الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: أثر تطور المعارف الطبية على الفتوى بشأن التدخين
قد ظهر لنا من استعراض أقوال الفقهاء المتقدمين الذين ناقشوا هذه المسألة في القرنين الحادي عشر والثاني عشر أن خلافهم كان محوره حول حصول الضرر من التدخين، فمن أحله أو كرهه ادعى أنه لا ضرر منه وإن كان ثم فهو مختص ببعض المدخنين دون بعض.
ولقد أثبت الطب أن ضرره البالغ ليس يصيب فقط المدخن بل من حوله حتى أن زوجة المدخن يزيد معدل إصابتها بسرطان الرئة ستة أضعاف عن زوجة غير المدخن وكلتاهما لا تدخنان
(1)
.
فهل بقي بين الفقهاء من ينكر ضرر التدخين البالغ، فإن لم يكن، فهل يمكن القول بغير الحرمة والله تعالى يقول:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157].
ويقول: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195].
{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا ضَرَرَ ولا ضِرَار»
(2)
.
(1)
«الموسوعة الطبية الفقهية» لأحمد كنعان (ص 182).
(2)
حديث شريف وأيضًا قاعدة فقهية كلية: «سُنَن ابن مَاجَه» كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره (2/ 784)، «المُسْتَدْرَك على الصَّحِيحَيْن» كتاب البيوع (2/ 66). ورواه أيضًا مالك في «المُوَطَّأ» ، وأحمد في «المسند» ، والبَيْهَقِيّ في «الكُبْرَى» وآخرون. وحسنه النووي في «الأربعين» ، وصححه الألبَانِيّ لكثرة طرقه. انظر «الإرواء» برقم 896 و «سُنَن ابن مَاجَه - بتحقيق مشهور» برقم (2340)، «صَحِيح الجَامِع» برقم 7517. والحديث، وإن تكلم البعض في سنده، إلا أن سنده محتمل للتحسين، وعَمَلُ الفقهاء عليه، ونصوص الوحيين شاهدة له، بل يشهد له دين الإسلام كله.
أو ليس من السفه أن ينفق المرء ماله في إهلاك نفسه وإضعاف بدنه، والله يقول:
{وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].
أوليس من العدوان أن يعرض المرء زوجته وأولاده بل ومجتمعه لأخطار الدخان الذي يشربه والله يقول: {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].
حتى إن المدخن ليس يؤذي من حوله من الإنس فحسب بل إنه يؤذي الملائكة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من أَكَلَ من هذه الْبَقْلَةِ الثُّومِ -وقال مَرَّةً-: من أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فإن الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى منه بَنُو آدَمَ»
(1)
.
فكيف يرضى المسلم لنفسه أن يقع في فخ الشيطان وأعداء الإنسانية الذين يجمعون الثروات الطائلة من هذه التجارة الخبيثة على أشلاء الخلق ودون مراعاة لمعاناتهم.
ولقد ساءني مقال قرأته في إحدى الصحف الأمريكية يدافع عن صناعة التبغ وينصح مؤلفه بزيادة التوعية ضد التدخين وأن تبقى مصانع التبغ على حالها لتصدر السجائر إلى بلاد أخرى!
(2)
فهل آن وقت الإفاقة.
* * *
(1)
«صَحِيح مُسْلِم» كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها (1/ 395).
(2)
لا بد من الإشارة إلى أن هذا الفكر الشائن خاص بصاحبه وأمثاله لا بكل الأمريكان، وكان التنبيه على ذلك لأننا أمة إنصاف.
الفصل الثاني: الاستمناء