الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
لا يجوز إسقاط الحمل إذا كان علقة أو مضغة حتى تقرر لجنة طبية موثوقة أن استمراره خطر على سلامة أمه بأن يخشى عليها الهلاك من استمراره، فجاز إسقاطه بعد استنفاد كافة الوسائل لتلافي تلك الأخطار.
4 -
بعد الطور الثالث، وبعد إكمال أربعة أشهر للحمل لا يحل إسقاطه حتى يقرر جمع من الأطباء المتخصصين الموثوقين أن بقاء الجنين في بطن أمه يسبب موتها، وذلك بعد استنفاد كافة الوسائل لإنقاذ حياته. وإنما رخص الإقدام على إسقاطه بهذه الشروط دفعًا لأعظم الضررين وجلبًا لعظمى المصلحتين. ويوصي المجلس بتقوى الله والتثبت في هذا الأمر. والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم»
(1)
.
لجنة الفتوى بالكويت:
أما لجنة الفتوى بالكويت فذكرت مثل ذلك إلا أنها وسعت في مسوغات الإسقاط لتشمَلُ التراضي بين الزوجين في الأربعين الأولى والتشوه البدني الجسيم فيما دون المائة والعشرين
(2)
.
والملاحظ من كل هذه الآراء أنها متأثرة بكون نفخ الروح يكون بعد مائة وعشرين يومًا من الإخصاب، حتى أن من ذهب إلى منع الإسقاط في كل الأطوار لم ينكر أن الحكم يختلف بين ما كان منه دون المائة والعشرين وما بعدها، ولقد بين ذلك الإمام الغَزالِيّ - وهو أحد المانعين - حيث ذكر الرَّملِيّ في «نهاية المُحْتاج»: «وقد أشار الغَزالِيّ إلى هذه المسألة في الإحياء فقال بعد أن قرر أن العزل خلاف الأولى ما حاصله: وليس هذا كالاستجهاض والوأد لأنه جناية على موجود حاصل، فأول مراتب الوجود وقوع النطفة في الرحم، فيختلط بماء المرأة، فإفسادها جناية؛ فإن صارت علقة أو مضغة
(1)
قرار هيئة كبار العلماء السعودية رقم 140 وتاريخ 20/ 6/1407 بشأن الإجهاض.
(2)
قرار لجنة الفتوى بالكويت بتاريخ 29/ 9/1984 م. نقلا من «الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها» (ص 128).
فالجناية أفحش؛ فإن نفخت الروح واستقرت الخلقة زادت الجناية تفاحشا. ثم قال: ويبعد الحكم بعدم تحريمه، وقد يقال أما حالة نفخ الروح فما بعده إلى الوضع فلا شك في التحريم، وأما قبله فلا يقال إنه خلاف الأولى بل محتمل للتنزيه والتحريم، ويقوى التحريم فيما قرب من زمن النفخ لأنه حريمه»
(1)
.
وظاهر حديث ابن مسعود رضي الله عنه هو العمدة في التفريق بين ما دون المائة والعشرين وما بعدها، فإن من ذهب إلى جواز الإسقاط قبل المائة والعشرين إنما استدل بعدم نفخ الروح، ومن ثم عدم بداية الحياة الإنسانية وعدم الآدمية. كذلك فإن حديث ابن مسعود رضي الله عنه والذي يفيد ظاهره أن مرحلة النطفة تستمر أربعين يومًا هو مُعتمَد من فرق بين ما دون الأربعين وما بعدها، فإن النطفة عندهم كمني الرجل لا خلق فيها يُحتَرَم وهي لم تنعقد كما جاء في حديث رواه الإمام أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه وفيه: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إن النُّطْفَةَ تَكُونُ في الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا على حَالِهَا لَا تَغَيَّرُ فإذا مَضَتِ الأَرْبَعُونَ صَارَتْ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً كَذَلِكَ ثُمَّ عِظَامًا كَذَلِكَ، فإذا أَرَادَ الله أَنْ يُسَوِّيَ خَلْقَهُ بَعَثَ إِلَيْهَا مَلَكًا فيقول الْمَلَكُ الذي يَلِيهِ أي رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى أشقي أَمْ سَعِيدٌ أَقَصِيرٌ أَمْ طَوِيلٌ أَنَاقِصٌ أَمْ زَائِدٌ؛ قُوَّتُهُ وَأَجَلُهُ أَصَحِيحٌ أَمْ سَقِيمٌ؛ قال فَيُكْتَبُ ذلك كُلُّهُ فقال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَفِيمَ الْعَمَلُ إِذًا وقد فُرِغَ من هذا كُلِّهِ قال اعْمَلُوا فَكُلٌّ سَيُوَجَّهُ لِمَا خُلِقَ له»
(2)
.
والحديث بهذا اللفظ لا يصح
(3)
ولو صح فليس من دليل على التفريق بين ما تغير وما لم يتغير عند من قال بالمنع، وهؤلاء استدلوا على أن اسم الجنين هو لما كان في بطن المرأة الحامل، وقد أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إسقاط الجنين غرة، فقد روى الشيخان من
(1)
«نهاية المُحْتاج» للرَّمْلِيّّ (8/ 442).
(2)
«مُسْنَد أحمَد بن حَنْبَل» (1/ 374).
(3)
ذكر الحافظ في الفتح ضعف السند وانقطاعه. «فَتْح البَارِي» (11/ 48).
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «قَضَى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم في جَنِينِ امْرَأَةٍ من بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أو أَمَةٍ»
(1)
.
وإيجاب الغرة يدل على الإثم وأن للجنين حرمةً. وأقوى الأجوبة هو التفريق بين ما كان تعديًا وما كان باتفاق الزوجين.
تبين مما سبق أن لحديث ابن مسعود رضي الله عنه أهمية عظيمة في هذا الباب، ولقد أشكل الحديث على العلماء من قبل وحاولوا جمعه مع بقية الأدلة، بل ومع الحِسِّ، فكانت لهم في ذلك مذاهبُ شتى. فلما تقدمت المعارف الطبية وظهر التعارض جليًّا بين ظاهر الحديث، وعلى الأخص رواية زيد بن وَهْب عن ابن مسعود في البخاري، وتلك المعارف الحديثة، تجدد النقاش حول الحديث، وظهر خلافٌ كثيرٌ حول بداية الآدمية أو الحياة الإنسانية، وذهب الناس في ذلك مذاهبَ شتى. فمن قائل إنها تبدأ عند الإخصاب، ومن قائل إنها تبدأ عند الأربعين أو الثمانين، وتمسك الأكثر من الفقهاء بظاهر حديث ابن مسعود رضي الله عنه من أن الآدمية تبدأ بعد المائة والعشرين. وهذه الأقوال المختلفة لها سند في الطب، وليس منها ما له سند في الشرع - فيما أرى - إلا قولان وهما القول بالأربعين وبالمائة والعشرين.
وفي المطلب القادم نعرض هذه الأقوال ونناقش أدلتها مع استصحاب المعارف الطبية الحديثة أثناء النقاش.
(1)
«صَحِيح البُخَارِيّ» كتاب الفرائض، باب ميراث المرأة والزوج مع الولد وغيره (6/ 2478)«صَحِيح مُسْلِم» في القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب دية الجنين (3/ 1309).