الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* ومستند عَطَاء رحمه الله ومن قال بالتسعة عشر: إن الشهر تسعة وعشرون يومًا، وأكثر الحيض عشرة أيام، فيبقى تسعة عشرة يومًا، والتعليل ضعيف كسابقه.
يظهر لنا مما سبق عدم وجود الدليل على التحديد فهل يمكننا معرفة ذلك بالاستقراء.
أولًا، هل من حاجة إلى تحديد أقل الطهر؟ الصحيح وجود الحاجة إلى ذلك، سيما في العدد والاستبراء، وقد صرح ابن حَزْم أن المرأة قد تنقضي عدتها في ساعة وهو لازم قوله بعدم تحديد أقل الطهر
(1)
.
ولكن لا يخفى أن هذا القول يفتح باب شر، وهو زواج المرأة وهي لا تزال حاملا من نكاحها الأول، وذلك لأنها مع حملها، تتساقط منها بعض دفعات من الدم، وهو معروف، فتعد كل دفعة حيضًا دون أن تدري بحملها. فإن قيل، فإن ذلك أيضًا مُتصوَّرٌ على قول من قال أقل الطهر خمسة عشر أو ثلاثة عشر يومًا، لكان الجواب، نعم ولكن احتمال ذلك هنا أقل بكثير من الأول.
•
رأي الطب وأثره على الترجيح:
أما من جهة الطب، فإن مدة الدورة الحيضية للمرأة لا يمكن أن تكون ساعة بل إنها إن قلت - كما ذكرنا - عن واحد وعشرين يومًا تعتبر حالة مرضية، وهي تنقسم إلى مرحلتين، مرحلة ما قبل التبويض، وهي من بداية الحيض إلى التبويض، وهي في الأغلب أربعة عشر يومًا، ومرحلة ما بعد التبويض إلى حصول الحيض وهي أربعة عشر يومًا كذلك، إلا أن المرحلة الأولى غير ثابتة، فقد تقل وتكثر، والثانية ثابتة إلى حد كبير، وربما زادت يومًا أو نقصت يومًا في المعتاد، ولكن في بعض الحالات قد تقل دون ذلك
(1)
«المُحَلَّى» لابن حَزْم (1/ 411 - 414).
أو تزيد فوق ذلك.
إن الطب لم يحسِم هذه المسألة، وهي بحاجة إلى المزيد من الدراسة، وقد ذكر الحاجة إلى المزيد من البحث الدكتور عمر سليمان الأشْقَر
(1)
حيث لم ينته الأطباء في ندوة الفقه الطبي الثالثة بالكويت (1407 هـ) إلى قول فصل في هذه المسألة.
إن الذي يظهر بالاستقراء أن قول الجمهور بالخمسة عشر يومًا والحنابلة بالثلاثة عشر هو الأقرب إلى الصواب، ويعسر الفصل بين هذين القولين وتحديد الأرجح منهما من جهة النقل. فإنه يمكن توجيه أثر شُرَيْح على أي من القولين مع الخلاف المعروف في أقل الحيض هل هو دفعة أو يوم وليلة. ولكن القول بالدفعة يترجح عندي، فيتوجه عندي تفسير قضاء شُرَيْح بكون أقل الطهر خمسة عشر والحيض دفعة.
• أما من جهة الطب، فعسر هذا التحديد يكمن - بالإضافة إلى عوامل أخرى - في أنه في بعض الحالات قد يستمر تساقط جدار الرحم بلا انقطاع وهذا حيض من جهة الطب ولا يكون كذلك من جهة الفقه، فينبغي من حد لأقل الطهر هنا مع كون الطب لا يرى فرقًا بين هذا الدم النازل في حال الطهر (الحكمي) ودم الحيض. ولكن قول الجمهور هو الأقرب كما بينا في المقدمة الطبية.
* * *
(1)
هو: عمر سليمان الأشْقَر، الفقيه الإصلاحي المحقق، عمل أستاذًا بكليات الشريعة بجامعات الكويت والأردن، له مصنفات جليلة كثيرة منها:«سلسلة العقيدة في ضوء الكتاب والسنة» ، و «مقاصد المكلفين» ، و «مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق» ، و «تاريخ الفقه الإسلامي، و «منهج الإفتاء عند ابن قيم الجَوْزِيّة دراسة وموازنة» .