الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: نفاس المرأة تلد التوأمين
اختلف الفقهاء رحمهم الله في الدم تراه المرأة بين التوأمين إن طال الفاصل بينهما:
* فذهب فريق إلى كون النفاس من الولد الأول دون الثاني وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وأكثر المالكية ووجه عند الشافعية ورواية عند الحنابلة.
* وقال آخرون أن النفاس من الثاني وما تراه بعد الأول دم فساد، وهذا قول محمد وزُفَر من الحنفية ووجه عند الشافعية ورواية عند الحنابلة وهو قول الظاهرية - رحم الله الجميع.
* وذهب فريق ثالث إلى أن أول النفاس من الأول وآخره من الثاني فجعلوها تستأنف مدةً كاملة للنفاس من وضع الثاني، فربما زاد نفاسها عندها عن أكثر حده في الولادة العادية - على اختلاف بينهم في هذا الحد -، وهذا هو قول أبي إسحاق التوني من المالكية ووجه عند الشافعية ورواية عند الحنابلة.
عرض الأقوال:
قول السادة الحنفية:
قال السَّرَخْسي رحمه الله في «المَبسُوط» : «فإن ولدت ولدا وفي بطنها آخر فالنفاس من الأول في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد وزُفَر رحمهما الله تعالى من الآخر لأنها بعد وضع الأول حامل بعد. والحامل لا تصير نفساء كما لا تحيض والدليل عليه حكم انقضاء العدة فإنه معتبر بالولد الآخر وهما يقولان النفاس من تنفس الرحم بالدم من خروج النفس الذي هو الولد أو من خروج النفس الذي هو عبارة عن الدم وقد وجد ذلك كله بالولد الأول وإنما لا تحيض الحامل لانسداد فم الرحم وقد انفتح بالولد الأول فكان الدم المرئي بعده من الرحم.
وفي حكم انقضاء العدة العبرة بفراغ الرحم ولا يحصل ذلك إلا بالولد الآخر»
(1)
.
قول السادة المالكية:
قال الدُّسُوقِيّ رحمه الله في «حاشيته» : «(قوله [أي الدَّرْدِير]: ولو بين توأمين) أي سواء كان بينهما شهران أو أقل ثم إنه على المشهور من أن الذي بين التوأمين نفاس لا حيض إن كان بينهما أقل من شهرين فاختلف هل تبني على ما مضى لها ويصير الجميع نفاسا واحدا وإليه ذهب أبو محمد والبَرَاذِعِيّ
(2)
أو تستأنف للثاني نفاسا وإليه ذهب أبو إسحاق التُّونُسِيّ
(3)
وأما إن كان بينهما شهران فلا خلاف أنها تستأنف للثاني نفاسا كما أشار له بقوله فإن تخللهما فنفاسان وهذا محصل كلام الشارح»
(4)
.
(1)
«المَبسُوط» للسَّرَخْسِيِّ (2/ 21).
(2)
هو: أبو سعيد خلف بن أبي القاسم محمد البَرَاذِعِيّ الأزْدِيّ، فقيه من كبار المالكية، ولد وتعلم في القيروان، وتجنبه فقهاؤها؛ لاتصاله بسلاطينها، وانتقل إلى صقلية فاتصل بأميرها وصنف عنده كتبًا، منها:«التهذيب في اختصار المُدَوَّنَة» ، و «تمهيد مسائل المُدَوَّنَة» ، رحل إلى أصبهان فكان يدرس فيها الأدب إلى أن توفي سنة 372 هـ. راجع ترجمته في:«السِّيَر» للذَّهَبِيّ (17/ 523)، «الدِّيبَاج المُذْهَب» (1/ 112).
(3)
هو: أبو إسحاق إبراهيم بن عبد القادر بن أحمد الرياحي التُّونُسِيّ، فقيه مالكي، من أهل المغرب، له نظم، ولد في تستور 1180 هـ، ونشأ بتونس، وولي رئاسة الفتوى فيها، وتوفي فيها سنة 1266 هـ، له رسائل وخطب جمع أكثرها في كتاب سمي:«تعطير النواحي بترجمة الشيخ سيدي إبراهيم الرياحي» ، راجع ترجمته في:«الأعلام» للزرِكلِيّ (1/ 48)، «مُعْجَم المؤلفين» لكحَالة (1/ 49).
