشيجي والدكتور أحمد حجي الكردي والمستشار عبد الله العيسى والدكتور أحمد رجائي الجندي والدكتور عجيل جاسم النشمي والدكتور حسن الشاذلي والدكتور علي يوسف السيف والدكتور حسين الجزائري الدكتور كمال الزناتي والدكتور خالد المذكور والدكتور كمال نجيب والدكتور رزق النجار والشيخ محمد المختار السُّلامِيّ والدكتور سيد مصطفى آبادي والدكتور محمد سليمان الأشْقَر والدكتور سعد الدين مسعد هلالي والدكتور محمد عبد الغفار الشريف والدكتور سعد العنزي والدكتور محمد رأفت عثمان والأستاذ سامح هلال والدكتور محمد هيثم الخياط والدكتور صلاح العتيقي والدكتور نصر فريد واصل.
قضايا الحدود الشرعية - وتمثل تطورًا عصريًّا عظيمًا في مجال القيافة الذي يذهب إليها جمهور الفقهاء في إثبات النسب المتنازع فيه، ولذلك ترى الندوة أن يؤخذ بها في كل ما يؤخذ فيه بالقيافة من باب أولى.
2 -
ترى حلقة النقاش أن يؤخذ بالبصمة الوراثية في حال تنازع أكثر من واحد في أبوة مجهول النسب إذا انتفت الأدلة أو تساوت.
3 -
استلحاق مجهول النسب حق للمستلحق إذا تم بشروطه الشرعية، وترتيبًا على ذلك فإنه لا يجوز للمستلحق أن يرجع في إقراره. ولا عبرة بإنكار أحد من أبنائه لنسب ذلك الشخص ولا عبرة بالبصمة الوراثية في هذا الصدد.
4 -
إقرار بعض الإخوة بأخوة مجهول النسب لا يكون حجة على باقي الإخوة ولا يثبت النسب، وآثار الإقرار قاصرة على المقر في خصوص نصيبه من الميراث، ولا يعتد في ذلك بالبصمة الوراثية.
5 -
عند عرض هذا الموضوع اختلفت وجهات النظر وتشعبت الآراء وطال النقاش في مضمون جواز استلحاق المرأة المجهول النسب على نحو رئي معه إعطاء هذه المسألة مزيدًا من الوقت للدراسة والتأمل.
6 -
لا تعتبر البصمة الوراثية دليلًا على فراش الزوجية؛ إذ الزوجية تثبت بالطرق الشرعية.
7 -
يرى المشاركون ضرورة توافر الضوابط الآتية عند إجراء تحليل البصمة الوراثية:
- أن لا يتم إجراء التحليل إلا بإذن من الجهة الرسمية المختصة.
- أن يجري التحليل في مختبرين على الأقل ومعترف بهما، على أن تؤخذ الاحتياطات اللازمة لضمان عدم معرفة أحد المختبرات التي تقوم بإجراء الاختبار بنتيجة المختبر الآخر.
- يفضل أن تكون هذه المختبرات تابعة للدولة، وإذا لم يتوافر ذلك يمكن الاستعانة بالمختبرات الخاصة الخاضعة لإشراف الدولة، ويشترط على كل حال أن تتوافر فيها الشروط والضوابط العملية المعتبرة محليًّا وعالميًّا في هذا المجال.
- يشترط أن يكون القائمون على العمل في المختبرات المنوطة بإجراء تحاليل البصمة الوراثية ممن يوثق بهم علمًا وخلقًا، وألا يكون أي منهم ذا صلة قرابة أو صداقة أو عداوة أو منفعة بأحد المتنازعين، أو حكم عليه بحكم مخل بالشرف أو الأمانة»
(1)
.
