الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
أقوال أهل العلم ومناقشتها:
(1)
.
وليس في كلام الشيخ زكريا الأنصَارِيّ
(2)
رحمه الله برهان من تدليل أو تعليل على أن البظر ينبغي قطع شيء منه، وليس البظر هو الذي يشبه عُرْف الدِّيك بل قلفته، فلعل هذا هو ما قصده وليس بمستغرب، فإنهم لم يقسموا البظر إلى أقسام، فعبروا عن قلفته بقولهم «شيء من البظر» .
ولقد قال النَّوَوِيّ رحمه الله في «المَجْمُوع» : «الواجب في المرأة قطع ما ينطلق عليه الاسم من الجلدة التي كعُرْف الدِّيك فوق مخرج البول، وصرح بذلك أصحابنا واتفقوا عليه. قالوا: ويستحب أن يقتصر في المرأة على شيء يسير ولا يبالغ في القطع»
(3)
.
(1)
«أسْنَى المَطَالِب» للأنصَارِيّ (4/ 164). وما بين الأقواس من كلام صاحب «رَوْض الطَّالِب» ، شرف الدين إسماعيل بن أبي بكر اليمني.
(2)
هو: أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصَارِيّ المِصْرِيّ الشافعي، شيخ الإسلام، قاضٍ مفسر، من حفاظ الحديث. ولد في شرقية مصر سنة 823 هـ، له تصانيف كثيره، منها:«شرح ألفية العِرَاقِيّ» ، «فتح العلام بشرح الإعلام بأحاديث الأحكام» ، «تنقيح تحرير اللباب» ، و «لب الأصول» اختصره من «جمع الجوامع» ، توفي رحمه الله سنة 926 هـ. راجع ترجمته في:«شَذَرَات الذَّهَب» (4/ 134)، «البدر الطالع» (1/ 252).
(3)
«المَجْمُوع» للنَّوَوِيّ (1/ 366).
فلم يذكر البظر واستعمل لفظ الجلدة وهو الأدق والمناسب لوصف القُلْفَة.
ولقد زاد الأمر إيضاحًا الشيخ الأنصَارِيّ نفسه حيث قال في «الغرر البهية» : «الختان (للأنثى) باسم القطع بمعنى مسماه كما عبر به الحاوي [يريد كتاب الحاوي للماوردي] أي: بما يسمى قطعا من اللحمة بأعلى الفرج فوق مخرج البول تشبه عُرْف الدِّيك، وإذا قطعت بقي أصلها كالنواة»
(1)
. والنواة التي تبقى إذا قطعت الجلدة التي كعُرْف الدِّيك هي البظر الذي لا يقطع منه شيء.
إذًا فالذي يظهر أن من قال بقطع شيء من البظر لم يقصد البظر في الحقيقة وإنما قصد الجلدة التي فوقه وهي ليست من البظر بل تعلوه، أما البظر فهو النواة التي تحتها. وسواء كانت هذه الجلدة تعد جزءًا من البظر في اصطلاح بعض الفقهاء أو لا، فإنها ليست كذلك تشريحيًّا ووظيفيًّا، ومهم أن تميز عنه لئلا يحصل الخلط والخطأ.
وجاء في «شَرح مُخْتَصَر خَلِيل» للخَرَشِيّ (المتن): «وحكمه [أي الختان] السنية في الذكور وهو قطع الجلدة الساترة، والاستحباب في النساء، ويسمى الخفاض، وهو قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج، ولا ينهك لخبر أم عطية: «اخْفِضِي ولا تُنهِكِي؛ فإنه أسْرَى للوَجْه وأحْظَى عند الزَّوج» أي لا تبالغي. وأسرى أي أشرق للونه، وأحظى أي ألذ عند الجماع؛ لأن الجلدة تشتد مع الذكر مع كمالها فتقوى الشهوة لذلك وإذا لم تكن كذلك فالأمر بالعكس»
(2)
.
