الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: آراء الفقهاء في عدة من انقطع أو تباعد حيضها
من انقطع أو تباعد حيضها نوعان عند الفقهاء:
1 -
النوع الأول من انقطع أو تباعد حيضها برضاع أو علة تعرف كمرض يرجى برؤه
.
2 -
النوع الثاني من انقطع أو تباعد حيضها لعلة لا تعرف.
النوع الأول: من انقطع أو تباعد حيضها برضاع أو علة تعرف كمرض يرجى برؤه:
أما النوع الأول: فإنه قد نقل الإجماع
(1)
على أنها تتربص أقراءها مهما طال زمان ذلك، ولا يخفى أنها إن كانت ترضع، فيمكن لها أن تطلب لابنها مرضعًا غيرها حتى تعود حيضاتها إن كانت حريصة على انتهاء عدتها.
ولكن ما بال التي مرضت أو مختلفة الأقراء
(2)
التي تحيض مرة كل سنة، هل يصح نقل الإجماع على اعتدادها بالأقراء. إن الإمام ابن قُدامة يقول:«فإن كانت عادة المرأة أن يتباعد ما بين حيضتيها، لم تنقض عدتها حتى تحيض ثلاث حيض، وإن طالت؛ لأن هذه لم يرتفع حيضها، ولم تتأخر عن عادتها، فهي من ذوات القروء، باقية على عادتها، فأشبهت من لم يتباعد حيضها. ولا نعلم في هذا مخالفا»
(3)
.
(1)
«فإن كانت عادة المرأة أن يتباعد ما بين حيضتيها، لم تنقض عدتها حتى تحيض ثلاث حيض، وإن طالت، لأن هذه لم يرتفع حيضها، ولم تتأخر عن عادتها، فهي من ذوات القروء، باقية على عادتها، فأشبهت من لم يتباعد حيضها. ولا نعلم في هذا مخالفا» . «المُغْنِي» لابن قُدامة (8/ 90).
(2)
التي قد تحيض اليوم وبعد شهر ثم ينقطع حيضها سنة ثم تحيض ويعاودها الحيض بعد شهرين، وهكذا فلا عادة لها.
(3)
«المُغْنِي» لابن قُدامة (8/ 90).
ولكن الإمام ابن حَزْم، وقد ذهب إلى ما ذهب إليه ابن قُدامة من ترجيح أنها تعتد بالأقراء مهما طال الزمان قد نقل في «المُحَلَّى» ما يأتي:
* عن سعيد بن المُسَيَّب قال: إذا كانت في الأشهر مرة - يعني الحيض - فعدتها سنة
عن جابر بن زيد قال: إذا كانت تحيض في كل سنة مرة يكفيها ثلاثة أشهر
(1)
.
وظاهر هذه الأقوال أنها في صاحبة العادة، وأما مختلفة الأقراء فالخلاف فيها أكثر، ففي «المُحَلَّى»:
* عن طاووس
(2)
قال: إذا كانت تحيض حيضا مختلفا أجزأ عنها أن تعتد ثلاثة أشهر
عن عِكْرِمَة قال: إذا كانت تحيض حيضا مختلفا فإنها ريبة عدتها ثلاثة أشهر، قال قَتَادَة: تعتد المستحاضة ثلاثة أشهر
(3)
.
إن المذاهب الأربعة تتفق على أن صاحبة الأقراء التي عادتها تباعد أقرائها فإنها تعتد بهذه الأقراء مهما طال الزمن
(4)
ولكن من الإنْصَاف بيان وقوع الخلاف في الصدر الأول بهذا الشأن، وأنه كان أكثر في مختلفة الأقراء؛ أما المريضة بمرض يعرف ويرجى برؤه فلا
(1)
«المُحَلَّى» لابن حَزْم (3/ 183).
(2)
هو: أبو عبد الرحمن طاووس بن كَيْسَان الخَوْلانِيّ الهَمْدانِيّ، من أكابر التابعين، تفقها في الدين ورواية للحديث، وتقشفا في العيش، وجرأة على وعظ الخلفاء والملوك؛ أصله من الفرس، ومولده في اليمن سنة 33 هـ، ومنشؤه بها وتوفي حاجًا بالمزدلفة أو بمنى سنة 106 هـ، وكان هشام بن عبد الملك حاجًا تلك السنة، فصلى عليه. راجع ترجمته في:«طَبَقَات الفُقَهَاء» (1/ 65)، «وَفَيَات الأعْيَان» (2/ 509)، «السِّيَر» للذَّهَبِيّ (5/ 38)، «شَذَرَات الذَّهَب» (1/ 133).
(3)
المصدر السابق.
(4)
انظر «المُغْنِي» لابن قُدامة (8/ 90)؛ و «بَدَائع الصَّنَائع» للكَاسَانِيّ (3/ 195)؛ و «التَّاج والإكْلِيل» للمَوَّاق (4/ 143)؛ و «الأُمّ» للشافعي (5/ 211)؛ و «مختصر الخرقي» (1/ 110).
تذكر الموسوعة الفقهية الكويتية في حقها خلافًا، وتذكر أنها تعتد بالأقراء وجوبًا مهما طالت
(1)
. ثم ذكرت الخلاف فيمن ارتفع حيضها دون علة تعرف.
(2)
.
فهم لا يفرقون بين مرض يرجى برؤه وآخر لا يُرجَى برؤه ومرض يعرف وآخر لا يعرف
(3)
. والاعتداد بالسنة في حال المرض هو الأقوى عندهم وهو اختيار مالك وأَصبَغ وابن القاسم
(4)
بخلاف أشْهَب الذي رأى أنها تعتد بالأقراء
(5)
.
إذًا فحاصل هذه الأقوال أن من ارتفع حيضها لسبب معروف ثلاثة أنواع:
1 -
من كانت عادتها تباعد الحيض، فيكادون يتفقون على أنها تعتد بالأقراء إلا بعض ما روي عن بعض السلف كما تقدم.
2 -
المرضع، ولم أجد تصريحًا لأحد من أهل العلم بأنها تعتد بغير الأقراء.
3 -
المريضة بمرض معروف يرجى برؤه، وفيها الخلاف عن المالكية، والجمهور أنها تتربص أقراءها.
وسنؤجل ذكر الأدلة إلى ما بعد الكلام عن النوع الثاني ممن انقطع حيضهن.
(1)
«المَوْسُوعَة الفِقْهِيَّة» (29/ 329).
(2)
«مِنَح الجَلِيل» للشيخ عُلَيش (4/ 299).
(3)
انظر أيضًا: «التَّاج والإكْلِيل» للمَوَّاق (4/ 143)، «الفواكه الدواني» للنَّفْرَاوِيّ (2/ 58)، «شَرح مُخْتَصَر خَلِيل» للخَرَشِيِّ (4/ 139).
(4)
«تفسير القُرْطُبِيّ» (18/ 164)، «التَّاج والإكْلِيل» للمَوَّاق (4/ 143).
(5)
«التَّاج والإكْلِيل» للمَوَّاق (4/ 143).