الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرع: هل يجب القِصاص في الجناية على الجنين بعد نفخ الروح
؟
اختلف الفقهاء في وجوب القِصاص إذا تمت الجناية على الجنين بعد نفخ الروح فيه، فذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة وبعض المالكية
(1)
إلى أن الجناية على الجنين قتل خطأ لا يجب فيه القِصاص، فإن سقط ميتًا وجبت الغرة والكفارة - عند من قال بها - وإن سقط حيًّا ثم مات وجبت الدِّيَة كاملة.
وذهب الظاهرية
(2)
وبعض المالكية
(3)
وابن الجَوْزِيّ
(4)
من الحنابلة إلى أن الجناية على الجنين بعد نفخ الروح توجب القِصاص، وفي ذلك يقول ابن حَزْم رحمه الله:«فإن قال قائلٌ فما تقولون فيمن تعمدت قتل جنينها، وقد تجاوزت مائة ليلة وعشرين ليلة بيقين فقتلته، أو تعمد أجنبي قتله في بطنها فقتله؟ فمن قولنا أن القوَد واجب في ذلك ولا بد، ولا غرة في ذلك حينئذ إلا أن يعفى عنه فتجب الغرة فقط لأنها دية، ولا كفارة في ذلك لأنه عمد. وإنما وجب القوَد لأنه قاتل نفس مؤمنة عمدًا، فهو نفس بنفس وأهله بين خيرتين إما القود وإما الدِّيَة أو المفاداة كما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن قتل مؤمنا وبالله تعالى التوفيق»
(5)
.
(1)
انظر: «المَبسُوط» للسَّرَخْسِيِّ (26/ 88)، «الكَافِي» لابن عبد البَرّ (1/ 605)، «بلغة السالك» للصَّاوِيّ (4/ 192)، «الأُمّ» للشافعي (6/ 110)، «الوَسِيط» للغَزالِيّ (6/ 380)، «الكَافِي في فِقْه ابن حَنبَل» لابن قُدامة (4/ 85).
(2)
«المُحَلَّى» لابن حَزْم (11/ 31).
(3)
انظر «الكَافِي» لابن عبد البَرّ (1/ 605)، «بلغة السالك» للصَّاوِيّ (9/ 192).
(4)
انظر «أحكام النساء» لابن الجَوْزِيّ (ص 75).
(5)
«المُحَلَّى» لابن حَزْم (11/ 31).
ولعل من أسباب ذَهاب الجمهور إلى عدم وجوب القِصاص في قتل الجنين هو تعذر إثبات العمد في قتله، حتى وإن ضرب الجاني بطن أمه؛ قال ابن قُدامة رحمه الله:«والجناية على الجنين ليست تعمدًا لأنه لا يتحقق وجوده ليكون مقصودًا بالضرب»
(1)
.
ولكن ماذا يقال في عمليات الإجهاض التي يقوم بها الطبيب من غير عذر؟
إن وجود الجنين متحقق عن طريق الأشعة الصوتية وغيرها من علامات يقينية، والقصد إلى إزهاق روح الجنين متعمد مما لا يدع مجالا للشك. لذا فقد يحتمل هنا رجحان قول الظاهرية وبعض المالكية وابن الجَوْزِيّ من الحنابلة بوجوب القِصاص، ولكن المعارض سينفي تمام التماثل بين النفسين اللازم للقصاص
(2)
.
* * *
(1)
«المُغْنِي» لابن قُدامة (8/ 320).
(2)
لم يذهب إلى وجوب القصاص مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره السادس بجُدَّة حيث قضوا بأن على الطبيب الغرة من ماله - لأنها دون الثلث من الدية - إن تعمد الجناية على الجنين بدون إذن أمه، فإن سقط الجنين حيًّا ثم مات وجبت له الدية كاملة ويعزر الطبيب لخيانة الأمانة. قرار رقم: 54 (5/ 6) مجلة المجمع (ع 6 ح 3 ص 1739).