لاحظ أنه ينبه على مراعاة الشهوة وأن حفظها مقصود، وكيف لا يكون اشتهاء الزوج مقصودًا ومن صفة نساء الجنة أنهن عرب، أي متوددات إلى أزواجهن. ثم إنه يصف اشتداد الجلدة، ويريد به انتصاب البظر أثناء الملاعبة والجماع، فإنه من المعلوم أن
(1)
«الغُرَر البَهِيَّة في شَرْح البَهْجَة الوَرْدِيَّة» للأنصَارِيّ (1/ 111).
(2)
«شَرح مُخْتَصَر خَلِيل» للخَرَشِيِّ (3/ 48).
البظر عضو لذة عند المرأة ينتصب كما ينتصب ذكر الرجل، وهو - كما بينا - مقابل له تشريحيًّا ووظيفيًّا وأصلهما في الجنين واحد. ولاحظ أيضًا قوله «أدنى جزء من الجلدة» وذلك مراعاةً لعدم الجور وقطع شيء من البظر، ولاحظ قوله «مع كمالها» .
ثم إن الخَرَشِيّ رحمه الله (الشارح) استشكل كون الشهوة، والتي أشار إليها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:«أحْظَى للزَّوْج» تحصل من اشتداد الجلدة مع كون الختان قطع جزء منها فقال: «(قوله أدنى جزء) أي أقل جزء (قوله ولا تنهكي) بفتح التاء وسكون النون وفتح الهاء (قوله مع كمالها) أي الجلدة أي إذا كانت الجلدة كاملة تشتد وتتقوى ولا يحصل فيها رخو فإن قلت إذا كانت تشتد مع الذكر مع كمالها فالأولى ترك الختان لأجل ازدياد القوة، قلت: الخفاض أمر تعبدي فيفعل ويتحصل بأدنى شيء»
(1)
.
لاحظ قوله ويتحصل بأدنى شيء، فهو يرى أن إبقاء الشهوة واللذة عند الجماع مما يحرص عليه، ولذا فهو ينصح بقطع أدنى شيء. ونحن سنبين - بعد قليل - أنه لا إشكال بحمد الله وأن الجزء المقطوع لا يؤثر على الشهوة الفطرية، بل قد يحفظها.
وذكر ابن القَيِّم أقوالا لأهل العلم في حد الختان في «تُحْفَة المَوْدُود» ، فقال: «وقال ابن الصَّبَّاغ
(2)
في «الشامل» : الواجب على الرجل أن يقطع الجلدة التي على الحَشَفَة حتى تنكشف جميعها، وأما المرأة فلها عذرتان: إحداهما بكارتها والأخرى هي التي يجب قطعها، وهي كعُرْف الدِّيك في أعلى الفرج بين الشفرين، وإذا قطعت يبقى أصلها
(1)
«شَرح مُخْتَصَر خَلِيل» للخَرَشِيِّ (3/ 48).
(2)
هو: أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد، المعروف بابن الصَّبَّاغ، فقيه شافعي، ولد سنة 400 هـ ببغداد وتوفي رحمه الله سنة 477 هـ بها. كانت الرحلة إليه في عصره، وتولى التدريس بالمدرسة النظامية أول ما فتحت، له من المؤلفات:«الشامل» في الفقه، و «تذكرة العالم» و «العدة» في أصول الفقه. راجع ترجمته في:«وَفَيَات الأعْيَان» (3/ 217)، «السِّيَر» للذَّهَبِيّ (20/ 167)، «طَبَقَات الشَّافِعِيَّة الكُبْرَى» (5/ 122)، «طَبَقَات الشَّافِعِيَّة» لابن قاضي شُهْبَة (2/ 251).
كالنواة
…
وقال الجُوَيْنِيّ
(1)
: القدر المستحق من النساء ما ينطلق عليه الاسم قال في الحديث ما يدل على الأمر بالإقلال قال: «أشِمِّي ولا تُنْهِكِي» أي اتركي الموضع أشم والأشم المرتفع، وقال الماوَرْدِيّ
(2)
:
…
وأما خفض المرأة فهو قطع جلدة في الفرج فوق مدخل الذكر ومخرج البول على أصل كالنواة ويؤخذ منه الجلدة المستعلية دون أصلها»
(3)
.
