الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحنابلة قد اختلفوا في حكمه وإن كان المذهب عدم الكراهة مطلقًا، ولكن كرهه منهم الآجُرِّي في «النصيحة» والتَّميمِيّ في «الفائق»
(1)
.
وهل المشمس بنفسه من غير قصد تشميسه مكروه عندهم؟ خلاف.
ذكر في «المَجْمُوع»
(2)
اعتبار القصد في الكراهة. وذكر ابن عَابِدِين عدم اعتباره
(3)
ونقله عن كتب الشافعية.
وهم يستثنون المشمس من ماء البرك والأنهار لصعوبة الاحتراز منه وعدم تأثير الشمس فيه
(4)
.
•
المناقشة والترجيح:
* استدل القائلون بكراهة الماء المشمس بالأدلة الآتية:
1 -
ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: «دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سخنت له الماء في الشمس فقال: لا تفعلي يا حميراء، فإنه يورث البرص»
(5)
.
والحديث شديد الضعف، وممن ضعفه من أهل العلم النَّوَوِيّ
(6)
الذي لم يحمله مذهبه على ترك الإنْصَاف والتجرد كما هي عادته رحمه الله. وضعفه كذلك ابن قُدامة في
(1)
«الإنْصَاف» للمِرداوِيِّ (1/ 24).
(2)
«المَجْمُوع» (1/ 133 - 135).
(3)
«رَدّ المُحتار» لابن عابِدِين (1/ 181).
(4)
«شَرح مُخْتَصَر خَلِيل» للخَرَشِيِّ (1/ 79).
(5)
البَيْهَقِيّ في «السُّنَن الكُبْرَى» كتاب الطهارة باب التطهير بالماء المسخن (1/ 6)، ضعفه.
(6)
«المَجْمُوع» (1/ 133 - 135).
المُغْنِي
(1)
وابن الجَوْزِيّ
(2)
في «التَّحْقِيق في أحَادِيثِ الخِلاف»
(3)
.
2 -
حديث أنس أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تغتسلوا بالماء الذي يسخن في الشمس فإنه يعدي من البرص»
(4)
.
وهذا أيضًا شديد الضعف لا تقوم به حجة، ولا يصلح للاعتبار، وقد ضعفه من أهل العلم ابن الجَوْزِيّ
(5)
وابن حَجَر
(6)
-رحمهما الله.
3 -
أثر عن عمر بن الخطاب
(7)
رضي الله عنه وآخر عن ابن عباس
(8)
رضي الله عنه بالنهي عنه.
كلاهما لا يصح، ولو صحا لم يكن فيهما حجة لاحتمال أن يكونا من قبيل الرأي.
4 -
ما ذكروه من ضرر طبي.
(1)
«المُغْنِي» لابن قُدامة (1/ 28).
(2)
هو: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجَوْزِيّ الحنبلي القُرشِيّ البَغْدَادِيّ، علامة عصره في التاريخ والحديث، كثير التصانيف، مولده سنة 508 هـ، ووفاته ببغداد سنة 597 هـ، له نحو ثلاث مائة مصنف منها:«الأذكياء وأخبارهم» ، و «مناقب عمر بن عبد العزيز» ، و «المدهش» ، و «تلبيس إبليس» ، و «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» ، و «صيد الخاطر». راجع ترجمته في:«وَفَيَات الأعْيَان» (3/ 140)، «السِّيَر» للذَّهَبِيّ (21/ 365)، «شَذَرَات الذَّهَب» (2/ 329).
(3)
«التَّحْقِيق في أحَادِيثِ الخِلاف» لابن الجَوْزِيّ (1/ 57).
(4)
رواه العُقَيْلِيّ. انظر «تَلْخِيص الحَبِير» (1/ 21)، وضعفه فيه ابن حَجَر، وقال في «الدراية» (ص 26):«واهٍ جدًّا» .
(5)
«التَّحْقِيق في أحَادِيثِ الخِلاف» لابن الجَوْزِيّ (1/ 60).
