الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: بم يثبت النفاس
اختلف العلماء - رحمهم الله تعالى - في ثبوت النفاس:
* فذهب بعض الفقهاء إلى أن حكم النفاس لا يثبت إلا إذا وضعت المرأة ما تبين فيه خلق الآدمي.
* وأشار بعضهم إلى أن العبرة بإلقاء الحمل، فمتى علم أنها ألقت ما ينشأ منه الآدمي حكم بنفاسها.
وأهم ثمرة لهذا الخلاف إنما تكون في باب العدد، فإنه لو حكم بأنها وضعت حملًا ونفست لانقضت عدتها ولم يكن لزوجها أن يراجعها. كذلك فإن لم يحكم بنفاسها وتجاوز دمها أكثر الحيض فإن الذين لا يحكمون بنفاسها سيجعلون ذلك الدم دم استحاضة تصلي معه وتصوم.
وهذه بعض أقوالهم-رحمهم الله:
(1)
.
والناظر إلى تعليله يتبين له أن منعهم كونه نفاسًا في المراحل الأولى ناشئ عن عدم تأكدهم من كونه حملًا أصلًا.
(1)
«المُغْنِي» لابن قُدامة (1/ 211).
قال الزَّيْلَعِيّ رحمه الله: «(قوله [أي النَّسَفِي] في المتن [أي كنز الدقائق]: والسقط إن ظهر بعض خلقه ولدا)
…
فنقول على تقدير أنه مستبين الخلق هي نفساء ونفاسها أربعون وعلى تقدير أنه لم يستبن لا تكون نفساء ويكون عشرة عقيب الإسقاط حيضا إذا وافق عادتها
…
(قوله: أو ظفر أو شعر) فلو لم يستبن منه شيء لم يكن ولدا فإن أمكن جعله حيضا بأن امتد جعل إياه»
(1)
.
وأطلق البعض من الشافعية القول بعدم اعتبار نزول العلقة في الحكم بالنفاس وانقضاء العدة، فذكر ذلك ابن حَجَر الهَيتَمِيّ
(2)
(3)
.
والهَيتَمِيّ رحمه الله يعتبر وجود الصورة الخفية حتى في العلقة لأنها أدنى دليل على كون ما ألقته المرأة حملا لا مجرد دم مجتمع في الرحم.
ومن قبل، جلى الأمر النَّوَوِيّ رحمه الله في المَجْمُوع وبين أن حكم القابلة هو المعتبر في الحكم بكون الملقي حملا، فقال: «قال أصحابنا: لا يشترط في ثبوت حكم النفاس أن
(1)
«تَبْيين الحَقَائق» للزَّيْلَعِيّ (1/ 68).
(2)
هو: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن حَجَر الهَيتَمِيّ السعدي الأنصَارِيّ، الفقيه الشافعي المحقق، مفتي مكة، مِصْرِيّ، مولده في محلة أبي الهيتم بالغربية بمصر سنة 909 هـ، ومات رحمه الله بمكة سنة 974 هـ، له تصانيف كثيرة منها:«تُحْفَة المُحْتاج لشرح المِنهاج» ، و «الفَتَاوَى الهَيتَمِيّة» ، و «شرح مشكاة المصابيح» ، و «أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل». راجع ترجمته في:«شَذَرَات الذَّهَب» (4/ 370)، «الأعلام» للزرِكلِيّ (1/ 234).
(3)
«تُحْفَة المُحْتاج» للهَيتَمِيّ (1/ 413).
يكون الولد كامل الخلقة ولا حيا، بل لو وضعت ميتا أو لحما تصور فيه صورة آدمي أو لم يتصور وقال القوابل: إنه لحم آدمي ثبت حكم النفاس هكذا صرح به المتولي
(1)
وآخرون، وقال الماوَرْدِيّ: ضابطه أن تضع ما تنقضي به العدة وتصير به أم ولد»
(2)
.
إذًا فالجاري على هذا الفهم، أنه لو قال الطبيب الثقة أن ما وضعته المرأة كان حملًا سقط، حكم الفقيه بنفاسها وانقضاء عدتها وإن لم يظهر في السقط خلق الإنسان، وذلك لأن الفحوص الطبية تؤكد حصول الحمل قبل ظهور خلق الإنسان بفترة طويلة.
إن ما ذكره الفقهاء من ظهور خلق الإنسان كان مناسبًا في زمانهم رحمهم الله إذ لم يكن لهم سبيل آخر للتأكد من كون ما ألقاه الرحم حملًا.
وفي زماننا، ومع توافر الرعاية الطبية، فينبغي المصير إلى قول الطبيب الثقة المدعوم بالفحوص عند توافر ذلك. فإن لم يتوفر، فيرجع إلى ما قاله الفقهاء من اعتماد ظهور خلق الإنسان أو الصورة الخفية التي يحصل معها الاطمئنان إلى كون الموضوع حملًا.
* * *
(1)
هو: أبو سعد عبد الرحمن بن مأمون النَّيْسابُورِيّ المعروف بالمُتَوَلِّيّ، فقيه مناظر، عالم بالأصول، ولد بنَيْسابُور سنة 426 هـ، وتوفي رحمه الله ببغداد سنة 478 هـ، له:«تتمة الإبانة للفوراني» في فقه الشافعية، وكتاب في الفرائض مختصر، وكتاب في أصول الدين مختصر. راجع ترجمته في:«طَبَقَات الفُقَهَاء» (1/ 238)، «طَبَقَات الشَّافِعِيَّة الكُبْرَى» (5/ 106)، «طَبَقَات الشَّافِعِيَّة» لابن قاضي شُهْبَة (2/ 247)، «شَذَرَات الذَّهَب» (2/ 358).
(2)
«المَجْمُوع» للنَّوَوِيّ (2/ 525).