وهذا كلام نفيس من فقهائنا رحمهم الله وفيه التفريق بين الجلدة المقطوعة وأصلها المتروك الذي يشبه النواة، فإن علمت أن الجلدة المشار إليها هي قُلْفَة المرأة وهي توازي قُلْفَة الرجل
(4)
وأن النواة هي البظر وأنه يقابل الذكر عند الرجل، وأنه يترك كله
(1)
هو: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجُوَيْنِيّ، إمام الحرمين، الفقيه الأصولي النظار، من أعلم المتأخرين من أصحاب الشافعي، ولد في جُوَيْن سنة 419 هـ له مصنفات كثيرة منها:«غياث الأمم والتياث الظلم» ، و «البرهان» في أصول الفقه، و «نهاية المطلب في دراية المذهب» في فقه الشافعية، و «الورقات» في أصول الفقه، توفي رحمه الله بنَيْسابُور سنة 478 هـ. راجع ترجمته في:«السِّيَر» للذَّهَبِيّ (18/ 486)، «طَبَقَات الشَّافِعِيَّة الكُبْرَى» (5/ 165)، «طَبَقَات الشَّافِعِيَّة» لابن قاضي شُهْبَة (2/ 255).
(2)
هو: أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوَرْدِيّ، أقضى قضاة عصره، من العلماء الباحثين، أصحاب التصانيف الكثيرة النافعة، ولد في البصرة سنة 364 هـ، ووفاته رحمه الله ببغداد سنة 450 هـ، من كتبه:«أدب الدنيا والدين» ؛ و «الحاوي» ، و «الإقناع» كلاهما في فقه الشافعية، وغير ذلك. راجع ترجمته في:«طَبَقَات الفُقَهَاء» (1/ 138)، «طَبَقَات الشَّافِعِيَّة الكُبْرَى» (5/ 267)، «طَبَقَات الشَّافِعِيَّة» لابن قاضي شُهْبَة (2/ 230).
(3)
«تُحْفَة المَوْدُود» لابن القَيِّم (ص 191 - 192).
(4)
Pediatric and Adolescent Gynecology [Book] /auth.Emans S.Jean، Laufer Marc R and Goldstein Donald P .. - Philadelphia: Lippincott Williams & Wilkins، 2005. - Fifth.p. 60.
لا يقطع منه شيء - زال العجب وارتفع كل إشكال. فإن الختان من سنن الفطرة ومن تمام الطهارة
(1)
، وهذه الجلدة تجتمع تحتها إفرازات ضارة مثل تلك التي تجتمع تحت قُلْفَة الرجل ولكنها دونها
(2)
. وهذه الإفرازات تسمى اللخْن
(3)
وقد ثبَت ضررها في الرجال
(4)
والنواة أو البظر هو العضو المسؤول عن الشهوة، وهو لا يقطع منه شيء، فيكون القطع لتحصيل الطهارة في المقام الأول، وإن كانت له فوائد أخرى مترتبة على تحصيلها. ويكون ترك البظر للحفاظ على الشهوة واللذة عند الجماع.
بقي أن كثيرًا من أجلة علمائنا جعلوا تقليل الشهوة من أهم حِكَم الختان، ولم يذكروا غيرها. قال الإمام ابن تَيمِيَّة رحمه الله «مسألة: في المرأة هل تختن أم لا؟ الجواب: الحمد لله، نعم تختن، وختانها: أن تقطع أعلى الجلدة التي كعُرْف الدِّيك. قال رسول الله للخافضة - وهي الخاتنة: «أشمي ولا تنهكي؛ فإنه أبهى للوجه وأحظى لها عند الزوج» يعني: لا تبالغي في القطع، وذلك أن المقصود بختان الرجل تطهيره من النجاسة المحتقنة في القُلْفَة، والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها، فإنها إذا كانت قلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة. ولهذا يقال في المشاتمة: يا ابن القلفاء، فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال
(1)
من معاني الطهارة الشفاء، وفي الحديث «لا بَأْسَ طَهُورٌ إن شاء الله» رواه البخاري، كتاب المناقب باب علامات النبوة في الإسلام. وهو دعاء بالشفاء. وخصال الفطرة - ومنها الختان للجنسين - من الطهارة بمعناها العام، والذي تدخل فيه الطهارة التي هي شرط في صحة الصلاة وغيرها.
