الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: حكم الختان
اختلف الفقهاء في حكم الختان، فقد اتفقوا على مشروعيته للجنسين، ثم اختلفوا فيما فوق ذلك، فذهب البعض، كالشافعية في المشهور، إلى وجوبه على الجنسين، والبعض إلى وجوبه على الرجال دون النساء، والبعض إلى استحبابه في حقهما، وأقل ما قيل فيه للنساء أنه مكرمة، وللرجال أنه سنة.
*
الآثار الواردة في الختان:
وفي الختان أحاديث كثيرة، بعضها لا يخلو من مقال، وهذا عرض لها مع أقوال بعض أهل العلم فيها:
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب»
(1)
.
2 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم»
(2)
. وقد قال الله: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123].
(1)
«صَحِيح البُخَارِيّ» كتاب اللباس
…
، باب قَصِّ الشارب وكان ابن عمر يُحفي شاربه
…
(5/ 2208)، «صَحِيح مُسْلِم» (1/ 221) كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة.
(2)
«صَحِيح البُخَارِيّ» كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى:{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125](3/ 1224)، «صَحِيح مُسْلِم» كتاب الفضائل، باب من فضائل إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم (4/ 1839).
3 -
وورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم لرجل أسلم: «ألقِ عنك شعر الكُفْر واخْتَتِنْ»
(1)
.
4 -
وجاء في الختان أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا التقى الخِتانان وجَبَ الغُسْلُ»
(2)
وفيه دليل على أن النساء كن يختتن
(3)
، ولا يَرِد على هذا الاستدلال أن استعمال لفظ الختانين هو من قبيل قولهم القمرين للشمس والقمر والعمرين لأبي بكر وعمر، وأن لفظة الختانين ذكرت تغليبًا، وذلك لأن في روايات الصحيح «إذا جَلَسَ بين شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ»
(4)
.
وعليه، فإن ما جاء في أي من الأحاديث عن الختان من غير تفصيل يشمل الرجل والمرأة جميعًا.
5 -
وعن سعيد بن جُبَيْر رحمه الله قال: «سئل ابن عباس رضي الله عنه: مثل من أنت حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أنا يومئذ مختون، قال: وكانوا لا يختنون الرجل حتى يُدْرِك
(5)
»
(6)
.
(1)
«سُنَن أبي دَاوُد» في الطهارة، باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل (1/ 98). وقال الحافظ ابن حَجَر في «تَلْخِيص الحَبِير» (4/ 153): وفيه انقطاع، وعُثيم وأبوه مجهولان. وحسنه الألبَانِيّ بشواهده؛ وانظر «الإرواء» (1/ 120)، «سُنَن أبي دَاوُد بتحقيق مشهور» (رقم 356). وللحديث من الشواهد ومن عمل أهل العلم والأمة ما يجعل النفس تطمئن إلى ثبوته.
(2)
«صَحِيح ابن حِبَّان» كتاب الطهارة، ذكر إيجاب الاغتسال من الإكسال (3/ 456). وصححه الألبَانِيّ في «صَحِيح الجَامِع» (رقم 385). وأخرجه مسلم بلفظ:«إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل» «صَحِيح مُسْلِم» كتاب الحيض، باب نسخ الماء من الماء (1/ 271).
(3)
قال الإمام أحمد رحمه الله: «حديث النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقى الختانان وجب الغسل فيه بيان أن النساء كن يختتن.» «المُغْنِي» لابن قُدامة (1/ 63).
(4)
«صَحِيح مُسْلِم» كتاب الطهارة، باب نسخ الماء من الماء (1/ 271).
(5)
أي حتى يبلغ الحلم، «فَتْح البَارِي» (11/ 90).
(6)
«صَحِيح البُخَارِيّ» كتاب الاستئذان، باب الختان بعد الكبر ونتف الإبط (5/ 2320).
6 -
وجاء في حديث أم عطية رضي الله عنها، وكانت تختن البنات، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اخفِضي ولا تُنْهِكي
(1)
؛ فإنه أنْضَر للوَجْه وأَحظَى عند الزوج»
(2)
. وفي بعض روايات الحديث لفظ: «أشمِّي» بدل: «اخفضي»
(3)
. وهذا أصرح الأحاديث الدالة على مشروعية، بل واستحباب الختان للنساء.
7 -
وعن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعًا: «الخِتان سُنَّة للرجال مَكْرُمَةٌ للنِّسَاء» رواه البَيْهَقِيّ
(4)
، وضَعَّفَ المرفوع
(5)
.
(1)
أو تَنهَكي بفتح التاء والهاء.
(2)
«الحاكم» كتاب المناقب، باب ذكر الضَّحَّاك بن قيس الأكبر (3/ 603)، «سُنَن أبي دَاوُد» في الأدب، باب ما جاء في الختان (4/ 368). وحسنه ابن حَجَر في «هِدَايَة الرُّواة» (4/ 245) كما ذكر في المقدمة؛ والهَيْثَمِيّ في «مَجْمَع الزَّوَائد» (5/ 172)؛ وصححه الألبَانِيّ بطرقه في «صَحِيح الجَامِع» برقم 236؛ وضعفه أبو داود في «سننه» (4/ 368)؛ والعِرَاقِيّ في «تخريج الإحياء» (1/ 91)؛ وقال ابن المُلَقِّن في «البَدْر المُنِير» (8/ 749): يروى من طرق، ولكنه ضعفه. ولعل الصواب أنه حسن بمجموع طرقه وشواهده.
