الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جماعة، وشرط جماعة اتصالها بالعادة، وذكر شيخنا [ابن تَيمِيَّة] وجهين؛ أحدهما ليست حيضًا مطلقًا، وعكسه»
(1)
.
قول السادة الظاهرية:
قال ابن حَزْم رحمه الله: «فصح بما ذكرنا أن الحيض إنما هو الدم الأسود وحده، وإن الحمرة والصُّفْرَة والكُدْرَة عرق وليس حيضًا، ولا يمنع شيء من ذلك الصلاة»
(2)
.
•
المناقشة والترجيح:
* أما الفريق الأول القائل بأن الصُّفْرَة والكُدْرَة يكونان حيضًا مطلقًا فاستدلوا:
1 -
بحديث عائشة رضي الله عنها: أن النساء كن يبعثن إليها بالدِّرَجَة فيها الكُرْسُف فيه الصُّفْرَة من دم الحيضة يسألنها عن الصلاة، فتقول لهن:«لا تَعْجَلْنَ حتى تَرَيْنَ القَصَّةَ البَيضَاء»
(3)
.
ووجه الدِّلالة أن عائشة رضي الله عنها كانت ترى الطهر هو خروج القطن أبيض لا أثر عليه من صُفْرَة أو غيرها، فيكون غير ذلك حيضًا.
وعورض هذا الاستدلال بما روي عن عائشة رضي الله عنها نفسها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة ترى ما يَرِيبُها بعد الطهر، قال:«إنما هي عِرْقٌ أو عُرُوقٌ»
(4)
.
ورواية عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوى من قولها، فإنه يحتمل أن يكون موقوفًا عليها،
(1)
«الفُرُوع» لابن مُفْلِح (1/ 273).
(2)
«المُحَلَّى» لابن حَزْم (1/ 384).
(3)
«مُوَطَّأ مالك» كتاب: الطهارة، باب طهر الحائض، حديث رقم (116)، وصححه الألبَانِيّ في «الإرواء» (1/ 218) رقم (198).
(4)
«سُنَن ابن مَاجَه» كتاب: الطهارة وسننها، باب ما جاء في الحائض ترى بعد الطهر الصفرة والكدرة، حديث (638)، وصححه الألبَانِيّ، انظر:«سُنَن ابن مَاجَه» بتحقيق مشهور (1/ 646).
ولكن الحديث يصلح لمعارضة من قال بأن الصُّفْرَة والكُدْرَة حيض مطلقًا دون من قال إنهما حيض في زمان الحيض دون غيره، لأن الحديث فيما تراه المرأة بعد الطهر، وهو ظهور القَصَّة (أو القُصَّة) البيضاء أو الجفوف.
2 -
واستدلوا بالقياس، فقالوا: لما كان السَّواد حيضًا وكانت الحمرة جزءًا من أجزاء السواد وجب أن تكون حيضًا، ولما كانت الصُّفْرَة جزءًا من أجزاء الحمرة وجب أن تكون حيضًا، ولما كانت الكُدْرَة جزءًا من أجزاء الصُّفْرَة وجب أن تكون حيضًا، ولما كان كل ذلك في بعض الأحوال حيضًا وجب أن يكون في كل الأحوال حيضًا
(1)
.
(2)
.
3 -
واستدلوا بقول أسماء رضي الله عنها مما رواه الدَّارِمِيّ وغيره عن محمد بن إسحاق عن فاطمة
(1)
«المُحَلَّى» لابن حَزْم (1/ 391).
(2)
«المُحَلَّى» لابن حَزْم (1/ 392).
(1)
.
وأجيب عليه بأنه فهم لأسماء رضي الله عنها خولفت فيه من قِبَل عائشة وأم عطية.
* أما أصحاب القول الثاني وهو أنهما ليستا حيضًا مطلقًا فاستدلوا بالأدلة الآتية:
1 -
قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ دَمَ الْحَيْضِ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلاةِ وَإِذَا كَانَ الآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي»
(2)
.
ووجه الدلالة: أن دم الحيض أسود فكل دم غيره ليس بحيض ومن باب أولى كل سائل ليس دمًا فليس بحيض.
وأجيب عليه بأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه.
2 -
قول أم عطية رضي الله عنها وقد صحِبَت الرسول صلى الله عليه وسلم: «كنا لا نعُدُّ الكُدْرَة والصُّفْرَة شيئًا»
(3)
، وجاءت رواية عند أبي داود بزيادة: «
…
بعد الطُّهر شيئًا»
(4)
، وعند الدَّارِمِيّ: «
…
بعد الغسل»
(5)
.
(1)
«سُنَن الدَّارِمِيّ» كتاب الطهارة، باب الطهر كيف هو، رقم (849)؛ وانظر «المُغْنِي» لابن قُدامة (1/ 203).