(2)
فناسب أن يكون التأكيد على ختان الرجال أكثر في الإسلام، فسبحان الذي لا يعزُب عن علمه شيء.
(3)
Smegma
(4)
Know the Facts About Circumcision [Journal] /auth.Wisewell Thomas E//Infections Diseases in Children. - Thorofare، NJ.USA: Slack Inc.، 20031 .
راجع أيضًا «الختان» للدكتور محمد علي البار (ص 75 - 102).
أكثر، ولهذا من الفواحش في نساء التتر، ونساء الإفرنج، ما لا يوجد في نساء المسلمين، وإذا حصل المبالغة في الختان ضعفت الشهوة، فلا يكمل مقصود الرجل، فإذا قطع من غير مبالغة حصل المقصود باعتدال والله أعلم»
(1)
.
والحق - كما بينا - أن الختان ليس من أجل تحجيم الشهوة الفطرية، وأن نساء المسلمين إنما عصمهن من الرذيلة وازع التقوى في نفوسهن.
ولقد بينت عند الكلام عن الناحية الطبية أن طول البظر
(2)
ليس له أثر هام في استدعاء الشهوة، وإنما يؤثر البظر في إمكانية وسرعة الوصول إلى الذُِروة متى بدأت مقدمات الجماع. وإن الختان الشرعي - الذي أصاب الإمام في تعريفه - قد يؤثر على الشهوة من ناحيتين:
1 -
منع الغُلْمَة المرضية الناتجة عن التهابات القُلْفَة عند حصولها. ومن المهم بيانه أن ذلك ينطبق على الرجل أيضًا، فإن هذه الالتهابات التي تصيب الحَشَفَة وما تحتها عند الرجل غير المختون تؤدي إلى إثارة رأس الذكر شديد الحساسية، ومن ثم إلى نوع من الشَّبَق المرضي كما هو الحال في المرأة. فلا فرق إذًا في حكمة الختان بين الرجل والمرأة إلا أن يقال إن تجمع البول تحت حَشَفَة الرجل بخلاف المرأة يجعل الختان آكد في حقه.
2 -
حفظ الشهوة الفطرية وتحسينها، سيما إذا كانت القُلْفَة متضخمة أو ضيقة. كما أقر بذلك عدد من الأطباء. بل ذهب الطبيب راثمان - كما سبق - إلى أن عدم الختان قد يؤدي إلى عدم تحصيل المرأة للذة الجماع، ومن ثم تكون هناك عواقب نفسية واجتماعية سيئة تصل إلى حد الطلاق.
(1)
«الفَتَاوَى الكُبْرَى» لابن تَيمِيَّة (1/ 51).
(2)
لم يقل الإمام ابن تَيمِيَّة رحمه الله هنا بقطع البظر أو شيء منه، بل أصاب في تعريف الجزء المقطوع.
أما قوله: «تقطع أعلى الجلدة التي كعُرْف الدِّيك» فصواب ودقيق، وهذه قُلْفَة البظر وقطعها من أجل الطهارة أيضًا كما هو الحال في الرجال، وإنما غاب هذا المعنى عن علمائنا لصغر حجمها، فلم يتخيلوا أنه يتراكم تحتها إفرازات ضارة، فبحثوا عن حكمة للختان فظن بعضهم أنه لتقليل الشهوة حصرًا. ونص الحديث:«أنْضَر للوَجْه وأحْظَى للزَّوْج» يفيد غير ما ذكروا-رحمهم الله.
ولنراجع حديث رسول الله ثانية حتى تطمئن نفوسنا لما اخترناه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للخاتنة: «اخفِضي ولا تُنْهِكي؛ فإنه أنْضَرُ للوَجْه وأحْظَى عند الزَّوْج»
(1)
. وفي روايات: «أشمي» .