ولعله ليس هناك فرق كبير فيما توصلت إليه الهيئتان الموقرتان، ولكن ما توصلوا إليه ليس إجماعًا من الحضور، ولكن القرارات تصدر في المجامع بالتوافق أو بأغلبية الأعضاء، ومن هذا المنطلق، فإني أناقش في الصفحات القادمة هذه التوصيات، مستحضرًا خطر الموضوع وضعف عارضتي ولكن لا بد للباحث من أن يكون له رأي، فأقول:
التوصية بضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة.
أما التوصية بضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة فذلك أمر لا جدال فيه، وذلك لأن هذه الاختبارات المعملية يقوم بها بشر، وأن الاختبار نفسه وإن كان في غاية الدقة إلا أن الأخطاء البشرية قد تؤدي في مثل ما نحن بصدده إلى كوارث.
ولذلك يكون مناسبًا أخذ كل الاحتياطات المشار إليها من تعدد المختبرات وأهلية وأمانة العاملين فيها كما أنه يفضل أن تكون تابعة للدولة حتى لا يحصل تلاعب. وليس اشتراط التعدد هنا لكون الإعلان عن نتيجة التحليل من باب الشهادة، بل هو من باب الإخبار (الرواية)، ولكنه من أجل زيادة الاستيثاق من عدم حصول أي خطأ تقني أو فني في عملية الاختبار، وكذلك الاطمئنان إلى عدم وقوع تلاعب بالنتائج من قبل القائمين على أحد المعامل.
(1)
«الحلقة النقاشية حول حجية البصمة الوراثية في إثبات النسب» (ص 260 - 262).
ومما يصنع في الغرب لضمان المصداقية هو ما يسمى بالتعمية، فلا يدري القائمون على العمل بالمختبرات شيئًا عن شخوص المفحوصة عيناتهم، بل تأتيهم العينات مرقمة من الجهات الطالبة للتحاليل.
تقرير دقة البصمة الوراثية في التحقق من الوالدية.
وأما التوصية الأولى وهي الخاصة بتقرير دقة البصمة الوراثية في التحقق من الوالدية، فأحب أن أضيف إليها أن التحقق بالنفي آكد من الإثبات فإنه دقيق - من غير عنصر الخطأ البشري - بنسبة 100%، فإذا اشترط تعدد المعامل كانت نسبة الدقة 100% كما أظهرت ذلك الدراسات المذكورة في المطلب السابق. ولذلك أتحفظ على وصف نتيجة الاختبار بالنفي بالقرينة القوية بل هي دليل قوي
(1)
.
ويتبع هذا التحفظ أن الاقتصار على استعمال البصمة الوراثية فيما تستعمل فيه القيافة غير صحيح؛ فإن القيافة يستعملها الجمهور في إثبات النسب عند التنازع إذا لم يكن أحد المتنازعين الزوج وكان الطفل مجهول النسب
(2)
. ولكن الدائرة التي يمكن استعمال البصمة الوراثية بها أوسع بكثير من ذلك؛ لما بين الطريقتين من الفرق بين ما هو قائم على الظن
(1)
الجمهور يفرقون بين البينات والقرائن ويجعلون البينة محصورة في الشهادة ويرى البعض أن حصر البينة في الشهادة لا ينتهض له دليل من الوحي. انظر الكلام عن الإثبات بالدليل المادي في صدر هذا الباب. وأدلة الإثبات في الشرع تشمل البينات وغيرها، والمشكلة هنا هي أن تسمية وسيلة تقضي بنسبة 100% في عين المتنازع عليه بالقرينة فيه من توهين هذه الوسيلة ومن تزهيد الحكام فيها ما فيه، وهو مما يباعد بينهم وبين تحصيل مقصود الشارع من إحقاق الحق وإقامة العدل. وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمد رأفت عثمان:«إذا كان هذا [قطعية البصمة الوراثية] ثابتًا في رأيهم [أطباء المسلمين]، لنا أن نفتي بناءً على هذا أنها دليل وبأنها أقوى من الشهادة» . «الحلقة النقاشية حول حجية البصمة الوراثية في إثبات النسب» (ص 103).