(4)
«حَاشِيَة الدُّسُوقِيّ على الشَّرْح الكَبِير» (1/ 176). والشارح المذكور هو الدَّرْدِير صاحب «الشَّرْح الكَبِير على مُخْتَصَر خَلِيل» ، والكلام للمُحَشِّي-رحم الله الجميع.
قول السادة الشافعية:
(1)
.
قول السادة الحنابلة:
قال ابن قُدامة رحمه الله في «المُغْنِي» : «إذا ولدت المرأة توأمين، فذكر أصحابنا عن أحمد روايتين فيها: إحداهما، أن النفاس من الأول كله أوله وآخره، قالوا: وهي الصحيحة. وهذا قول مالك، وأبي حنيفة. فعلى هذا متى انقضت مدة النفاس من حين وضعت الأول، لم يكن ما بعده نفاسا؛ لأن ما بعد ولادة الأول دم بعد الولادة فكان نفاسا، كالمنفرد، وآخره منه؛ لأن أوله منه، فكان آخره منه، كالمنفرد. واختلف أصحابنا في الرواية الثانية، فقال الشريف أبو جعفر
(2)
، وأبو الخطاب
(3)
في «رءوس المسائل» هي أن
(1)
«المَجْمُوع» للنَّوَوِيّ (2/ 555).
(2)
هو: أبو جعفر عبد الخالق بن عيسى بن أحمد، الشريف الهاشمي، إمام الحنابلة ببغداد في عصره، كان ثقة زاهدًا، درس بجامع المنصور، وبجامع المهدي، ولد سنة 411 هـ، وصنف كتبًا منها:«رءوس المسائل» ، و «أدب الفقه» ، وكان شديدًا على أهل البدع، فحبس فضج الناس، فأطلق، ولما مات دفن إلى جانب قبر الإمام أحمد سنة 470 هـ. راجع ترجمته في:«المَقْصد الأرْشَد» (2/ 144)، «شَذَرَات الذَّهَب» (2/ 336).
(3)
هو: أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن الحسن الكلوذاني، إمام الحنبلية في عصره، أصله من كلواذي من ضواحي بغداد، ولد سنة 432 هـ في بغداد، ووفاته بها سنة 510 هـ، من كتبه:«التمهيد في أصول الفقه» ، و «الانتصار في المسائل الكبار» ، و «الهِدَايَة». راجع ترجمته في:«المَقْصد الأرْشَد» (3/ 20)، «شَذَرَات الذَّهَب» (2/ 27).
أوله من الأول وآخره من الثاني. وهذا قول القاضي، في كتاب «الروايتين» لأن الثاني ولد فلا تنتهي مدة النفاس قبل انتهائها منه كالمنفرد، فعلى هذا تزيد مدة النفاس على الأربعين في حق من ولدت توأمين. وقال القاضي أبو الحسين
(1)
في «مسائله» وأبو الخطاب في «الهِدَايَة» : الرواية الثانية أنه من الثاني فقط. وهذا قول زُفَر؛ لأن مدة النفاس مدة تتعلق بالولادة، فكان ابتداؤها وانتهاؤها من الثاني، كمدة العدة. فعلى هذا ما تراه من الدم قبل ولادة الثاني لا يكون نفاسا»
(2)
.
قول السادة الظاهرية:
قال ابن حَزْم رحمه الله في المُحَلَّى: «ودم النفاس هو الخارج إثر وضع المرأة آخر ولد في بطنها: لأنه المتفق عليه، وأما الخارج قبل ذلك فليست نفساء، وليس دم نفاس، ولا نص فيه ولا إجماع»
(3)
.
(1)
هو: القاضي أبو الحسين محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن الفراء، المعروف بابن أبي يعلى، وهو ابن القاضي أبي يعلى شيخ الحنابلة في عصره، ولد سنة (451 هـ)، سمع من أبيه، ومن أبي بكر الخطيب، وتفقه على الشريف أبي جعفر، وبرع في الفقه وأفتى وناظر، له مؤلفات كثيرة منها:«رءوس المسائل» ، و «المفردات في الفقه» ، و «التمام لما ورد فيه روايتان عن الإمام» ، و «طَبَقَات الحَنَابِلَة» وغير ذلك. توفي مقتولًا سنة 526 هـ. راجع ترجمته في:«ذيل طَبَقَات الحَنَابِلَة» لابن رجب (3/ 176 - 178).
(2)
«المُغْنِي» لابن قُدامة (1/ 212).
(3)
«المُحَلَّى» لابن حَزْم (1/ 273 - 274).