(6)
«تَلْخِيص الحَبِير» لابن حَجَر (1/ 21).
(7)
رواه الدَّارَقُطْنِيّ في كتاب الطهارة، باب كل طعام وقعت فيه دابة ليس لها دم (1/ 39). وضعفه غير واحد، انظر «إرْوَاء الغَلِيل» (1/ 54)، قال النَّوَوِيّ: ضعيف باتفاق المحدثين «المَجْمُوع» (1/ 133).
(8)
ذكره في «تَلْخِيص الحَبِير» لابن حَجَر (1/ 21)، وضعفه.
كما ذكر ذلك الخَرَشِيّ عن القَرَافِيّ في شرحه على «مُخْتَصَر خَلِيل»
(1)
، وذكر ابن عَابِدِين أنه قول بعض محققي الأطباء
(2)
، وأنكر الضرر الطبي ابن قُدامة في «المُغْنِي»
(3)
نقلًا عن الأطباء وكذلك النَّوَوِيّ في «المَجْمُوع»
(4)
.
ولعله قد ظهر من استعراض أدلة من ذهب إلى الكراهة أنها لا تقوم بها حجة، وأن الأمور على أصل إباحتها ما لم ينتهض دليل لنقلها إلى الكراهة أو التحريم.
• أما موقف الطب المعاصر من هذه القضية، فإن الأطباء لا يعرفون ضررًا للاغتسال أو الوضوء بالماء المشمس
(5)
.
أما شرب الماء المسخن في أواني الرصاص فربما يكون له ضرر طبي وهو ارتفاع نسبة الرصاص في الدم مما يؤدي إلى مضاعفات قد تؤثر مع تكرار ذلك على الجهاز الهَضْمِيّ والعظمي والعصبي
(6)
.
إن هذا أيضًا يصدق على آنية الصفر لاختلاطها بنسبة من الرصاص في أغلب الأحوال. وإن قول القَرَافِيّ رحمه الله بخروج هباء من الآنية وحلوله في الماء
(7)
لحسن دون قوله فإنه يورث البرص.
(1)
«شَرح مُخْتَصَر خَلِيل» للخَرَشِيِّ (1/ 79).
(2)
«رَدّ المُحتار» لابن عابِدِين (1/ 181).
(3)
«المُغْنِي» لابن قُدامة (1/ 28).
(4)
«المَجْمُوع» للنَّوَوِيّ (1/ 133 - 135).
(5)
نقلا عن «بحوث فقهية في مسائل طبية معاصرة» : (87) للدكتور علي محمد يوسف المحمدي، ينقل رأي الأطباء عن الدكتور خالد الأبياري استشاري الأمراض الجلدية بمستشفى حمد بدولة قطر.
(6)
Lee، Dean A & Hurwitz، Richard L.Childhood lead poisoning: Exposure and prevention.In: UpToDate، Rose، BD (Ed)، UpToDate، Waltham، MA، 2007.
(7)
«شَرح مُخْتَصَر خَلِيل» للخَرَشِيِّ (1/ 79).
• بناءً على ما تقدم فالذي يترجح هو إباحة استعمال الماء المشمس في الطهارة بإطلاق، وليس ذلك لأن الطب قد أثبت عدم ضرره، فليس هذا القول مما يتجاسر عليه إلا مغامر، ولكن ذلك لشدة ضعف الآثار المروية
(1)
ولعدم ثبوت ضرره طبيًّا، وقد أحسن الإمام الشافعي رحمه الله حيث قال:«ولا أكره الماء المشمس، إلا أن يكره من جهة الطب»
(2)
وحيث أنه لم يثبت بعد ضرره من جهة الطب، فالصواب هو القول بإباحة استعماله.
* * *
(1)
«إرْوَاء الغَلِيل» للألبَانِيّ (1/ 54).
(2)
ذلك للفرق الكبير بين عدم ثبوت الضرر وثبوت عدم الضرر.