(2)
«الوَسِيط» للغَزالِيّ (7/ 455، 456، 457).
الغالب المقارب للشك وما هو قائم على القطع واليقين أو الظن الغالب المقارب لهما. وسواءٌ سميت البصمة دليلًا قياسًا على أدلة الإثبات الشرعية - وهو الأصوب - أو قرينة قوية، فإن من هذه القرائن ما هو أقوى من البينات؛ قال الإمام ابن القَيِّم رحمه الله:«ولم يزل الأئمة والخلفاء يحكمون بالقطع إذا وجد المسروق مع المتهم، وهذه القرينة أقوى من البينة والإقرار»
(1)
. وسواء اتفقنا معه رحمه الله على عين هذا المثال أو لم نتفق، فإن في تطبيقات الطب الشرعي العديد من الأمثلة التي تثبت سلامة منحاه كما تقدم عند الكلام على حجية الدليل المادي.
وقبل أن أذكر أمثلة لما يمكن استعمال البصمة الوراثية به ينبغي التأكيد على الآتي:
• أولًا: إذا كان النسب ثابتًا بأحد وسائل الثبوت الشرعية، ولم ينازع في ذلك الأب ولا الابن فلا يجوز بحال أن يلجأ أحد إلى البصمة الوراثية ولا غيرها لتغيير تلك الحال؛ لما يؤدي إليه ذلك من تفكك الأسر وقطيعة الأرحام وشيوع الريبة في المجتمع.
ولا يجوز لغير الزوج - قبل إقراره - التشكيك في صحة نسب ثبت بالفراش أو طلب التحقق منه. ومن شكك فيه، وإن كان الابن، فهو متعرض لسخط الله ومستحق لحد القذف.
• ثانيًا: لا يجوز للأب أن ينفي ابنه أو يطلب التحقق من نسبه لمجرد الظن الضعيف أو لكون ابنه على غير لونه مع عدم وجود قرينة أخرى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:«جاء رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي ولدت غلامًا أسود! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فما لونها؟ قال: حُمْر، قال: هل فيها من أوْرَق؟ قال: إن فيها لوُرْقًا، قال: فأنى أتاها؟ قال: عسى أن يكون نَزَعه عِرْق، قال: وهذا عسى أن يكون نَزَعَهُ عِرْقٌ»
(2)
.
(1)
«الطُّرُق الحُكمِيَّة» لابن القَيِّم (1/ 8). والجمهور لا يرون رأيه كما سبق في صدر الباب.
(2)
«صَحِيح البُخارِيّ» كتاب النكاح، باب إذا عرض بنفي الولد (5/ 2032). والحديث يستدل به على غلق الباب أمام تصحيح النسب مهما كانت الأمارات سيما إذا كان الفراش دليل ثبوته. والشبه الذي يعمل به في القيافة قد سقط اعتباره هنا لوجود المعارض الأقوى وهو الفراش.
أما إذا كانت هناك قرينة أخرى وصار ظنه غالبًا، فإن الحنابلة والشافعية
(1)
يجيزون له أن ينفي الولد، وفي حالتنا هذه فالاستيثاق ممكن قبل النفي.
• ثالثًا: لا يجوز للابن أن ينتفي من أبيه الذي ولد على فراشه؛ لأن الفراش أقوى الأدلة الشرعية على ثبوت النسب لقوله صلى الله عليه وسلم: «الولد للفِراشِ»
(2)
ولما يستتبعه ذلك - والذي يعرف بدعوى تصحيح النسب - من قطيعة للأرحام وعقوق وشيوع للريبة في المجتمع، ولكون الرغبة من التحقق من نسب ثابت بالفراش من الوسوسة وتتبع العورات، وقد نهينا عن ذلك كله كما نهينا عن الطعن في الأنساب.