(3)
انظر «عَوْن المَعْبُود» للعَظِيم آبادِي (14/ 123).
(4)
هو: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البَيْهَقِيّ الحافظ العلامة، الثبت، الفقيه، شيخ الإسلام، ولد في خُسرُوجِرد سنة 384 هـ، قال الذَّهَبِيّ: لو شاء البَيْهَقِيّ أن يعمل لنفسه مذهبًا يجتهد فيه لكان قادرًا على ذلك؛ لسعة علومه ومعرفته بالاختلاف، وتوفي رحمه الله بنَيْسابُور سنة 458 هـ، صنف زهاء ألف جزء، منها:«السُّنَن الكُبْرَى» و «الصغرى» و «دلائل النبوة» و «مَعْرِفَة السُّنَن والآثَار» . راجع ترجمته في: «وَفَيَات الأعْيَان» (1/ 75)، «السِّيَر» للذَّهَبِيّ (18/ 163)، «طَبَقَات الشَّافِعِيَّة» لابن قاضي شُهْبَة (2/ 220).
(5)
«سُنَن البَيْهَقِيّ الكُبْرَى» كتاب الأشربة، باب السلطان يكره على الاختتان (8/ 324). وضعفه الحافظ في «تَلْخِيص الحَبِير» (4/ 153) فقال: «رواه أحمد والبَيْهَقِيّ من حديث الحجاج بن أرطاة، عن أبي المليح بن أسامة، عن أبيه به، والحجاج مدلس وقد اضطرب فيه
…
وقال البَيْهَقِيّ هو ضعيف منقطع».
8 -
وعن أم علقمة مولاة عائشة رضي الله عنها: «أن بنات أخي عائشة رضي الله عنها خُفِضْن فألِمْنَ ذلك، فقيل لعائشة: يا أم المؤمنين ألا ندعو لهن من يُلَهِّيهِن؟ قالت: بَلى»
(1)
.
9 -
روى ابن المُنذِر
(2)
رحمه الله عن أبي بَرْزَة رضي الله عنه قال: «سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل أقْلَف يحج بَيْت الله، قال: لا، حتى يَخْتَتِن»
(3)
. وضعفه ابن المُنذِر رحمه الله وغيره.
وهناك آثارٌ أخرى تركنا ذكرها لضعفها. ولا شك أن من الأحاديث ما هو في الصحيح، وإن كان غير صريح في الأمر بالختان للنساء أو الحض عليه، ومنها ما وقع الخلاف بين أهل العلم فيه، وهذا القسم أصرح في إثبات مشروعية الختان للنساء. إلا أن أحاديث سنن الفطرة التي ذكرت الختان - وهي في الصحيح - لا معنى لحملها على الرجال دون النساء، وقد ثبَت أن الختان يشمل الرجال والنساء كما هو واضح من حديث مسِّ الختانِ الختانَ. والذي لا يُشَكُّ فيه من مطالعة الآثار أن الختان كان شائعًا على عهده صلى الله عليه وسلم.
(1)
«سُنَن البَيْهَقِيّ الكُبْرَى» كتاب الشهادات، باب الرجل يغني فيتخذ الغناء صناعة (10/ 223)؛ ورواه البخاري في «الأدب المفرد» باب اللهو في الختان (ص 458/رقم 1247). وقال الذَّهَبِيّ:«أم علقمة لا تعرف؛ خرج لها البخاري في أدبه.» «ميزان الاعتدال في نقد الرجال» (7/ 478). وقال الألبَانِيّ رحمه الله: «وإسناده محتمل للتحسين، رجاله ثقات، غير أم علقمة هذه واسمها مُرجانة، وثقها العِجْلِيّ وابن حِبَّان، وروى عنها ثقات.» «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (2/ 349). والعِجْلِيّ وابن حِبَّان - رحمهما الله - يوثقان من لم يُجْرَح، فالحديث أقرب للضعف.
(2)
هو: أبو بكر، محمد بن إبراهيم بن المُنذِر النَّيْسابُورِيّ الفقيه، الإمام الحافظ العلامة، شيخ الإسلام صاحب التصانيف. له: الإشراف في اختلاف العلماء، والإجماع، والمَبسُوط. ولد في حدود سنة 242 هـ، وتوفي رحمه الله سنة 319 هـ. راجع ترجمته في:«وَفَيَات الأعْيَان» (4/ 207)، «طَبَقَات الشَّافِعِيَّة» لابن قاضي شُهْبَة (2/ 98)، «السِّيَر» للذَّهَبِيّ (14/ 490).
(3)
انظر «تَلْخِيص الحَبِير» (4/ 153). والحديث ضعيف، ولكن كان عليه العمل إلى عهد قريب. انظر «الختان» للبار (ص 50). هذا، وإن كان الإجماع على صحة حج الأغلف. انظر «موسوعة الإجماع» لسعدي (1/ 299).