الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب التاسع: المُبْتَدَأة والمُتَحَيِّرَة
يختلف الفقهاء في أحكام المُبْتَدَأة والمُتَحَيِّرَة.
أما المُبْتَدَأة فإنهم يختلفون في:
1 -
كم تمسك عن الصلاة إن كان نزول الدم جاوز أقل الحيض ولم يعبر أكثره، فالجمهور من الحنفية
(1)
والمالكية
(2)
والشافعية
(3)
ورواية عند الحنابلة يرون أنها تمسك ما رأت الدم ولم يتجاوز أكثر الحيض وفي الرواية الأظهر عند الحنابلة
(4)
يقولون إنها تجلس أقل الحيض ثم تصلي وتصوم حتى تصير لها عادة. وقول الجمهور أقوى لأن الدم النازل في سن الحيض وزمانه (الحكمي) الأصل فيه أنه حيض.
2 -
وعند استمرار الدم وعبوره أكثر مدة الحيض، ذهب الحنفية
(5)
والمالكية
(6)
في قول إلى أن حيضها أكثر فترة الحيض، وطهرها ما جاوزه. وذهب الشافعية
(7)
والحنابلة
(8)
إلى التفريق بين من تميز دماها ومن جرى عليها دم واحد، فالأولى
(1)
«المَبسُوط» للسَّرَخْسِيِّ (3/ 156).
(2)
«التَّاج والإكْلِيل» للمَوَّاق (1/ 541).
(3)
«أسْنَى المَطَالِب» للأنصَارِيّ (1/ 105 - 106).
(4)
«المُغْنِي» لابن قُدامة (1/ 469 - 472).
(5)
«المَبسُوط» للسَّرَخْسِيِّ (3/ 156).
(6)
«المُنْتَقَى شَرح المُوَطَّأ» للباجِيّ (1/ 125).
(7)
«أسْنَى المَطَالِب» للأنصَارِيّ (1/ 105 - 106).
(8)
«المُغْنِي» لابن قُدامة (1/ 469 - 472).
حيضها ما كان زمن الأسود أو الثخين ما لم ينقص عن أقل الحيض، ولم يجاوز أكثره. والثانية تجلس عن الصلاة ونحوها أقل الحيض من كل شهر، حتى يتكرر ثلاثًا، فإذا تكرر قعدت من كل شهر غالب الحيض ستًا أو سبعًا.
وفي ثبوت العادة للمبتدأة يرى الجمهور من الحنفية
(1)
والمالكية
(2)
والظاهر عند الشافعية
(3)
أن العادة تثبت بمرة بينما تثبت عند الحنابلة بمرتين في وجه وثلاث في الأقوى
(4)
.
وأما المُتَحَيِّرَة، فإن خلافهم فيها لا ينحصر، ولذلك سماها البعض المُحَيَّرة. وقد ألزمها البعض - في بعض حالاتها - بما يكاد ألا يطاق، من التكليف بكل أحكام الطاهرات، مع عدم إسقاط احتمال كونها حائضًا، فهي قد تصوم كل رمضان وتقضيه كله لاستواء احتمالي الحيض والطهر، ومنعوها من كل ما تمتنع منه الحائض بما في ذلك معاشرة الزوج ما رأت الدم وشكت في مكان وعدد عادتها.
وليس تحرير الرأي الراجح في هذه المسائل مما سنُعنى به في بحثنا هذا لأن الخلاف في أكثرها لا يؤثر فيه تطور الطب، ولكنْ، قد تقدم أن الطب الحديث يستطيع أن يبين للمرأة إن كان دمها حيضًا بمعنى تساقط بطانة جدار الرحم أو دم علة، وإن هذا مما أنعم الله به على الناس وينبغي أن يستعان به لإنهاء الحيرة ورفع الخلاف في أحكام المُتَحَيِّرَة والمُبْتَدَأة ما امتهد إلى ذلك سبيل.
(1)
«المَبسُوط» للسَّرَخْسِيِّ (3/ 162).
(2)
«مَوَاهِب الجَلِيل» للحَطَّاب (1/ 369).
(3)
«أسْنَى المَطَالِب» للأنصَارِيّ (1/ 105 - 106).
(4)
«المُغْنِي» لابن قُدامة (1/ 469 - 472).
وليس هذا عجيبًا، فإن نساء الصحابة كن يبعثن إلى عائشة رضي الله عنها بالدِّرَجَة (أو الدُّرْجَة) فيها الكُرْسُف فيه الصُّفْرَة من دم الحيضة يسألنها عن الصلاة، فتقول لهن: لا تَعْجَلْنَ حتى تَرَيْنَ القَصَّةَ البَيضَاء
(1)
.
وفي فعلهن استعانة برأي الخبير، والعمل بالتمييز يعتبره كل الفقهاء وإن اختلفوا في قوته وترتيبه. والآن قول الطبيبة الثقة المعتمد على الفحوص لا ينزل عن مرتبة الظن الراجح المقارب لليقين ومن ثم ينبغي المصير إليه عند تيسره.
* * *
(1)
«مُوَطَّأ مالك» كتاب: الطهارة، باب طهر الحائض، حديث رقم (116)، وصححه الألبَانِيّ في «الإرواء» (1/ 218) رقم (198).