أما إذا كان النسب ثبت بغير طريق الفراش من الأدلة الأخرى، وقام دليل آخر يعارضه أقوى منه، فعندها يمكن اعتماد البصمة الوراثية لحل النزاع متى كان صاحب الدعوى الوالد أو الولد، وإنَّ مَنْع الفقهاء من استخدام القيافة لتصحيح نسب مستقر راجع إلى ضعف القيافة كدليل، فلم تصلح لتعارض الأدلة الأقوى منها كالبينة والإقرار والاستفاضة، ولكن البصمة قد تصلح لمعارضة الإقرار مع عدم وجود الفراش وظهور ما يعارضه.
• رابعًا: لا يجوز لغير الزوجين والأبناء اللجوء إلى البصمة الوراثية لتحقيق نسب ثبت بأي من وسائل الإثبات الشرعية قوية كانت أو ضعيفة، فإن الشارع متشوف لإثبات النسب لا نفيه، متشوف إلى الستر لا هتكه. لذا فإن صاحب الدعوى لا بد أن يكون الوالد أو الولد مع كون الدعوى مما تسمح به الشريعة.
(1)
انظر «المُغْنِي» لابن قُدامة (8/ 59 - 60)، «الفقه على المذاهب الأربعة» للجزيري (5/ 121).
(2)
«صَحِيح البُخارِيّ» كتاب الصوم، باب تفسير المشبهات (2/ 724)؛ و «صَحيِح مُسْلِم» كتاب النكاح، باب الولد للفراش (2/ 1080 (.
• خامسًا: لا يجوز التصحيح الجماعي للأنساب أو المسح العام للأنساب لما فيه من الفتنة وقطع الأرحام وفضح المستور وحصول البلبلة في المجتمع.
أقول هذا، وإن كان على الفقهاء أن يتنبهوا إلى أن اليوم الذي تطبع فيه البصمة الوراثية على شهادة ميلاد كل طفل وتكون جزءًا من تحقيق هويته ربما لم يعد بعيدًا جدًّا، وستدفع إليه أنظمة الحكم لمصلحة الأمن ومنع الجريمة والاحتيال وانتحال شخصية الغير، فعلى المجتمع بكل شرائحه، وعلى رأسهم الفقهاء، أن يعدوا لمثل هذا اليوم.
• سادسًا: لا ينبغي في المجتمع المسلم - الذي يحرص على الستر وحفظ الأعراض وحرمة البيوت - أن يكون حق إجراء هذه التحليلات المعملية
(1)
متروكًا للأفراد، بل ينبغي أن يكون بيد القضاة الشرعيين وحدهم، وإلا حصل من الفتن والفساد الشيء العظيم.
• سابعًا: البصمة الوراثية لا ينبغي أن تكون دليلًا لثبوت النسب ابتداءً ولكن تستعمل عند التنازع أو ضياع النسب. وإن الحكم بالقيافة والقرعة إنما كان عند التنازع؛ والبصمة كذلك، وإن كانت تطبيقاتها أكثر لقوتها ولكنها ليست بديلًا منفردًا عن أدلة الثبوت المستقرة كالفراش والبينة والاستفاضة والإقرار، وإن صلحت لمعارضة بعضها عند التنازع. وعليه، فإنها تصلح لإثبات النسب مع الإقرار أو غيره من الأدلة، فإذا لم يكن ثمة فراش أو إقرار أو بينة، ضيق على الوالد حتى يقر، وإلا لم يثبت النسب بها وحدها.
(1)
في بعض الدول كألمانيا يمكن للأفراد طلب إجراء هذه التحليلات عن غير طريق القضاء وقد تنبهوا إلى المشاكل الممكنة وحاولوا تنظيم الأمر.
Expert witness in paternity testing in Germany Rittner CK-Leg Med (Tokyo) -01 - MAR-2003; 5 suppl 1: 565 - 7 from NIH/NLM MEDLINE