الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: أثر تطور الطب الشرعي على أدلة الإثبات
والعمل بالقرائن في القضاء الإسلامي
إنه مما ينبغي التأكيد عليه أولًا أن الوحي وعمل الرسول وأصحابه يقضي باعتبار القرائن، وأنه ليس من شيء في الوحي وعمل خير القرون يثبت بالقطع أن أدلة الإثبات تنحصر في وسائل بعينها.
ولما صارت الجرائم تتعدد وسائلها وطرقها، كان من فضل الله على الناس لإقامة العدل ونشر الأمن أن تتطور أدوات التحقيق الجنائي والإثبات في القضاء. ومن أهم هذه الوسائل الطب الشرعي الذي أدى تطوره الباهر إلى الكشف عن الكثير من الجرائم وحفظ الكثير من الحقوق.
إن عدم اعتبار هذه الوسائل النافعة في إقامة العدل في القضاء الإسلامي سيرجع علينا بالضرر في مجتمعاتنا لعدم القدرة على ردع الجناة الذين زادت حيلهم وتعددت وسائلهم.
وإنه من مضار ذلك التي لا ينبغي أن تغفل هو شماتة الأعداء بالإسلام وأهله وتشنيعهم على القضاء الإسلامي، ووصفه بالقصور عن تحقيق مصالح البلاد والعباد. وإن من أعظم الأضرار، بل أعظمها، تزهيد الحكام والسلاطين في القضاء الإسلامي إذا رأوا أنه لا يتعاطى مع الواقع الجديد، فينصرفون إلى وضع قوانينهم والحكم بسياساتهم دون الرجوع إلى الشريعة السمحاء. ولقد حدث ذلك في عصور غلب عليها التقليد والجمود، فانصرف الحكام إلى الحكم بالسياسة وتركوا الوحي المنزل. وهذا وايم الله الانسلاخ من الدين وخلع ربقته من الأعناق.
إن عدم اعتبار البصمة الوراثية في إثبات البنوة أو حتى جعلها كالقيافة لهو أمر ينبغي أن يراجع. إن جلد المغتصَبَة بالقذف ومني المغتصب في فرجها، والطب الشرعي يستطيع أن يؤكد نسبته إليه، لثُلْمة في جبين أهل الإسلام، يراها العدو فيشمت وأهل الملة فيتحسرون.
إن القول الذي ينبغي المصير إليه هو اعتبار القرائن والحكم بالدليل المادي وقول الخبير
(1)
، فإن غير ذلك لا يصلح لزماننا، وإن هذا لهو الأولى بمقاصد الشريعة، بل والأسعد حظًا بنصوص الوحيين.
(1)
مع التحوط في الحدود والقصاص - كما سبق - بدرء الحد والقود والحكم بالتعزير الملائم عند استعمال القرائن التي لم يجر العمل بها في القرون الخيرية.