الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جنينها، والجواب أن الجمهور قالوا بخلافه. وبمنع بعضهم من شق بطنه لاستخراج ماله أو مال غيره الذي أذن له بابتلاعه، والجواب أن مصلحة حفظ المال ليست كمصلحة حفظ الأرواح وأن المال لو كان كثيرًا فالأرجح شق بطنه لاستخراجه كما سنبين.
6 -
واستدلوا من المعقول بأن الشريعة الإسلامية حضت على إكرام الميت بتغسيله وتطييبه وتكفينه ودفنه، وفي التشريح من تأخير أو تجاوز ذلك ما لا يتفق مع مراد الشارع.
*
أدلة المبيحين:
أما المبيحون فقد استدلوا:
1 -
بالمتقرر في علم الأصول وفي القواعد الفقهية من أن الضرورات تبيح المحظورات.
2 -
دفع الضرر الناشئ عن إهمال تعلم التشريح وتخلف علم الجراحة عند المسلمين وكذلك ضياع الحقوق عند ترك التشريح للتحقيق الجنائي.
وقد يجاب على ذلك بأن الضرر لا يزال بالضرر، والجواب على هذا الاعتراض بأن الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف والعام بالخاص. ونحن هنا أمام مفسدتين: الأولى: ترك علم التشريح بما يعنيه ذلك من تخلف في علوم الطب المؤسسة على علم التشريح سيما الجراحة الطبية، وهذا بدوره يؤدي إلى فساد في الأنفس والأبدان، فإنه لا يخفى ما حققه التقدم في علم الجراحة من نفع للبشرية وإنقاذ لأرواح كثير من المرضى بإذن الله تعالى.
والمفسدة الثانية هي: تشريح جثث الموتى بما فيه من انتهاك حرمتهم وإيذاء أهلهم، ولقد رأى المبيحون أن هذه المفسدة دون المفسدة الأولى.
3 -
واستدلوا
(1)
بأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ومعلوم أن تعلم الجراحة من الواجبات الكفائية ذات الأهمية العظيمة.
وقد يجاب بأن الحاجة تندفع بالأجسام البلاستيكية أو جثث الكفار. ولا شك عند الأطباء أن الأجسام البلاستيكية ليست تفي بالغرض إلى الآن. أما الاستغناء بجثث الكفار
(2)
فليس متيسرًا، ولا أظن أن بلدًا من البلدان الإسلامية يمكن أن تُضمِّن هذا في تشريعاتها. كما أنه ليس يسلم لأصحاب هذا القول أن كل كافر يجوز تشريح جثته لأنه مستثنى من أدلة المنع، بل الكافر المعصوم في حياته لا يستثنى من أدلة المنع
(3)
.
4 -
واستدلوا
(4)
بجواز شق بطن الحامل لاستخراج جنينها الحي.
ويجاب بالمنع في حكم الأصل فإنه مختلف فيه. ولا يلزم القياس من وافق في الأصل للفارق، وهو أن الشق لانتزاع جنين حي إنما هو لضرورة متحققة. ويجاب بأن الضرورة التي تغلب على الظن كضرورة تعلم الجراحة عن طريق التشريح
(1)
«مدى مشروعية الانتفاع بأعضاء الآدمي حيًا أو ميتًا في الفقه الإسلامي» (ص 41). لعبد المطلب حمدان الدكتور بقسم الفقه العام، كلية الشريعة والقانون، جامعة الأزهر، و «فقه القضايا الطبية المعاصرة» للقره داغي والمحمدي (ص 521)، و «أحكام الجراحة الطبية» للشِّنْقِيطِيّ (ص 173)، و «جامع الفَتَاوَى الطبية» لعبد العزيز بن عبد المحسن (ص 409).
(2)
«أحكام الجراحة الطبية» للشِّنْقِيطِيّ (ص 177).
(3)
«فتاوى إسلامية» (2/ 62). فتوى للشيخ ابن باز، منع فيها من تشريح جثة المعصوم مسلمًا كان أو كافرًا.
(4)
«حكم تشريح الإنسان بين الشريعة والقانون» لعبد العزيز القصار (ص 37)، و «فقه القضايا الطبية المعاصرة» للقره داغي والمحمدي (ص 521)، «أحكام الجراحة الطبية» للشِّنْقِيطِيّ (ص 171)، و «جامع الفَتَاوَى الطبية» لعبد العزيز بن عبد المحسن (ص 408).
أقرب إلى المتحققة منها إلى المتوهمة، فلزم القياس من وافق في حكم الأصل وهم الجمهور
(1)
.
5 -
واستدلوا بجواز نبش القبر لاستخراج الكفن المغصوب.
وأجيب بأنه ليس في ذلك من الإيذاء مثل ما في التشريح. ولكن النبش نوع إهانةٍ جاز للمصلحة.
واستدلوا بجواز شق بطنه لاسترداد مالٍ مغصوبٍ ابتلعه
(2)
.
وأجيب بأنه ارتكب من الجُرم ما استحق به هذا الصنيع بجثته، وأنه لو كان له مالٌ لدفع إلى صاحب الحق دون شق بطنه، وأنه لو ابتلع مال نفسه لم يجز شق بطنه
(3)
.
وليس يسلم للمعترض أنه لا يُشق بطنُه لاستخراج مالٍ له ابتلعه أو لغيرِه إن كانت تركتُه تفي به، فهذا محل خلاف كما تقدم، بل قال ابن قُدامة رحمه الله: «وإن بلع الميت مالًا لم يَخْل من أن يكون له أو لغيره: فإن كان له لم يشق بطنه، لأنه استهلكه في
(1)
الحنفية والشافعية والظَّاهِرِيّة، ووجه عند المالكية والحنابلة. انظر «بَدَائع الصَّنَائع» للكَاسَانِيّ (5/ 130)، «المَجْمُوع» للنَّوَوِيّ (5/ 264)، «المُحَلَّى» لابن حَزْم (5/ 166)، «حَاشِيَة الدُّسُوقِيّ» (1/ 429)، «الإنْصَاف» للمِرداوِيِّ (2/ 556)، «المَوْسُوعَة الفِقْهِيَّة» (16/ 10).
(2)
شق البطن لاستخراج المال هو قول الحنفية إن كان المال لغيره ولم تف به تركته «شرح فَتْح القَدِير» لابن الهُمَام (2/ 142)؛ والمالكية في مال نفسه وغيره إن بلغ نصابًا «حَاشِيَة الدُّسُوقِيّ» (1/ 429)؛ والشافعية «مُغْنِي المُحْتاج» للشِّرْبِينِيِّ (1/ 366)، ذكر الخلاف عندهم في اشتراط عدم وفاء التركة بحق المغصوب. والحنابلة في وجه عندهم عند كثرة المال وإن كان ماله أو عند غصبه له «المُغْنِي» لابن قُدامة (2/ 216). والظَّاهِرِيّة بإطلاق في ماله ومال غيره للنهي عن إضاعة المال، «المُحَلَّى» لابن حَزْم (5/ 166).
(3)
تشريح جثة الميت. فتوى برقم 2694. تراث الفَتَاوَى [شبكة] /المؤلف عبد المجيد سليم//دار الإفتاء المصرية. -15، 2007.