والإشمام هو قطع الشيء اليسير جدًّا، قال ابن مَنْظُور:«وأَشَمَّ الحَجَّامُ الخِتانَ، والخافضةُ البَظْرَ: أَخذا منهما قليلا. وفي حديث النبي، أَنه قال لأُم عطية: «إِذا خَفَضْتِ فَأَشمِّي ولا تَنْهَكي؛ فإِنه أَضْوأُ للوَجْه وأَحْظَى لها عند الزَّوْج» قوله: ولا تَنْهكي: أَي لا تأْخذي من البَظْرِ كثيرًا، شبه القطع اليسير بإِشمام الرائحة، والنَّهْك بالمبالغة فيه، أَي اقطعي بعضَ النَّواةِ ولا تستأْصليها»
(2)
.
ونحن نوافق على ما ذكر أولًا ونختلف معه رحمه الله في قوله «والخافضة البظر» و «اقطعي بعض النواة» بل إن هناك جلدة فوق البظر وليست منه. وإنما تترك النواة
(1)
«الحاكم» كتاب المناقب، باب ذكر الضَّحَّاك بن قيس الأكبر (3/ 603)؛ و «سُنَن أبي دَاوُد» في الأدب، باب ما جاء في الختان (4/ 368). وحسنه ابن حَجَر في «هِدَايَة الرُّواة» (4/ 245) كما ذكر في المقدمة؛ والهَيْثَمِيّ في «مَجْمَع الزَّوَائد» (5/ 172)؛ وصححه الألبَانِيّ بطرقه في «صَحِيح الجَامِع» برقم 236؛ وضعفه أبو داود في سننه (4/ 368)؛ والعِرَاقِيّ في «تخريج الإحياء» (1/ 91)؛ وقال ابن المُلَقِّن في «البَدْر المُنِير» (8/ 749): يروى من طرق، ولكنه ضعفه. ولعل الصواب أنه حسن بمجموع طرقه وشواهده.
(2)
«لِسَان العَرَب» لابن مَنْظُور (12/ 326).
(البظر) كما ذكر ابن الصَّبَّاغ والماوَرْدِيّ وابن القَيِّم والأنصَارِيّ وتقطع الجلدة المستعلية عليها دونها.
ولعل المقصود من الإشمام كما ذكره ابن القَيِّم عن الجُوَيْنِيّ هو ترك موضع القطع عاليًا، واللغة تشهد له، جاء في «مختار الصحاح»:«والشَّمَمُ ارتفاع في قصبة الأنف مع استواء أعلاه، ورجل أشَمُّ الأنف وجبل أشم أي طويل الرأس بين الشمم فيهما»
(1)
.
وكل ذلك يؤيد ما ذكرناه من أن البظر لا يقطع، وأقوى معتمدنا هو قوله صلى الله عليه وسلم «أنضَرُ للوَجْهِ وأحْظَى عند الزَّوْج» فأي حظ للزوج في تقليل شهوة المرأة بقطع شيء من بظرها، بل إنها جراء ذلك قد تصاب بالبرودة الجنسية مما يسبب الكثير من المتاعب للزوجين، فلا هي حصلت لها اللذة المقصودة من الجماع، والتي تؤدي إلى وضاءة أو نضارة الوجه - كما جاء في الحديث - ولا الزوج حصل له الرضا بكونه قد كفى زوجته.
إن مراعاة حق المرأة في المتعة لمن العدل الذي أمرت به شريعتنا وحضت عليه؛ وإن الله قد قال {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] ففهم منها ابن عباس رضي الله عنه أن ذلك يشمل كل شيء حتى الزينة فقال رضي الله عنه: «إني أحب أن أَتزين للمرأة، كما أحب أَن تتزين لي المرأة؛ لأَن الله تعالى يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وما أحب أَن أستنظف [أي أستخلص] جميع حقي عليها؛ لأَن اللّه تعالى يقول: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228]»
(2)
.
بل إن الله قد علم المؤمنين من آداب الجماع أن يقدموا لأنفسهم بالملاعبة، والتي لها من الفوائد الجنسية والنفسية والعاطفية للمرأة - التي انتبهت إليها العلوم الطبية حديثًا - ما يجعل الإشارة إلى هذا الأمر، الذي ربما يظنه البعض غير ذي أهمية، في كتاب الله من إعجازه، وصدق الله القائل:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].
(1)
«مختار الصِّحَاح» للرَّازِيّ (1/ 146).
(2)
انظر «تفسير الطَّبَرِيّ» (2/ 453 - 454).