(2)
«سُنَن النَّسَائيّ» كتاب الحيض والاستحاضة، الطهارة، باب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة، رقم (360)؛ وصححه النَّوَوِيّ في «المَجْمُوع» (2/ 397)، الألبَانِيّ، انظر: النَّسَائيّ، بتحقيق مشهور، برقم (362).
(3)
«صَحِيح البُخَارِيّ» كتاب الحيض، باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض، حديث رقم (315).
(4)
«سُنَن أبي دَاوُد» كتاب الطهارة، باب في المرأة ترى الكدرة والصفرة بعد الطهر (1/ 83)، سكت عنه. وصححه الألبَانِيّ بالزيادة، انظر «سُنَن أبي دَاوُد» بتحقيق مشهور، رقم (306).
(5)
«سُنَن الدَّارِمِيّ» كتاب الطهارة، باب الكدرة إذا كانت بعد الحيض رقم (853، 854).
وبهذه الزيادات يصلح الحديث للرد على من عد الصُّفْرَة والكُدْرَة حيضًا مطلقًا، ولكنه يقف دون إثبات أنهما ليستا حيضًا مطلقًا، فقد يتمسك أصحاب القولين الثالث والرابع بأن الحديث يمكن جمعه مع حديث عائشة بأن يقال بأن الصُّفْرَة والكُدْرَة حيض في زمان الحيض وليستا كذلك في غير زمانه.
* أما أصحاب القولين الثالث والرابع وهم القائلون بأن الصُّفْرَة والكُدْرَة حيض في زمان الحيض وطهر في زمان الطهر فإنهم قد استدلوا بالأدلة الآتية:
1 -
أمر عائشة رضي الله عنها النساء ألا يعجَلْن حتى يرَيْن القَصَّة البيضاء.
ووجه الدلالة: أن كل ما يكون من صُفْرَة أو كُدْرَة متصلة بالحيض تعد حيضًا.
2 -
تقييد أم عطية لعدم الاعتداد بالصُّفْرَة والكُدْرَة بأن ذلك بعد الطهر أو بعد الغسل، فيدل بدليل المخالفة أنهما يعتد بهما حيضًا قبل ذلك.
3 -
الإعمال أولى من الإهمال، وبهذا القول نعمل حديثي عائشة وأم عطية كليهما.
4 -
الآثار التي تعضد هذا القول عن أهل العلم كعلي
(1)
والحسن
(2)
(3)
ومحمد بن الحنفية
(4)
(5)
. وكلها ذكر فيها أن المرأة إذا رأت الصُّفْرَة والكُدْرَة بعد الطهر أو الغسل فإنها تغسلها وتتوضأ وتصلي.
ثم إن أهل هذا القول اختلفوا في الصُّفْرَة والكُدْرَة تراهما قبل الحيض أو تراهما المُبْتَدَأة هل يعدان حيضًا؟
* فذهب أبو يوسف وأبو ثَور إلى أنهما لا يعدان حيضًا ما لم يسبقهما دم.
* وقال أبو حنيفة ومحمد وجمهور الحنابلة بأنهما يعدان حيضًا سواءٌ سبقا بدم أم لا ما داما في زمان الحيض.
(1)
«سُنَن الدَّارِمِيّ» كتاب الطهارة، باب الكدرة إذا كانت بعد الحيض رقم (857، 861).
(2)
هو: أبو سعيد الحسن بن أبى الحسن يسار البَصْرِيّ، الأنصَارِيّ، مولاهم، مولى زيد بن ثابت، ويقال مولى جابر بن عبد الله، من أئمة وأعيان التابعين، ثقة فقيه فاضل مشهور، كان كبير الشأن، رفيع الذكر، رأسًا فى العلم والعمل، توفي رحمه الله سنة 110 هـ راجع ترجمته في:«طَبَقَات الفُقَهَاء» (1/ 91)، «وَفَيَات الأعْيَان» (2/ 69)، «السِّيَر» للذَّهَبِيّ (4/ 563).
(3)
«سُنَن الدَّارِمِيّ» كتاب الطهارة، باب الكدرة إذا كانت بعد الحيض رقم (854).
(4)
هو: أبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي القُرشِيّ، المعروف بابن الحَنَفِيَّة نسبة لأمه خولة بنت جعفر الحنفية وكانت من سبي بني حنيفة، أعطاها الصديق لأبيه رضي الله عنه. ولد في المدينة سنة 21 هـ، وكان أحد الأبطال الأشداء في صدر الإسلام، واسع العلم، ورعًا تقيًا، طاهرًا نقيًا، وكان أسود اللون، وأخبار قوته وشجاعته كثيرة، توفي رحمه الله في المدينة سنة 81 هـ، وقيل في الطائف راجع ترجمته في:«شَذَرَات الذَّهَب» (1/ 88)، «وَفَيَات الأعْيَان» (4/ 169)، «السِّيَر» للذَّهَبِيّ (4/ 110).
(5)
«سُنَن الدَّارِمِيّ» كتاب الطهارة، باب الكدرة إذا كانت بعد الحيض رقم (855).